
كوستي وتندَلتي: هجمات بالمُسيّرات تُقلق مضاجع السكّان
شهدت المعارك العسكرية في السودان تطوُّراً ملحوظاً مع جنوح قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة إلى استخدام المُسيَّرات الاستراتيجية، ما أحدَثَ فرقاً كبيراً في مسار المواجهات. يوم الأحد الماضي، شنَّت الدعم السريع هجوماً بالمُسيَّرات على القوات المشتركة في مدينة تندَلتي التابعة إدارياً لولاية النيل الأبيض، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، نُقِلَ ستة منهم إلى مستشفى كوستي لتلقّي العلاج. ورغم تكتُّم السُّلطات الأمنية على الحادثة، أفادت مصادر محلية بأنّ الهجوم وقع في منطقة «الصّينية» عند مدخل المدينة على الطريق القومي، وتضمّ محطة السفريات ومحال تجارية لم تتضرّر بسبب دقة التصويب الموجّه إلى ارتكاز القوات المشتركة هناك. وقد أثار الهجوم حالةً من الذّعر بين السكّان، خاصةً أنه الأول من نوعه في المدينة منذ بداية الحرب.
وتقول مصادر في تندلتي، إنّ عدد النازحين إلى المدينة قد فاق عدد سكّانها، جرّاء استيلاء الدعم السريع على أم روابة في أغسطس 2023، وهو ما خلَقَ نشاطاً كبيراً لسوق تندلتي ليصبح مركزاً تجارياً لولاية شمال كردفان التي كانت تحت سيطرة الدعم السريع، إضافة إلى أجزاء واسعة من ولاية النيل الأبيض والجزيرة. وقد انتقلت إلى تندَلتي جميع الأنشطة التجارية وبخاصة تجارة الثروة الحيوانية، وتوسَّع سوقها إلى أن ابتلع عدداً من الأحياء السكنية. لكن تحرير مدينة أم روابة في يناير 2025 كان قاصمة الظهر بالنسبة لتندلتي، إذ إنّ جميع الأنشطة التجارية وبورصة المحاصيل وتجارة الثروة الحيوانية عادت إلى سوق أم روابة بعد تنظيم سوقها وتأمينه. وتراجَعَ النشاط التجاري بالمدينة، وقلّ عدد روّاد السوق الذي كان ينشط في تجارة تبديل العملة مقابل بنكك، وكان قد نشأ أيضاً سوق جديد لتجارة تبديل النقود الجديدة والقديمة، إذ يصل مقابل تبديل العملة إلى 10 و20 في المائة من قيمة المال المُستبدَل. كذلك انخفض نشاط تجارة الوقود في تندَلتي حيث كانت المركبات تأتي إليها من جهات عديدة، لكنّ الحركة اتجهت حالياً نحو أم روابة.
وفي يوم الأربعاء الماضي، استهدفت قوات الدعم السريع قيادة الفرقة 18 في كوستي، التي تحتوي على مخازن أسلحة وسيارات قتالية وأدَّت دَوراً كبيراً في تحرير منطقة جبل مويا قبل أشهر. وقع الهجوم بعد منتصف الليل، إذ سُمع دويّ انفجارات قوية في مقرّ الفرقة. ورغم نجاح المضادّات الأرضية سابقاً في التصدّي لهجمات مشابهة، في مايو ويونيو 2024، إلا أنّ هذه الهجمات بالمُسيَّرات لم تُواجَه بالمثل.
وفي هجوم آخر فجر الخميس، استهدفت مُسيَّرة استراتيجية قيادة الفرقة 18، ما أدّى إلى مقتل 11 جندياً وإصابة آخرين نُقلوا إلى مستشفى السلاح الطبي. وبعد أقل من 24 ساعة، شنّت قوات الدعم السريع غارة ثانية على القيادة ذاتها، حيث وقعت ثلاثة انفجارات متتالية بين الثالثة والخامسة صباحاً، مُستهدفةً مقر الشرطة العسكرية. بينما أشار سكّان المناطق المجاورة إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا، مع أضرار مادية شملت تحطّم زجاج النوافذ. وشوهدت سيارات الإسعاف وهي تنقل الجرحى بين المستشفى العسكري ومستشفى كوستي. واستهدفت المُسيَّرات محطة وقود تابعة للفرقة ومقرّ الشرطة العسكرية، ما أثار الذعر وسط سكّان المدينة.
وشهدت مدينة كوستي وولاية النيل الأبيض حصاراً متطاولاً، قبل استعادة الجيش منطقة جبل مويا بولاية سنار المجاروة لها غرباً، وعودة الطريق القومي الرابط بين كوستي والأبيّض إلى سيطرة الجيش.
ورصد مراسل «أتَـر» انخفاض الاكتظاظ بكوستي في الفترة الأخيرة على نحوٍ عامّ، خاصة مع عودة أعداد كبيرة من النازحين عقب استعادة الجيش مدينة أم روابة، ومنطقة جبل الداير. وانخفضت تبعاً لذلك أسعار إيجار المنازل المفروشة، فبعد أن كان المنزل الذي يحتوي على غرفة واحدة وصالة يُستَأجر بـ 750 ألف جنيه، وصل إيجاره إلى 500 ألف جنيه في الشهر، هذا إضافة إلى انخفاض أسعار السلع الاستهلاكية. ووصل سعر رطل زيت الفول إلى 3 آلاف جنيه بعد أن بلغ في فترة الحصار والاكتظاظ 5 آلاف جنيه، وانخفض سعر كيلو السكر من 6 آلاف جنيه إلى ثلاثة آلاف جنيه، وسعر رطل البن من 15 ألف جنيه إلى 8 آلاف جنيه.
الدِّبيبات: انتهاكات مستمرّة من قِبل طرفي الحرب
منذ سيطرة الدعم السريع عليها في يونيو 2023، ظلّت مدينة الدِّبيبات بولاية جنوب كردفان، مسرحاً للانتهاكات من قِبل طرفي الحرب، حيث شرعت قوات الدعم السريع، التي سيطرت على معسكر الطيبة التابع للجيش والقريب من المدينة، في القبض على بعض الأفراد بحجّة أنهم متعاونون مع الجيش. ووفقاً لإفادات السكّان، كان الأشخاص الذين يُقبض عليهم يُنكّل بهم وتُصادَر ممتلكاتهم الشخصية وهواتفهم والأموال التي يُعثَر عليها بطرفهم. ولاحقاً شرعت الدعم السريع في فرض الجبايات على الأنشطة التجارية والمركبات السفرية والشاحنات، مستغلةً موقع المدينة على طريق الأسفلت الذي يربط بين عدد من الولايات.
يقول أحد السكّان لمراسل «أتَـر»، إنّ جبايات الدعم السريع على الشاحنات وصلت إلى عشرة ملايين جنيه في بعض الأوقات على الشاحنة الواحدة، أمّا مركبات نقل المواطنين فتراوحت رسوم عبورها ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف جنيه في بعض الأوقات.
ظلّت المدينة تعيش في حالة هدوء حذر مع أفراد الدعم السريع الذين أفسحوا المجال للشّفشَافة والمتعاونين مع الدعم السريع بنهب السوق المدينة ومتاجر السكّان ومنازلهم، ما دفع كثيراً من الأسر للنزوح إلى خارج المدينة.
ورغم النزوح الواسع من المدينة إلى القرى والمناطق المجاورة، ظلّت الدّبيبات تتعرّض للانتهاكات والشّفشَفة باستمرار، وفقاً لإفادة عدد من السكّان الذين قالوا لمراسل «أتَـر» إنّ الشّفشَافة الذين يرتدون زي الدعم السريع ويتسلّحون بالأسلحة الخفيفة والرشاشة ظلّوا يقتحمون المنازل باستمرار ويستولون على ممتلكات الأسر تحت تهديد السلاح.
لاحقاً عمَّقَ سلاح الطيران بدَوره آلام سكّان المدينة الذين لم يغادروها، فقد تعرَّضت حتى اليوم لطلعتين جويتين كانت آخرهما في فبراير الماضي. وبلغ عدد الضحايا عشرات القتلى بينهم بعض أفراد أسرة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. كذلك تعرّضت المدينة يوم 27 أبريل الماضي لضربٍ بمُسيَّرة قتلت 5 أفراد في سوق الوقود، ودمّرت عشرات المركبات التابعة للدعم السريع بجانب براميل الوقود.
وفي يوم 28 أبريل تعرّضت قريتا أولاد يونس وحلة عبد المحمود الواقعتان على بعد أربعة كيلومترات من مدينة الدِّبيبات لاجتياحٍ مباغت من قِبل أفراد من الدعم السريع يقودون دراجات نارية وثلاثة دفّارات. وقتلت القوة 8 مدنيين، منهم 5 من قرية الدِّبيبات أولاد يونس وهم، الطيب وأمام، وإسحاق إبراهيم قربة، وكمال حامد يونس، ومحمد عمر أبكر، وأبيا أزرق.
وبحسب إفادات حصل عليها مراسل «أتَـر»، نَهبت القوة المهاجمة ممتلكات السكان، وسرقت المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية والأغنام والمدّخرات المالية. وقال شهود عيان إنّ الهجوم جاء عقب استهداف مُسيَّرة لسوق البنزين بالدِّبيبات قبل يوم واحد من اجتياح المسلّحين للمنطقة، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل واحتراق عدد من المركبات التابعة لقوات الدعم السريع. وقال شهود عيان من المنطقة، إنّ القوة المهاجمة انتهَكت حقوق المدنيين العُزَّل، وأطلقت النار على كلّ من اعترضها أو حاول مقاومتها، ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وإصابة واحد.
وتعاني المدينة والقرى التابعة لها من نقص حادّ في الخدمات وغلاء في أسعار المواد الاستهلاكية، وتوقّفت آخر العيادات التي كانت تعمل في المنطقة. وتوقَّع عددٌ من السكّان أن تخلو المدينة إذا استمرّت هجمات الدعم السريع عليها.