
* لجأت المدافعة الحقوقية رشيدة آدم أحمد إلى معسكرات اللجوء بشرق تشاد بعد الأحداث التي شهدتها مدينة الجنينة إثر حرب الخامس عشر من أبريل 2023. كانت رشيدة، البالغة من العمر 26 عاماً تسكن بحي التضامن، واعتادت منذ صغرها على الذهاب إلى جبل الأمير. أثناء إجراء المقابلات لكتابة هذه القصة اضطررنا إلى التوقّف عدة مرات بسبب الذكريات التي تحضر إلى ذهنها.
وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من هذه القصة مبنيّ على حوار مُتخيَّل بينها والشاعر محمد مفتاح الفيتوري، ابن مدينة الجنينة، إلا أنه يجب القول إنّ مادة القصة نفسها، من أماكن وألوان وأشخاص وأشجار وما إلى ذلك، والتي يأتي ذكرها في سياق «جبل الأمير» ومدينة الجنينة بعامة. جميع هذه المواد هي ذكريات «رشيدة» عن المكان استخلصناها من المقابلات حصراً.
إلى رشيدة،
إلى جميع اللاجئات واللاجئين،
إلى ضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العِرْقي منذ 2003،
إلى ضحايا مدينة الجنينة،
وإلى الفيتوري أخيراً وأبداً.
الوقت: 08:10 صباحاً.
على الرغم من أنّ الوقت لا يزال مبكراً، كانت شاشة هاتف رشيدة، طراز (30) Moto، تُظهر متّصلاً مجهولاً على WhatsApp. قالت رشيدة في نفسها: حسناً ربما تحمل أخباراً تبعث على الأمل، ووضعَت المتصل على مكبّر الصوت:
رشيدة: مرحباً.
المتصل: أهلاً، أنا محمد مفتاح الفيتوري، وجدتُ هذا الرقم مكتوباً على صخرة في جبل الأمير.
على نحو آليّ، قال المتصل تلك الجمل بصوت إذاعي كلاسيكيّ.
تفحّصت رشيدة شاشة الهاتف من جديد، الرقم الذي يتّصل منه مسبوق بمفتاح دولة المغرب. نظرت ثانيةً إلى الوقت: 08:12، بطارية الهاتف: 33%. هتف المتصل بصوته الإذاعي: ألو.
رشيدة: هل أنت الآن في جبل الأمير؟

الأماكن والمؤسّسات المهمّة في جبل الأمير
المتصل: نعم، لكن ثمّة أمرٌ خاطئ، لماذا توجد الإذاعة في جبل الأمير وليس في أردَمتا؟ ولماذا تُظلِّل الأدخنة المدينة؟ كنتُ أذكر حي الثورة، وحي الزهور، لكني لست واثقاً الآن أنني أعرف أي شيء، أين أنتِ؟
بعد صمتٍ قصير، تقول رشيدة: أنتَ القائل:
«فوق الأفق الغربيّ سحابٌ أحمرُ، لم يُمطِر،
والشَّمسُ هنالك مسجونة؟».
المتّصل: نعم، أليس هناك مَعْلم باسم الفيتوري يمكن النظر إليه من جبل الأمير؟
تقول رشيدة بعد أن تفكّر قليلاً: نعم، هناك موقف مواصلات يمكنك النظر إليه من هناك، هل ما زلت في المكان الذي عثرتَ فيه على رقم الهاتف؟
الفيتوري: موقف مواصلات يحمل اسم الفيتوري؟ هذا يناسبني على ما أعتقد، لقد جاء أبي قاطعاً الصحراء الكبرى من ليبيا، وولدتُ في هذه المدينة، ثم سافرتُ للدراسة في الإسكندرية، وقضيتُ عمري أتنقّل، بين السودان وليبيا ومصر ولبنان وأوروبا، ثم توفيتُ على شواطئ المحيط الأطلسي في المغرب. موقف مواصلات باسم الفيتوري شاهدة معبرة تماماً على ما أعتقد.
رشيدة: ماذا تفعل في جبل الأمير في هذا الوقت؟

محطة الفيتوري من جبل الأمير
الفيتوري: ألا يوافق اليوم التاسع من نوفمبر 2024؟
تسحب رشيدة ستارة الشاشة لمعرفة التاريخ، 17.Nov.24، وتقول بنبرة مستفسرة: بلى!
الفيتوري: حسناً، يصادف اليوم الذكرى الـ 114 لمعركة دروتي، ويفترض أن يكون هناك تمثيل لمشاهد هذه المعركة هنا في جبل الأمير تخليداً لهذه الملحمة. الأمر المثير للاهتمام حقّاً هو أنّ المشاهد التي سيقوم الممثلون بأدائها مأخوذة من قصيدتي، الآن أنتِ مدينةٌ لي بتفسير لما يجري هنا.

قصر السلطان تاج الدين في جبل الأمير ـ الجنينة
رشيدة: إن كنتَ لا تزال واقفاً في عند الصخرة التي عثرتَ على رقم هاتفي مدوّناً عليها، يمكنك إذن رؤية حي الثورة إلى اليمين قليلاً، ويمكنك أيضاً رؤية حي الزهور إلى الشمال، وكذلك حي الكفاح، وجامع العرَديبة، ومجمع السلطان بحر الدين الطبي، كما يمكنك رؤية الجامع العتيق، وبالقرب منه حي التضامن، هناك يقع منزلنا. أنا الآن في معسكر لجوء في شرق تشاد. كنتُ أجلس كثيراً عند تلك الصخور البنّيّة التي عثرتَ فيها على رقم هاتفي، ويفترض أن تكون هناك أشجار «مخيط» مُتناثرة. إلى الأعلى قليلاً توجد مساطب، تمتلئ عادةً عند حلول الساعة 04:00 عصراً بالأُسر والأطفال والشباب وكثير من السيّاح الذين يلتقطون الصور التذكارية مع مشهد مدينة الجنينة عند غروب الشمس. أذكُر أنني شاهدتُ إعادة تمثيل مشاهد معركة دروتي مرة في تلك المساطب. كانت تخطر لي أفكار جميلة عندما أجلس في مكاني المفضّل في جبل الأمير وأتأمّل المدينة، لا أذكر لأيّ غرض دوّنتُ رقم هاتفي هناك، لكني أفتقد جبل الأمير كثيراً، أفتقد رؤية وادي كجا ينعطف ممتلئاً بمياه الخريف، وإلى الشرق منه تمتدّ الجناين الخضراء التي سُمّيت عليها المدينة. كان ذلك مبعثاً للراحة ومكاناً مثالياً لمذاكرة الدروس. لكن لطالما قلت يوماً يا فيتوري:
«وتحَدَّرَ من خلف الوديان المحجوبة
عَلَمٌ قانٍ.. ومدافع سبع منصوبة
وحرائق،
وضجيج شياطين».
.. هل تستطيع أن تصف لي كيف تبدو المدينة في هذه الساعة؟ إنها 08:22، لا يزال الوقت باكراً، هل هناك أحد في جبل الأمير في هذه الساعة؟

توضح الخريطة حركة النزوح من النقطة الحمراءـ الأحياء الجنوبية والجنوبية الغربية من المدينة الأكثر استهدافاً إلى النقطة الخضراء أقصى شمال شرق المدينة
الفيتوري: هل ذكرتِ أنك شاهدتِ عرضاً لمعركة دروتي؟
رشيدة: نعم، قبل لجوئي إلى تشاد بعدّة أشهر.
الفيتوري: هل تستطيعين تذكّر بعض الأشياء، مثل مشهد السلطان وفرسانه مثلاً، ومشهد الجنود الفرنسيين، هل تذكرين؟
رشيدة: بالتأكيد.
الفيتوري: وتذكرين خريطة جبل الأمير بحيث يمكنك الخروج من القصر والتوجّه غرباً من أمام المجلس التشريعي والنزول جنوباً إلى وادي كجا، ثم تتبّع الوادي شرقاً، ومن ثم أخذ طريق إلى موقع المساطب بحيث تمرّين بالقرب من قصر الضيافة، أليس كذلك؟
رشيدة: أنا أذكر كل شيء في جبل الأمير.
الفيتوري: إليكِ ما سنفعله، ستسردين أنتِ المشاهد التي تذكرينها من تمثيل معركة دروتي، وأنا سأعيد إخراجها من أجلك.
رشيدة: يبدو هذا ممتعاً، موافقة.
الفيتوري: ماذا تذكرين إذن؟
رشيدة: أذكر مشاهد السلطان وجنوده، يحملون الحراب والسّفَارِيك، يرتدون أزياء الأنصار الخضراء والمزركشة، كانت النساء يرتدين فساتين تقليدية تضجّ بالألوان، ويغنّين ويطلقن الزغاريد ويُسعفن الجرحى خلال المعركة، وكان هناك الجنود الفرنسيون.
الفيتوري: هذا يكفي تماماً، سأطلب منك قراءة القصيدة بينما أسرد أنا القصة.

معركة كريندينق (كريندينق تعني شجرة الجميزة الكبيرة بلغة المساليت) الأولى بين جيش المساليت وجيش الاستعمار الفرنسي، في 4 يناير 1910، التي انتهت بانتصار ساحق للمساليت بقيادة السلطان تاج الدين، سلطان داراندوكا، ومقتل قائد الجيش الفرنسي هنري مول.
رشيدة: حسناً، إليك أبيات المشهد الأول:
«فوق الأفق الغربيّ سحابٌ أحمرُ، لم يُمطِر،
والشَّمسُ هنالك مسجونة
تتنَزّى شوقاً منذ سنين
والرِّيحُ تدور كطاحونة
حول خيامك يا تاج الدين
***
يا فارس
سَرْجُ جوادِك ليس يُلامِسُ ظَهرَ الأرض
وحسامُك مثل البيرق يخترقُ الظلمات
يا فارس
مثل الصّقر إذا ما انقضّ
بيتُك عالي الشرفات
نارُك لا تخبو.. لا تَسْوَدّ
وجارُك موفور العرض
يا فارس».
الفيتوري: تكشِف ستارة المسرح عن جبل الأمير، وتظهر بوّابة قصر السلطان، يقف فارسان يحملان حربتين طويلتين ويرتديان زي الأنصار على جانبي باب القصر. تبدأ أصوات الطبول بالصّعود من داخل القصر.

نوفمبر 1910، الجيش الفرنسي يتحرك من أبشي، عاصمة سلطنة ودّاي المحتلة، ويعسكر بقرية قيلاني، غرب مدينة الجنينة (تقع داخل الأراضي التشادية حالياً).
رشيدة تقرأ:
«حتّى ماتْ
كانَ السُّلطانُ يقودُ طلائعَنا
نحو الكفّار
وكان هنالك بحر الدين
وأشار إلينا تاج الدين
وأطلّ بعينيه كالحالم..
في قلب السّهل الممتدّ
ثم تنهَّد:
الحربُ الملعونة
يا ويلَ الحربِ الملعونة
أكلَتْ حتى الشوِك المُسْوَدّ
لم تُبقِ جداراً لم يَنهَد.
ومضى السّلطانُ يقول لنا
ولبحر الدين:
ـ هذا زمنُ الشدّة يا إخواني
هذا زمنُ الأحزان
سيموتُ كثيرٌ منا
وستشهد هذي الوديان
حزناً لم تشهده من قبل ولا من بعد».
الفيتوري: تبدأ أصوات الطبول في الخفوت، يفتح الفارسان باب القصر، يَخرج السّلطان تاج الدين على فرس ضخم، وحَرْبتُه الطويلة في يده اليمنى. يتبعه جنود في ثلاثة أعمدة، فرسان، رماة الرّمح، جنود يحملون السفاريك. وكانت النساء يُحطن بموكب السلطان تاج الدين، يُنشدن الأغاني ويُلهبن حماس الجنود بالزغاريد. يتوقّف فرس السلطان أمام ساحة القصر، يُلقي نظرةً يمسح بها الأفق الممتدّ أمامه من أعلى الجبل، حقول ووديان وقرى. ثم يتحرّك السلطان ويتبعه الجنود.

نوفمبر 1910، السّلطان تاج الدين يتحرّك بجيشه من دروتي لملاقاة جيش الاستعمار الفرنسي المتوغّل في دار مساليت، ويعسكر السّلطان وجيشه في وادي تانمي، جنوب مدينة الجنينة
رشيدة تقرأ:
«وترَجَّلَ تاج الدين
جبلٌ يترجّل مَزهوّاً من فوق جبل
وتَرجَّلَ بحر الدين
وحواليه عشرة آلاف رجل
سجدوا فوق رمال «دروتي» والله معه
وأطلّت كلّ عيون الطير المندفعة
في هجرتها من أقصى الغرب لتاج الدين
فعلى أفق الوادي الغائم
تمتدّ رؤوسٌ وعمائم
وبيارق يشبهن حمائم
.. ثم ارتجفَتْ أفواجُ الطير
وراء السّحب المرتفعة».
الفيتوري: يتوجّه السلطان بجيشه غرباً عبر المجلس التشريعي ثم يعرج جنوباً، وينزل إلى وادي كجا عند نقطة حجر توكي، وهناك يؤمّهم للصلاة، حيث تُشكِّل عمائم الجنود المُصَلّين وراياتهم المرفرفة صورةً للتماسك والإصرار.

نوفمبر 1910، جيش الاستعمار الفرنسي يواصل توغّله ويصل قرية تباريك، شرق مدينة الجنينة، حيث قتل ثلاثة مواطنين قبل أن يواصل تقدّمه شرقاً
نوفمبر 1910، جيش الاستعمار الفرنسي يصل إلى دروتي ويفرض حصاراً على النساء والأطفال وكبار السن، حيث خرج كلّ من يقدر على حمل السلاح مع جيش السلطان تاج الدين. يعتقل جيش الاستعمار الفرنسي شخصاً يُدعى قندول

حوالي 7 نوفمبر 1910، السلطان تاج الدين يقفل عائداً إلى دروتي، يبيت ليلةً في جبل كركري شرق مدينة الجنينة، وفي صبيحة اليوم الثاني يُلقي خطبته المشهورة: (أيها الناس! الجنة جانا بالبيت، المجاهد في سبيل الله يمضي معنا، والذي لا يرغب في الجهاد فليرجع)، ثم يواصل الزحف نحو دروتي
رشيدة تقرأ:
«تحت الرايةِ غرقَتْ رأسُ القائد في الدّم
أرخى عينيه في رعب..
ثم استسلم
سَلِمَت كفُّك يا تاج الدين
فاقضِ على أحلام الباقين
صاروا بعد القائد
قطعانَ غنم
طارِدْهم بجنودك
عبر الفلوات
عبر دروتي عبر الأكَمَات
قتلاك من الأعداء قد ملأوا الساحات
والقائدُ مُلقىً في الطرقات
سَلِمَت كفُّك يا تاج الدين».
الفيتوري: يتقدّم السلطان عبر الوادي شرقاً، ثم يعود صاعداً جبل الأمير، ويتقدّم عبر ورشة قرشي للأثاث ومن ثم قصر الضيافة، يظهر قائد الفرنسيين بالقرب من المساطب، يصدر التوجيهات لجنوده بإطلاق نيران المدافع على جيش السلطان. وتدور معركة دروتي بالقرب من المساطب؛ أعلى المكان الذي تجلسين فيه. يستبسل جيش السلطان ويُلحِق هزيمة بالفرنسيين، ويتمكّن السلطان تاج الدين من تسديد طعنة قاضية إلى صدر قائد الفرنسيين ويصرعه.

– صبيحة 9 نوفمبر 1910، وصول جيش السّلطان إلى دروتي والالتحام مع جيش المستعمر الفرنسي.
– الساعة التاسعة مساء ينهار جيش الاستعمار ويقضي المساليت على الكولونيل هنري مول.
– مع منتصف الليل تقريباً يُصاب السلطان تاج الدين برصاص قنّاص بينما كان يتفقّد الجرحى، ويموت شهيداً.
رشيدة تقرأ:
لكنَّ الشّمسَ المسجونة
والرّيح الحبلى الملعونة
ما زالت مثل الطاحونة
تجري.. تجري حول خيامك
تجرى من خلفك وأمامك
ـ يا تاج الدين
ـ يا تاج الدين
ما زال عِدَاتُك مختبئين
أيديهم راعشة.. ورصاص بنادقهم
يتزاحم في بطء نحو جبينك
يا فارسُ خُذ حذرَك
من طعنات طعينك
يا فارسُ خُذ حذرَك
يا فارسُ خُذ حذرَك
ليتك لا تتحرّك
فبنادقُهم لا زالت راكضة في إثرك
أتُرى تثقب رأسك
أتُرى تثقب صدرك
يا فارسُ خُذ حذرك
ليتك لا تتحرّك
.. وتحرَّكَ تاج الدين
كانت عيناهُ حينئذٍ
تقفان على جرحاه
والرايةُ في عينيه
قد لطّخها الدّم
وأتت ريحُ خريف
تتراكض خلف خطاه
وتجهَّمَ وجهُ «دروتي» بالسُّحب وأظلم
وأتت بضعُ رصاصات
خجِلات مضطربات
أقبَلن من الظلمات
فرأينا تاج الدين
يبدو وكأنْ قد مات
يا تاج الدينِ سَلِمْت
مَزِّقْ أستارَ الصّمت
عُدْ من وديان الموت
أو تذهب حتى أنت
وتساقَطَ تاج الدين
لم يَقْوَ الفارسُ أن يرجع
لبكاء الشّعب عليه
فرصاصاتٌ خمسٌ صدئات
تسكن في عينيه
لكنْ أحداً لم يَرَ رايته
تسقط من كفّيه.
الفيتوري: تصعد أصوات طبول وهتافات النصر، وزغاريد النساء. لكنّ المعركة لم تُحسَم بعد. يعاود الفرنسيّون ترتيب صفوفهم، وتعود أصوات المدافع والرصاص، ويُسمَع صهيل فرس السلطان. فجأةً، يسود هرجٌ، ويبدأ الفرسان بالإحاطة بفرس السلطان، وينسحبون من المساطب إلى داخل قصر السلطان، ويُخيّم صمت.

10 نوفمبر، السّلطان بحر الدين يتسلّم الراية ويُطارد فلول جيش الاستعمار الفرنسي، استطاع اللحاق بإحدى المجموعات التي حاولت العودة إلى أبشي من الناحية الغربية وأوقع بهم هزيمة ثالثة، بينما تمكّنت فلول الجنود التي اتجهت شمالاً من الهروب من جيش المساليت والعودة إلى أبشي.

1919، توقيع اتفاق قيلاني المصيري بين سلطنة المساليت وبريطانيا وفرنسا الاستعماريتين.
الفيتوري: لقد انتهينا، ما رأيك؟
رشيدة: صمت.
الفيتوري: حسناً يا صديقتي، ما اسمكِ بالمناسبة؟
– رشيدة.
الفيتوري: يبدو أنكِ تفتقدين هذا المكان كثيراً يا رشيدة، كما يبدو أنه سيكون صعباً عليكِ إخباري بما حدث هنا، جئتُ لحضور المسرحية وانتهى بي المطاف إلى إخراجها. كنتُ أرغب في استقلال سيارة من موقف الفيتوري، لكني لستُ جسداً على أية حال. سأترك لكِ مقطعاً مصوّراً، أرجو نشره على الإنترنت، كُوني بخير.
تمسح رشيدة دموعها بينما يرنّ صوت رسالة على whatsApp، فتحت رشيدة مقطعاً مصوّراً أرسله رقم غير مدرج في جهات اتصال هاتفها، كان الفيتوري يقرأ:
لا تحفروا لي قبراً
سأرقدُ في كُلِّ شبر من الأرض
أرقد كالماء في جسد «كاجا»
أرقدُ كالشمس في حقول «كريندينق» و «دروتي»
مثلي أنا ليس يسكن قبراً.
***
لا تحفروا لي قبراً
سأصعد مشنقتي
وأغسل بالدّم رأسي
وأقطع كفّي وأطبعها نجمةً فوق واجهة العصر.
كانت ساعة هاتف رشيدة، طراز (30)Moto، تشير إلى: 08:30، وبطارية الهاتف: 16%، لذا كان عليها أن تنهض.
أيام الهول تلك:
التاريخ | الحدث |
---|---|
16 أبريل 2023 | مقتل المواطن زكريا (من مجموعة المساليت) وارتفاع التوتّر، إغلاق سوق مدينة الجنينة وتشديد حظر التجوال. |
24 أبريل | حوالي الساعة 7:40 صباحاً، بداية المعارك داخل مدينة الجنينة في الاتجاه الجنوبي والغربي، خاصةً حي الجمارك. |
27 أبريل | هجوم على المدنيين في الأحياء الجنوبية وسقوط حوالي 70 مدنياً. |
11 مايو | عودة الهجمات بعد هدوء نسبيّ. |
14 مايو | القوات المسلّحة تبدأ عمليات تدوين لأول مرة منذ بداية الحرب. |
19 مايو | قطع شبكة الإنترنت بالكامل عن مدينة الجنينة. |
7 يونيو | بداية هجوم عنيف وواسع على الأحياء الجنوبية للمدينة، خاصة أحياء الزهور والثورة، واستمر حتى 10 يونيو. |
14 يونيو | قوات الدعم السريع تأسر الوالي خميس أبكر وتُصَفّيه. |
15 يونيو | أمّ المجازر: المليشيات المتحالفة مع الدعم السريع تنفّذ عمليات قتل واعتداءات جنسية جماعية وتعذيب بحق نازحي مراكز الإيواء، خاصة من المساليت، ما أدى إلى موجة فرار جماعي نحو أردمَتا. |
19 يونيو | رشيدة تبدأ رحلة الفرار من مدينة الجنينة، وتصل إلى شرق تشاد بعد ثلاثة أيام سيراً على الأقدام. |