أتر

الصّالحة: مجزرة دامية على رؤوس الأشهاد

عندما بسط الجيش سيطرته على أجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، خلال شهري مارس وأبريل الماضيَيْن، وعبَرت قوّات الدعم السريع جسر خزّان جبل أولياء، فارّةً بكامل عتادها نحو الضفّة الغربية للنيل؛ لم يَتوقّع سكّان وحدة صالحة الإدارية التابعة لمحلية أم درمان وسكّان الريف الجنوبي للمدينة، أنّ الأحياء والقرى المُمتدَّة على الأرض الشاسعة، حتى حدود ولاية النيل الأبيض، سوف تكون مسرحاً لانتهاكات لم تشهد لها مثيلاً من قبل.

لاحقاً، تأكَّدَ أن النوايا الحَسنة لأولئك السكّان، لم تكن كافيةً لتُجنِّبَهم انتهاكات القوّات المُنسحبة بالهزيمة من الخرطوم، إذ إنه في اليوم الأوّل لعبورها الجسر الذي تحوّل إلى اتجاهٍ واحدٍ نحو الغرب، بدأ الموت يحصد الأرواح. ووفقاً لإحصائيةٍ غير رسميّةٍ حصل عليها مراسل «أتَـر»، لقِيَ 23 مواطناً مصرعَهم برصاص الدعم السريع في عدّة قرى، منها أبو حليف وإيد الحدّ والعيساوية بالريف الجنوبي لأم درمان. وقُتل 12 مواطناً بعد 72 ساعة من المجزرة الأولى في مطلع أبريل الماضي؛ بعضُهم من قرية السّمرة حاج الطاهر.

بثّت عناصر الدعم السريع مقاطع مُصوَّرة لاقتيادها مجموعة من الأشخاص بالزي المدني، وبعضهم نصف عراة، وسط هياج وصيحات صاخبة، وأجلسوهم متكدّسين، ومن ثم أُفرغَ الرصاص على أجسادهم بزعم أنهم متخابرون ويتبعون لكتائب تقاتل إلى جانب الجيش

ومنذ ذلك الوقت توالت عمليات قتل المواطنين في صالحة والريف الجنوبي، دون أن يجدَ السكّان تفسيراً لما تَقترفه قوات الدعم السريع، التي بدَتْ أشدَّ عدوانيةً تجاه سكّان المنطقة الخاضعة لسيطرتها منذ الأيام الأولى للحرب.

وفي رابعة نهار الأحد الماضي 27 أبريل، لقي عشرات الأشخاص مصرعَهم في عملية إعدامٍ جماعية موثَّقة عبر مقاطع ڤيديو على وسائط التواصل الاجتماعي، بمنطقة صالحة جنوب أمدرمان؛ ووفقاً لإفادة بيان من وزارة الثقافة الإعلام، فإنّ عددهم 31 مدنياً، لكن بحسب مصدر بالدعم السريع تحدث لمراسل «أتر»، فإنّ عددهم 13 فرداً، يَنتمون إلى استخبارات الجيش. وفقا لما قال. وبثّت عناصر الدعم السريع مقاطع مُصوَّرة لاقتيادها مجموعة من الأشخاص بالزي المدني، وبعضهم نصف عراة، وسط هياج وصيحات صاخبة، وأجلسوهم متكدّسين، ومن ثم أُفرغَ الرصاص على أجسادهم بزعم أنهم متخابرون ويتبعون لكتائب تقاتل إلى جانب الجيش، تسلّلوا من محور المُهندسين. لكنَّ شهودَ عيان وذوي قتلى، أكّدوا أن الضحايا مدنيُّون عُزّل اعتُقلوا من منازلهم في المنطقة، وقُتِلُوا على الفور في الطريق العام على رؤوس الأشهاد.

وقالت لجان مقاومة صالحة، إنّ قوات الدعم السريع منعت ذوي الضحايا من دفن موتاهم أو الاقتراب من جثامينهم التي مكثت ملقاةً أمام مكتب الكهرباء بالمنطقة لأكثر من يومين. وأشارت في بيان تلقّته «أتَـر» إلى أنّ عناصر الدعم السريع، مَنَعَتْ السكّان من مغادرة المنطقة عبر الطريق الوحيد المُؤدّي إلى قرية «جادين» المُتاخمة للصّالحة. وطالب البيان القوات المُسلَّحة بالتحرُّك العاجل لإنقاذ المدنيين، وتأمين وصول المساعدات الطبية والإنسانية، ورفع الحصار عن الصّالحة قبل أن تتحوّل إلى مقبرة جماعية.

وأدانت العديد من الجهات من بينها «محامو الطوارئ» ارتكاب الدعم السريع «مجزرة الصالحة» وتصفية 31 شخصاً بينهم أطفال قصّر. وطالبت الجهات المجتمع الدولي بالتحرّك العاجل لإنقاذ ما تبقى من المدنيين العُزَّل، وفتح مسارات آمنة تَضمن خروجَهم من منطقة الصالحة، والضغط على قادة الدعم السريع لإيقاف الجرائم والانتهاكات ضد المدنيِّين تحت سيطرتها وحفظ أرواحهم.

يُواجه سكّان الصالحة حصاراً كاملاً، وتعجزُ الأسَرُ التي تعيش فيها عن شراء احتياجاتها الأساسية، وسط انقطاع تامٍّ للمياه والخدمات، وتفشّي وباء الكوليرا بين المواطنين؛ وانعدام الأدوية والرعاية الصحّية، وتفاقُم معاناة المُصابين بالأمراض المزمنة، واحتلال الدعم السريع لجميع المرافق الصحية وتحويلها إلى مستشفيات عسكرية لعلاج جرحاها

وحاولت الدعم السريع التنصُّل من الجرائم التي حدثت أخيراً في صالحة، ونفت مسؤوليّتها عن تصفية عشرات المدنيين في مدينة أم درمان، وقالت إنها تابعت بقلقٍ بالغٍ تداولَ مقاطع مصوّرة تُظهر «جثامين مكدّسة بطريقة مُهينة للكرامة الإنسانية وتتعارض كلياً مع المبادئ والقيم التي تؤمن بها قواتنا». وأضافت في بيان، أنّ العناصر التي ظهرت في هذه المقاطع «لا تتبع لها بأيّ وجه من الوجوه»، وأنّ المنطقة التي وقعت فيها هذه الأحداث، تُعدّ منطقة تداخل عملياتي بين قواتها والقوات المسلحة!

لكن قائداً ميدانياً يُدْعَى جار النبي عبد الله ولقبه «الأسطورة»، جدَّد ظهوره في مقطع مصوَّر يوم الاثنين 28 أبريل، أكَّد فيه انتماءه إلى الدعم السريع، وأنه يُقاتل في صفوفها منذ تسع سنوات، وأنه قائد قطاع عمليات جنوب المهندسين حتى كوبري الدُّباسين، ولأنه هو من أصدر الأوامر بتصفية الضحايا انتقاماً لما حدث لجنود الدعم السريع في الجزيرة والخرطوم.

ويُواجه سكّان الصالحة حصاراً كاملاً، وتعجزُ الأسَرُ التي تعيش فيها عن شراء احتياجاتها الأساسية، وسط انقطاع تامٍّ للمياه والخدمات، وتفشّي وباء الكوليرا بين المواطنين؛ وانعدام الأدوية والرعاية الصحّية، وتفاقُم معاناة المُصابين بالأمراض المزمنة، واحتلال الدعم السريع لجميع المرافق الصحية وتحويلها إلى مستشفيات عسكرية لعلاج جرحاها، ومنع السكّان من ارتيادها وحرمانهم من الحقّ الأساسي في تلقّي الرعاية الصحية.

وبحسب لجان مقاومة صالحة المركزية، في نشرة لها، الخميس 10 أبريل، فإنّ الدعم السريع قد ارتكبت انتهاكات جسيمة طالت المدنيين العُزل الذين عجزوا عن الهروب من ويلات الحرب إلى المناطق الآمنة، بتقييد حركتهم وفَرْض حصار داخل المنازل، واعتقال رهائن نظير فدىً ضخمة. وقالت إنّ الدعم السريع «فور دخولها إلى المنطقة نهبت المحال التجارية والأسواق وأجهزة الاتصال، الأمر الذي تسبّب في ندرة المواد الغذائية وعزلة تثير الذعر يتعذّر معها رصد جميع الانتهاكات وتوثيقها».

 وفي تصريح لـ «أتَـر»، قال مدير عام وزارة الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم المكلّف بمهام الوزير، الطيب سعد الدين، إنّ عدد القتلى في وحدة الصّالحة الإدارية وقرى الجمّوعية، منذ عبور الدعم السريع من الخرطوم إلى الريف الجنوبي، بلغ 250 قتيلاً، ومنهم ضحايا مجزرة الإعدام الجماعي الأخيرة. وأكّد الطيب أنّ السّلطات تعمل على رصدٍ دقيقٍ لأعداد الضحايا الذين قتلتهم الدعم السريع بدم بارد في المنطقة وجميعهم من المدنيّين.

 ويقول ضابط رفيع بالشرطة، إنّ ما جرى في صالحة والريف الجنوبي منذ وصول طلائع الدعم السريع الفارّة من الخرطوم، يُفيد بتحوُّلٍ واسعٍ في العلاقة بين السكان والدعم السريع. تؤكّد ذلك إفادة امرأة تُقيم في الفتيحاب بالقرب من جامعة أم درمان الإسلامية، بأنها اضطرّت إلى النزوح إلى محلية كرري شمال أم درمان بعد زيادة انتهاكات مجموعات الدعم السريع التي قدمت مهزومةً من الخرطوم. وقالت المرأة التي طلبت الإشارة لها باسم الأول فقط «سلوى»، إنها كانت تقيم في منزلها منذ بداية الحرب مع ثلاثة من أفراد أسرتها، ورغم سيطرة الدعم السريع على المنطقة، لكنها لم تتعرّض أسرتها لأي مضايقات مثلما حدث مؤخراً.

أصبحت الدعم السريع ترتكب الانتهاكات على نحو واسع ضدّ السكان، من أجل تشريدهم وسرقة ممتلكاتهم، وهو ما حدث في بعض قرى الجمّوعية ومنطقة صالحة بأم درمان التي تعرّضت لحالات سرقات ونهب كبيرة على يد أفراد الدعم السريع الذين أصبحوا يتحجّجون بمطاردة المسلّحين والأفراد المنتمين للاستخبارات والأمن والكتائب الإسلامية لإخلاء القرى من السكّان من أجل سرقة مُمتلكات المدنيّين.

وأرجَعَ بعض السكّان الذين تحدّثوا لـ «أتَـر»، حدوثَ انتهاكات واسعة في المنطقة إلى قدوم قوات جديدة من مناطق كردفان ودارفور وبعض القوات الفارَّة من الخرطوم، وجميعها لم تكن لها علاقة سابقة بالسكّان، ولذلك تعامل معهم أفراد الدعم السريع باعتبارهم مُهدِّداً مُحتمَلاً وشنّوا عليهم حملات تأديبية مبكّرة لسلبهم القوة والعزيمة على المقاومة.

ويقول أحد سكّان القيعة التابعة لوحدة صالحة الإدارية، لمراسل «أتر»، إنّ ما بين القتلى ثلاثة من معارفه، وهم مجاهد إسماعيل البلّة، وآدم النوراني، وآدم السرّاج، مؤكّداً ألّا علاقة لهم بالقوات النظامية أو المستنفَرين ولا كتائب الإسلاميين.

تلك الأحداث ليست عرضيّة، إنما هي مُرتَّبة ومُتعمَّدة، بحسب ثلاثة أشخاص من سكان المنطقة لـ «أتَـر» – طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لدواعٍ أمنية – إذ إنّ القوات المنسحبة من الخرطوم بدأت بقتل الناس على نحو عشوائي منذ اللحظة الأولى لعبورها جسر خزان جبل أولياء. وبحسب المصادر، كان إطلاق الرصاص عشوائياً، فقد قُتل شخصٌ كان يقود عربة  كارّو يجرّها حمار، وقُتل آخر كان يعمل في بقالة بأحد الأحياء في قرى الجموعية.

آخرون من السكّان قالوا لـ «أتَـر»، إنّ الدعم السريع أصبحت ترتكب الانتهاكات على نحو واسع ضدّ السكان، من أجل تشريدهم وسرقة ممتلكاتهم، وهو ما حدث في بعض قرى الجمّوعية ومنطقة صالحة بأم درمان التي تعرّضت لحالات سرقات ونهب كبيرة على يد أفراد الدعم السريع الذين أصبحوا يتحجّجون بمطاردة المسلّحين والأفراد المنتمين للاستخبارات والأمن والكتائب الإسلامية لإخلاء القرى من السكّان من أجل سرقة مُمتلكات المدنيّين.

وتبدأ سيطرة الدعم السريع من منطقة البنك العقاري الواقعة جنوب غرب سلاح المهندسين بأم درمان، مروراً ببعض أحياء الفتيحاب وأبو سعد وصالحة والمويلح وقرى الجموعية. ووفقاً لمصادر عسكرية من الجيش، فإنّ سيطرة الدعم السريع تمتدُّ جنوباً إلى ولاية النيل الأبيض من الناحية الشمالية والغربية لمدينة الدويم، وهي تسيطر حالياً على وحدة الشيخ الصدّيق الإدارية التابعة لمحلية القِطينة وعلى محلية أم رِمْتَة الواقعة غرب الدويم وعلى عدة قرى منها قرية الهلبة التي تبعد 45 كيلومتراً غرب الدويم.

ووفقاً لأكثر من مصدر، يَنتمي بعضُهم إلى الدعم السريع، لا تملك قوات الدعم السريع تبريراً منطقياً لما ارتكبه أفرادها من انتهاكات في الريف الجنوبي لأم درمان. ووفقاً لمصدر من الدعم السريع، فإنّ الانتهاكات يرتكبها أفرادٌ يَنتمون إلى الدعم السريع، لكنه سمّاهم «مُتفلِّتين» يَفتعلون الصراع مع سكّان القرى لعدة أسباب، منهم من يريد السرقة والنهب وآخرون لديهم دوافع عنصرية، وبعضهم يُريد الانتقام لمقتل أفراد بعينهم من الدعم السريع، بينما يقول عدد من سكان الريف الجنوبي لـ «أتَـر»، إنّ الدعم السريع تجتاح القرى وتُهدِّد حياة الناس وتقتل بعضهم من أجل السرقة والنهب فقط وليست لديها أي أسباب أخرى.

Scroll to Top