أتر

دفتر أحوال السودان (77): من زمزم وأبو شوك، والدِّبيبات، والكاملين، وشرق النيل

زمزم وأبو شوك: المدافع وأزمة الغذاء تفتك بالأرجاء

لا تزال معسكرات النزوح بشمال دارفور، ولا سيّما أبوشوك، وزمزم، والأحياء السكنية القريبة لمقر الجيش وارتكارات القوات المشتركة مثل خطّ أبوشوك والصحافة والنصر والقبة وأولاد الريف؛ تعيش حالةً من العنف المسلّح بنحو شبه يوميّ. ويبعد معسكر أبو شوك من مدينة الفاشر حوالي 7.4 كلم شمالاً، بينما يبعد منها معسكر زمزم 18.5 كلم جنوباً.

ولم تعد أصوات المدافع أمراً مفاجئاً للناس في المنطقة، وسط معاناةٍ إنسانيّة خانقة. وتكاد الأسواق تخلو من أي مواد غذائية، مع ندرة في المياه وانقطاع الكهرباء وتردٍّ في الخدمة الصحية، ونداءات الإغاثة لم تعد تجدي.

وبحسب مصادر محلية تحدّثت لمراسل «أتَـر»، قصفت الدعم السريع، بالتدوين المدفعي، معسكر أبوشوك للنازحين، في السادس من مايو الجاري، ما أدّى إلى مقتل أكثر من ستة أشخاص وإصابة ما لا يقلّ عن عشرين مواطناً. وفي العاشر من مايو، عاودت الدعم السريع القصف المدفعي على المعسكر، ما أسفر عن مقتل أربعة عشر شخصاً بينهم أفراد أسرةٍ كاملة وهي أسرة عبد الله سالم بخيت، وإصابة آخرين. كما استهدفت في الثاني عشر من مايو حي أولاد الريف بالفاشر، ما أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن سبعة أشخاص وإصابة آخرين. وفي الرابع عشر من مايو، قصفَت الدعم السريع مجدداً المعسكر ما أدّى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة خمسة آخرين بينهم نساء، كما تعرّضت تكيّة في مدينة الفاشر لقصف مدفعي من قِبل الدعم السريع تسبّبَ في إصابات متفاوتة في أفراد اللجنة العاملة بها وتدمير العديد من الممتلكات.

وحسب عمران عيسى، أحد سكّان مدينة الفاشر ونازح إلى طويلة بشمال دارفور، فإنّ الأوضاع الإنسانية تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، في ظلّ توقّف معظم المطابخ الجماعية بمختلف المناطق. وتبعاً لنقص الغذاء والدواء ازدادت حالات الوفيات بسبب سوء التغذية والأمراض، إذ يعاني المواطنون من انعدام الكاش والمواد الغذائية في المناطق المجاورة للفاشر، فيلجأون إلى جلب الماشية وبيعها أو مقايضتها مقابل ما بقي في الفاشر من مواد غذائية. ويضيف عيسى لمراسل «أتَـر»: «أصبح الناس داخل الفاشر يأكلون العدسية فقط وأحياناً معها اللحم الذي يُباع بأسعار بخسة». وفي المقابل يضطر بعض الناس في معسكرات النازحين إلى تناول علف الحيوانات وأوراق الشجر وبقايا الخبز واستخدام ملح الأفران بديلاً للملح العادي المُنعدم.

ويقول إنّ أسعار المواد الغذائية المتوفرة تتفاوت بين المعسكرات ومدينة الفاشر، فبينما يبلغ سعر رطل السكر 1500 جنيه، وقطعة الصابون ألف جنيه في طويلة، فإنه يتجاوز في الفاشر 12 ألف جنيه، و5 آلاف جنيه على التوالي. وفي الآونة الأخيرة باتت غرف الطوارئ التي تقدّم الوجبات الجماعية تعاني في الحصول على المواد الغذائية واستلام المبالغ المالية، إذ تتحكّم في ذلك عوامل الانتماء الإثني والولاء السياسي والمكانة الاجتماعية، ما أحدث فوارق في حصول الأهالي على الطعام، فهناك من يحصل على وجبات بعدة أصناف، بينما هناك من ليس بمقدروه الحصول على قطعة خبز يابسة.

ويلفت عيسى إلى تزايُدٍ مستمرٍّ في حجم النزوح من الفاشر ومعسكرات زمزم وأبوشوك إلى طويلة، على نحو يوميّ. وتشير غرفة طوارئ الطينة، إلى أنّ أكثر من عشرين ألف لاجئ وصلوا إلى الطينة التشادية، وأنّ هناك العديد من الأسر وصلت سيراً على الأقدام، بينها أعداد كبيرة من الأطفال دون أسرهم، بعد أن قُتل أو سُجن ذووهم من قِبل الدعم السريع في الطريق، كما أنّ هناك كثيراً من الأمهات وصلن إلى منطقة الطينة، وما زلن يبحثن عن مصير أطفالهن المفقودين.

وتفيد مصادر محلية بالفاشر، بأنّ هناك أعداداً كبيرة من الأسر لا تزال عالقة بمعسكر زمزم للنازحين الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع منذ 14 أبريل الماضي، وسط أوضاع مأساوية، بجانب تكرار حالات نهب المواطنين، وتوقف المركز الصحي الوحيد في المعسكر، وتوقف السوق الرئيس وأجهزة «ستارلينك» ومنع استخدامها داخل المعسكر، وسط مخاوف من الذهاب إلى مناطق أخرى تعاني أيضاً من نقص الخدمات الأساسية.

وحسب بيان صادر عن مصفوفة تتبّع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية مؤخراً، فإنّ حوالي 180 ألف شخص ما زالوا عالقين في معسكر زمزم، بينما نزح حوالي 303 آلاف إلى بلدة طويلة، و83 ألفاً إلى الفاشر، و9 آلاف إلى مدن كبكابيّة وكُتُم ودار السلام وملّيط، منذ 13 أبريل الماضي.

وتقول اليونيسف، إنّ حوالي 450,000 شخص فرّوا من الهجمات في الفاشر وزمزم وأبو شوك، ووصلوا إلى منطقة طويلة، مشيرةً إلى أنهم يقدّمون رعاية منقذة للحياة في 14 مركزاً صحياً، بجانب توفير المياه النظيفة والآمنة للأهالي بما يصل إلى 200,000 شخص. وتؤكّد المنظّمة المعنية بالطفولة أنّ «الاحتياجات أكبر بكثير، ولا يزال الوصول إليها مقيّداً».

الدِّبيبات: المدينة في قبضة العصابات

ظلّت مدينة الدِّبيبات، التابعة لمحلية القوز بولاية جنوب كردفان، منذ أبريل المنصرم مسرحاً للانتهاكات المتكرّرة بين طرفي الحرب ومجموعات «الشّفشَفة المسلّحة». وقال سكّان من المدينة تحدثوا لمراسل «أتَـر»، إنّ الدعم السريع انسحبت إلى جهة أبو زبد بغرب كردفان بعد سيطرة الجيش على وحدة الحمّادي الإدارية التابعة لمحلية القوز والتي تقع على بُعد كيلومترات قليلة من الدّبيبات.

وعقب ذلك اجتاح المدينة عشرات المسلّحين الذين قتلوا عشرة أشخاص وأصيب أكثر من 17 شخصاً بإصابات متفاوتة، ونهبوا ممتلكات المواطنين من المنازل والمحلات التجارية وأحرقوا عدة منازل وروّعوا النساء والأطفال باستخدام الأسلحة النارية. ويقول شهود عيان إنّ المسلّحين والعصابات قد استباحوا المدينة لأكثر من 24 ساعة.

وفي أواخر أبريل تعرّضت قريتا أولاد يونس وحلة عبد المحمود الواقعتان على بعد أربعة كيلومترات من الدِّبيبات لاجتياحٍ مباغت من قِبل أفراد من الدعم السريع. كذلك تعرّض عدد من سكان الحمّادي إلى إصابات جراء الإطلاق العشوائي للرصاص من قِبل متحرّك الجيش الذي سيطر أخيراً على البلدة التي نزح عدد من سكانها خوفاً من الاتهام بالتعاون مع الدعم السريع التي كانت تسيطر على المنطقة لما يزيد عن سنتين.

وتُفيد المعلومات التي حصل عليها مراسل «أتَـر»، بأن العصابات المُسلّحة التي استغلت خلوَّ الدبيبات من أي وجود عسكري، أفرغت تحت تهديد السلاح المتاجر والمخازن من السلع والمواد الغذائية الشحيحة التي كانت متوفرة بسوق المدينة بجانب استيلائها على المؤن والمحاصيل الزراعية القليلة التي كان يحتفظ بها السكان في منازلهم.

وعاش سكّان المدينة حالة ذعر بالغ جراء إطلاق النار والتهديد بالأسلحة من قبل العصابات، وقد وثّقوا جرائمهم في عدة مناطق منها سوق المدينة الرئيس، حيث ظهروا في مقاطع ڤيديو اطّلع عليها مراسل «أتَـر» أثناء انتشارهم وسط المدينة وفي أطرافها. ويتوقّع سكان المدينة حدوث عمليات انتقام أخرى في حالة عودة الدعم السريع أو اكتمال سيطرة الجيش الذي يتمركز على بعد كيلومترات منها.

وتُعتبر الدّبيبات مركزاً استراتيجياً لطرفي الحرب، إذ ترتبط عبر طريق قوميّ من الناحية الغربية مع أبو زبَد، والفولة. ومن الناحية الشرقية العباسية تقَلي بجنوب كردفان، ومن الناحية الجنوبية مع سوق النعام على حدود دولة جنوب السودان ومن الناحية الشمالية يربطها الطريق القومي بمدينة الأبيّض، وسيطرة أيّ طرف عليها تجعله متحكّماً في مسارات أهمّ الطُّرق التجارية بين إقليم دارفور وجنوب كردفان وشمالها.

وشهدت المدينة حالة نزوح حادّة يوم الأربعاء الماضي إلى القرى المجاورة التي استقبلت سابقاً مئات من سكّان المدينة، التي تكرّر لأكثر من مرة تعرّضها لانتهاكات من قِبل مسلّحين ينشطون في نهب ممتلكات المواطنين بجانب حوادث نهب عديدة ارتكبها أفراد الدعم السريع قبل انسحابهم منها يوم الأربعاء الرابع عشر من مايو الجاري.

الكاملين: انقطاع الكهرباء والمياه

تُعاني مدينة الكاملين جنوبي الخرطوم والتابعة لولاية الجزيرة، من أزمة مياه حادّة بحسب مصادر محلية تحدّثت لمراسل «أتَـر»، وأضافت أنّ السبب الأساسي في أزمة المياه هو تذبذب الكهرباء الذي عمّ جميع أنحاء الولاية. وتُجلب المياه من المناطق القريبة التي يتوفر فيها الماء كمنطقة كلكول حيث توجد محطة مياه تعمل بالطاقة الشمسية. ويبلغ سعر برميل المياه 4 آلاف جنيه. وأحياناً تُجلَب المياه من النهر، الأمر الذي يشكّل خطراً صحياً على المواطنين ما لم تَجرِ عملية تعقيم عليها.

يُخيِّم الظلام على المدينة التي تعمل فيها الكهرباء بنحو متذبذب ولساعات قليلة. وقد تنقطع من بعض المناطق أسبوعاً كاملاً، وفي أخرى شهراً، وحُرمت مناطق أخرى من الكهرباء شهوراً مُتطاولة. وبدأ سكّان المدينة الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية. تقول صفية، وهي إحدى مواطنات الكاملين، إنهم يضطرون إلى شراء ربع لوح من الثلج يومياً بمبلغ يتراوح ما بين 3 و4 آلاف جنيه بعد انقطاع الكهرباء لأمد طويل واستغنائهم عن الثلاجة. ويتراوح سعر لوح الثلج بين 12 و16 ألف جنيه.

رغم ذلك عادت المراكز الصحية ومستشفى الكاملين التعليمي للعمل، لكنه لا يزال في حاجة إلى تحسين الخدمات. تقول إحدى الممرّضات العاملات الكاملين لمراسل «أتَـر»: «في السابق توقّف المستشفى بسبب عدم استقرار التيار الكهربائي، إذ كان يعمل قسم الحوادث فقط، لكن حالياً تسير الأمور إلى تحسّن بعد تشغيل أقسام غسيل الكلى والنساء والتوليد، وقسم البصريات». وتنتشر أمراض حمّى الضنك والملاريا، في القرى القريبة من الكاملين.

بعد تحرير ولاية الجزيرة، لم يستطع كثيرٌ من سكان المدينة العودة إليها بسبب صعوبة الأوضاع العامّة وتردّي الخدمات، كما أن أغلب من عادوا كانوا من النازحين إلى الولايات القريبة من الجزيرة، أما الذين نزحوا إلى ولايات أكثر استقراراً فإنهم لم يعودوا حتى الآن.

ورغم عودة شبكات الاتصالات، يعاني السكان من أزمة في السيولة النقدية كحال كثير من الولايات بعد الحرب، وبلغت نسبة ما يقتطعه تجار الكاش عن طريق تطبيق بنكك 5 إلى 10%.

تصف الرضية، إحدى ساكنات الكاملين الوضع الأمني بمدينة الكاملين بأنه مستقرّ ومطمئن، وقد بدأ الناس يعودون إلى منازلهم وأعمالهم، كما أنّ سوق الكاملين يشهد حركة جيدة، وتُجلب بضائعه من عطبرة وشندي وشرق السودان.

ورغم شكاوى المواطنين من المحسوبية في توزيع المساعدات الإنسانية، ظلّت المنظمات الدولية تقدم الدعم والإغاثة.

وتقع مدينة الكاملين شمال ولاية الجزيرة على ضفاف النيل الأزرق على 84.1 كلم جنوب مدينة الخرطوم، وعلى بعد 99.2 كلم شمال ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة. وكانت مدينة الكاملين آخر منطقة جرت استعادتها إلى سيطرة الجيش من ولاية الجزيرة في بدايات فبراير الماضي بواسطة الجيش السوداني. وتضمّ محلية الكاملين أربع وحدات إدارية هي: الكاملين، المَسيد، المِعِيلق، الصناعات. ويقوم اقتصادها على زراعة البساتين والتجارة والصناعة، لكن مع وضع الحرب تأثرت جميع هذه القطاعات، خاصة الصناعي.

السلعة السعر (بالجنيه السوداني)
جالون البنزين15,000
جالون الجازولين14,000
العيش (7 أرغفة)1,000
جوال الدقيق35,000
جوال السكر (10 كيلو)30,000
جوال الذرة190,000
جوال القمح240,000
جوال الفحم75,000
غاز الطهي50,000
ملوة البصل1,500
رطل اللبن12,000
عبوة الزيت (36 رطل)160,000

أسعار بعض السلع والمواد الغذائية بالكاملين

شرق النيل: مظاهر الحرب لا تزال مسيطرة

عاد محمد من القاهرة إلى منزله بمحلية شرق النيل حي القادسية بعد رحلة لجوء امتدّت لسنة، بعد سيطرة القوات المسلحة على المنطقة. يقول لمراسل «أتَـر» إنّ المياه متوفرة عن طريق البوابير التي تعمل بالطاقة الشمسية، بعد أن شحّت في الخط العام. وتتوفر ثلاث مرات في الأسبوع: السبت والاثنين والخميس.

قطاع الكهرباء هو الأكثر تضرّراً في المحلية. يقول محمد: «يُقال لنا إنها تحت الصيانة، ولا أحد يعلم متى ستعود، بعد انقطاعها منذ سنة ونصف».

مع تعرّض مستشفى شرق النيل لقصف الطيران منذ الشهر الأول في الحرب، ظلّ سكان حي القادسية يعتمدون على مستشفى البان جديد الذي تنقصه كثيرٌ من الخدمات، وأحياناً لا تتوفر فيه أبسط الأدوية مثل المسكّنات والحقن، ولا يزال مستشفى شرق النيل مغلقاً حتى الآن. وتفتقر الصيدليات إلى كثير من الأدوية، فضلاً عن ندرة الصيدليات العاملة، إذ توجد صيدليتان فقط تعملان بانتظام، لذلك يصعب الحصول على الدواء. 

من ناحية أمنية، يرى محمد أن الأوضاع أفضل، وقد نصب الجيش بعد سيطرته على المنطقة ارتكازاً داخل الحي، لحماية المواطنين من الاعتداءات. ولا تزال مظاهر للحرب مسيطرة على المنطقة، ومن حين إلى آخر يعثر السكان على جثث أو هياكل عظمية في بعض الطرقات، وكثير من المنازل خالية وأصحبت أشبه ببيوت الأشباح بحسب تعبير محمد. 

يعتمد سكان الحي على سوق حي دار السلام المغاربة في جلب احتياجاتهم اليومية، بعد توقّف سوق حلة كوكو الذي كان يُعدّ من أكبر أسواق المنطقة. وبدت مظاهر الانتعاش على سوق ستة بالحاج يوسف، بعد عودة عدد كبير من التجار إلى العمل، وبعضهم يعملون على تنظيف دكاكينهم استعداداً لمزاولة العمل. 

ارتفعت أسعار السلع ارتفاعاً بالغاً، ما ضاعف من معاناة السكان. يقول محمد: «الأسعار مرتفعة جداً وكثير من الأسر لا تستطيع تلبية احتياجاتها خاصة الأسر الكبيرة». وتُباع أقلّ كمية من السلَطة بألفَي جنيه سوداني، والخبز 7 أرغفة بألف جنيه، وملوة الدقيق بـ 10 آلاف جنيه، وكيلو اللحم العجّالي بـ 20 ألف جنيه وكيلو اللحم الضأن بـ 26 ألف جنيه، وملوة البصل بـ 3 آلاف جنيه، ولتر الزيت بـ 6 آلاف جنيه.

ويفتقر حَيَّا القادسية ودار السلام المغاربة إلى المتطوّعين، ولا يوجد فيها نشاط ملحوظ لغرف الطوارئ، على عكس الأحياء الأخرى في المحلية، حيث تعمل مبادرات على تنظيف الحي وإزالة الآثار السالبة.

Scroll to Top