أتر

للضرورة أحكام: فاشر السلطان تقتات على الأمباز

لاحَظَ مراسل «أتَـر» في الأسبوع الماضي ارتفاعاً بالغاً في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في أسواق مدينة الفاشر، نُشرت في العدد 84، باب «نشرة أسعار». يُقدِّم هذا التقرير إجابات عن أسباب ارتفاع بعض السلع وانعدامها، مع ملحق أسعار مُحدَّث.

بعد سنةٍ من وقوع مدينتهم تحت الحصار، لم يجد سكّان الفاشر بُدّاً من تناول الأمْبَاز ليسدّوا جوعهم، بعد أن كانوا يقدّمونه علفاً لبهائمهم؛ نتيجة الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية وانعدام بعضها، وشُحّ الكاش.

في فترات سابقة من حصارها الطويل، وَجَد السكّان في المكرونة وبليلة العدسية والذّرة حلاً لأزمتهم الغذائية المُتطاولة، لكن حتى هذه منعت الدعم السريع دخولها إلى جانب سلع أخرى، بإحكامها الحصار على المدينة وفرضها عقوبات على سائقي الشاحنات المحمّلة بالبضائع، تبدأ بالغرامة والاستحواذ على البضائع، ولا تنتهي بالاعتقال أو بالقتل رمياً الرصاص.  

في معركة مقاومة الحصار، من أجل الحصول على الغذاء، حاول أصحاب الدوابّ نقل البضائع على حميرهم وجمالهم، لكن ذلك أيضاً لا يخلو من مخاطر، فبحسب شهود عيان، حفرت الدعم السريع خنادق بشمال المدينة لمنع الشاحنات والدواب من العبور.

ومع انعدام المكرونة والعدسية والذرة والدخن وغلاء أسعارها إن وُجدت، تعيش الفاشر الآن على السلع الخفيفة التي يحملها بعض السكان من خارج المدينة، ويُدخلونها راجلين.

 

المصدر: منصة التجارة السودانية

الأمباز هو ما يتخلف من السمسم وسواه من الحبوب الزيتية بعد عصرها ويكون على شكل أقراص (عون الشريف قاسم، قاموس اللهجة العامية في السودان). ويُستخدم الأمباز علفاً للبهائم مثل الأبقار والأغنام والدواجن وغيرها من الحيوانات، وقد يكون من مخلفات عصر السمسم أو الفول السوداني أو زهرة الشمس أو بذرة القطن أو خليطاً منها. وفي العادة يكون لونه بنياً غامقاً، ويُصدّر إلى خارج السودان بكميات ضخمة، وقد تقوم الدول المُستورِدة بإعادة عصره، إذ تتبقى به نسب قليلة من الزيت.

نفاد المخزون

يعتمد التجّار في جلب السلع على أصحاب الدواب الذين يُهرّبونها من مليط شمالاً وطويلة غرباً، وبذلك بات ارتفاع الأسعار أو انخفاضها رهيناً بحركة الدوابّ، فإذا وصل 30 جملاً على سبيل المثال تنخفض أسعارها، وترتفع إذا قلّ عددها. وتعاقب قوات الدعم السريع المهرّبين الداخلين إلى المدينة بالقتل رمياً بالرصاص.

في حديثه لـ«أتَـر» عزا يوسف عبد القادر، وهو أحد تجّار الفاشر، ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى نفاد مخزونها داخل السوق نتيجة للحصار المشتد على المدينة من قِبل قوات الدعم السريع، إذ أغلقت جميع المداخل والمخارج، ومنعت دخول البضائع أو المساعدات الإنسانية، وقال إنّ التجّار يعتمدون في جلب السلع على أصحاب الدواب الذين يُهرّبونها من مليط شمالاً وطويلة غرباً، وبذلك بات ارتفاع الأسعار أو انخفاضها رهيناً بحركة الدوابّ، فإذا وصل 30 جملاً على سبيل المثال تنخفض أسعارها، وترتفع إذا قلّ عددها. وأضاف أن قوات الدعم السريع تُعاقب المهرّبين الداخلين إلى المدينة بالقتل رمياً بالرصاص، أو بضربهم ومصادرة السلع التي يجلبونها في أفضل الأحوال، ما يؤدي إلى توقف قدوم السلع إلى المدينة.

وبحسب يوسف، فإن بعض التجار لا يزالون يخزنون القليل من السلع، وقد لا تتعدى الـ 30 جوالاً من كل سلعة، وبطبيعة الحال يستغلون ندرتها فيبيعونها بأسعار جنونية؛ كما أن كثيراً من تجار الجملة اضطروا لترك العمل بسبب شح البضائع. والحال كذلك، توقفت أسواق المدينة، عدا سوق معسكر نيفاشا الذي يعمل حالياً في ساعات محددة من اليوم، بسبب ما يتعرّض له المعسكر الذي يقع في الاتجاه الشمالي للمدينة باتجاه بوابة مليط من تدوين عنيف. فضلاً عن ذلك، يستغلّ تجار الكاش المواطنين ببيعه بنصف قيمته، ويفرضون عليهم تحويل المبلغ عبر تطبيق «بنكك» قبل ثلاثة أيام من تسلُّم النَّقد. ورغم انعدام مصادر الدخل داخل المدينة والارتفاع الجنوني للأسعار يَشتري المواطنون بعض السلع الضرورية والتي لا بديل لها مثل الدخن.

يستغلّ تجار الكاش المواطنين ببيعه بنصف قيمته، ويفرضون عليهم تحويل المبلغ عبر تطبيق «بنكك» قبل ثلاثة أيام من تسلُّم النَّقد.

من البليلة إلى الأمباز

عالقة في المدينة المحاصرة تلتقط صورةً لها وأهل بيتها وهم يتناولون وجبة الأمباز خياراً وحيداً

قرّر علي آدم (45 سنة)، وهو أحد مستنفري المقاومة الشعبية، مغادرة الفاشر بعد شهرين متواصلين من الجوع المستمر، رغم أنه كان عازماً على البقاء داخل المدينة حتى آخر لحظة من حياته. يقول متحدثاً لـ«أتَـر» إنه اضطر إلى المغادرة، لأن الجوع لا يُطاق.

الأمباز هو عصيدتنا ومُلاحنا، نعملو خفيف شوية، وندّيه حبة ملح، ونعملو تاني تقيل شوية ونجبدو زي العصيدة ونملّح بالخفيف وناكل، وهو ما بتأكل والله بس من الجوع بقينا ما شايفين.

يقول إنه ولشهرين متتالَيين لم يتناول شيئاً غير البليلة العدسية المُحلّاة بالعصير وقليل من الملح منتصف النهار، لتكون إفطاراً وغداءً في آن، وبعد ارتفاع سعر العدسية انتقل إلى الأُمباز وهو علف الأبقار، حتى خروجه من المدينة. يقول: «الأمباز هو عصيدتنا ومُلاحنا، نعملو خفيف شوية، وندّيه حبة ملح، ونعملو تاني تقيل شوية ونجبدو زي العصيدة ونملّح بالخفيف وناكل، وهو ما بتأكل والله بس من الجوع بقينا ما شايفين».

يقول آدم إنّ الأوضاع في الفاشر تتغير مطلع كُلّ شمس، والأسعار تتغير على رأس الساعة منذ خمسة أشهر من الإغلاق الكامل للمدينة وقطع جميع سبل الوصول إليها، خاصة بعد حفر الحدود الشمالية للمدينة من قِبل قوات الدعم السريع، لمنع المهربين من إدخال السلع إلى إليها. يضيف: «تعيش المدينة أسوأ أيامها: تدوين يومي، وهجمات متتالية، وتجويع مُمنهج بعد تجفيف المدينة من جميع السلع الغذائية».

اضطرّ إسماعيل عبدالله، وهو أحد تجّار الفاشر، إلى ترك العمل في التجارة قبل عام، بسبب انتشار ما وصفه بالنشاط الربوي داخل السوق، وتجارة الكاش بنِسَب، وبيع السلع عبر «بنكك» بأضعاف أسعارها نقداً، وعزا ذلك إلى الحصار الشديد الذي أدى إلى انعدام السلع. ويقول إسماعيل في حديثه لـ«أتَـر»، إن بعض المهربين يُغامرون بجلب السلع مقابل مبالغ طائلة، إذ يُهرَّب جوال السكر بـ 100 ألف جنيه، لكن حتى هذا توقف بعد حفر قوات الدعم السريع الاتجاه الشمالي من المدينة، ليتّجه المهربون إلى جلب السلع ذات الحمولة الخفيفة مثل العصائر والسجائر وغيرها من التي تُحمَل على اليد أو الظهر.

توقُّف التكايا

متحدّثة إلى «أتَـر»، تقول نمارق إبراهيم صاحبة مبادرة «قومة بنات الفاشر»، إنه منذ سقوط معسكر زمزم للنازحين وإحكام الحصار على الفاشر، أصبحت الأسعار تتزايد على رأس كل ساعة. ففي مايو الماضي كانوا قد عزموا على شراء جوالَي عدسية لكل مطبخ من المطابخ العشرين التي تتولى المبادرة الإشراف عليها، بسعر 550 ألف جنيه للجوال الواحد، لكن بسبب تأخرهم عن تحويل المبلغ لساعات، فوجئوا بارتفاع سعر الجوال إلى 700 ألف جنيه، فاضطروا إلى تقليل العدد المُستهدف من المراكز إلى 10 وكذلك أيام الإطعام، لكنهم فوجئوا مرة أخرى بارتفاع سعر الجوال إلى أكثر من مليون جنيه بعد أسبوع. تقول نمارق: «هنا عجزنا عن العمل، واضطررنا إلى شراء الذُّرة بدلاً عن العدسية لقلة سعرها، وبلغ سعر الجوال من الأولى آنذاك 200 ألف جنيه، لكن أُحبطنا بعد ارتفاعه إلى 550 ألف جنيه في غضون أيام قليلة». ورغم متوالية الارتفاع الجنونية تلك، ظلّ أعضاء المبادرة يبحثون عن السلع رغم ارتفاعها، ويجمعون التبرعات من خارج المدينة، ليتحصّلوا على جزء منها، لكنهم يفاجأون كل يوم بسعر جديد.

هنالك سلعٌ لا تُشترى إلا نقداً مثل الماء وحطب النار، وهنا تدفع المبادرة المبالغ مضاعفة، لأنها تشتري النقد من التجّار.

تُضيف نمارق أن هنالك سلعاً لا تُشترى إلا نقداً مثل الماء وحطب النار، وهنا تدفع المبادرة المبالغ مضاعفة، لأنها تشتري النقد من التجّار. وتقول إن تكلفة المطبخ الواحد في مايو الماضي تبلغ 660 ألف جنيه في اليوم، وحالياً يحتاج المطبخ الواحد إلى قرابة مليوني جنيه لطبخ بليلة العدسية أو الدخن فقط، لذا توقفت المبادرة. وتخبر بأنّ النساء داخل المدينة يعانين في الحصول على الفوط الصحية وهي منعدمة تماماً لأنّ المهربين لا يعتبرونها ضرورية.

يقول صابر عبد الكريم، وهو أحد المشرفين على المطابخ بالفاشر، في حديثه لـ«أتر»، إنهم تركوا الإطعام قبل شهور، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار وشحّ السلع واستغلال التجار للمواطنين، وأضاف أنّ الأمباز أصبح وجبة أساسية لأغلب من تبقّوا في المدينة. يشرح صابر طريقة طبخها قائلاً: «يُبلّ ثم يُطبخ على النار مع إضافة القليل من الويكة، ثم يؤكل مع عصيدة الأمباز أيضاً». ويقول إن الكورة منه، التي كانت تُوزَّع مجاناً في بداية الأمر، أصبحت تباع بـ 5 آلاف جنيه نقداً. ويضيف مُشمئزاً أنّ طعمه لا يُطاق ولا يُؤكل، «لكن للضرورة أحكام».

لكن صابر يستبشر بقدوم خريف هذا العام، إذ هَطَلَتْ الأمطار مرات عدة بالمدينة، ما شجّع بعض المواطنين على الزراعة داخل منازلهم وعلى الساحات القريبة منهم، لافتاً إلى ظهور الملوخية، مُتمنياً أن تكون بديلاً لمُلاح الأمباز وعصيدته.

ملحق: أسعار السلع في زمزم والفاشر

السلعة السعر في زمزم
السبت 22 مارس 2025
السعر في الفاشر
الإثنين 14 يوليو 2025
جوال السكر680 ألف جنيه(50 كيلو) 4.5 مليون جنيه (بنكك)
جوال البلح7000 ألف جنيهمعدوم
جوال العدس240 ألف جنيه900 ألف جنيه (كاش)
جوال الأرز270 ألف جنيهمعدوم
جركانة الزيت120 ألف جنيه800 ألف جنيه (كاش) بالتقريب
كرتونة شعيرية120 ألف جنيهمعدومة
كرتونة مكرونة120 ألف جنيهمعدومة
جوال دقيق سيقا170 ألف جنيهمعدوم نسبياً
كرتونة صابون غسيل تشادي280 ألف جنيهالصابونة الواحدة: 25 ألف جنيه (بنكك)
كرتونة شاي الكباية240 ألف جنيهالظرف الواحد بـ 3 آلاف جنيه (كاش)
جنزبيل (رطل)20 ألف جنيهمعدوم
بن (رطل)150 ألف جنيهمعدوم
جوال البصل700 ألف جنيه (بنكك)معدوم
برميل مويه12 ألف جنيه (كاش)10 آلاف جنيه (كاش)
صفيحة بنزين600 ألف جنيه (بنكك)860 ألف جنيه (كاش)
صفيحة جازولين600 ألف جنيه (بنكك)900 ألف جنيه (كاش)
فوط صحية نسائية (أولويز)تباع بالقطعة: 3 آلاف جنيه، العبوة: 20 ألف جنيه
كورة العدسية45 ألف جنيه (كاش)
ربع الدخن250 ألف جنيه
ربع الذرة200 ألف جنيه

أسعار السلع في معسكر زمزم للنازحين السبت 22 مارس 2025، وفي الفاشر يوم الاثنين 14 يوليو 2025

Scroll to Top