أتر

المياه والكوليرا: السبب والنتيجة

تشهد مدينة أم درمان وأجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، تفشِّياً مروّعاً لوباء الكوليرا بين السكّان. ومع غياب المصادر الآمنة للمياه، لجأ السكّان إلى استخدام مياه مجلوبة من النيل مُباشرةً دون عمليات مُعالجة، وسط نقص حادّ في الكوادر الطبية والمحاليل والأدوية في مراكز العزل والمستشفيات التي امتلأت عنابرها وخيامها وأفنيتها وساحاتها بالمرضى في مشاهد مؤلمة وقاسية.

حتى 27 مايو الجاري، بلغت أعداد المصابين بالكوليرا أكثر من 2729 إصابة و172 حالة وفاة، سجَّلتها وزارة الصحة الاتحادية في اجتماع مركز عمليات الطوارئ الاتحادي خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة. وسُجِّلَتْ 90% من الإصابات والوفيات الجديدة في ولاية الخرطوم، خاصة المناطق الواقعة جنوب المدينة وفي مدينة أم درمان شمال غرب العاصمة.

 وقالت اليونيسف، إن خطر الكوليرا يُهدِّد أكثر من مليون طفل مع تفاقم انتشاره في ولاية الخرطوم.

وأوضح مكتب الإعلام بوزارة الصحة الولائية لـ «أتر»، أنه جرى «تطهير لـ 1452 منزلاً ودار إيواء من محليات أم درمان، وكرري، وبحري وجبل أولياء، وتوزيع 4360 حبة كلور، وبلغ عدد المستفيدين من تعزيز الصحة 2679 مواطناً». ورفضت الوزارة الإشارة بدقة إلى عدد الوفيات أو المرضى الذين لا يزالون في مراكز العزل.

وبلغت حصيلة الوفيات الأولية بحسب بيان من نقابة الأطباء 1011 حالة وفاة، منها 346 حالة وفاة في الخرطوم، و57 حالة وفاة في شمال كردفان، و33 حالة وفاة في ولاية نهر النيل، و30 في الشمالية، و45 في ولاية الجزيرة، وأكثر من 500 حالة وفاة في أم درمان.

استقبل مستشفى النو بمحلية كرري أكثر حالات الإصابة. وبحسب شهود عيان، فإن جزءاً من المصابين يتلقُّون العلاج، في أوضاع مُزرية، في الشارع العام وأمام مرأى الجميع، خارج مركز العزل الخاص بهم.

ووصفت نقابة الأطباء الوضع بالخطير، وقالت في 27 مايو الجاري، إن الكوليرا انتشرت وسط نقص حاد في المحاليل الوريدية، وشُح في الكوادر الطبية، وعدم توفر مصادر مياه نظيفة، وغياب شبه كامل لوسائل التعقيم والمُطهّرات، إلى جانب ضعف الطاقة الاستيعابية للمستشفيات ومراكز العزل أمام الأعداد المتزايدة من المرضى.

وأطلقت شبكة أطباء السودان، نداءً عاجلاً للسلطات الصحية ممثلة في وزارة الصحة، لتَدارُك الموقف عقب انتشار وباء الكوليرا وارتفاع حالات الإصابة بمستشفى النو فقط لأكثر من 521 حالة، توفيت منها 9 حالات يوم الخميس 22 مايو.

وأوضحت الشبكة في بيان، أنه جرى عزل 183 حالة إصابة بمستشفى النو في مدينة أم درمان، بينما تزايَدَ تسجيلُ حالات الإصابة في مستشفى بشائر، والمستشفى التركي جنوب الخرطوم، ومستشفى البان جديد بمحلية شرق النيل.

استقبل مستشفى النو بمحلية كرري أكثر حالات الإصابة. وبحسب شهود عيان، فإن جزءاً من المصابين يتلقُّون العلاج، في أوضاع مُزرية، في الشارع العام وأمام مرأى الجميع، خارج مركز العزل الخاص بهم. وبحسب تنسيقية لجان مقاومة كرري، نُقلت مواقفُ المواصلات العامة، وأُغلقت المحال التجارية حول مستشفى النو، خوفاً من تزايد انتشار العدوى بين المواطنين.

وذكرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان «أن الكوليرا تهدد أرواح السودانيين في سبع ولايات»، إضافة إلى «آلاف الإصابات بالإسهالات المائية ويُرجَّح أن يكون معظمها كوليرا، مع نقص حاد في المحاليل الوريدية والمستلزمات الطبية الأخرى، وكذلك في الكوادر الطبية».

وبحسب طبيبة تعمل في مستشفى النو بأم درمان، تحدثت لـ «أتر»، فإنهم يتعاملون مع الحالات التي تأتي إليهم وفق بروتوكول الكوليرا المُعتمد عالمياً، بحسب الأعراض المُنتشرة، وقد أظهر تصاعداً في حالات التعافي، ما ينفي أن تكون الحالات المنتشرة بسبب مرض آخر، كالإسهال المائي أو التسمُّم.  

عجز المستشفيات

صورة من مستشفى أمبدة في مدينة أمدرمان

حصلت «أتر» على صور من مركزي العزل التابعين لمستشفيَي النو وأمبدة، وهما يكتظان بالمرضى والمرافقين. وتداولت وسائط التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، تحققت «أتر» من أنها في مركز العزل التابع لمستشفى النو والواقع في الاتجاه الغربي للمستشفى، تَظهر فيها أجساد المرضى مُلقاةً على الأرض عند المداخل، ويحمل المرافقون المحاليل الوريدية، لعدم توافر حوامل لتعليق المحاليل. ولجأ كثيرٌ من المرضى إلى ظلال الأشجار، مُفترشين الأرض، وبعضهم أتوا بألحفة من منازلهم، في ظل ارتفاع درجات الحرارة ولهيب السموم.

وبحسب متطوع بمستشفى النو، تتركز الإصابات على نحو خاص في مناطق غرب الحارات، والجموعية، والصالحة جنوبي أم درمان.

وتضم الولاية حالياً عدداً من مراكز عزل مرضى الكوليرا، وهي: مستشفى النو، ومستشفى محمد الأمين للأطفال (التابع لمستشفى أم درمان)، البلك، الفتح، والجزيرة اسلانج، مستشفى أمبدة، الفتيحاب، الصالحة؛ إضافة إلى مراكز عزل في مستشفى البان جديد بمحلية شرق النيل، ومستشفى بشائر والمستشفى التركي جنوب الخرطوم، رغم ما يعانيانه من نقص حاد في الكوادر والأدوية والمعدات. ويقع مركز عزل مستشفى النو في ميدان المستشفى، وهو عبارة عن «خلوة» حُولت لهذا الغرض من قِبل إدارة المستشفى قبل تسعة أشهر، بحسب ما أخبر أحد المتطوعين في المستشفى.

وتعتمد ولاية الخرطوم على جهود المتطوعين والمنظمات العالمية والمحلية على نحو واسع في تقديم الخدمات الصحية. ويبذل المتطوعون محاولات لتوفير أبسط الضروريات مثل المحاليل الوريدية.

وقالت لجان مقاومة الثورة الحارة الثامنة بأم درمان، «إن اكتظاظ مركز العزل بمستشفى أم درمان، أدى إلى تنويم بعض المصابين بالكوليرا على الطرقات في مأساة إنسانية وتدهور للوضع الصحي»، وحذرت يوم الاثنين 26 مايو الجاري من أن وباء الكوليرا بدأ بالانتشار بالحارة الثامنة، مُعلنةً تكدّس مركز العزل بمستشفى أم درمان بالمصابين الجدد، وانعدام الأماكن الخالية.

ويتهم عدد من المتطوعين في مراكز العزل وزارةَ الصحة بولاية الخرطوم بتعمّد التقليل من حجم الكارثة، ويقول المتطوعون لـ «أتر» إن سكان الولاية عاشوا في الأيام الماضية حالة من الذعر بعد أن أصبح المرضى يموتون على الطرقات العامة، وفي المساجد، وتفيأ بعض ذوي المرضى الأشجار والمقاهي وهم يوصلون المحاليل الوريدية بسواعد للمرضى.

وأفاد متطوعون بمستشفى النو بوصول سيارات إسعاف وزارة الصحة ونقل المرضى إلى مستشفى أمبدة النموذجي. وقال أحد متطوعي غرف طوارئ أم درمان مُتحدثاً لـ «أتر»، إن الوضع داخل مستشفى النو ازداد سوءاً بعد أسبوع من تفاقم انتشار وباء الكوليرا في أم درمان، إذ جرى تشديد الإجراءات عند البوابات، لكن دون خطة واضحة أو تنظيم فعّال، وأضاف: «ظهرت المحلية وطاقمها، وأزالوا الأكشاك والمقاهي المحيطة بالمستشفى، لكن المفاجأة كانت في اليوم التالي عندما عاد كل شيء إلى سابق عهده، وكأن شيئاً لم يكن».

ووصف المتطوع الوضع في مراكز العزل بالكارثي، حيث تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، بينما تتخلَّف وزارة الصحة عن تقديم الدعم اللازم. وأضاف أن الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة لا تعكس حتى نصف حجم المأساة الحقيقية على الأرض. ولفت إلى أن بعض المصابين بالمرض يتجولون في الشوارع لأنهم لم يجدوا مكاناً في المراكز الطبية، ولا كادراً طبياً لرعايتهم، ولا حتى أدوية لعلاجهم.

صورة من مستشفى النو في مدينة أمدرمان

وأوضح أن المتطوعين انقسموا إلى فرق عمل مختلفة: فريق يتولى مهمة النظافة في مراكز العزل، وآخر يحاول سد العجز الطبي من المحاليل الوريدية عن طريق جمع التبرعات، بينما ينتشر فريق ثالث في شوارع أم درمان للتوعية بمخاطر الوباء وطرق الوقاية، إضافة إلى توزيع الكمامات والمعقمات والقفازات مجاناً داخل المستشفى وخارجه.

«لكن حتى هذه الجهود التطوعية تواجه عراقيل غير مبررة، فبعد طباعة بوسترات توعوية وتعليقها في المستشفى والشارع، فوجئنا بأن إدارة المستشفى قد أزالت جميع البوسترات، فطبعنا بوسترات أخرى ووزعناها على السكان في الشوارع»، يقول المتطوع مُستغرباً.

وبحسب ما أخبر، فقد زار المتطوعون بعض مراكز العزل والمستشفيات في ولاية الخرطوم لنقل بعض المصابين لمراكز العزل في مناطق أخرى، بعد توقف مستشفى بشائر والمستشفى التركي عن استقبال الحالات لتجاوز الحالات طاقتهما الاستيعابية.

وفي مركز البان جديد بشرق النيل، يقول المتطوع: «وجدنا ست حالات في عربة إسعاف داخل المستشفى، وتسلَّمت إدارة المستشفى منا 12 حالة، وأوقفت تسلُّم أي حالات أخرى».

وفي مركز عزل مستشفى محمد الأمين التابع لمستشفى أم درمان، أصبح الوضع أكثر سوءاً وفقاً لما أخبر طبيب يعمل بالمستشفى. وأقر الطبيب الذي فضل حجب هويته لدواعٍ أمنية بوجود عدد من الجثث التي قضت ثلاثة أيام داخل فناء المستشفى، ولم تجد من يقبرها، لأن المرضى حين حضروا إلى المستشفى لم يكن معهم مرافق، وظلت جثثهم لأيام يتجنبها الناس خوفاً من العدوى.

وأفادت مصادر في مستشفى أم درمان أن سلطات ولاية الخرطوم وضعت المنظمات العاملة في تقديم الرعاية لمرضى الكوليرا بين خيار التوقف عن تسجيل المرضى ونشر أعدادهم أو مغادرة المستشفى. وأكدت المصادر الطبية التي فضلت حجب هوياتها، أن المنظمات وبعضها منظمات دولية، رفضت الإذعان للسلطات بعدم تسجيل المرضى واختارت إيقاف خدماتها في مستشفى أم درمان تحديداً.

وتقول خالدة أحمد وهي أم لمريض بالكوليرا، إنها تفضل أن يكون ابنها أمامها بدلاً من إدخاله إلى مركز العزل الذي تَصفه بأنه يفتقر للرعاية اللازمة وأن عدد الكوادر الطبية التي تعمل به غير كاف.

عدد الحالات عدد الوفيات عدد المنقولين
200 35 40

مركز النو للعزل 27 مايو 2025

عدد الحالات عدد الوفيات
45 -

مركز مستشفى بشائر 27 مايو 2025

عدد الحالات عدد الوفيات
238 -

مستشفى أمبدة 27 مايو 2025

ويعزو المتطوع عدم دقة أرقام الوفيات إلى صعوبة التوثيق، لكن انعدام الأكفان والأكياس الخاصة بالجثث يُشير إلى ارتفاع كبير في أعداد الوفيات، ويشير إلى أنهم لم يحصلوا بعد على إحصاءات رسمية من قسم التكفين داخل مستشفى النو.

متحدثة لـ «أتر» قالت طبيبة من مستشفى النو إن عدد الحالات المسجلة تجاوز 2600 حالة منذ بداية تفشي وباء الكوليرا في أم درمان وحتى 27 مايو، مع تسجيل ما بين 150 إلى 200 حالة جديدة يومياً، وأضافت أن كثيراً من الحالات نُقلت إلى مستشفى أمبدة لانعدام الأسرَّة في مركز العزل داخل مستشفى النو الذي استقبل كذلك 6 حالات إضافية قادمة من السجون.

وبحسب الطبيبة تُصنف الحالات إلى ثلاث فئات داخل المستشفى: الفئتان A وB، وهي حالات مستقرة نسبياً،  ويُترك المرضى من هاتين الفئتين، لشراء المحاليل الوريدية (الدربات) بأنفسهم من الصيدليات الخارجية، والفئة C، وهي حالات حرجة تتطلَّب رعاية فورية ومكثفة، وهي محور الاهتمام الطبي الأساسي.

وبحسب جولة لـ «أتر» على الصيدليات، فإنها لا تزال تعاني من شح في المحاليل (الدربات) التي أصبحت سلعةً في السوق السوداء، سواء أمِنْ أصحاب الصيدليات أم التجار، فبينما تبيع بعض الصيدليات في أم درمان المحلول الواحد ما بين 3 و5 آلاف جنيه، تبيعه صيدليات أخرى بأسعار تتراوح بين 8 آلاف و25 ألف جنيه للمحلول الواحد، ما يُثقل كاهل المرضى وذويهم. ويحتاج المريض الواحد ما بين 4 إلى 8 محاليل وريدية يومياً.

ولفت الممرض والمتطوع في مستشفى النو كريم النور، إلى نقص في المحاليل الوريدية والأدوية والمستلزمات الطبية، مثل المعقمات، والقفازات، والكمامات. لكن الأزمة الأكبر تكمن في عدم توفر الأكسجين أو أجهزة شفط السوائل، أو أدوية الإنعاش القلبي الرئوي. وأشار إلى أن المخازن الموجودة في صالحة، والتي كانت تتبع للدعم السريع، هي التي تسد الحاجة حالياً من بعض المستلزمات.

المياه المُتَّهَمة

متحدثة إلى «أتر» تقول اختصاصية طب المجتمع هند الخليفة، إن الكوليرا بطبيعة الحال، هي نتيجة مباشرة لانهيار البنية التحتية والصحية. مثل انعدام مياه الشرب النقية، وتوقف خدمات الصرف الصحي، ونقص الرعاية الطبية.

وشهدت ولاية الخرطوم، خلال الشهور السابقة أزمة مياه خانقة. وانقطع إمداد المياه عن بعض أحيائها لأكثر من سنتين. واعتمد أكثر السكان على جلب المياه من النيل مباشرة أو الآبار، عبر عربات بدائية تجرّها الدوابّ.

وبحسب تقرير سابق لـ «أتر»، فإنّ 12 من أصل 13 محطة بولاية الخرطوم قد تعرّضت للتدمير خلال الحرب، ونَجَت بأقل الخسائر محطة واحدة في محلية كرري، وهي محطة المنارة التي تغطي احتياج محلية كرري وأجزاء من ضمنها أم درمان القديمة وأمبدّة الواقعة غرب العاصمة.

وخرجت محطة المنارة في يناير الماضي بسبب استهدافها بالمسيرات التي تُطلقها قوات الدعم السريع، ما ألحق أضراراً بالأجهزة والمعدات، لكنها واصلت عملها بفضل المخزون الاحتياطي لقطع الغيار، بحسب ما أخبر «أتر» مصدر عليم بالمحطة، بعد تعرضها لأكثر من 8 هجمات بمُسيّرات انتحارية.

وبُنيت المحطة في الفترة من 2007 وحتى العام 2010، بإنتاجية تصل إلى 200,000 متر مكعب لليوم الواحد، وتضخ المياه إلى مناطق واسعة من الولاية من ضمنها كرري وأمبدة.

ومع تكرار الاستهداف بالمسيرات، وانقطاع الكهرباء العامة، التي يعتمد عليها تشغيل المحطة، لجأت ولاية الخرطوم إلى بدائل تشغيلية، ونجحت في حفر وتشغيل آبار بديلة في مناطق أم درمان وكرري وأمبدة، ما وفر مصدراً احتياطياً جاهزاً يحمي المواطنين من أي انقطاع كامل للخدمة.

رُكّبت أنظمة طاقة شمسية لبعض الآبار الجديدة لتغطية نقص الإمداد، لكنها قليلة، كما أن معظم هذه الآبار قد توقفت بسبب انقطاع الكهرباء، ما دفع الناس لاستخدام مياه النيل وهي مياه غير معالجة تسببت في انتشار أمراض مثل الإسهال المائي و(الكوليرا). 

تنتشر الجثث على نحو مُخيف في نهر النيل بأم درمان، بواقع جثتين إلى ثلاث يجرفها التيار في اليوم الواحد منذ استعادة منطقة صالحة إلى سيطرة الجيش، ويتناول عددٌ كبيرٌ جدٌ من المواطنين النازحين مياه الشرب من النيل مباشرة، وتسحب التناكر المياه من النهر طوال فترة انقطاع الكهرباء. 

وينفي المصدر الذي طلب حجب اسمه، لـ «أتر» أن يكون لانتشار الكوليرا علاقة بمياه محطة المنارة، لأنها تتخذ إجراءات دقيقة تُستخدم فيها مادة الكلور لضمان سلامة المياه بنسبة 99.9%، حتى لو كانت هناك مشكلات أو مايكروبات في الشبكة. 

وأضاف المصدر أن معظم المحطات تضررت بسبب الحرب، فضلاً عن سرقة الكيبلات وتحطيم لوحات التحكم، ما أدى إلى تعطيل عمل معظم المحطات. ويعمل بعضها جزئياً، مثل محطة شمال بحري (التمنيات) وسوبا وجبل أوليا التي تعمل بأقل من 20% من طاقتها.

وأخبر عباس الفاتح، وهو صاحب كمينة ويقطن بلدة ود البخيت، التابعة لمحلية كرري والقريبة من محطة المنارة، أن الجثث تنتشر على نحو مُخيف في نهر النيل بأم درمان، بواقع جثتين إلى ثلاث يجرفها التيار في اليوم الواحد منذ استعادة منطقة صالحة إلى سيطرة الجيش، وأضاف أن عدداً كبيراً جداً من المواطنين النازحين يَتناولون مياه الشرب من النيل مباشرة، وأضاف أن التناكر تسحب المياه من النهر طوال فترة انقطاع الكهرباء، ما أدى إلى انتشار الإسهالات في المنطقة التي شهدت وفيات عدة.

تقول إحدى ساكنات الحارة الرابعة بأم درمان الثورة لـ «أتر»، إن الانقطاع المتكرر للمياه لأيام طويلة أجبر المواطنين على الاعتماد على مصادر بديلة غير آمنة للمياه، مثل المياه الملوثة المجلوبة من النيل مُباشرةً، إضافة إلى مياه الآبار المحلية والتي لا تَجد معالجة، ما ضاعف من خطر الإصابة بالأمراض.

وتضيف أنه خلال فترات انقطاع المياه، ارتفعت أسعار صهاريج المياه ارتفاعاً جنونياً، ووصل سعر التنكر الذي يحوي حوالي 50 برميلاً إلى 600 ألف جنيه سوداني، وتختلف فترات انقطاع المياه حسب المحطات المغذية للمناطق المختلفة.

وتشير إلى أن أزمة المياه قد تفاقمت بسبب انقطاعات التيار الكهربائي، فعندما تتوفر الكهرباء يستمر إمداد المياه، كما أن انقطاعها يعني بالضرورة انعدام المياه، ولا تزال الكهرباء في أم درمان متذبذبة حالياً.

وعلى الرغم من التحديات، ترى أن الأوضاع الحالية أفضل نسبياً، فقد عادت المياه إلى الخطوط الرئيسة في أم درمان، وإن لم تصل إلى البيوت بعد.

Scroll to Top