أتر

التهاب الكبد الفيروسي: عدو خفيّ

تَشهد ولاية الجزيرة تفشّي وباء التهاب الكبد الڤيروسي على نحوٍ بالغ. وسجل مركز عمليات الطوارئ الاتحادي في اجتماعه الراتب الثلاثاء 7 أكتوبر الجاري، 59 إصابة جديدة بالمرض جميعها في ولاية الجزيرة منها 5 حالات وفاة، ليرتفع العدد التراكمي للإصابات إلى 2,464 إصابة منها 12 حالة وفاة. ولم تسجل ولايات أخرى حتى الآن رسمياً انتشار المرض، لكن مصادر طبية أخبرت «أتر» بوجود حالات ببورتسودان والخرطوم.

وبحسب مصادر صحية ومواطنين تحدثوا لـ«أتر»، فإن الولاية تواجه أزمة بيئية، بسبب تلوث المياه، وانتشار الفضلات البشرية والحيوانية، ما يهيئ بيئة مناسبة لتكاثر الڤيروسات، وانتقالها بسهولة إلى الإنسان من خلال الشرب أو الاستخدام اليومي للمياه الملوثة؛ مع افتقار الولاية إلى مرافق الصرف الصحي، إضافة إلى عدم الاهتمام بالنظافة العامة والشخصية.

ويُعَدُّ التلوث البيئي من أبرز العوامل التي ساهمت في انتشار التهاب الكبد الڤيروسي على نحو واسع في ولاية الجزيرة. وتمثل مصادر المياه الملوثة وتلوث الهواء أحد أسباب ضعف الجهاز المناعي، ما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالڤيروسات، بحسب إفادات أطباء.

متحدثاً لـ«أتر»، يُخبر مواطن من مدينة رفاعة أن المدينة تُعاني من تراكم النفايات، ما سبب أزمة صحية وتفشياً للوبائيات على نحوٍ واسع. ودعت مُبادرة محلية لتنفيذ عمليات نظافة للشوارع والسوق الكبير، للحد من انتشار الأمراض. وشكا المواطن من شُح الأدوية في صيدليات المدينة، مُشيراً إلى مبادرات أخرى بالمدينة لجمع التبرعات من أبناء المنطقة خارج السودان لتوفير دربات البندول واللقاحات.

أسباب أخرى

ويعزو اختصاصي علم الأحياء الدقيقة د. حسين الطيب، ويعمل بمحلية شرق الجزيرة، انتشار حالات التهاب الكبد الوبائي في الولاية، إلى أن المستشفيات تفتقر إلى مكاتب الرعاية الاجتماعية، التي عادةً ما تُتابع مع المرضى أوضاعهم، مُقدّمةً خدمات الرعاية والتوجيه والدعم النفسي لهم. ويَربط مكتب الرعاية الاجتماعية المصابين بخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، ويُسهِّل وصولهم إلى العلاج المجاني أو المدعوم، فضلاً عن تقديم الإرشاد النفسي والاجتماعي، والإشراف على برامج توعية مجتمعية تستهدف رفع الوعي بطرق الوقاية والكشف المبكر. إضافة إلى ذلك، يُنسِّق المكتب مع المنظمات الصحية والجهات الحكومية لتوفير الدعم للمرضى.

ويقول حسين في حديثه لـ«أتر»، إن ثقافة التطعيم ضد الوبائيات غير منتشرة بين المواطنين، وحتى اللقاحات التي كانت توفرها الإمدادات الطبية بمقابل مادي سابقاً، انعدمت حالياً حتى في الصيدليات، الأمر الذي يُنذر بتفشي الوباء في أرجاء واسعة من الولاية.

 ويُعَدُّ التهاب الكبد الڤيروسي أحد الأمراض التي تصيب الكبد، ويُسبِّب ڤيروسه التهاباً في خلاياها، ويُصنَّف علمياً إلى خمسة أنواع (A,B,C,D,E)، وتشترك جميعها في استهداف الكبد، رغم اختلاف أنواعها في العائلات الڤيروسية، وتختلف طُرق عدوى كل نوع عن الآخر، وأولها هي العدوى الڤيروسية، إضافة إلى الالتهاب الناتج عن المواد السامة مثل الكحول وبعض أنواع الأدوية، وأخرى ناتجة عن خلل في الجهاز المناعي.

وبحسب الحالات التي مرت على حسين، فإن أكثر حالات العدوى بالتهاب الكبد الوبائي هي الڤيروسية. وبيّن حسين أن أعراض التهاب الكبد الوبائي تختلف حسب نوع الڤيروس ودرجة الإصابة، ويمكن أن تكون خفيفة في بعض الحالات أو شديدة في حالات أخرى، وفي كثير من الأحيان قد لا تظهر الأعراض في المراحل المبكرة من المرض، ما يُصعّب اكتشافه دون فحوصات طبية. وتتراوح أعراض التهاب الكبد بين فقدان الشهية، والغثيان، وألم في العضلات والمفاصل، وقد لا تظهر أي أعراضٌ في بعض الحالات.

التهاب الكبد من النوع (A)

ينتمي لعائلة الـPICO، وهو صغير الحجم. ويُعد التهاب مرضاً سهل العلاج إذا اكتُشف مُبكراً. وبمجرد العلاج منه يكتسب الجسم مناعة تُحصنه من الإصابة بالڤيروس مرةً أخرى. يوجد الڤيروس المسبب لالتهاب الكبد من النوع A في فضلات المُصابين، لذا ينتقل للآخرين بعدة طرق منها شرب الماء الملوث بفضلات المصاب. ويؤدي إلى ارتفاع في أنزيمات الكبد .

 

التهاب الكبد من النوع (B)

يُشفى المريض منه تلقائياً بعد الإصابة بشهرين في حال التعرّض للإصابة في مرحلة البلوغ، أما في حال التعرض للإصابة في مرحلة الطفولة، فيحتاج علاجه إلى الأدوية المُضادة للڤيروسات حتى لا تتفاقم الحالة وتصل إلى حد تليّف الكبد أو سرطانها. ويوجد الڤيروس المسبب لالتهاب الكبد من النوع B في دم المُصاب، لذا ينتقل عند الولادة من دم الأم المُصابة إلى طفلها، أو باستخدام الإبر الملوثة، وتكثر هذه الحالة بين المُدمنين، كما ينتقل أيضاً عن طريق الاتصال الجنسي.

صورة مجهرية لخاليا كبد مصاب بالتهاب كبد مزمن من النوع B

المصدر

 

التهاب الكبد من النوع (C)

التهابات مُزمن، يتفاقم في الجسم دون أي أعراض ملحوظة، وتتشابه مع الإنفلونزا ولا يُميز المُصاب بينهما، لذلك غالباً ما تتفاقم الحالة وتصل إلى تليّف الكبد وفشلها. ويوجد الڤيروس المسبب لالتهاب الكبد C في دم المُصاب، ويشبه التهاب الكبد من النوع (B) في طرق العدوى.

 

التهاب الكبد من النوع (D)

من أنواع التهابات الكبد غير الشائعة، لكون الإصابة به محدودة. ويتميز الڤيروس المسبب له باقتصار الإصابة به على الأشخاص المُصابين بالتهاب الكبد B، لأن ڤيروسه يحتاج لوجود الڤيروس المسبب للنوع (B) للبقاء نشطاً، ويوجد الڤيروس في دم المُصاب، لذا تتشابه طُرق انتقاله مع انتقال التهاب الكبد الڤيروسي من النوعين B و C.

 

التهاب الكبد من النوع (E)

أحد أنواع التهاب الكبد المنتشرة في جميع أنحاء العالم، ويوجد منه 4 أنماط جينية، وكشفت الأبحاث عن نوعين منها في البشر ونوعين في الحيوانات. ويتميز النوع E بأنه يُسبب مرضاً خطيراً يُعرف باسم «التهاب الكبد الحاد المؤدي للوفاة لبعض المُصابين»، ويشبه A في كثير من الخصائص، لكنه يختلف في أنه ينتقل أيضاً عبر الحيوانات  (zoonotic)، ويشكل خطراً كبيراً على الحوامل، وقد يؤدي إلى مضاعفات مثل تجلطات الدم في الأوعية الدموية DIC بسبب ضعف المناعة وتوسّع الأوعية الدموية. يُمكن الشفاء من هذا الڤيروس ذاتياً بعد أسبوعين إلى ستة أسابيع من الإصابة، ولا يوجد علاج لالتهاب الكبد من النوع E، وتُعالج بعض الحالات بالأدوية المُضادة للڤيروسات.

 

التهاب الكبد الوبائي الخامل

مرحلة قد يمر بها الشخص المصاب بڤيروس التهاب الكبد دون أن تظهر عليه الأعراض المعتادة، ما يجعله في حالة من الركود أو الخمول الڤيروسي. وفي هذه الحالة يكون الڤيروس موجوداً في الجسم، ولكن لا يسبب الأعراض المزعجة أو التدهور السريع في وظيفة الكبد. ومع ذلك قد يظل الشخص حاملاً للڤيروس، ويُحتمل أن ينقل العدوى للآخرين، لهذا السبب يحتاج الشخص المصاب إلى مراقبة طبية مستمرة لتحديد ما إذا كان الڤيروس سيصبح نشطاً في وقت لاحق.

نسبة مرتفعة في السودان

بحسب مصدر في المنظمة العالمية، تحدث لـ«أتر»، فإن معدلات الإصابة في ولاية الجزيرة تتراوح ما بين 5% و10%، ما يعكس الوضع العام لتفشي الوباء في السودان، مُضيفاً أن دراساتٍ بيّنت أن معدل انتشار التهاب الكبد B في السودان يصل إلى 9%، بينما تصل نسبة التهاب الكبد C إلى 3%.

تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 10% من السكان في السودان مصابون بالتهاب الكبد من النوعين B وC، وهي نسبة مرتفعة بحسب معايير منظمة الصحة العالمية، في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات كبيرة في مجال الرعاية الصحية بسبب هشاشة الأوضاع الصحية والتدهور الاقتصادي.

وبحسب مصدر في المنظمة العالمية، تحدث لـ«أتر»، فإن معدلات الإصابة في ولاية الجزيرة تتراوح ما بين 5% و10%، ما يعكس الوضع العام لتفشي الوباء في السودان، مُضيفاً أن دراساتٍ بيّنت أن معدل انتشار التهاب الكبد B في السودان يصل إلى 9%، بينما تصل نسبة التهاب الكبد C إلى 3%، شاملةً فئات الشباب والبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عاماً. وأوضح أن استراتيجيات الوقاية تتضمن التطعيم ضد التهاب الكبد  B، وتعزيز الوعي الصحي، أما العلاج فيعتمد على الأدوية المضادة للڤيروسات، مثل «داكلانسافير» و«سوفوسبوفير».

ويؤكد المصدر أن التهاب الكبد الوبائي يمثل تحدياً كبيراً في السودان وأفريقيا بوجه عام، وتتطلب مكافحته جهوداً منسقة لتحسين الرعاية الصحية والتوعية والوقاية، داعياً إلى تعزيز برامج التوعية والتثقيف حول التهاب الكبد، وتحسين الوصول إلى اللقاحات والعلاج.

في حديثها لـ«أتر»، تُشير طبيبة المختبرات الطبية ومكافحة العدوى د.تصافي محمد صديق، إلى دراسة أجراها أطباء سودانيون بهدف تقييم مدى انتشار ڤيروس التهاب الكبد B وC بين المتبرعين الطوعيين بالدم في مستشفى دنقلا في الولاية الشمالية، نُشرت أبريل الماضي في مجلة (Asian Journal of Research in Infectious Diseases). جمعت الدراسة بيانات ديموغرافية وسريرية عن العمر وتاريخ التبرع والجراحة السابقة، والوشم أو الحجامة، وتاريخ الإصابة باليرقان من 100 متبرع طوعي، وخلُصت نتائجها إلى أن ڤيروس التهاب الكبد B لا يزال يمثل تحدياً صحياً بارزاً في منطقة دنقلا، خاصة بين المتبرعين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً. وعلى الرغم من أن معدل انتشار ڤيروس التهاب الكبد C بدا منخفضاً في هذه الفئة، إلا إن الاعتماد على أدوات الفحص السريع مثل الاختبار (Rapid Kit) لا يوفر الدقة الكافية لضمان سلامة الدم المنقول. بناءً على ذلك، توصي الدراسة بتعزيز بروتوكولات الفحص المعتمدة في بنوك الدم، واستخدام تقنيات تشخيصية أكثر موثوقية مثل تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR).

صورة توضح انتشار المرض عالمياً

سبل المكافحة

يقول د.حسين إن معظم عمليات نقل الدم للمرضى – أحد طرق العدوى – تجري بنحو غير دقيق، إذ تُستخدم فيها رقائق الفحص السريع لإجراء فحص الفيروسات «rapid kit»، وتُعد نتائجها غير دقيقة، لذلك يُوصي باستخدام الأجهزة الحديثة.

وتتبع وزارة الصحة السودانية بروتوكولات علاجية تشمل الفحص المبكر وتقديم الأدوية المضادة للڤيروسات، بيد أن البلاد تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص الأدوية واللقاحات، وقد أثرت الأوضاع الأمنية بدورها على توفر الرعاية الصحية، ما زاد من تفشي المرض وقلّل من فرص الوصول إلى العلاج، الذي يعتمد على نوع الڤيروس. وتتطلّب الوقاية من المرض تناول اللقاحات واتباع ممارسات صحية مثل تجنب تبادل الأدوات الشخصية.

يقول د.حسين إن معظم عمليات نقل الدم للمرضى – أحد طرق العدوى – تجري بنحو غير دقيق، إذ تُستخدم فيها رقائق الفحص السريع لإجراء فحص الڤيروسات «rapid kit»، وتُعد نتائجها غير دقيقة، لذلك يُوصي باستخدام الأجهزة الحديثة، لافتاً إلى أهمية الكشف المبكر عن التهاب الكبد الڤيروسي أو الوبائي، بما في ذلك حالات الالتهاب الخامل عبر الفحوصات الطبية، لتحديد الخطة العلاجية الأنسب بحسب نوع الڤيروس وحالة المريض الصحية.

وتقول د.تصافي إن عمليات نقل الدم بطريقة غير سليمة وعمليات غسل الكلى، واستخدام الأدوات غير المعقمة جيداً في العمليات الجراحية، تُسهم في نقل ڤيروس الكبد الوبائي من الشخص المصاب إلى السليم، وينتج عن دخول الڤيروس إلى الجسم التهابٌ في الكبد يؤدي إلى خلل في وظائفها حتى يصل إلى سرطان الكبد المسبب للوفاة. وأوصت تصافي بضرورة اتباع الإجراءات العامة للوقاية من انتقال الڤيروسات، والاهتمام بالنظافة الشخصية، وارتداء القفازات عند التعامل مع الدم أو سوائل الجسم، واتباع ممارسات الحقن الآمن في المستشفيات والمراكز العلاجية.

 ولأن التهاب الكبد الوبائي من النوع C، يعد ڤيروساً مُتخفياً ومُتستّراً، ولا يُسبب أعراضاً لفترة طويلة، توصي تصافي بإجراء فحص PCR، وهو فحص دقيق يتعرف على الحمض النووي للڤيروس.

Scroll to Top