أتر

دفتر أحوال السودان (76): من نيالا والأبيّض والنهود وبابنوسة

نيالا: مدينة تتأرجح بين الحرب والحياة

في الثالث من مايو، قصَف الجيش السوداني مطار مدينة نيالا بطائرتين مُسيَّريتين. وتخضع مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أكتوبر 2023.

ونتيجة للأحداث التي شهدها السوق الشعبي مؤخّراً، بين قوة مكافحة الظواهر السالبة وعدد من أفراد الدعم السريع، أُرسِلت لجنة أمن الولاية إلى موقع الاشتباكات لاحتواء الموقف، والقبض على المتهمين، مع وعود بتقديمهم للعدالة.

واندلعت في 12 أبريل، اشتباكات مسلّحة دامية بين عناصر من قوات الدعم السريع، إثر إيقاف لجنة مكافحة الظواهر السالبة – وهي لجنة شكّلتها قيادة قوات الدعم السريع مؤخراً للحدّ من الانفلات الأمني – مجموعة مسلحة تتبع لقوات الدعم السريع، وتنتمي إلى قبيلة المسيرية، كانت تتجول في السوق بأسلحة ثقيلة، مخالفةً بذلك التعليمات الأخيرة الخاصة بتنظيم حركة السلاح داخل الأسواق.

غير أن تفاصيل الحكايات على الأرض تقول أكثر من ذلك. فبسبب تقاعس السّلطات في مواجهة العصابات، يضطرّ السكان إلى «الفزع» الشعبي، إذ يجتمع الرجال مع زعماء الأحياء بحثاً عن مفقوديهم، حاملين قلوبهم بين أيديهم، ينتظرون خبراً يُفرحهم أو يوجعهم.

وفي معسكر عطاش شمال شرق نيالا، وقعت جريمة هزّت معسكرات النازحين، باغتيال الشيخ عبد الرازق حسن جالس، رئيس معسكر عطاش، وابنه عبد الواحد (15 عاماً)، ومحمد أبكر، أحد جيران عبد الرازق، برصاص مسلّحين على دراجة نارية. كان مشهد الجنازة صامتاً إلا من نشيج النساء، وغضب الرجال، وأطفال يراقبون بعيون لم تعرف بعد معنى الأمان.

وأصدرت المنسقيّة العامة لمعسكرات النازحين بياناً حمَّلت فيه الدعم السريع المسؤولية، مطالِبةً بتحقيق دولي عاجل، وحماية المعسكرات قبل أن يتحول صمت العالم إلى شراكة في الجريمة.

وفي قلب المدينة، يتردّد صدى الحياة في أكثر من أربعة أسواق رئيسة وثلاثة أسواق فرعية، منها: السوق الكبير (وإن كان يعمل جزئياً)، السوق الشعبي، سوق موقف الجنينة، وسوق قادرة، وسوق «زي ألوان».

متحدّثاً لـ «أتَـر»، أوضح التاجر إسحق أحمد أن تقلّبات أسعار المواد تعود إلى تذبذب سعر العملة التشادية (فرنك) أمام الجنيه السوداني، خاصة أن كثيراً من السلع باتت تجلب من تشاد، وتتأثر أسعارها كذلك بارتفاع تكلفة الوقود والترحيل، فضلاً عن الرسوم المفروضة في عشرات الارتكازات الأمنية على الطرق. وبحسب إسحق، فقد ارتفع سعر جوال السكر زنة 50 كيلوغراماً من 160 ألف جنيه سوداني إلى 165 ألف جنيه سوداني نقداً و184 ألف جنيه عبر «بنكك»، بينما ارتفع سعر جوال اللبن الغربي من 250 ألفاً إلى 375 ألف جنيه، ويُباع الكيلو منه بـ 15 ألف جنيه سوداني، وارتفع سعر جركانة زيت الطعام 16 لتراً من 48 ألفاً إلى 75 ألف جنيه، ويباع الرطل منه بـ 2300 جنيه سوداني. في المقابل، تراجعت أسعار دقيق الخبز من 75 ألفاً إلى 62 ألف جنيه ويباع الكيلو منه بثلاثة آلاف جنيه، وسعر جوال البصل من 230 ألفاً إلى 80 ألف جنيه، وتباع الملوة منه بثلاثة آلاف جنيه، بينما استقرت أسعار الأرز (25 كيلوغراماً) عند 105 آلاف جنيه ويباع الكيلو منه بخمسة آلاف جنيه، ويباع جوال العدس (20 كيلوغراماً) بـ 115 ألف جنيه ويباع الكيلو منه بستة آلاف جنيه، وكرتونة المكرونة تباع بـ 47 ألف جنيه والكيس الواحد منها بـ 2300 جنيه، بينما استقرّ سعر كيلو الضأن عند 16000 جنيه والعجّالي في 12000 جنيه.

وفي الجانب الصحّي، تعاني كوادر صحّية تعمل بمستشفى نيالا التعليمي، من شحّ المحاليل والشاش والجبص والبنج والمسكّنات وأدوية الطوارئ، كما يشير عبد الله، وهو كادر صحّي يعمل في المستشفى التعليمي بنيالا، ويقول لمراسل «أتَـر»: «خرجت المستشفيات من الخدمة، الإسعاف متوقّف بسبب انعدام الوقود. النساء والأطفال هربوا شمال وغرب المدينة، بلا مأوى، ولا ماء، بلا طعام، ولا دواء.»

ويضيف أنّ انقطاع الاتصالات جعل من كلّ محاولة إسعاف مغامرةً محفوفة بالخطر، بينما الكوادر الطبية عالقة بين ارتكازات مسلّحة وأحياء مدمّرة.

في نيالا، تتداخل المآسي مع خيوط الأمل الرفيعة. مدينة تقف على حافة الانهيار، لكنها ما زالت تقاوم بما تبقى من سوق نابض بالحياة، وما تبقى من قلوب لم تيأس. هنا، كلّ صباح هو امتحان جديد للصبر وكل ليلة، حلم مؤجّل بالأمان.

الأبيّض: هجوم بالمُسَيّرات على المصفاة يسفر عن اندلاع حريق هائل

تعرّضت مصفاة الأبيّض للبترول لهجوم مُسيَّرة، الخميس الأول من مايو الماضي حوالي الحادية عشرة مساءً، ما أسفر عن اندلاع حريق هائل وتدمير صهريجين يحتويان على وقود الديزل. واستمرّ هجوم المُسيّرات حتى السبت، ما أدّى إلى تدمير أربعة مستودعات لمادة النافثا، وهي من المشتقّات النفطية التي تُستخدم في العديد من الصناعات خاصة صناعة البتروكيماويات وإنتاج الوقود.

كذلك تعرّض القطاع 13 للقصف، وهو المعسكر الذي استولت عليه قوات الدعم السريع بعد حلّ هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ويقع غرب الأبيض. كما استُهدفت منطقة بالقُرب من السلاح الطبي تحوي هنكراً به عدد من سيارات قتالية تتبع للقوات المشتركة. وتعرّضت السيارات التي نَقلت المصابين إلى السلاح الطبي لاستهداف المُسيّرات حسب شهود عيان من المنطقة.

وتقع مصفاة الأبيّض التي أنشئت عام 1996 إلى الشمال من مدينة الأبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان بغرب السودان، وهي مسجّلة شركةً محدودة المسؤولية، مملوكة للمؤسّسة السودانية للنفط التابعة لوزارة الطاقة السودانية .

ورغم أنها ظلّت بمنجاة من اجتياح الدعم السريع، عانت مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان من الحصار والقصف منذ يونيو 2023، ما جعلها تعيش حالةً من الهشاشة الأمنية والتدهور الاقتصادي والتراجع في الخدمات الأساسية.

وتجاوزت الأبيّض فترة الحصار المُحكَم من قبل الدعم السريع الذي امتد حتى بداية العام 2025 بصبر وجلد نادرين، إذ كانت الدعم السريع مُطبقةً عليها من جميع الاتجاهات، ولم تتنفس الصعداء إلا حينما تمكن متحرك الصياد من إزاحة الدعم السريع عن الطريق القومي ما بين وحدة ود عشانا الإدارية على الحدود مع ولاية النيل الأبيض وحتى جبل كردفان شرق المدينة، حيث كانت الدعم السريع تستخدمه منصةً لتدوين عمق المدينة وقيادة فرقة الهجانة.

بعد دخول متحرّك الصياد إليها، ظنّ السكان أن وقت الشدة ولَّى إلى غير رجعة، لكنهم فوجئوا بأنّ أمَد المعركة ليس قريباً. وقال مواطنون فضّلوا حجب هوياتهم لدواعٍ أمنية لـ «أتَـر»، إنّ المدينة، رغم فكّ الحصار عنها من الناحية الشرقية، وفَتْح الطريق القومي بينها وبقية المُدن شرقها حتى ولاية النيل الأبيض، لكنها في الواقع ظلّت محاصرةً بشدة من الناحيتين الغربية والشمالية، إذ تُسيطر قوات الدعم السريع على طريق بارا حتى منطقة الدّانكوج التي تبعد حوالي 27 كيلومتراً فقط من الأبيّض، كما تُسيطر على المنطقة الواقعة غرب العيارة، على بعد حوالي 20 كيلومتراً من الأبيض، وعلى طريق أم كريدم – الأبيّض – جبل عيسى، وجنوباً تُسيطر حتى جبيل الهشاب والمنطقة شمال مصفاة الأبيّض. وطوال فترة الحصار، لم يتوقّف القصف المدفعي وقصف المُسيّرات على المدينة، وتسبَّبَ في مقتل عشرات المدنيين والتلاميذ في المدارس والمرافق الحكومية. ويقول شهود عيان من المدينة، إنّ آخر تدوين كان يوم الثلاثاء الماضي، فقد سقطت مُسيّرتان في قيادة فرقة الهجّانة وتصدَّت الدفاعات والمضادّات الأرضيّة لمُسيَّرة أخرى.

وتقول المصادر في الأبيّض إنّ الأسعار تراجعت قليلاً رغم محاولات الدعم السريع مَنْع وصول السلع والمواد الاستهلاكية من المناطق الخاضعة لسيطرته. وأوضحت المصادر، أنّ السلع الغذائية أصبحت تَرِد إلى الأبيّض من كوستي والجزيرة وبورتسودان وتندلتي بولاية النيل الأبيّض، وهناك سلع محلية مثل اللبن والفحم والذرة تأتي من المناطق الواقعة جنوب المدينة. أما الألبان فتأتي من بعض المزارع المجاورة للمدينة.

وتقول المصادر إنّ أسعار السلع والمواد المُنتَجة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع لم تنخفض، إذ يُباع رطل اللبن حالياً بحوالي 1600 جنيه سوداني، وقفز رطل زيت الفول إلى 4 آلاف جنيه بدلاً عن 3 آلاف جنيه قبل سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود.

وتُعاني المدينة من نقص حادّ في اللحوم، ويتراوح سعر كيلو لحم الضأن ما بين 20 و24 ألفاً، وكيلو العجّالي ما بين 16 و18 ألفاً، بينما يُباع كيلو لحم العجالي الصافي بـ 20 ألفاً، ويتراوح سعر جوال الفحم الصغير (عبوة جوال السكر 50 كيلو) بين 22 ألفاً و24 ألف جنيه، وملوة الذرة الفتريتة بين 4 و5 آلاف جنيه، وملوة الذرة طابت بين 7 و8 آلاف جنيه، وملوة الدخن تتراوح بين 6 و7 آلاف جنيه سوداني.

وتأثّرت مدينة الأبيّض بسيطرة الدعم السريع على مدينة النهود التي تبعد عنها حوالي 210 كيلومترات. وقال عددٌ من التجّار في سوق الأبيّض، إنّ المواد والمحاصيل الواردة من النهود ارتفعت إلى أعلى مما كانت عليه.

وأفادت مصادر أنّ حوالي 2000 عسكري كانوا في حامية النهود اللواء 18، انسحبوا إلى الأبيّض، ويُقيمون حالياً داخل المدينة الرياضية بالأبيض، عقب اجتياح الدعم السريع النهود.

وتُؤكِّد عددٌ من المصادر داخل مدينة الأبيّض، أنها لا تزال تحت خطر الدعم السريع التي فشلت جميع المحاولات العسكرية في إبعادها عن تخوم المدينة.

يقول عبد الله، أحد سُكاّن مدينة الأبيّض، مُتحدثاً لـ «أتَـر»، إنّ أسعار المنتجات البترولية في المدينة لم تتأثّر بالهجوم على المصفاة، وظلّ سعر جالون البنزين يباع بـ 17800 جنيه، وجالون الجازولين 16800 جنيه، وسعر أسطوانة غاز الطبخ 65000 جنيه، في حين يبلغ سعر كيلو السُّكر 2800 جنيه، ورطل الزيت 2400 جنيه، وملوة البصل 2500 جنيه، وكيلو العدس 2400 جنيه، وسعر برميل المياه من 3500 – 5000 جنيه حسب نقاء المياه، أما من مصانع تحلية المياه فقد بلغ سعر الجركانة 800 جنيه.

وأثّر تذبذب الكهرباء على العمل في العيادات والمعامل في شارع الدكاترة، ما دفع مُعظمها إلى الاتجاه إلى استخدام الطاقة الشمسية أو مولّدات الكهرباء. وبلغ سعر مُقابلة الطبيب 12000 – 15000 جنيه في شارع الدكاترة و 10000 جنيه في مستشفى الضمان.

وتَراوَحَ سعر الفحوصات المعملية الروتينية بين 4000 جنيه إلى 5000 جنيه، وسعر فحص السُّكر التراكمي 4000 جنيه، وفحص الدم الكامل 8000 جنيه، وفحص وظائف الكُلى 28000 جنيه. وزادت أسعار المستهلكات المعملية على نحو بالغ نتيجةً لاحتكار التجّار.

النهود: سرعان ما أصبحت مدينة أشباح

ألحَقَت الدعم السريع أضراراً بالغة بمدينة النهود التي بسطت سيطرتها عليها في الأول من مايو الجاري، حيث عطّلت شبكات المياه والكهرباء على نحوٍ متعمّد، وفقاً لإفادات حصلت عليها «أتَـر» من مصادر بالمدينة.

وعقب اجتياحها المدينة، أغلقت الدعم السريع المستشفيات التي فرّت كوادرها العاملة إلى القرى النائية تجنّباً لانتهاكات أفراد الدعم السريع الذين أقاموا عدة ارتكازات وسط الأحياء وشرعوا في تفتيش المنازل بحثاً عن الأموال والذهب والسيارات، كما يُخبر مصدر من داخل النهود، ويضيف لـمراسل «أتَـر» أنّ جنود الدعم السريع استغلّوا عدم نية الجيش مواجهتهم عندما دخلوا المدينة فانطلقوا في جميع الاتجاهات لشَفشَفة ممتلكات المواطنين. ووصَل عدد الشاحنات التي جرى نهبها من قِبل عناصر الدعم السريع ما بين 400 إلى 470 شاحنة محمّلة بالفول النقاوة والسّمسم والصمغ العربي والكركدي. وجرى تحويل وجهة بعضها إلى الإضَيّة ومنها إلى الفولة ومنها إلى سوق النعام على حدود دولة جنوب السودان، واستغلّت البقية طريق بابنوسة – الضّعين، ومنه إلى تشاد وأفريقيا الوسطى.

وأحدَثَ تدمير مصادر المياه وشبكاتها أضراراً بالغة بالسكّان داخل مدينة النهود والقرى المجاورة، خاصة أن عدداً من سكّان القرى، التي كانت تعتمد في إمدادها المائي على مدينة النهود؛ وتعرّض سكانها لضائقة عطش حادّة استمرّت لستة أيام قبل تدخّل الإدارات الأهلية لإقناع عناصر الدعم السريع بعدم حرمان السكّان من مياه الشرب.

ووفقاً لمعلومات تحصّلت عليها «أتَـر»، فإنّ الجيش انتقل إلى ارتكازاتٍ داخل اللواء 18 الواقع على بعد 10 كيلومترات شرق المدينة، ولم يُبدِ أي نيّة في القتال إلى أن انسحب نحو مدينة الخِوَي في 2 مايو، ومنها إلى أم كريدم حتى وصل مدينة الأبيض، وجرى تجميع القوة التي جاءت مُنسحبة من النهود في المدينة الرياضية وسط الأبيّض. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإنّ عدد الجنود والضباط الذين وصلوا إلى الأبيّض بلغ 2000 فرد، وأنّ عدد القتلى في النهود لم يتجاوز 25 قتيلاً، بجانب عدد قليل من المصابين.

وأرجعت المصادر عدم انخراط الجيش في الدفاع عن مدينة النهود إلى ضعف التسليح. وقالت مصادر عسكرية لـ «أتَـر»، إنّ تسليح القوة التي كانت في النهود لم يتجاوز الكلاشات والأسلحة الخفيفة الأخرى، بينما كانت قوة الدعم السريع التي هاجمت المدينة تتسلّح بأحدث الأسلحة الثقيلة والخفيفة.

وأرجعت المصادر ضعف تسليح الجيش إلى أنّ الأسلحة التي كان يجري إسقاطها داخل اللواء 18، الذي ظلّ مُحاصَراً، كانت تُوزَّع على جيش أب جِبّة الذي انضمّ منه ما بين 8 إلى 9 آلاف مقاتل إلى الدعم السريع، وهنالك بعض الرتب العليا داخل الحامية توزِّع الأسلحة على مجموعات قبَلية تدعمها.

وتشير معلومات أخرى، إلى أنّ هنالك عمليات نهب مُنظّمة لمخازن الصمغ العربي والفول النقاوة قامت بها عناصر من الدعم السريع.

وفي محاولة لإعادة الحياة إلى المدينة التي كادت أن تكون مدينة أشباح، أعلنت الدعم السريع، بحضور الناظر عبد القادر منصور، تشكيل إدارة مدنية مهمتها إعادة الحياة إلى طبيعتها في مدينة النهود. ووفقاً لبيان بثّته الدعم السريع بحضور الناظر منصور، فإنّ الإدارة المدنية تحت تصرّفها قوة مكونة من 50 عربة عسكرية، بجانب فتح السجن وأقسام الشرطة والمستشفى وتشغيل مصادر المياه.

وحصلت «أتَـر» على معلومات تفيد بأن الدعم السريع سحبت المظاهر العسكرية من وسط المدينة وأوكلت مهمة حماية للإدارة المدنية التي تكفّلت بتشكيلها.

بابنوسة: مدينة بلا سكّان

ظلّ مصير مدينة بابنوسة، حاضرة ولاية غرب كردفان، معلّقاً على كثير من الاحتمالات منذ مغادرة السُّلطة التنفيذية لها، وانتقالها إلى مدينة النهود التي خضعت بدَورها لسيطرة الدعم السريع في الأول من مايو الجاري.

ومنذ يناير 2024 تشهد المدينة أعتى المحاولات العسكرية الجادة من الدعم السريع للسيطرة عليها قبل أن تتوقّف عن مهاجمتها، على الرغم من سيطرتها على بقية مدن الولاية وآخرها النهود.

ووفقاً لعدد من المواطنين تحدّثوا لمراسل «أتَـر»، فإنّ سكّان المدينة، التي لم تشهد قتالاً عسكرياً لأكثر من عام، لم يعودوا إليها بعد أن هجروها في بداية الحرب.

وقال الهادي بريمة، وهو أحد سكّان المدينة الذين نزحوا إلى مدينة الأبيّض، إنّ جميع السكان نزحوا، ولم يتبقّ إلا عدد قليل منهم انتقلوا للعيش داخل الفرقة 22 بابنوسة، وهم حالياً يتقاسمون الطعام والماء مع الجنود، ويحمل بعضهم السلاح للدفاع عن المدينة وعن أنفسهم. ويقول بريمة إنّ كثيراً من سكّان بابنوسة لا ينتمون عِرْقياً إلى المنطقة، لذلك عندما اندلعت الحرب تعرّضوا لانتهاكات كثيرة، ونزحوا إلى مناطقهم الأصلية.

وظلّت بابنوسة تتعرّض لهجمات متتالية من قِبل الدعم السريع الذي حاول مراراً وتكراراً في الفترة ما بين نوفمبر 2023 وفبراير 2024 الوصول إلى الحامية 22، لكن قوة الجيش التي لا تزال تتمركز في المدينة ظلّت تتصدّى للهجوم.

ووفقاً لعدد من المصادر، فإنّ الدعم السريع وصلت في بعض الأوقات إلى عدد من أحياء المدينة قبل أن تُجبر سكّانها على الخروج منها. ويُقدَّر عدد المواطنين الذين نزحوا إلى خارج المدينة بأكثر من 170 ألفاً كما أخبرت قيادات أهلية من المدينة مراسل «أتَـر».

بعد سقوط النهود أصبح مصير بابنوسة معلّقاً على احتمالات عديدة، إذ تقول مصادر إنّ الجيش المتمركز في الفرقة 22 فتح حواراً غير معلن مع الدعم السريع بسحب قواته، وأن يعود المواطنون إلى المدينة بشرط عدم سيطرة الدعم السريع عليها.

وتؤكّد مصادر اشترطت عدم كشف هويّاتها، أنّ الدعم السريع تستعدّ حالياً للسيطرة على المدينة ورئاسة الفرقة 22 بالقوة، ودلّلت المصادر على ذلك بظهور المقدّم الفاتح قرشي؛ أحد القادة الميدانيّين بالدعم السريع والمتحدّث باسمها، والذي كان أحد قادة القوة التي احتلّت النهود، حيث ظهر في الأيام الماضية في مدينة المُجْلَد القريبة من بابنوسة، في إشارةٍ إلى أنّ الدعم السريع تتجهّز للانقضاض على آخر معاقل الجيش بولاية غرب كردفان.

Scroll to Top