أتر

أخطاء الشهادة السودانية: صدمات وشكوك

أعلنت وزارة التربية والتعليم، يوم الثلاثاء الأول من مايو، نتيجةَ امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجّلة 2023، التي جلس فيها 343,644 طالباً وطالبة في 2,300 مركز للامتحانات، منها 52 مركزاً خارج السودان، بنسبة نجاح بلغت 69%.

لم تكتمل فرحة المُمتَحَنين الذين أتمّوا عاماً دراسياً في ظروفٍ حربية بالغة التعقيد، حتى ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بشكاوى طلابٍ من نتائجهم. حصل طلابٌ على نتائجَ مختلفة حين أدخلوا رقم جلوسهم مرتين. حضر آخرون للامتحانات وأظهرت نتائجهم غياباً، وامتحن طلابٌ فصدرَتْ نتائجُهم بأسماء طالبات. كذلك رسَبَ طلابٌ بدرجات صادمة، رغم نتائجهم الممتازة في مرحلة الأساس وسنيّهم الأولى في المرحلة الثانوية، منهم طلاب إعادة، أحرزوا درجاتٍ جيدة في محاولتهم الأولى. رصدت «أتَـر» بعض هذه الحالات من خلال مقابلات من بعض الطلاب وأولياء أمورهم.

موضحاً لـ «أتَر»، قال مصدر رفيع في وزارة التربية والتعليم إنّ المشكلة تكمن في أنّ الطلاب أدخلوا أرقام الطوارئ بدلاً من أرقام الجلوس. وأرقامُ الطوارئ أرقامٌ مؤقتة، أُصدرت للطلاب، وهي إجراء اضطراري في ظلّ الحرب، وفق توصيات وزارة التربية والتعليم بالسماح للمُمتحَنين بالتسجيل في أيّ وقت، حتى في اليوم الأول من الامتحانات. وخُصِّصَ رقم الطوارئ للجلوس في الامتحانات فقط، ليُشطب في المُراقبة والتصحيح ومن ثم يُعطَى الطالب رقمَ جلوس فعلياً.

وأوضح المصدر أنّ رقم الجلوس كان يُستخرج سابقاً قبل شهر من إجراء الامتحانات، إذ تقوم المدارس بإرسال كشوفات بأسماء الطلاب وأرقامهم المتسلسلة لإدارة الامتحانات، ثم تستخرج الإدارة أرقام الجلوس للطُلاب على أساسها.

وفي ظل حالة الحرب التي تعيشها البلاد، سجّل بعض الطُلاب في الامتحانات قبل خمسة أيام فقط من إجرائها، وسجّل بعضهم أيضاً في ولايات مُختلفة بسبب النزوح المُتكرر.

وجدتُ زميلةَ مُنى في حالة من الاستغراب، إذ قالت لي إنها تحاول منذ الأمس إدخال رقم الطوارئ الذي جلست به للامتحانات لتعرف نتيجتها، وفي كلِّ مرة، تَظهر لها بياناتها نفسها والنتيجة رسوب. ولكن، عندما ذهبتْ إلى المدرسة، أخبروها بأن تُدخل رقماً آخر (هو رقم الجلوس الفعلي) وظهرت نتيجتها بنسبة نجاح تبلغ 77%

شهدت منى، الطالبة التي جسلت لامتحان الشهادة السودانية في يوغندا، بعضاً من هذه الفوضى. خاضت مُنى وأمها رحلة نزوحٍ طويلة بدأت في الخرطوم، ومرّت بعطبرة، ثم انتهت في يوغندا. هناك، التحقت مُنى أوَّلَ أمرها بمعهد للغة الإنجليزية لتُقويّ لغتها في محلّ إقامتها الجديد، ودخلت مدرسةً تُدرّس بالمنهج الجنوب السوداني، الذي يتطلّب السفر إلى دولة جنوب السودان لأداء الامتحان. ثم أعلنت وزارة التربية والتعليم السودانية الثامن والعشرين من ديسمبر 2024 موعداً لإقامة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة.

حين علمت مُنى بذلك، بدأت بالتحضير لامتحان الشهادة السودانية مع استمرارها في دراسة منهج جنوب السودان، حتى قررت في نهاية المطاف أن تجلس لامتحان الشهادة السودانية تجنّباً للسفر، فالتحقت بمركز الإسناد بالتعاون مع مدرسة الصداقة السودانية وراجعت دروسها وامتحانات الأعوام السابقة لمدة شهرين.

تحكي والدة منى عن أيام الامتحانات: «أسأل ابنتي حين تعود: كيف كان الامتحان؟ فتُقول: أجبت عن جميع الأسئلة، رُبما سأحرز 95%؛ هي طالبة مُجتهدة، كانت تُحرز درجات عالية في سنينها السابقة». عند إعلان النتيجة، صُدمت مُنى بنسبة نجاحها التي بلغت 62%، وبادرت والدتها بطمأنتها وإخبارها بأنّ للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد تأثيراً كبيراً على أداء الامتحانات.

لكن، بدأت والدة مُنى بالشك في سلامة ما حدث لابنتها حين ذهبت إلى المدرسة في اليوم التالي. تحكي لـ«أتر»: «وجدتُ زميلةَ مُنى في حالة من الاستغراب، إذ قالت لي إنها تحاول منذ الأمس إدخال رقم الطوارئ الذي جلست به للامتحانات لتعرف نتيجتها، وفي كلِّ مرة، تَظهر لها بياناتها نفسها والنتيجة رسوب. ولكن، عندما ذهبتْ إلى المدرسة، أخبروها بأن تُدخل رقماً آخر (هو رقم الجلوس الفعلي) وظهرت نتيجتها بنسبة نجاح تبلغ 77%». قررت والدة مُنى أن تُكمل تعليم ابنتها الجامعي على نفقتها الخاصة، قائلةً إنها واثقة من تفوق ابنتها في خطواتها المُقبلة.

أما والدةُ مبارك، فقد نزحت رفقةَ ابنها من الخرطوم إلى مدني، ثمّ سنار، فكسلا، وبعدها إلى بورتسودان، حتى استقرَّا في مصر. وكغيرها من نساء السودان، ادّخرت والدة مبارك خاتمين ذهبيّين، آملةً أن يُعيناها وأسرتها في بناء مستقبل أفضل. قبل الحرب، كانت خطتها أن تبيعهما لتدفع رسوم السنة الأولى بالجامعة لابنها، ولم تعلم أنّ الحرب ادّخرت لها «الموت والنزوح والجوع» كما وصفت.

تقول والدة مُبارك: «في الجزيرة، سمعنا ببداية التسجيل لامتحانات الشهادة السودانية، فبعتُ الخاتم الأول لتسجيل مُبارك، لكن لم تقم عملية التسجيل في الولاية التي دخلتها قوات الدعم السريع، وأنفقتُ المال في النزوح. وفي بورتسودان، بعت الخاتم الثاني وقُمت بتسجيل مبارك للامتحانات وصرفت الباقي على دروس التقوية وعملت في دُكان لبيع المأكولات لتغطية مصاريف المعيشة».

فُوجئتْ والدة مبارك بعد أن امتحن في مصر بحصوله على درجة (صفر) في مادة الكيمياء. تصفُ ذلك مستنكرة: «لا يمكن أن يحصل طالب على صفر في مادة على الإطلاق». لكن، لم يُثْنِ ذلك والدة مبارك وابنها عن سعيهما في بناء حياة أفضل. طمأنت الوالدة ابنها وقالت له إنّ الخير فيما اختار الله، وقرر الابن أن يواصل تعليمه، فالتحق بأحد المعاهد الحرفية المصرية، وهو الآن طالب دبلوم في هندسة التكييف والتبريد.

ليست هذه حالاتٍ فردية، فوفق ملاحظات مراسل «أتر» من رصده لشكاوى الطلاب في وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ معظم الأخطاء قد حدثت لطلاب جلسوا للامتحان في مراكز في مصر ويوغندا.

متحدثاً لـ «أتر»، قال الأستاذ سامي الباقر المُتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين إنّ مشكلات النتيجة كانت متوقعة بسبب الطريقة التي أجريت بها امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة 2023، وإنّ الظروف التي أجريت فيها الامتحانات حرمت حوالي 400,000 طالب وطالبة من أداء امتحاناتهم.

وأضاف: «ثبت في هذه النتيجة خلل كبير أدى لأن يخسر عدد مقدر من الطُلاب ثقتهم في امتحانات الشهادة السودانية». وطالبت لجنة المعلمين في بيان لها على فيسبوك بـ «إصدار قرار وزاري بتشكيل لجنة تحقيق في ما حدث، ومن ثم محاسبة كل من تسبب في هذه الكارثة، وإنصاف هؤلاء الطلاب فهذا أمر يحدد مصير أسر، سهرت وتعبت وصبرت، وكانت تنتظر بلهفة هذه النتيجة».

كما طالبت اللجنة «بضرورة إعادة النظر في الطريقة التي ستُجرى بها امتحانات 2024، بحيث يجري استيعاب جميع طلاب السودان، فما أحدثته امتحانات الشهادة السابقة من شرخ في المجتمع السوداني، يجب عدم تكراره حفاظاً على حقوق الطلاب ووحدة المجتمع السوداني».

مُعلّقاً على الامتحانات القادمة، يقول المصدر الذي تحدث لـ «أتر» من وزارة التربية والتعليم، إن الامتحانات القادمة ستُقام لدفعة 2023 – 2024 في 29 يونيو 2025، ويفوق عدد الطُلاب المتوقعين 500,000 طالب وطالبة. كما أن هُناك مُعالجات تجري الآن لجلب الطُلاب المُمتحنين من مُعسكر أبّشي وشرق تشاد واستضافتهم في الولاية الشمالية، ويصل عددهم لقُرابة 20,000 طالب وطالبة.

Scroll to Top