أتر

دفتر أحوال السودان (87): من بورتسودان وطويلة وأم صميمة

بورتسودان: موجة حرّ شديدة وعشرات الإصابات بضربات الشمس

البحر الأحمر – تشهد مدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر، موجة حرٍّ شديدة مع حُلول فصل الصيف أدَّت إلى انتشار حالات الإصابة بضربة الشمس بين المواطنين. وسجّلت الولاية 79 حالة إصابة بضربات الشمس حتى 29 يوليو المُنصرم، منها أكثر من 30 حالة استقبلها مركز ضربات الشمس بمستشفى التقدّم الريفي، بينما بلغ عدد الوفيات نتيجة الموجة الحارّة 12 حالة توزّعت على المرافق الصحية بالولاية في مستشفى بورتسودان التعليمي ومستشفى الموانئ وبعض المستشفيات الطرفية.

وأخبر طبيبٌ من مدينة بورتسودان مراسل «أتَـر»، أنّ العدد التراكمي للحالات المُسجّلة بلغ عدد 95 حالة، منها 14 حالة وفاة حتى 30 يوليو. ومع تزايد حالات ضربات الشمس في المدينة، فإن هناك حالات لم تُسجل بعدُ في مكتب الوبائيات أو الإحصاء بالولاية. وأضاف أن مستشفى بورتسودان التعليمي استقبل 35 حالة إصابة بضربة الشمس حتى 30 يوليو، وتماثلت جميعها للشفاء.

وبحسب الدكتور محمد عبد المنعم، المدير الطبي لمركز ضربات الشمس، والمدير الطبي لمستشفى التقدم الريفي ببورتسودان، فإنه منذ بداية شهر يوليو استقبل المستشفى 36 حالة إصابة بضربات الشمس، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة شُخّصَ سبعة مرضى منهم بأمراض أخرى.

وأوضح في حديثه لمراسل «أتَـر»، أن الأعراض التي تَظهر على المصابين بضربات الشمس، تبدأ بارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم تصل إلى أربعين درجة مئوية أو أكثر، يصاحبه إرهاق عام وضعف شديد وجفاف في الجسم، وقد تصل الأعراض في الحالات المتقدمة إلى فقدان الوعي. وقال إنهم يتعاملون مع المرضى المُستقبَلين مُرتفعي درجة الحرارة، باعتبارهم مرضى ضربات شمس حتى يثبت عكس ذلك.

وفي 19 يوليو، افتَتَحت وزارة الصحة ولجنة الطوارئ العامة بالولاية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، «مركز ضربات الشمس» بمستشفى التقدم. ويوفر المركز جميع الخدمات الطبية مجاناً للمرضى، ويحتوي على 21 سريراً، إضافةً إلى غرفة عناية وسيطة تَحتوي على سريرين. ووفقاً لعبد المنعم، دُرِّبت كوادر طبية من أطباء وممرضين على التعامل مع الحالات الحرجة، إضافةً إلى نواب اختصاصيين في قسم العناية المركزة، واستشاري طوارئ وعناية مُركّزة، فضلاً عن تعيين استشاريَّي باطنية بالمركز بمرور مُجدوَل.

وأوضح دكتور عبد المنعم أن الإجراءات المُتّبعة في علاج المصابين تشملُ قياس العلامات الحيوية للمريض مثل معدل ضربات القلب ومعدل التنفس في الدقيقة والضغط ودرجة الحرارة، ثم يتناول المريض المحاليل الوريدية لتعويض السوائل المفقودة، مع العمل على تبريد الجسم تدريجياً، حتى تصل درجة الحرارة إلى المُعدل الطبيعي؛ هذا فضلاً عن إجراء الفحوصات المخبرية مثل فحص السكر العشوائي والدم ووظائف الكلى وفحص الملاريا وحمى الضنك، للتأكد من عدم الإصابة بأمراض أخرى. وفي الحالات الحرجة يجري تحويل المريض إلى قسم العناية المُركّزة.

وبيّن أن الفئات الأكثر عرضةً للإصابة هي فئات العّمال الذين يمارسون أعمالهم تحت أشعة الشمس المُباشِرة، والباعة الجائلين في الأسواق والشوارع، وأن أعداد الإصابات في تزايُد مُستمرّ نظراً لظروف الحرب وزيادة الكثافة السكانية بالمدينة نتيجة النزوح.

ونصح عبد المنعم جميع سكان الولاية، وخاصة العمال الذين يضطرُّون للعمل تحت الشمس، بتجنُّب العمل في الساعات الحارّة ما بين العاشرة صباحاً والرابعة عصراً، والإكثار من شرب الماء لتفادي الجفاف، والبقاء في الأماكن الظليلة قدر الإمكان، وحَثَّ على الإبلاغ الفوري عن أيِّ حالة اشتباه بضربة شمس، لأنّ التأخّر في العلاج قد يؤدي إلى عواقب وخيمة؛ فكل دقيقة قد تشكّل فارقاً في حياة المريض.  

ووفقاً لرصد مراسل «أتَـر»، بَلغت أسعار المحاليل الوريدية في مدينة بورتسودان ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف جنيه، وبلغ سعر درب البندول أربعة آلاف جنيه. وتتراوح أسعار الفَراشات (Cannula) بين ألف جنيه وألفي جنيه، بينما تتراوح أسعار الفحوصات المعملية بين خمسة آلاف و20 ألف جنيه.

طويلة: الكوليرا لا تزال تفتك بالنازحين

شمال دارفور – مع بدء وصول النازحين من مُعسكري أبوشوك وزمزم بالقرب من الفاشر إلى منطقتَي طويلة وروكيرو بجبل مرّة، ارتفعت أصوات الذين يعملون في غرف الطوارئ، مُعلنين عن خطورة الوضع الذي يعيش فيه النازحون الجدد الذين وصلوا إلى المنطقة، وهم في أسوأ حالاتهم الصحية والنفسية بعد قطع مسافة تزيد عن 70 كيلومتراً سيراً على الأقدام أو بالدواب، في رحلة استغرقت من بعضهم ستة أيام سيراً على الأقدام، بينما لا تزيد المدة عن ساعة ونصفها بالسيارة في غير أوقات الحرب، وفقاً لإسحاق هارون الذين وصل إلى روكيرو التابعة لمحلية طويلة بشمال دارفور في يونيو الماضي نازحاً للمرة الثانية من معسكر أبوشوك.

ويقول إسحاق، وهو أبٌ لستة أطفال، لمراسل «أتَـر»، إنهم وصلوا وهم يُقاسون شِدّة الجوع والعطش، وقد ظلُّوا في العراء لعدة أيام قبل أن يشيدوا لهم خياماً من المواد المحلية وقطع الثياب البالية. ويضيف: «الخيام التي نقيم فيها حالياً لا تَحجب حرارة الشمس ولا المطر الذي يهطل هذه الأيام بغزارة يومياً».

وفي ظلّ هذا الوضع المتدهور، بدأت الكوليرا بالتفشّي بين النازحين في جبل مرة وطويلة وروكيرو وقولو. ووفقاً لمصدر طبي بالمنطقة، فإن عدد الإصابات منذ بدء تفشي الوباء في منتصف يوليو الماضي ارتفع إلى  2,571 حتى مساء الخميس، بينما تجاوَزَ عدد الوفيات المحصورة 46 حالة وفاة، ويوجد 246 حالة في مركز العزل حتى مساء الخميس. ويتراوح عدد الإصابات يومياً ما بين 100 حالة و200 حالة، معظمها من النساء والأطفال وكبار السنّ غير القادرين على مقاومة الوباء بسبب ضعف بنيتهم وتدهور صحّتهم جرّاء عدم الحصول على الغذاء الجيد لفترات طويلة.

ويصف المصدر السابق الوضع بالمُزري، ويقول لـ«أتَـر» إنّ الوباء تفشَّى على نحو لافت في طويلة التي استقبلت آلاف النازحين من الفاشر ومحيطها. وتتركز الإصابات في أحدث المعسكرات وهو معسكر دبّة نايرة ومنطقة قولو الشهيرة بجبل مرّة ولكن بنسبة إصابة أقلّ من بقية المناطق. وشكا المصدر نفسه من نقص الأدوية وضيق مراكز حجز المرضى وقلة عدد الكوادر الطبية مع صعوبة نقل المرضى إلى مراكز العزل التي تعمل بسعة تفوق سعتها الحقيقية.

وتقول زمزم مبارك من غرف الطوارئ بالمنطقة، لمراسل «أتَـر»، إنّ النازحين الذين وصلوا إلى طويلة، كانوا قد فقدوا ممتلكاتهم أثناء رحلتهم الشاقة إلى المنطقة، وأن كثيراً منهم يحصل على طعامه من التكايا القليلة التي تعمل يومياً في ظلّ نقص كبير في المواد والسلع والدقيق.

ومع استمرار هطول الأمطار ونقص الغذاء والدواء يُتوقَّع أن ترتفع وتيرة تفشّي الكوليرا بمناطق سيطرة حركة عبد الواحد محمد نور بجبل مرّة. وطالبت السُّلطة المدنية التابعة لحركة عبد الواحد الأسبوع الماضي الجهات الأممية والمنظمات العالمية بتصنيف المنطقة ضمن المناطق المنكوبة، ووجهت نداءً  إلى الأمم المتحدة طالبت فيه بالاعتراف بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، باعتبارها مناطق منكوبة إنسانياً، وذلك في أعقاب تفشي وباء الكوليرا.

أم صِميمة: للمرّة الثانية تصبح مسرحاً للعمليات خلال يوليو

شمال كردفانأعلنت قوات الدعم السريع، الأربعاء، سيطرتها على منطقة أم صِميمة ذات الأهمية الاستراتيجية، والواقعة غرب مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان. وللمرة الثانية تصبح قرية أم صِميمة الواقعة على بعد 40 كيلومتراً غرب الأبيّض مسرحاً لعمليات عسكرية طاحنة بين الجيش وحلفائه من جهة والدعم السريع من جهة أخرى، والتي كرّرت هجومها على المنطقة، لقُربها من مدينة الأبيّض ووقوعها على الطريق القومي.

وفي 13 يوليو، أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي استعادة أم صِميمة إلى سيطرة الجيش، وراجت مقاطع ڤيديو تُظهر عناصر من القوة المشتركة المساندة للجيش، وهي تُعلن أن المنطقة تحت سيطرتها، في الوقت الذي أعلنت فيه قوات الدعم السريع شَنّ هجوم خاطف على المنطقة في اليوم ذاته، وقالت إنها تمكّنت من تشتيت القوة العسكرية التي كانت تحرس المنطقة.

وبحسب مصادر محلية من المنطقة، فإنّ الدعم السريع لم تُقم ارتكازات عسكرية بالمنطقة بعد سيطرتها عليها وانسحبت منها إلى المناطق المجاورة.

وتوقعت المصادر احتدام المعارك حول أم صِميمة لأهميتها الاستراتيجية والعسكرية باعتبارها موقعَ دفاع متقدّماً للجيش عن مدينة الأبيض، وبالنسبة للدعم السريع فإنها خطوة أولى نحو مهاجمة مدينة الأبيّض التي ظلت عُرضةً للقصف المستمر خلال سنتين.

وتسبَّبَت المعركتان في تعطيل الحياة العامة، وتهجير السكّان الذين كانوا قد شرعوا فعلاً في الزراعة المطرية مع قدوم فصل الخريف. ويقول أحد مواطني أم صميمة، وهو نازح حالياً في مدينة الأبيض، إن «المعارك العسكرية أفشلت الموسم الزراعي بالنسبة للسكان الذين يعتمدون في معاشهم على الزراعة والرعي».

وعلى الرغم من عدم توفر إحصائية لعدد النازحين من تلك المناطق التي تعدّ من أهم مناطق الإنتاج في كردفان، لكنّ التقديرات تشير إلى نزوح ما يزيد عن 20 ألف أسرة من القرى الواقعة غرب الأبيض بسبب اقتراب المعارك العسكرية منها.

وقال المواطن، وقد طلب عدم كشف هويّته لدواعٍ أمنية، لـ«أتَـر»، إن القرى أُفرغت من سكّانها الذين فرّوا من المعارك العسكرية وعمليات السرقة والتجاوزات الأمنية نحو مدينة الأبيّض التي استقبلت حتى اللحظة الفارّين من عشرات القرى، وما يزيد عن سبع مُدن مُجاورة منها بارا والنهود والخوَي والدبيبات والحمّادي وأبو زبد وبابنوسة.

وبتكرار القتال في أم صِميمة، التي أصبحت خالية من السكان، يُمكن القول إنّ عمليات الزراعة والرعي توقفت في تلك المنطقة كلياً.

وتُمثّل أم صِميمة أهمية عسكرية كبيرة بالنسبة لطرفي الحرب، وذلك لموقعها الجغرافي على الطريق القومي الذي يَربط إقليم دارفور بإقليم كردفان، وبها آخر ارتكاز متقدّم للجيش في عملياته العسكرية ضد الدعم السريع.

Scroll to Top