أتر

الشهادة السودانية (2023-2024): طريق محفوف بالأخطار والأخطاء

الصورة من تصوير: فارس الشغيل

في يوم 29 يونيو أعلن رئيس الوزراء كامل إدريس، بداية امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة 2023-2024، وقد بلغ عدد الطلاب الجالسين 209.273 طالباً وطالبةً، منهم 22 ألفاً خارج السودان.

ووفقاً لمصدر رفيع تحدث لـ«أتَـر»، بلغ عدد المراكز في هذه النسخة من الامتحانات 2100 مركز، 20 منها خارج السودان. وأوضح أن أكبر المراكز الخارجية هو مركز القاهرة، الذي يشمل 11 مركزاً فرعياً، وأن عدد الطلاب الجالسين لهذا الامتحان من جمهورية مصر بلغ 13 ألفاً في محافظتي القاهرة والجيزة و1200 في الإسكندرية و200 في أسوان. وفي إثيوبيا بلغ عدد الممتحنين 34 طالباً وطالبةً. وفي ليبيا  يجلس 127 طالبة و66 طالباً. وفي السعودية يجلس 2181 طالباً وطالبة من مركز الرياض الذي تشرف عليه السفارة بينهم 1200 طالبة و981 طالباً، بينما يجلس 1555 طالباً وطالبة من مركز القنصلية بجدة. أما مركز مسقط بسلطنة عمان فيجلس منه 56 طالبة وطالباً.

تفادياً للمشكلات التي سبَّبَها استخدام «أرقام الطوارئ» في الامتحانات السابقة؛ مُنحت إدارات التعليم ومراكز الامتحانات الخارجية «أرقام جلوس إضافية فارغة»؛ ليُسجل فيها الطلاب الذين قد يَصلون متأخرين للامتحان

وأوضح المصدر أن إدارة الامتحانات بالوزارة شرعت في ترتيبات امتحانات 2023-2024 بعد إعلان نتيجة الامتحانات السابقة 2022-2023 مباشرة، وشُكلت من أجل ذلك غرفة عمليات (متابعة) تعمل على مدار اليوم في ظرف استثنائي. وقد تُوِّجَ هذا المجهود بأن طُبعت الامتحانات بسلاسة وفي وقت اعتبره قياسياً، ليكتمل تسليم أوراق الامتحانات وأرقام الجلوس لجميع المراكز، داخل السودان وخارجه. وتفادياً للمشكلات التي سبَّبَها استخدام «أرقام الطوارئ» في الامتحانات السابقة؛ مُنحت إدارات التعليم ومراكز الامتحانات الخارجية «أرقام جلوس إضافية فارغة» ؛ ليُسجل فيها الطلاب الذين قد يَصلون متأخرين للامتحان، «مراعاة لحركة النزوح المتقلبة» و«ظروف الحرب».

وأخبر المصدر بأن امتحانات هذا العام شهدت التحاق ثلاث ولايات هي الخرطوم والجزيرة وسنار بعد أن غابت أجزاء واسعة منها عن الامتحانات السابقة، مشيراً إلى التنسيق بين مُديري التعليم والإدارات الأهلية في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، التي حرصت على قيام امتحانات الشهادة وتوفير الخدمات لأعمال الكنترول والمعلمين والمعلمات والعاملين والتأمين، فضلاً عن إعداد مراكز الامتحانات البالغ عددها 21 مركزاً وتجميعها في 11 موقعاً يجلس فيها 3032 طالباً وطالبة بنسبة تصل إلى أكثر من 50% من طلاب وطالبات الولاية.

وقال المصدر، إنهم استعانوا بكوادر المعلمين الأكفاء الذين هاجروا إلى الخارج وعينوهم كبارَ مُراقبين ومُشرفين على المراكز الخارجية؛ وأوضح أن متطلبات الجلوس للامتحان تتّبع نظاماً مرناً ولا تشترط سناً معينةً، كما في بعض الدول، بل يمكن للطالب الجلوس ما دام حاصلاً على شهادة أساس أو متوسطة مرت عليها ثلاث سنوات أو أكثر. كما أن نظام الامتحانات السوداني «مرن جداً ويقبل الطالب في أي عمر شريطة حصوله على المؤهل بجانب قبوله للطالب الذي بلغ عمر 23 عاماً ولو درس أي صف تعليمي». وبالنسبة للتفاوتات في الظروف والإمكانيات بين الطلاب نتيجة نشوب الحرب، فقد أوضح أن «الشهادة الثانوية تحولت منذ العام 1995 إلى نظام الدرجات العيارية وهو نظام يقيس الطلاب فيما بينهم، أي تُقاس درجات ونسبة الطالب وسط المجموعة التي امتُحنت معه»، مشيراً إلى أن المعايرة نظام معمول به عالمياً.

أما الطلاب المُمتَحنون في إقليم دارفور، فليس أمامهم سوى السفر أو النزوح إلى الولايات التي ستنعقد فيها الامتحانات حتى لا تفوتهم الفرصة، خاصة أن قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء واسعة من مناطقهم. وبحسب المصدر الذي تحدث لـ«أتر»، حرصت الوزارة على تسهيل إجراءات التسجيل، وتوفير السكن والإعاشة لطالبات وطُلاب ولايات دارفور الذين استضافتهم ولايات (الشمالية، ونهر النيل، والنيل الأبيض) بدعم من وزارة التربية والتعليم ومنظمة اليونيسف. ومنذ بداية إعلان التسجيل لامتحانات الشهادة السودانية، سجل طلاب إقليم دارفور بالتنسيق مع مديري التعليم من وسط وشمال وجنوب دارفور بأسماء الولايات التي قدموا منها.

امتحان في تشاد

تُواجه الطلاب في تشاد تحديات هائلة، تشمل: عدم امتلاك وثائق الرسمية (كالرقم الوطني وبطاقة اللاجئ)، ونقص معلومات التسجيل، وندرة الكتب الدراسية، والصعوبات اللوجستية والمعيشية خلال فترة الامتحانات.

وفي 24 يونيو أعلنت الحكومة التشادية موافقتها على عقد امتحانات الشهادة السودانية داخل أراضيها. ونظراً لصعوبة اللحاق بامتحانات الشهادة التي بدأت بعد خمسة أيام فقط من هذه الموافقة، أعلنت سفارة جمهورية السودان بمدينة أبشي التشادية، في يوم الأحد 29 يونيو، عن تنظيم امتحانات بديلة للطلاب السودانيين اللاجئين شرق تشاد في وقت لاحق، وهو ما أكده المصدر الذي تحدث لـ«أتَـر».

وفي ديسمبر الماضي، لم تسمح تشاد لنحو 6 آلاف طالب فرّوا من ولاية غرب دارفور ومناطق أخرى حدودية بالجلوس لامتحانات الشهادة السودانية المقررة آنذاك. وأكّدت ممثلة التعليم في معسكرات شرق تشاد عائشة البدوي، على الجهود المستمرة لحصر وتسجيل الطلاب لأكثر من ثلاث مرات، وتشجيعهم رغم الإلغاء والتأجيل المتكرر للامتحانات. كما قُدمت مقترحات لمراكز امتحانات يسهل الوصول إليها في تشاد، وإن لم يجرِ اعتمادها رسمياً بعد. وقبل انعقاد الامتحانات، شُكّلت لجنة من أولياء الأمور والمعلمين للمتابعة، وبدأ المعلمون جدول مراجعة فوراً للطلاب.

لكن ليس الأمر كله بهذه السهولة، إذ كشفت بدوي، عن تحديات هائلة تُواجه الطلاب، وذكرت لـ«أتَـر» أن هذه التحديات تشمل: عدم امتلاك وثائق الرسمية (كالرقم الوطني وبطاقة اللاجئ)، ونقص معلومات التسجيل، وندرة الكتب الدراسية، والصعوبات اللوجستية والمعيشية خلال فترة الامتحانات.

وأضافت أن رئيس المعسكر، حامد عبد الرحمن، قدّم مُقترحاً لتحديد مراكز امتحانات سهلة الوصول للطلاب، وهي: معسكر تولوم، ودقوبا، والأردمي، معسكر كولنقو وملح، معسكر كارياري، لكن حتى لحظة الاجتماع، لم يُرَد على المقترحات أو تسمية أي مركز منها رسمياً.

طلاب من دارفور

في هذه النسخة من الامتحانات، عاود الأمل تسنيم، لكنه لا يزال أملاً محفوفاً بالأخطار، إذ تعيّن عليها أن تعبر الصحراء شمالاً من مدينتها لتجلس للامتحان في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل.

كان أداء امتحان الشهادة السودانية في الدفعة السابقة حلماً بالنسبة للطالبة تسنيم القادمة من نيالا بولاية جنوب دارفور، لكنها فوجئت بقرار إلغاء الامتحانات هناك.

في هذه النسخة من الامتحانات، عاود الأمل تسنيم، لكنه لا يزال أملاً محفوفاً بالأخطار، إذ تعيّن عليها أن تعبر الصحراء شمالاً من مدينتها لتجلس للامتحان في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل. بدأ طريقها من نيالا مروراً بالضعين في ولاية شرق دارفور، ثم أم بادر في ولاية شمال كردفان ومنها عبر الصحراء إلى الدبة في الولاية الشمالية، ثم إلى عطبرة عبر الطريق القومي في رحلة استمرت اثني عشر يوماً. متحدثة لـ«أتَـر»، تقول تسنيم: «واجهتني تحديات ومعوقات جمة في طريقي للوصول إلى عطبرة، فعلى طول الطريق من نيالا إلى أم بادر، وفي كُلِّ محطة ومنطقة، تعرَّضنا لمُضايقات وتفتيش، نهب جنود الدعم السريع المبالغ التي كانت بحوزتنا، وطالبونا مراراً وتكراراً بالعودة إلى نيالا، رافضين خروجنا منها وكأنهم يريدون سجننا في جحيم الحرب». وتتابع في وصف رحلتها قائلة: «تعطلت سيارتنا في الصحراء وبقينا ليومين كاملين وشبح العطش والجوع يُهدِّدُنا. بعد تلك الأيام القاسية، وصلت إلينا سيارات تابعة للجيش بالقرب من منطقة الدبة، وكانت رؤيتهم بصيص أمل في ظلمة اليأس، فقد قدم لنا جنود الجيش الإسعافات الأولية الضرورية، وأعادوا إلينا بعضاً من القوة التي فقدناها خلال اليومين. كان ثمن حريتنا وخروجنا بسلام هو التخلي عن كل ما نملك من مال، ثمن دفعناه مقابل بصيص أمل في مستقبل أفضل».

تقول تسنيم: «تكلفة تذكرة الرحلة المتواصلة للفرد الواحد من نيالا إلى الدبة تبلغ 750 ألف جنيه، ناهيك عن بقية الطريق الطويل، وهو مبلغ يعجز كثيرون عن توفيره». وبسبب طول الرحلة وصلت تسنيم متأخرة، وكاد كل ذلك العناء يضيع سدىً في طريق الصحراء، إذ تعَيَّنَ عليها أن تصل قبل الامتحان بوقت كافٍ، لتُكمل إجراءات استخراج رقم الجلوس، والتي كان شقيقها قد شرع فيها بالفعل. تقول تسنيم: «لم أكن أتصور للحظة أنني سأتمكن من الحصول على رقم الجلوس، نظراً لضيق الوقت الذي كان يلاحقنا كظل. لكن إدارة المدرسة تعاملت معنا بتفهُّم ودعمٍ كبيرَيْن، واستطاعت توفير الرقم لي، وكأنهم أدركوا حجم المعاناة التي مررنا بها، وتمكن أخي من الحصول على رقم جلوسي». وحول أول امتحانين لها، أوضحت الطالبة أن اليوم الأول من الامتحانات كان جيداً، والترتيبات في المدرسة مُطمْئنة، ما منح الطلاب دفعة أمل بأن كل تلك التضحيات لم تذهب سدى.

وفي الطريق ذاته من الضعين إلى الدبة، واجهت الطالبة مريم خمسة أيام من الخوف والترقب، وسافرت برفقة ست فتيات وولد، جميعهم يحاولون الوصول لمراكز الامتحان قبل فوات الأوان. استطاع اثنان منهم التسجيل في كوستي، أما البقية ومن بينهم مريم فتوجهوا إلى عطبرة. تحكي مريم لـ«أتَـر»: «لم تبدأ معاناتي في الطريق، بل بالضرب المبرح بلا رحمة على يد قوات الدعم السريع في نيالا. لم يكن له مبرر. عنف وحشي، تلتهُ عمليات تفتيش غير منطقية، ودفع مبالغ مالية تحت مسمى «الغرامة»، دون تفسير سببها، وكأن وجودنا بحد ذاته جريمة تستوجب العقاب». وتواصل قائلة: «معاناتي الأكبر لم تكن في الضرب والنهب فقط، بل في توفير تكاليف هذه الرحلة المستحيلة. فالتذكرة من نيالا إلى أم بادر وحدها بلغت 750 ألف جنيه سوداني، ومن أم بادر إلى الدبة 350 ألفاً، ثم 80 ألفاً إضافية للوصول إلى عطبرة. ولا يشمل ذلك المبالغ الباهظة التي أُجبرنا على دفعها لقوات الدعم السريع في كل نقطة تفتيش، وكأن كل خطوة نحو حلم التعليم كان لها ثمن نقدي وآخر نفسي باهظ».

مطلب الشمول والعدالة

تأتي هذه الشهادات المروعة في ظل تساؤلات حادة ومُقلقة من لجنة المعلمين حول مدى شمول وعدالة امتحانات الشهادة الثانوية نفسها؛ فبينما يُكافح الطلاب فردياً ويُخاطرون بحياتهم للوصول إلى مقاعد الامتحان، أطلقت اللجنة تحذيرات واضحة حول أن هذه الامتحانات «لم تشمل جميع طلاب السودان». هذا النقص في الشمول، وفقاً المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، في حديثه لـ«أتر»، لا ينذر بضياع مستقبل جيل فحسب، بل يهدد بـ«مزيد من الانقسام المجتمعي» و«تشرذم الوطن»، محذراً من أن هذه الامتحانات قد تكون «أحد الأسباب القوية لذلك»، إذا لم يجرِ تبني سياسة تعليمية شاملة تقوم على أسس العدالة والشمول.

ويوضح الباقر أن لجنة المعلمين لم تكتفِ بالتحذير، بل قدمت رؤية للحل تقوم على «سياسة تعليمية شاملة» مبنية على الشمولية والعدالة، وألا تكون الامتحانات «مدخلاً لإقرار أي نتائج للحرب». ويؤكد الباقر أن تحقيق العدالة يتطلب تواضعاً من أصحاب القرار للاتفاق على استمرارية العملية التعليمية في جميع أنحاء السودان ضمن رؤية وطنية شاملة وآليات مُتَّفق عليها، مثل «لجنة وطنية عليا للتعليم».

وانتقد المتحدّث بشدة ما وصفه بالانتقائية والمحسوبية في اختيار كبار المراقبين، سواء أداخل السودان أم خارجه، لافتاً بوجه خاص إلى اختيار المراقبين خارج البلاد، ووصفه بأنه قد تجاوز جميع الأطر واللوائح المنظمة، وأضاف أن اختيارهم جاء بناءً على الولاءات السياسية بدلاً عن الكفاءة أو المعايير الموضوعية. ولتحقيق العدالة، يرى الباقر أن الحل يكمن في توافق صانعي القرار على شروط واضحة للعدالة. «وهذا يستلزم ضمان استمرارية العملية التعليمية في جميع أنحاء السودان، لكن ليس جزئياً، بل ضمن رؤية وطنية شاملة».

وبينما تُثير لجنة المعلمين تساؤلات جدية حول النزاهة الإدارية لعملية الامتحانات، تُبدي ثقة في جانبها الفني. فقد أعرب المتحدّث عن تفاؤله، فهو لا يتوقع حدوث مشكلات فنية في هذه الامتحانات؛ وعزا تفاؤله إلى إسناد مهمة الإشراف على الامتحانات إلى كوادر فنية متخصّصة وذات خبرة عالية.

Scroll to Top