في السبت 30 أغسطس، زار رئيس الوزراء كامل إدريس مشروع الجزيرة، وتحدّث أمام عدد من المُزارعين والعاملين برئاسة المشروع في بركات، كاشفاً عن اتجاه الدولة لإدخال التكنولوجيا الحديثة بالمشروع، ودعا المُزارعين إلى استخدام التقنيات الحديثة لرفع الإنتاجية والنهوض بالمشروع. ووفقاً لوكالة الأنباء السودانية «سونا»، أعلن رئيس الوزراء عن إنشاء وحدة للري بمشروع الجزيرة، وتفعيل قانون مهن الإنتاج الزراعي والحيواني، وإقامة جمعية للمرأة الريفية، وتكوين لجنة لمُعالجة مشكلات المُعسَرين بالمشروع. وجدّد إدريس في خطابه الالتزام بتوفير التقاوي المُحسَّنة ومدخلات إنتاج زراعة محاصيل العروة الشتوية، مشيراً إلى أهمية التحوّل الرقمي بمشروع الجزيرة.
الكمبيوتر في زمن «أُم صُوفة»
كانت أُم صُوفة تسميةً يُطلقها السكّان المحليّون على عملية بدائية يُؤدّيها عددٌ من العمّال الزراعيين تُؤجّرهم إدارة المشروع لإزالة الحشائش من مجاري المياه بقنوات المشروع، وقد كانت مهنةً مُنتشرةً قبل أن تنزوي بفعل دخول الآلات الحديثة «الكرّاكات»، بَيد أنها عادت بقوة في الآونة الأخيرة وحلّت محلّ الآلات، بعد اضمحلال دور «هيئة الري والحفريات» بمشروع الجزيرة.
مُتهكّماً بحديث رئيس الوزراء عن إدخال التكنولوجيا في عمل المشروع وأنشطته، قال أحد المزارعين بمشروع الجزيرة أثناء حديثه لمراسل «أتَـر»، وهو يزيل الحشائش من مجرى المياه بالترعة التي تروي حوّاشته، إنه يُريد «إدخال الكمبيوتر في زمن أُم صُوفة». وأُم صُوفة هذه، كانت تسميةً يُطلقها السكّان المحليّون على عملية بدائية يُؤدّيها عددٌ من العمّال الزراعيين تُؤجّرهم إدارة المشروع لإزالة الحشائش من مجاري المياه بقنوات المشروع، وقد كانت مهنةً مُنتشرةً قبل أن تنزوي بفعل دخول الآلات الحديثة «الكرّاكات»، بَيد أنها عادت بقوة في الآونة الأخيرة وحلّت محلّ الآلات، بعد اضمحلال دور «هيئة الري والحفريات» بمشروع الجزيرة، على حد قول المزارع. وبات من المألوف أن ترى مزارعين داخل إحدى الترع يُزيلون عنها الحشائش والطمي. وفضلاً عن مخاطرها الصحية العالية، فإنّ هذه العملية لا تفي بالغرض المطلوب، لكنها وسيلة إسعاف، في وقت يعزّ فيه وجود «كرّاكة».
وجاء حديث إدريس في بركات، عن ضرورة استخدام التقنيات الحديثة، في وقت ارتدّ فيه الحال بالمُزارعين من قممٍ شاهقةٍ إلى ثرى الواقع الكارثيّ الذي فقدوا فيه كلّ مُكتسبٍ تحقَّق لهم عبر تأريخ المشروع الممتدّ لمائة عام.
بحسب مُتابعة مراسل «أتر»، لم يأبه كثيرٌ من المزارعين بأمر زيارة رئيس الوزراء، ولم يذهبوا كما كان في السابق إلى حيث المسؤول الزائر لسماع ما يقوله لهم وما يَعدهم به، فقد كفُّوا عن ذلك، وهم مُنشغلون الآن إما بإزالة الحشائش والطمي حتى تَنساب المياه إلى أرضٍ عطشى كادت تتحوَّل إلى قفر يباب لولا بعضِ زخّاتٍ من المطر.
وبحسب مُتابعة مراسل «أتر»، لم يأبه كثيرٌ من المزارعين بأمر زيارة رئيس الوزراء، ولم يذهبوا كما كان في السابق إلى حيث المسؤول الزائر لسماع ما يقوله لهم وما يَعدهم به، فقد كفُّوا عن ذلك، وهم مُنشغلون الآن إما بإزالة الحشائش والطمي حتى تَنساب المياه إلى أرضٍ عطشى كادت تتحوَّل إلى قفر يباب لولا بعضِ زخّاتٍ من المطر. وآخرون منهم يَقفون حيارى عاجزين أمام حقولهم التي امتلأت بمياه «البحر والمطر»، فلا قدرة لهم على تصريفها. وبين هذا وذاك، تخرُجُ هذه المساحات عن دائرة الإنتاج لهذا الموسم، وهو ما لم ينتبه إليه إدريس، أو لم ينبّهوه إليه، حسبما قال مزارعون.
استهلاك سياسي
يرى المُزارع «م. ب»، ويعمل بأحد أقسام مشروع الجزيرة، في حديثه لمراسل «أتَـر»، أنَّ رئيس مجلس الوزراء لم يتطرّق لـ«جوهر القضايا»، وهي تَنحصر، بحسب المُزارع، في امتلاء قنوات الري بالحشائش والأطماء التي تَعوق انسياب المياه، في وقت تشهد فيه هذه القنوات غياباً شبه تامّ للكراكات، وآليات الحفر والتطهير. وما من وقود لتشغيل الآليات القليلة الموجودة. وبدَوره سَخر المُزارع من حديث رئيس الوزراء عن استخدام التقنيات الحديثة في المشروع، في وقتٍ يَفتقرُ فيه المزارعون إلى أبسط المُعينات، قائلاً: «مُشكلتنا ليست في غياب الكمبيوتر، إنما تتعلق مشكلاتنا بالزراعة نفسها في المشروع الذي ارتدّ فيه الحال إلى الوراء سنين ضوئية»، وزاد قائلاً: «خطاب الدكتور كامل إدريس أمام المزارعين، قفز فوق الحقائق الواضحة وذهب هارباً إلى الأمام، وتناسَى المُشكلات التي تَنسف وجود المشروع والمزارعين». ونوّه إلى أنّ المشكلة الأساسية في المشروع هذه الأيام، هي الارتفاع الجنوني في أسعار الأسمدة مثل «اليوريا» التي بلغ سعر الجوال منها 170 ألف جنيه، وهو يساوى سعر جوال ذُرة. وقال: «المزارع وصل إلى قناعة بأنّ الزيارات والبروتوكولات لن تأتي له بنتائج مثمرة، وهو سبب أساسي جعل المزارعين يقاطعون مثل هذه الزيارات»، ومضى قائلاً: «تُبذل الوعود، والمُحصّلة صفر كبير». ويمضي المُزارع قائلاً: «الآن أغلب المساحات في المشروع خارج دائرة الإنتاج، والسبب الرئيس هو انعدام كرّاكات كافية، وجلُّ المساحات إما تُعاني من الغرق أو العطش، بسبب تراكم الأطماء التي تجعل المياه تنحبس في بدايات القنوات ولا تصل إلى آخرها».
ووصف المُزارع حديث رئيس الوزراء ووالي الجزيرة بأنه «مُفارقٌ للواقع» و«خيالي»، وبأنه «حديث للاستهلاك السياسي».
وليس بعيداً عن سابقَيْه، يرى المزارع «أ. ع» في حديثه لـ«أتَـر»، أن زيارة رئيس الوزراء لمشروع الجزيرة هي زيارة بلا معنى، لأنّ رئيس الوزراء لا يفهم في مشكلات المشروع، على حدّ قوله. ويتّهم المُزارع جهاتٍ داخل إدارة مشروع الجزيرة وحكومة ولاية الجزيرة، بأنها تتجاهل مشكلات مناطق بعينها داخل المشروع، وتتعمّد عدم توصيل الحقائق كاملة للحكومة الاتحادية، حتى لا تُثبت الفشل على نفسها. وأخبر «أتَـر» بأن هذه الجهات قد وجهت برنامج الزيارة نحو المناطق التي لا تُعاني من أيِّ مشكلات في الزراعة، مثل الأجزاء التي زارها رئيس مجلس الوزراء، حتى يبدو كما لو أنّ المشروع لا يفتقر إلا للتكنولوجيا الحديثة. ويضيف قائلاً: «لو عرج إدريس قليلاً على مناطق بقسم المسلّمية نفسه، سيَرَى العجب العُجَاب من العطش والمشكلات التي لا حصر لها».
قفزٌ إلى ما هو أبعد
رحّب المزارع «م. ه» بإعلان رئيس الوزراء عن تشكيل وحدة خاصة للري بمشروع الجزيرة، بيد أنه عاد وتساءل عن جدوى قيام هذه الوحدة في وقت لا يمتلك فيه المشروع آليات للحفر والتطهير.
في قسم آخر بالمشروع يعمل المزارع «ط. أ»، وقد زرع حوّاشته بالذرة هذا الصيف، بعد أن أنفق أموالاً طائلة في حراثته وشراء التقاوي، وقبل أيام باع إحدى بقراته الثلاث لشراء الأسمدة، والآن أصيب محصوله بما يُسمّى آفة «مَنّ الذّرة» والمعروفة محلياً بـ«العَسلة»، وهي تنتشر هذه الأيام وسط حقول الذرة، بسبب قلة الأمطار وارتفاع نسبة الرطوبة في الجو؛ فضلاً عن عجز المزارعين عن شراء المبيدات اللازمة لمكافحتها. يقول المزارع لـ«أتَـر»، إن هيئة البحوث الزراعية بالمشروع كانت سابقاً تكتشف هذه الأمراض مبكراً، وتجلب الأدوية والمبيدات التي تُحاربها، لكنّ هذه المؤسسة صُفِّيت جزئياً بعد قانون 2005 بالمشروع، وأتت الحرب لتقضي على ما تبقَّى منها تماماً، حيث نُهبت أثاثاتها ومُعِينات عملها، وشُرِّد كادرها المتمرّس. «لو كان إدريس يعلم، أو يُراد له أن يعلم، لتحدَّث عن هيئة البحوث الزراعية، ولأعلن عن مبيدات لمحاربة الآفات، بدلاً عن الحديث عن قضايا لا تهمّنا الآن»، يقول المزارع متحسّراً، ومن ثمّ يضيف: «سئمنا الحديث الممجوج، فقد خاطبَنا قبل اليوم الرئيس الأسبق عمر البشير، ووعَدَنا بأننا سنركب جميعاً سيارات دفع رباعي، وفي الآخر بِعْنا أو أجّرنا أجزاء من حوّاشاتنا لنأكل، لذلك لا نهتمّ لمثل هذه التصريحات والوعود لأنها في وادٍ ونحن في وادٍ آخر».
ويلفت المزارع «م. ه»، في حديثه لـ«أتَـر»، إلى أنه قد فات على رئيس الوزراء أنّ الزراعة مواقيت. ورحّب بإعلان رئيس الوزراء عن تشكيل وحدة خاصة للري بمشروع الجزيرة، بيد أنه عاد وتساءل عن جدوى قيام هذه الوحدة في وقت لا يمتلك فيه المشروع آليات للحفر والتطهير. وطالب المُزارع رئيس الوزراء بقَرْن وعده بالعمل والشروع فوراً في استجلاب آليات، خاصة أنه تبقى أمام العروة الشتوية شهران فقط. ويُذكّر المزارع بأنّ كثيراً من المزارعين فقدوا الأمل في العروة الصيفية التي انصرمت، ولم يزرعوا حوّاشاتهم لأسباب عدة تجاهَلها رئيس الوزراء تماماً، وقفز إلى ما هو أبعد، على حدّ تعبير المزارع.
في حديثه لـ«أتَـر»، يرى القيادي بتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، إبراهيم طه، أنّ ما خرج من خطاب رئيس الوزراء فيه إيجابيات كثيرة للمزارعين، أهمُّها وجود قانون لمشروع الجزيرة تحت أي مسمّى، لأنه يضمن وحدة المشروع، وثانياً دمج الري في إدارة المشروع لضمان أفضل تجربة، وثالثاً التعهّدات بتمويل الموسم الشتوي.
كذلك انتقد المزارع «م. ه» حديث رئيس الوزراء عن تفعيل مهن الإنتاج الزراعي والحيواني بمشروع الجزيرة، وقال إنّ الجسم النقابي الذي يُمثّل المزارعين هو شأن يخصُّ المزارعين، ولهم وحدهم حقّ الحديث في كيفية اختيار من يمثّلهم؛ وبموجب القانون فإنّ لهم الحق في كيفية إدارة اتحاداتهم ونقاباتهم. وحول مشكلات المزارعين المُعسَرين، يقول إنّ هذه المشكلة لا تحتاج إلى تكوين لجنة للمعالجة، إنما يُتوقّع من رئيس الوزراء إصدار قرار بالعفو عن الديون، فهو مسؤول عن تعويض المزارعين وليس مطالبتهم.
لكن القيادي بتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، إبراهيم طه، يرى في حديثه لـ«أتَـر»، أنّ ما خرج من خطاب رئيس الوزراء فيه إيجابيات كثيرة للمزارعين، أهمُّها وجود قانون لمشروع الجزيرة تحت أي مسمّى، لأنه يضمن وحدة المشروع، وثانياً دمج الري في إدارة المشروع لضمان أفضل تجربة، وثالثاً التعهّدات بتمويل الموسم الشتوي. بَيد أن طه عاد متسائلاً عن الآليات أو التواقيت المُحدَّدة لتنفيذ هذه القرارات، لافتاً إلى أنّ عملية الدمج بين الري والإدارة تستلزم وجود آليات لدى الحكومة لكي تنجح التجربة. ويرى طه أن الحديث عن تمويل الموسم الشتوي لا يكون مقنعاً، حتى وإن ضمن المزارعون التمويل، إلا بإعلان سياسة واضحة حول السعر التركيزي لمحصول القمح، وتحديد الجهة التي ستُسلمه؛ وبحسب طه فإنها إما أن تكون إدارة المشروع أو البنك الزراعي. وقطَعَ بأن حديث رئيس الوزراء دون ذلك سيكون حديثاً عاماً، ولن يذهب المزارعون لأخذ التمويل، حتى لا يصبحوا في نهاية الموسم تحت رحمة السوق، داعياً للإسراع بحلّ هذه المشكلات فوراً.
جدل وصراع
ووفقاً لوسائل إعلام، أشار المزارع عبد السلام الشامي، الرئيس السابق لجمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني – البديل لاتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل بعد قانون 2005 تعديل 2024 – أمام رئيس الوزراء، إلى ضرورة إنشاء هيئة لإعمار وتطوير المشروع، وتكوين لجنة لمعالجة مشكلات الإعسار، وتشكيل مجلس إدارة للمشروع، وإعفاء رسوم العروة الصيفية، ومعالجة مشكلات الري.
وطالَبَ المزارع الطيب جودة بإعادة تنظيمات مهن الإنتاج الزراعي وفقاً لقانون 2011. وناشدت المُزارعة طاهرة عباس الحسن رئيس الوزراء الاهتمام بمشروع الجزيرة وإيجاد آليات جديدة للتمويل. وناشده ممثل مشروع الحرقة ونور الدين معالجة مشكلة الكهرباء بتوفير الطلمبات بعد تكفّل الوالي وتوصيله للكهرباء لأول مرة.
القيادي الشعبي، بقسم سرحان، الطيب الإمام جودة، الذي قدَّم خطابه باعتباره مُمثلاً للمزارعين بالمشروع، طالب بتبعية المشروع لولاية الجزيرة، ونفى عنه صفة القومية، ونوّه إلى أنّ المشروع بما لديه من إمكانات، مؤهّل لتمويل نفسه بنفسه ولا يحتاج من الدولة شيئاً. وسرعان ما قُوبل خطابه برفض واسع من المزارعين، الذين تحدّث بعضهم لـ«أتَـر» رافضين دعاوى خروج الدولة من تمويل المشروع، واتفقوا على أنّ ذلك هو سبب انهياره، وأكّدوا على أنه مشروع قومي، ودعوا الدولة إلى أن تتولى دَورها في تمويل المشروع كما كان في السابق. واعتبر مزارعٌ أنّ خطاب جودة يعطي الدولة مبرّرات لفشلها في تمويل المزارعين، ويُظهر رأيه وكأنه رأي جميع المزارعين.
يُذكَر أنّ الطيب الإمام جودة، الذي لمع نجمه أثناء فترة الحرب، كان قائداً بالمقاومة الشعبية المُسلّحة ضد الدعم السريع، وقد كان في السابق يخوض صراعاً ضد عبد السلام الشامي، الرئيس السابق لجمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني.



