
نهار اليوم، الخميس، الأول من مايو، أعلنت قوات الدعم السريع استيلاءها على مدينة النهود حاضرة ولاية غرب كردفان، وقد زحفت إليها القوة التي كانت يُفترض أن تذهب إلى مدينة الدبة وفقاً لما كان متداولاً على نطاق واسع.
وبحسب شهود عيان بالنهود، حُجبت أسماؤهم حفاظاً على حياتهم، فإنّ قوات الدعم السريع انتشرت في أحياء المدينة، وأقامت بعض الارتكازات في السوق والشوارع الرئيسة؛ بينما نشرت ڤيديوهات من أمام رئاسة المحلية، وأمانة الحكومة، وبنك الخرطوم، وتوغَّلت داخلَ منزل الناظر عبد القادر منعم منصور، وأمانة الحكومة، وجميع المقار الحكومية، والأسواق، ومن ثم تقدّمت نحو اللواء 18 مشاة شرق المدينة، الذي لاذ إليه الجيش والكتائب القبلية المتحالفة معه، واستولت على مقرّه صباح الجمعة، لينسحب الجيش إلى الفرقة 22 بابنوسة.
وسيطَرَتْ الدعم السريع على جميع المقار الحكومية والمواقع التي كان يستخدمها الجيشُ ارتكازاتٍ متقدّمةً بجانب ارتكازات المسلّحين المحلّيين المستنفرَين تحت مختلف المُسمّيات، مثل جيش أبو جبّة و«اتحاد شباب حَمَر» وغيرهما، بحسب ما أخبر شهود عيان.
بدأ الهجوم منذ الخامسة صباحاً، بتدوين من قِبل المدفعية الثقيلة للدعم السريع من المحور الغربي للمدينة، ثم هجوم بالمُسيّرات والمشاة الملتفّين من الناحية الشرقية، قادمين من مدينة أبو زبد جنوب شرق النهود، ليندلع الاشتباك في اللواء 18؛ بينما تصدَّت القوات المدافعة في المحور الغربي للقوات المهاجمة من الجهة الغربية للمدينة، حتى وصلت قوات الدعم السريع من المحور الجنوبي الغربي عبر القشّارات وحي الثورة بقيادة علي رزق الله المعروف بـ «السافنا»، واستطاعت التوغّل إلى داخل المدينة.
عقب هجوم الدعم السريع، حاول مئات المُسلّحين القبَليين الدفاع عن المدينة، لكن محاولتهم لم تقوَ أمام قوة سلاح الدعم السريع التي تشير تقديرات سكّان محليين إلى أنها اقتحمت المدينة بمئات العربات المدجّجة، وآلاف الجنود الذين تخرّجوا حديثاً، ولم يشتركوا في القتال من قبل، يقودهم القائد الميداني بالدعم السريع السافنا، والمقدّم الفاتح قرشي، المتحدّث باسم الدعم السريع.
وتُعدّ النهود المدينة الوحيدة بولاية غرب كردفان التي ظلّت طوال عامين خارج سيطرة الدعم السريع، ونُقلت إليها عاصمة الولاية بعد سقوط مدينة الفولة في شهر يونيو من العام الماضي. وهي تضمّ آلاف النازحين من مناطق دارفور ومدن غرب كردفان، ومن العاصمة الخرطوم.
وعلى مدى أسبوع كامل، ظلَّت قوات الدعم السريع، تَحشد قواتها من مختلف المناطق للهجوم على المدينة، وعمَّتْ حالةٌ من الخوف والهلع والترقُّب سكّانَ المدينة. وطوال هذه الفترة، لم تتحرَّك اللجنة الأمنية خارج المدينة، لصدّ القوات المحاصِرة، بل انتظرت حتى صبيحة الأول من مايو. وتتكوّن اللجنة الأمنية في النهود من الجيش والقوات الأمنية والمستنفرين والكتائب القبَلية المُسانِدة.
وعقب هجوم الدعم السريع، حاول مئات المُسلّحين القبَليين الدفاع عن المدينة، لكن محاولتهم لم تقوَ أمام قوة سلاح الدعم السريع التي تشير تقديرات سكّان محليين إلى أنها اقتحمت المدينة بمئات العربات المدجّجة، وآلاف الجنود الذين تخرّجوا حديثاً، ولم يشتركوا في القتال من قبل، يقودهم القائد الميداني بالدعم السريع السافنا، والمقدّم الفاتح قرشي، المتحدّث باسم الدعم السريع، الذي ظهر في مقاطع ڤيديو متحدّثاً من أمام مقر أمانة الحكومة ورئاسة الشرطة.
وتعرّضت المدينة وفقاً لشهود عيان، لانتهاكات واسعة وعمليات نهب وسلب شملت المركبات والشاحنات والمحلات التجارية، واعتُقل مئات المسلّحين والأشخاص من أعيان المدينة. ويقول شاهد عيان بالمدينة لـ «أتَـر» إنّ ما يزيد عن 200 شاحنة مُحمَّلة بالبضائع جرى اقتيادها إلى جهات مجهولة، كذلك استولى مقاتلو الدعم السريع على المركبات الخاصة بالمواطنين. ويروي أحد شهود العيان رؤيته أفراد الدعم السريع وهم يُجبِرون عدة مواطنين على تسليم مفاتيح مركباتهم تحت تهديد السلاح.
بينما قال عاملون بسوق النهود، إنّ ما جرى هو عملية اجتياح ضدّ المدنيين وممتلكاتهم، وفصّل أحدهم بالقول إنّ الجيش انسحب وترك أسلحته لبعض المواطنين، لكن أفراد الدعم السريع عندما اجتاحوا الأحياء لم يتركوا الناس في حالهم، بل استولوا على الممتلكات ونزعوا المركبات الصغيرة من أصحابها.
مواطن آخر، وصف سيطرة الدعم السريع على المدينة بـ «المروّعة»، وقال لـ «أتَـر» إنّ السكّان اضطرّوا للاختباء تحت الأسرّة وخلف جدران المنازل، تجنّباً للأعيرة النارية التي كانت تنهمر من كلّ اتجاه على رؤوسهم، مؤكّداً مقتل عدد من المواطنين تصادَفَ وجودُهم في الطرقات أثناء محاولتهم تجنّبَ الرصاص.
كذلك جرى إعدام عشرات الأشخاص كان بعضُهم يحملون السلاح دفاعاً عن المدينة؛ كما شرعت قوات الدعم السريع في تنفيذ عمليات اعتقال واسعة شملت عدداً من القيادات الأهلية ورجال الدِّين وأئمة المساجد وقادة المستنفَرين في المدينة. واقتحم جنود الدعم السريع عدّة منازل مملوكة لقيادات أهلية، مشيرين إلى أنهم يبحثون عنهم لاعتقالهم.
وفقاً للمعلومات التي جمعتها «أتَـر»، فإنّ عدداً كبيراً من تجّار بورصة محاصيل النهود شرعوا صباح اليوم الخميس، في نقل بضائع إلى خارج المدينة قبل اجتياحها، ولكن قبل مغادرة الشاحنات التي بلغ عددها أكثر من 200 شاحنة مُحمّلة بالمنتجات الزراعية والصمغ العربي لسوق المدينة، استولى عليها الدعم السريع
وقال مصدر بالمدينة، تحدّث لـ «أتَـر»، إنّ أفراد الدعم السريع يحملون قائمة بأسماء عشرات الأشخاص يريدون اعتقالهم أو قتلهم؛ وبالفعل جرى اغتيال عدد من قيادات المقاومة الشعبية والجماعات القبَلية المتحالفة مع الجيش، إضافة إلى مدنيّين. وبحسب مصدر آخر تحدّث لـ «أتَـر»، فإنّ أعداداً كبيرة من المستنفرين المقاتلين بطرف الجيش استسلموا للدعم السريع.
ووفقاً للمعلومات التي جمعتها «أتَـر»، فإنّ عدداً كبيراً من تجّار بورصة محاصيل النهود شرعوا صباح اليوم الخميس، في نقل بضائع إلى خارج المدينة قبل اجتياحها، ولكن قبل مغادرة الشاحنات التي بلغ عددها أكثر من 200 شاحنة مُحمّلة بالمنتجات الزراعية والصمغ العربي لسوق المدينة، استولى عليها الدعم السريع. وقال أحد أصحاب البضائع التي نُهبت لـ «أتَـر»، إنهم لا يعرفون الوجهة التي سُحِبت الشاحنات إليها، لكنهم تأكّدوا من أن الدعم السريع وضعت يدها عليها.
وفي معلومات أخرى وصلت إلى «أتَـر» في وقت متأخّر من مساء الخميس، فإنّ الدعم السريع أقامت عدّة ارتكازات داخل المدينة وشرعت في تفتيش الأحياء بحثاً عن السلاح والمركبات والأموال المُخزّنة في المنازل.
وشهدت المدينة حالة نزوح واسعة من المدنيين إلى القرى المجاورة تاركين خلفهم منازلهم عرضةً للنهب والسرقة.
وتقول عدة مصادر داخل بورصة النهود للمحاصيل الزراعية والصمغ العربي، إنّ مخازن التجار ممتلئة بالسلع التي خُزنت منذ بداية موسم الحصاد بسبب إغلاق الطريق نحو الأبيض والدبّة عقب منع الدعم السريع نقل المنتجات لمناطق سيطرة الجيش، وإنّ مئات الأطنان من الصمغ العربي والفول السوداني، تمتلكها عشرات الشركات، لا تزال في المخازن بسوق النهود، ويُتوقّع أنها تعرّضت للنهب والسرقة منذ سيطرة الدعم السريع على المدينة.
وتُعدّ مدينة النهود من المدن الاستراتيجية، ويمرّ بها الطريق الرابط بين العاصمة الخرطوم، وولايات دارفور، ويمرّ بها شارع الإنقاذ الغربي المتّجه نحو الفاشر. والحال كهذا، فإنّ السيطرة عليها من جانب الدعم السريع تقطع الطريق على متحرّك الصياد الذي يستعد للوصول إلى الفاشر من المدينة ذاتها، ليشكّل استيلاء الدعم السريع على المدينة تهديداً آخر لمدينة الأبيّض بولاية شمال كردفان والتي لا يفصلها عن النهود سوى 190 كيلومتراً.
وتمنح السيطرة على النهود قوات الدعم السريع فرصةً أكبر لترتيب أوضاعها حتى تتمكّن من السيطرة الكاملة على مدينة الفاشر، ومن ثمّ على جميع إقليم دارفور، خاصة مع الخطر الذي قد يمثله وجود متحرّك الصياد في شمال غرب الأبيض وجنوب غربها.
ملحق: بورصة النهود
إعداد: عبد الرحمن معلا
في مطلع موسم 2018–2019، دشّن وزير مالية ولاية غرب كردفان حفل افتتاح «بورصة سوق محصولات النهود، في 24 نوفمبر 2018»، بحضور والي الولاية وعدد من القيادات الرسمية والشعبية والمُنتجين والتُجّار، انطلاقاً من رؤية لتطوير آليات تسويق المحاصيل الزراعية وتعزيز الإيرادات على المستويين الولائي والوطني.
وفي 17 نوفمبر 2022، ارتقت البورصة إلى مرتبة «بورصة سوق محصولات النهود العالمية»، بحفل رسمي حضره المدير التنفيذي لمحلية النهود وممثّلو البنوك والشركات الزراعية، في خطوة تهدف إلى ربط السوق المحلي بالأسواق الإقليمية.
وتكتسب بورصة النهود أهميتها الاقتصادية من كونها نواة الاكتشاف اليومي لأسعار أهم المحاصيل النقدية في السودان. ويُقدَّر حجم التداول اليومي في البورصة بنحو عشرات الآلاف من الأطنان، ووصل في العام 2023 إلى 150 ألف طن من محاصيل الفول والسمسم والصمغ العربي.
على الصعيد الاجتماعي، وفّرت البورصة منذ إنشائها منصّة شفّافة لحركة المحاصيل، من خلال تطبيق نظام «المزاد الآن» وربْطها بنقطة التجارة السودانية، ما حسّن من وصول المعلومة إلى صغار المُزارعين ومنظّمي الجمعيات التعاونية وأدّى إلى خلق مئات فرص العمل المباشرة في المزاد والتخزين والنقل، فضلاً عن التأثير الإيجابي على سلوكيات الدفع الإلكتروني بين المزارعين والتُجّار، وبالتالي تعزيز الثقافة المالية الرقمية في المناطق الريفية. وعليه، أصبحت بورصة النهود تمثّل مجالاً لتلاقي المصالح بين المنتجين والمُسوقين والمشرّعين.
شهدت البورصة عدداً من المحطات التاريخية الكبرى، كان أبرزها إدخال نظام الدفع الإلكتروني قبل يونيو 2019، إذ سعى القائمون إلى تطبيق المعايير العالمية للتحويلات المالية، ثم تطوّرت إلى «بورصة عالمية» في 2022. ومثّل ذلك نقطة تحول نوعية بربط البورصة وشبكات التصدير الإقليمية. وفي نوفمبر 2024، دَشّنت حكومة الولاية موسماً جديداً للبورصة، ما يعكس استمرار الدعم الرسمي.
مع اجتياحها لمدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان في 20 يونيو 2024، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على مقرّ الحكومة المحلية والمرافق الحيوية، بما فيها الطرق الرابطة بمحلية النهود، وقد سبق ذلك حصار الفرقة 22 في بابنوسة في 22 يناير 2024، ما أثّر على حركة الإمداد والطريق التجاري للبورصة، وترتَّبت عليه عدة تداعيات، منها انقطاع سلاسل الإمداد، بمنع وصول المحاصيل في مواسم الحصاد إلى المزاد، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع على نحو حادّ، ويهدّد بإفلاس صغار المُزارعين، إضافة إلى ضعف الخدمات المصرفية الرقمية ونظام الدفع الإلكتروني منذ نشوب الحرب، مع أزمة في تسلُّم النقد عبر المصارف، ما يُعقِّد التحويلات المالية، ويحدّ من السيولة المتاحة في السوق. تبع ذلك انسحاب عدد من المستثمرين المحليّين والدوليين من شراء المحاصيل عبر البورصة، وتحوّلهم إلى منافذ أعلى مرونة وأقلّ مخاطرة، بحسب حديث تجار محليّين لـ «أتَـر»، فضلاً عن حالة الاستياء التي عمّت المجتمع الريفي نتيجة حرمانهم من فرص بيع محصولهم، ما قد يُفاقم من حدّة التوترات المحلية ويحرّك نزوحاً داخلياً نحو مدن أخرى. وتقيم مختلف التشكيلات القبَلية نقاطاً تتحكَّم فيها جماعات مسلّحة لتقوم بدَور الجباية في ظلّ غياب الرقابة الحكومية.
في ما يلي مجموعة من البيانات العددية التفصيلية حول بورصة سوق منتجات النهود، تُظهر حجم التداول، وعدد المشاركين، ومستويات الأسعار خلال العام الماضي، بحسب متابعات مراسل «أتَـر»، مستعيناً بمصادر محلية:
المعلومة | القيمة |
---|---|
تاريخ التأسيس | 24 نوفمبر 2018 |
عدد جلسات التداول الأسبوعية | 3 جلسات: الأحد، الثلاثاء، الخميس |
متوسط عدد المشاركين في الجلسة الواحدة | 120–150 (منهم 80–100 مزارعاً، و40–50 تاجراً) |
متوسط حجم التداول اليومي (طن) | 45,000 طن |
نسبة الصمغ العربي من إجمالي التداول | 25% |
نسبة الفول المقشور | 30% |
نسبة السمسم | 20% |
نسبة المحاصيل الأخرى (ذرة، فول سوداني) | 25% |
متوسط قيمة التداول اليومي (جنيه سوداني) | 12 مليار جنيه |
أعلى سعر مسجَّل للصمغ العربي (قنطار) | 215,000 جنيه (مارس 2025) |
أدنى سعر مسجَّل للفول المقشور (قنطار) | 880,000 جنيه (أكتوبر 2024) |
عدد الشركات والمستثمرين المسجلين | 35 شركة (بنكان زراعيان، و25 شركة تجارية) |
عدد النقاط اللوجستية المتصلة بالبُورصة | 12 مستودعاً ونقطة تجميع |
معدل النمو السنوي لحجم التداول (%) | 18% (2021–2024) |
متوسط زمن استلام الدفعة للمزارع (يوم) | 3–5 أيام بعد البيع |