أتر

متحرّك الصيّاد: إلى أين؟

في أبريل 2023، قضى الرقيب أول محمد عبد الله بدوي الصيّاد نحبَه في المعارك الحامية التي اشتعلَتْ في الخرطوم. كان الصيّاد ضابطَ صفٍّ في سلاح الكيمياء بالخرطوم، ومسقطُ رأسه قرية السِّمِيح شرقي مدينة الرَّهَد أبو دَكَنة بولاية شمال كردفان. كانت حينها نيران الحرب محصورةً في العاصمة ومرَوي، وحول الفرَق والوحدات العسكرية في بعض المُدُن الكبيرة مثل الأبيّض حاضرة شمال كردفان.

خلال الأشهر التي تلَتْ ذلك اليوم، تفشَّت نيران الحرب مع توسّع قوات الدعم السريع وانتشارها في مختلف الولايات، ونالت ولاية شمال كردفان نصيبها من ذلك. سيطَرَتْ قوات الدعم السريع على أم روابة، في سبتمبر 2023، ومن ثمّ قرية ود عَشَانا الحدودية بين شمال كردفان والنيل الأبيض في أكتوبر 2023، وأطبقت بحصار خانق من ثلاثة محاور على عاصمة ولاية شمال كردفان، الأبيّض، التي ظلت تُعاني الويل منذ يونيو 2023. أُغلِقت طرقٌ رئيسة عدّة، من بينها الطريق القومي الرابط بين الأبيّض وكوستي. ودخلت الدعم السريع قرية السِّمِيح، مسقط رأس «الشهيد الصيّاد».

بحسب مصدر عسكري تحدّث لـ «أتَـر»، كُوِّن مُتحرّك الصياد في يوليو 2023، وتعاقب على قيادته خمسة قادة. ويقول إنّ أمر القيادة في المتحرك له موازنات خاصة واعتبارات كثيرة. ورغم مُشاركة الفرقة 16 مشاة، وما يُشاع عن قيادة العميد ركن حسين محمد جودات للمتحرّك، ظلّت قيادتُه لضباط آخرين – وفق مصادر مُتعدِّدة –  منهم العميد ركن دكتور عمر حسن محمد حميدة، ومن ثمّ العميد ركن عبد الرحيم محمد كافي، الذي جرت معظم العمليات العسكرية المحورية تحت قيادته، وأخيراً العميد ركن نبيل يوسف، الذي تسلَّم قيادة المتحرك في 20 مارس 2025.

انطلق الصيّاد، المُتحرِّك العسكري، بعد مقتل الرقيب أول محمد بدوي الصيّاد، بعامٍ كامل، في أبريل 2024، واتخذ من مدينة تندَلتي مرتكزاً له أولاً. وبحسب ضابط في المتحرّك، تحدث إلى «أتَـر»، كُوِّنَ التشكيل الأوّلي للمتحرّك من كتيبةٍ تتبع للفرقة الخامسة مشاة «الهجّانة» التي تقع قيادتها في مدينة الأبيض، ومستنفرين من أم روابة، ومن قرية السِّميح، مسقط رأس الصيّاد، وحينها سُمِّي المُتحرّك باسمه تكريماً له.

ضُمَّت إلى المتحرك تشكيلاتٌ عسكريةٌ مُختلفة، من الفرقة 18 مشاة – كوستي، التي دعمت المتحرك لوجستياً وميدانياً منذ بدء تحرّكه وارتكازه في مدينة ود عَشَانا، والفرقة 16 مشاة – نيالا، والفرقة 10 مشاة – أبو جبيهة، وقواتٌ من جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وفي أبريل 2024، خاطب نائب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول شمس الدين الكباشي، المتحرّك في تندلتي قبل انطلاقه.

ويبدو أنّ الجيش قد فهم أن طبيعة المعارك تتطلَّب وجود قوة على نسقٍ أقرب إلى تشكيل الدعم السريع، سواءٌ أَكان على مستوى القيادة أم التكوين. قوّةٌ خفيفةُ الحركة من ناحية التسليح، ورشيقة قيادياً، وذات أهداف مُحدَّدة وإن كانت ديناميكية.

دخل الصيّاد أتون حرب صعبة في صحارى كردفان، وانطلق في مطلع ديسمبر 2024 من مدينة تندلتي قاصداً مدينة أم روابة الواقعة شرقها على بعد 75 كيلومتراً، وهي المدينة التي تُعدُّ استراتيجيةً في إقليم كردفان، ليمضي منها إلى مدينة ود عشانا متخذاً منها مرتكزاً جديداً بعد تسعة أشهر من ارتكازه وتجمّعه في تندلتي. وتعرَّض المتحرِّك في ود عشانا لضربات مُسيّرات من قِبل الدعم السريع. وفي ديسمبر 2024، تمكّن الصيّاد من استعادة الغبشة، الواقعة في منتصف الطريق بين تندلتي وأم روابة.

بدأ الصيّاد تحقيق انتصاراته الكبيرة مطلعَ عام 2025، فتمكّن أخيراً من استعادة مدينة أم روابة، ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان في 30 يناير 2025، رفقة متحرّك الشهيد المصري، مُحقّقاً انتصاراً استراتيجياً مُهمّاً، ومن ثمّ تمكّن في 17 فبراير من استعادة الرهد أبو دكنة، إحدى أكبر مدن الولاية، الواقعة على بعد 74 كيلومتراً تقريباً شرق أم روابة، وحوالي 79 جنوب شرق حاضرة الإقليم الأبيض.

استعاد متحرك الصيّاد في هذه الفترة السِّميح، قرية محمد عبد الله الصيّاد، وزار قائد المتحرّك حينها، العميد ركن عبد الرحيم محمد كافي، منزل محمد عبد الله الصيّاد.   

في 23 فبراير 2025، التحمَ الصيّاد بقوات الفرقة الخامسة مشاة – الأبيض، ما أدّى إلى فكّ الحصار عن المدينة، وفتح الطريق القومي الرابط بين الأبيض وكوستي. وقد يكون ذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي تشكّلت من أجله هذه القوة المتنقّلة.

بفتح الطريق القومي بين كوستي والأبيّض، حقَّقَتْ عمليات مُتحرّك الصيّاد مكاسبَ عسكرية مُهمَّة، مُمثلةً في انسياب الإمدادات العسكرية نحو الأبيّض وغيرها من مدن ولاية شمال كردفان بسهولة؛ ما جعلها نقطةً للانطلاق نحو مناطق أوسع في كردفان ودارفور. ولكنّ قيمتها لم تقتصر على ذلك، إذ سهّل فتحُ الطريق عبورَ السلع في أحد أهمِّ الطرق التجارية بالبلاد، كما بدأت الحياة تُدبُّ من جديد في مناطق عدة بالولاية.

بعد العمليات العسكرية، عادَتْ الشرطة والأجهزة القضائية في مدينة أم روابة، وتحسَّنَتْ الاتصالات على نحوٍ ملحوظ، وانطلَقَ العامُ الدراسي في المدينة في أبريل المنصرم، وانخفضت أسعار السلع بسبب فتح الطريق القومي، وهو انخفاض لوحظ أيضاً في مدينة الأبيض، التي لا تزال تُعاني من صعوبات أخرى بسبب استمرار الحصار من الجهتين الغربية والشمالية. وتضرّرت حركة الصادر والوارد في الأبيض بشدّة منذ نشوب الحرب في 15 أبريل، واتخذت الحركة التجارية مراكزَ وطرقاً بديلة، منها مدينة تندلتي التي غدت ممرّاً جديداً للماشية وبورصةً للمحاصيل، كما شهد تراجُع الأبيّض ازدهار سوق المحاصيل في بورصة النهود، بولاية غرب كردفان المجاورة.

بتحقيقه مهمّته الأولى، أنيطت بمتحرّك الصيّاد مهامّ عسكرية جديدة، وعُزِّزَ بقوات تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، وفق ما قاله ضابط تحدَّث إلى «أتَـر». بعدها، بدأ الصيّاد التحرُّك صوب مدينة الدِّبيبات الواقعة في ولاية جنوب كردفان على بُعد 100 كيلومتر تقريباً جنوب الأبيّض. وفي الفترة ما بين التاسع والرابع عشر من الشهر الجاري تمكّن الصيّاد من استعادة عدة مناطق جنوب مدينة الأبيض منها كازْقيل والنّيلة والبانْ جديد وأم عردة. واستعاد الصيّاد وحدة الحمّادي الإدارية التابعة لولاية جنوب كردفان. وفي يوم الثلاثاء 13 مايو، اقترب الجيش من مدينة الدِّبيبات، بينما انسحب الدعم السريع منها إلى مدينة أبو زَبَد يوم الأربعاء 14 مايو، وفق مصادر محلية بولاية جنوب كردفان تحدّثت إلى «أتَـر».

وفي مسارٍ آخر، تمكّن الصياد خلال شهري أبريل – مايو الجاري، من استعادة منطقة العيّارة غرب الأبيض، ومنها انطلق نحو الخِوَي التي تدور فيها معارك ضارية لليوم الثالث بين الجيش والدعم السريع.

Scroll to Top