أتر

سدّ النهضة الإثيوبي: فصلان في حاله ومآله (1-2)

مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 3 يوليو الجاري، اكتمال بناء سدّ النهضة، ودعوته السودان ومصر للمشاركة في حفل التدشين المقرّر في سبتمبر المقبل، عادت قضيته إلى البروز في نوافذ الإعلام. وهي ليست قضية واحدة، إنما لسدّ النهضة قضيتان تشغلان الرأي العام في بلدَي المصبّ: مصر والسودان. أُولاهما تلك المتعلّقة بأمان السدّ واحتمالية انهياره، بخاصّةٍ أن إثيوبيا تقع في منطقة نشطة زالزالياً. أما القضية الثانية، وقد ظلت تقضّ مضاجع المراقبين في البلدين، فهي تأثير عمليات تشغيل السدّ على حصّة مياه النيل لشعبَي السودان ومصر اللذين يفوق مجموع تعداد سكانهما 155 مليون نسمة.

في فصلين نبتدر أولهما هذا العدد، سنلقي لمحةً على ما يدور حول سلامة جسم سدّ النهضة، ونستهلّ ذلك بذكر ما يَرُوج بين حين وآخر حول احتمالية انهياره، بعد أن أعلنت مراكز الرصد الزلازالي عن حدوث ما يربو على 255 زلزالاً في إثيوبيا خلال العام الجاري 2025، ثم نتناول في الفصل الثاني ما يُثار حول تشغيل السدّ وتأثيراته على السودان في مستقبل الزراعة والطاقة والأمن الغذائي والقومي.

الفصل الأول: فرضية انهيار السدّ

بعد مدة وجيزة من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن إتمام الملء الخامس لخزّان سدّ النهضة في سبتمبر 2024 بما يبلغ 62 حوالي مليار متر مكعّب، أخذت وتيرة حدوث الزلازل بالتصاعد في إثيوبيا. ورغم أنها تقع في منطقة تُصنَّف بأنها نشطة زلزالياً، إلا أنّ متوسّط عدد الزلازل خلال العام الجاري يُعدّ مرتفعاً قياساً بما كان عليه الحال خلال السنوات الماضية؛ إذ يمرّ الأخدود الأفريقي العظيم بإثيوبيا، وهو صدع جيولوجي في القشرة الأرضية يمرّ من خلال منطقة القرن الأفريقي. ويُتوقّع أن يؤدّي هذا الصدع بعد ملايين السنين إلى شَقّ القارة الأفريقية إلى قسمين وتكوين بحر جديد «بحر أفريقيا».

جدير بالذكر، أنّ عمليات ملء السدّ كانت تجري بالتزامن مع مراحل بنائه، إذ تبدأ عمليات زيادة ارتفاع السد الخرساني قبل موسم الأمطار، ومن ثم يُملأ إلى الحدّ الذي وصل إليه ارتفاع السدّ، ليتواصل البناء بعد موسم الأمطار حتى قدوم الموسم الذي يليه، وهذا ما يفسّر إعلان آبي أحمد في يوليو الجاري اكتمال عملية البناء، تجهيزاً للملء السادس في مقبل الأسابيع.

صورة خرائطية لما يُتوقّع أن يكون عليه شكل القارة الأفريقية بعد ملايين السنين، نتيجة لتمدّد الأخدود الأفريقي العظيم مُكوِّناً ما سيُعرف لاحقاً ببحر أفريقيا (تظهر بداية الانقسام في منطقة القرن الأفريقي والصفيحة الصومالية مروراً بإثيوبيا).

المصدر

ومع استمرار حدوث الزلازل في هذه المنطقة، وقابليتها على وجه الخصوص للتأثّر بأي ضغوط عليها، بدأت المخاوف تدبّ وسط المراقبين، لا سيّما مع ما ذهب إليه بعض الفنيّين، مثل أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، الذي صرّح لعشرات المنصّات الإعلامية، مشيراً إلى أن البدء في عمليات ملء بحيرة السد، قد يكون سبباً في حدوث هذه الزلازل من خلال تسرّب بعض المياه إلى التشقّقات والفوالق الأرضية. وكان تدشين عمليات ملء خزان السدّ قد بدأ خلال موسم الأمطار في العام 2020، واستمرّت لخمس سنوات متتابعة (2020 – 2024). ويؤكّد عدد من المتخصصين في علوم الأرض (علم الجيولوجيا)، مثل الباحث السوداني الدكتور أحمد عبد الله الشيخ، والباحث والمحاضر معتصم سامي، أنّ احتجاز كميات ضخمة من المياه، يُؤدّي إلى زيادة الضغط الهيدروستاتيكي على القشرة الأرضية، ما قد يتوافق مع ما رُصِدَ في الآونة الأخيرة من تصاعدٍ مضطردٍ في معدلات الزلازل في إثيوبيا خلال فترات الملء، بالتزامن مع ارتفاع منسوب المياه في خزان السد.

ويُعرَّف الضغط الهيدروستاتيكي بأنه مقدار الضغط الموجود داخل السوائل الراكدة غير المُتحرّكة، مثل ما هو الحال عليه في أحواض السباحة أو خزانات السدود، ويتزايد كلما اتجهنا نحو العمق.

سنوات الملء مقدار ملء خزان السد (مليار م³) عدد الزلازل
الملء الأول (2020) 4.9 11
الملء الثاني (2021) 13.9 9
الملء الثالث (2022) 22 40
الملء الرابع (2023) 41 24
الملء الخامس (2024) 62 – 72 255
الملء السادس والأخير 74.5 -

يجري ملء خزان سد النهضة خلال موسم الأمطار من كل عام (يوليو – سبتمبر)، ولا توجد معلومات دقيقة حتى الآن عن كمية المياه المحتجزة داخل بحيرة السد، بخاصة أن تشغيل السد بكامل طاقته لم يبدأ فعلياً، ما يثير الشكوك بعدم تمرير المياه خلال موسم الجفاف.

ومع عزم إثيوبيا ملء السدّ مرةً سادسةً وأخيرة، خلال موسم الأمطار الحالي (يوليو – سبتمبر) من العام 2025، ظلّ اسم السودان يتردَّدُ على وسائل الإعلام العربية والمصرية على وجه الخصوص، لكونه المتضرّر الأكبر من فرضية انهيار سدّ النهضة. وحذّر عدد من خبراء موارد المياه والسدود والأكاديميين في الجامعات المصرية، من أن انهيار السد سيؤدّي إلى محو مدن سودانية بأكملها، بدءاً من منطقة الروصيرص في ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد، حتى العاصمة الخرطوم وشمالها، مُبيّنين في الوقت ذاته، أنّ تأثر مصر سيكون محدوداً إذا ما حدث انهيار للسدّ، عطفاً على المسافة الكبيرة التي تَفصل مصر عن سد النهضة على امتداد مجرى نهر النيل (حوالي 1800 كم) عند حدود السد العالي، الذي تتحصّن مصر خلف حائط خزانه، والمؤهّل بحسب رأيهم للتعامل مع ظروف الفيضان عن طريق تصريف المياه إلى مَفيض توشكي غرب بحيرة أسوان.

لكنّ اللافت أنّ الطَّرْق الإعلامي على هذا الملف، يكاد ينعدم على المستوى المحلي في السودان، سواءٌ أكان قبل اندلاع حرب 15 أبريل أم بعد ذلك، فضلاً عن قلة المنشور من الأوراق الأكاديمية في هذا الخصوص، على الرغم من خطورة التهديد الذي يحيط بالسودان جراء احتمالية انهيار السد.

متحدثاً إلى «أتَـر» يقول الباحث السوداني في علوم الزلازل والمياه بجامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا (الولايات المتحدة الأميركية) الدكتور أحمد عبد الله الشيخ، واصفاً عبارة «انهيار السدّ» المتداولة على نطاق واسع في الإعلام، بأنها قد تكون مُضلِّلة، فالسدود بطبيعتها أجسام ضخمة وخرسانية، ولذا فإنها لن تنهار بغتةً، إلا إنْ كان المقصود بانهيار السد هو «مرور مياه غير مُسيطر عليها»، نتيجة حدوث زلزال أضرّ ببوابات السد أو غرف التحكم، باعتبار أن وظيفة السد هي حجز المياه في الخزان ومن ثم تصريفها بمقادير معينة.

ويُفيد الباحث بأن «انهيار» السدود قد يحدث جراء الزلازل أو الانزلاقات الأرضية، وأنّ الوزن الهائل للمياه المُحتجزة في خزان سد النهضة، سيمثل ثقلاً كبيراً على القشرة الأرضية، ما يؤدّي إلى تسرّب المياه إلى الفوالق والصدوع الأرضية، فتزداد حركتها، وتنتج الزلازل التي ربما يمتدُّ تأثيرها حتى خزان الروصيرص والمناطق السكنية في النيل الأزرق داخل حدود السودان، وقد تتأثّر هذه المناطق بالزلازل بدرجة أكبر من سد النهضة نفسه، باعتبار التصاميم الهندسية المتينة لإنشائه.

يقع سدّ النهضة على الحدود بين السودان وإثيوبيا وعلى بعد 25 كيلومتراً فقط من الأراضي السودانية في جنوب شرقي البلاد. وبهذا بات مجرى النيل في السودان محصوراً بين سدَّين عملاقين (سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب، والسد العالي بسعة 162 مليار متر مكعب).

المصدر

غير أنّ ربط انهيار السدّ بالزلازل التي حدثت أخيراً في إثيوبيا قد يكون تبسيطاً لمسألةٍ هي أشدّ تعقيداً وتداخلاً مما هي عليه في وسائل الإعلام المصرية، إذا وَضَعْنا في الاعتبار مجموعة العناصر التي تؤدي دوراً جوهرياً يُؤثر في ماهية الزلزال نفسه، من قبيل أن الزلازل ليست سواء، فقد تكون قوية ومُدمِّرة أو متوسطة المقدار، أو منخفضة التأثير بدرجة لا تجعلها محسوسة. لذلك فقد اعتمد العلماء مقياساً لتحديد شدة الزلازل بمعيار عالمي مُتعارَف عليه باسم «مقياس ريختر» نسبةً لمخترعه عالم الفيزياء الأمريكي «تشارلز ريختر».

شدة الـزلـزال (درجة / مقياس ريختر) الآثار الناجمة عنه
أقل من 2.5 لا يشـعر بـها الـبشــر.
2.5 – 5.4 تُلحِق أضراراً طفيفة، تتراوح بين اهتزاز الأجسام الخفيفة والمتوسطة إلى سقوط وتحطّم النوافذ الزجاجية.
5.5 – 6.0 تُلحِق أضراراً ببعض المباني ذات البناء الضعيف، أما المباني المتوسطة فتتأثر جزئياً.
6.1 – 6.9 تُلحِق أضراراً طفيفة بالمباني المُصمَّمة لمقاومة الزلازل.
7.0 – 7.9 تُلحِق أضراراً بالغةً بالمباني المُصمّمة لمقاومة الزلازل.
أكثر من 8.0 انهيار ودمار كامل لجميع المنشآت.

وفقاً للمقياس أعلاه، فإن جميع الزلازل ما دون 6 درجات على مقياس ريختر، تعتبر ذات تأثير محدود، أما الزلازل التي تتراوح شدتها (6.1 – 6.9)، فإن مدى تأثيرها لا يتجاوز مسافة 100 كيلومتر من مركز حدوث الزلزال، مع الأخذ في الاعتبار عوامل التربة المؤثرة على انتقال الموجات الزلزالية من حيث اتجاه الصدع، والتي قد تغيّر من خصائص الموجات، ما قد يُسفر عن تباين مداها من حيث المسافة والشدة.

لقد شهدت إثيوبيا منذ مطلع العام 1900 عدداً كبيراً من الزلازل، إلا أنّ غالبيتها كانت ذات شدة منخفضة (دون 4 درجات على مقياس ريختر)، ما يفيد بأنها ليست ذات تأثير جوهري. وخلال ما يزيد عن قرن، وعلى مساحة إثيوبيا بكاملها، بلغ عدد الزلازل ذات الشدة فوق المتوسطة (6 – 6.5) درجة على مقياس ريختر، حوالي 34 زلزالاً فقط.

ورغم ما شهدته إثيوبيا خلال العام الجاري (2025) من حدوث حوالي 255 زلزالاً (4+ درجات على مقياس ريختر)، أي في أعقاب إتمام الملء الخامس لخزان سد النهضة، يتعيّن لفت الانتباه إلى أنّ أقاليم إثيوبيا الأحد عشر تشهد تفاوتاً ملحوظاً في عدد الزلازل وشدّتها؛ إذ تتركز غالبية الزلازل من حيث الشدة والعدد في إقليم هرر، الذي شهد غالبية الزلازل التي حدثت في إثيوبيا أخيراً (248 من 255 زلزالاً)، كما أن هذا الإقليم الواقع شرق إثيوبيا يبعد ما يزيد عن 800 كيلومتر عن إقليم بني شنقول (وهو الإقليم الذي يوجد به سد النهضة في في أقصى غرب إثيوبيا).

وللمفارقة، فإنّ إقليم بني شنقول الممتدّ داخل الحدود الشرقية للسودان (والذي كان جزءاً من السودان حتى بدايات القرن العشرين بحسب مصادر تاريخية)، يُعدّ أقل أقاليم إثيوبيا من حيث النشاط الزلزالي، ولم يَشهد منذ العام 1970 سوى حدوث 7 زلازل فقط، تراوحت شدّتها بين (3 – 4.4) درجة على مقياس ريختر. ففي أكتوبر من العام 1996 شهدت المنطقة زلزالين يومي (10 و19) أكتوبر، بقوة 3.4 و 3.6 درجة على مقياس ريختر، وكان مركز أحدهما داخل الحدود السودانية؛ بينما حدث زلزال آخر في 21 يونيو من العام 1999 وقد كان بقوة 3.7 على مقياس ريختر.

وبمزيدٍ من إمعان النظر في السجلّ التاريخي للزلازل في إثيوبيا، يتكشَّف أن ارتفاع عدد الزلازل ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بعمليات ملء خزان سد النهضة، ويتكشَّف في الوقت نفسه أن الآلة الإعلامية التي تعزف على أنغام سيناريو انهيار السد، قد أغفلت حقيقةً مفادها أن إثيوبيا قد شهدت خلال العام 2005 أعلى معدل من الزلازل خلال العقود الأخيرة، وبلغ عددها 285 زلزالاً، وهو ما يزيد عن عدد الزلازل المرصودة في العام الجاري (255 زلزالاً). وبهذا يتبيّن أن العدد الأكبر من الزلازل قد رُصِد قبل أن يُوضَع حجر أساس مشروع سد النهضة في العام 2011.

الزلازل التي ضربت إثيوبيا خلال الفترة الممتدة من العام (1990 – مارس 2025)، ويظهر فيها ازدياد ملحوظ في عدد الزلازل خلال العام (2005)، حيث ضربت إثيوبيا 285 زلزالا. تصميم الرسم (مجلة أتَـر)

في حديثه لـ«أتَـر»، يرى المحاضر والباحث السوداني بقسم الجيولوجيا بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن معتصم سامي، أنّ المسافة الفاصلة بين موقع سد النهضة والأخدود الأفريقي العظيم (675 كيلومتراً)، تُعَدُّ من أهم العوامل التي تضمن أمان السد، فكلما بَعُدَ مركز الزلزال قلَّ تأثيره. ويضيف سامي أن سد النهضة مبنيٌّ على صخور تُسمّى «صخور الأساس»، وهي مزيجٌ من الصخور النارية والمتحوّرة؛ وهي ثابتة وقديمة وراسخة في مكانها، وأكثر استقراراً من الصخور المُقام عليها السدّ العالي في مصر. وفي ما يختص بوزن بحيرة السد (74 مليار طن)، يقرّ «سامي» بأنّ هذا الوزن الضخم قد يُؤدّي إلى حدوث ضغطٍ عالٍ على الأرض أسفل الخزان، إلا أنه ينبّه إلى بعض التدابير المُتعارَف عليها لتخفيف هذا الجهد على القشرة الأرضية، مثل عمليات إزالة الطمي باستمرار، فضلاً عن تفريغ وتصريف المياه دورياً لتخفيف الحمولة، فالحركة الدائمة أمر لا بد منه. ويختم بملاحظة مُهمَّة، مفادها أنّ ما قد يؤدي لانهيار سد النهضة، هو زلزال مركزه قريب من السد، وبدرجة 7 على مقياس ريختر أو ما يزيد، وأنه إذا جرى حدث تكتوني «زلزال» بهذه الضخامة، فإنّ آثاره لن تقلّ كثيراً سواءٌ أكان هنالك سدّ أم لم يكن.

ومن الجدير بالذكر، أن حيثيات المُفاوضات الدائرة بين ممثِّلي الدول الثلاث (السودان ومصر إثيوبيا)، لم تتباين حول أمان السد من حيث تصميمه الهندسيّ وسعة خزّانه، وأنّ جميع التحفّظات ارتكزت على عمليات تشغيل السد وفترات ملء خزان المياه، على نحو لا يُؤثّر على حصص المياه لدولتي المصبّ (السودان ومصر). ومما يعزِّز صدقية المزاعم أنّ حدوث الزلازل حول خزانات السدود يعدّ طبيعياً ومشمولاً داخل تصاميم السدود، هو ما شهدته مصر نفسها خلال العام 1981، من رصد زلزال بشدة 5.6 درجة على مقياس ريختر قرب السد العالي.

وقد شهدت منطقة أسوان جنوبي مصر، بالقرب من السد العالي، حوالي 5 زلازل في المدّة من 2021 إلى 2024، ترواحت شدّتها بين 3.7 و4.4 درجة على مقياس ريختر، بينما يتجاوز العدد الفعلي للزلازل ذلك العدد بكثير، إذ تُشير بعض المصادر إلى حدوث ما يزيد عن 464 زلزالاً في أسوان خلال الفترة من 2000 – 2021، وبقليل من التقصّي يَتّضح أن شدّة هذه الزلازل تتراوح بين 0.3 – 4.4 درجة على مقياس ريختر.

ورغم ما سبق، لم يَذكر أحدٌ مَخاطر انهيار السد العالي، رغم أنه يحمل أكثر من ضعفي سعة خزان سد النهضة، وتحتجز بحيرته حوالي 162 مليار متر مكعّب من المياه، بينما لا تتجاوز السعة المفترضة لسد النهضة 74.5 مليار متر مكعب، مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق التقنية الكبيرة بين السدّ العالي الذي أنشئ في ستينيات القرن الماضي، وسد النهضة الإثيوبي الذي بُنِي بعده بحوالي نصف قرن من ذلك الزمان، باستصحاب الخبرات المتراكمة والتقنيات والآليات الحديثة. وقد رُصِدَت ميزانيات ضخمة لإنشاء سد النهضة بلغت في مجموعها ما يقرب من 5 مليارات دولار، من جهات مانحة مُتعدِّدة يَصعُب تصوُّرُ أن تنفق أموالها دون دراسة أمان المشروع وسلامته. ولقد تولّت الإشراف على إنشاء سدّ النهضة شركة ساليني إمبريجيلو الإيطالية «سابقاً» وتسمى حالياً «مجموعة ويبيلد»، وهي من أكبر الشركات في هذا المجال وقد نفّذت مشروع سد الروصيرص في السودان، إضافة إلى عدد من المشاريع في مختلف في دول العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعكس خبراتها في تصميم وبناء السدود المقاوِمة للزلازل. ذلك فضلاً عن غرف المراقبة الموجودة بسد النهضة وتعتمد على ما يزيد عن 3 آلاف جهاز لرصد ضغوط المياه وحركات الاهتزازات والهبوط وغيرها، وما يصحب عمليات التشغيل من تفتيش دوريّ وخطط للطوارئ مقابل أيّ اهتزازات أو إشكالات فنية.

وعليه فقد صرفت فرضيةُ انهيار سدّ النهضة الأنظارَ عن القضية الرئيسة، وهي فشل المُفاوضَين السوداني والمصري، في ضمان الحفاظ على حصص مياه النيل لدولتي المصبّ (السودان ومصر)، فضلاً عن صرفها الأنظار عن مُصادقة غالبية دول حوض النيل على اتفاقية التعاون الإطاري لدول حوض النيل «عنتيبي»، التي  ستكتب فصلاً جديداً من التحدّيات التي تواجه السودان ومصر. وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في الفصل التالي.

Scroll to Top