أتر

عين على الذهب الأبيض: «السودان للأقطان» تعود إلى الواجهة من جديد

في الأسبوع الثاني من أكتوبر، أصدر مجلس إدارة شركة السودان للأقطان المحدودة، قراراً بتعيين الفريق أول أبوبكر حسن مصطفى دمبلاب، المُدير السابق لجهاز المخابرات العامة، مديراً عاماً للشركة، وذلك استناداً إلى أحكام المادة (1/57) من قانون الشركات لسنة 2015، والمادة (67) من النظام الأساسي للشركة. وقال المجلس، إنّ القرار يأتي في إطار خطّة إصلاح وهيكلة الشركة التي تواجه تحديات اقتصادية وإدارية كبيرة.

وبحسب معلومات حصل عليها مراسل «أتَـر»، فإنّ شركة السودان للأقطان شركة محدودة مُسجَّلة بموجب قانون الشركات لسنة 1925 بشهادة تأسيس رقم (3223). وتعمل الشركة في زراعة وتمويل القطن، ويُساهم مزارعو مشروع الجزيرة والمناقل في ملكية أسهمها بنسبة 39.1%، بينما يُساهم مُزارعو مؤسسة الرهد بنسبة 16.4%، ومزارعو حلفا بنسبة 16.4%، والصندوق القومي للمعاشات بنسبة 14.5%، ومصرف المزارع التجاري بنسبة 13.6%. ويمتلك المزارعون أكثر من 71% تقريباً من أسهم الشركة، التي تُعدُّ امتداداً للهيئة العامة للقطن التي أُسّست في العام 1970 بعد تأميم تجارة القطن. وفي عام 1986، أُعيد تأسيس الشركة لتُشكّل شركة السودان للأقطان المحدودة (SCCL).

وقد أثار القرار جدلاً واسعاً وسط المزارعين والمساهمين، في ظلّ الأزمة المالية التي تمرّ بها الشركة وتراجُع إنتاج القطن في المشاريع الزراعية القومية. وقال خبير زراعي لـ«أتَـر» – فضّل حجب اسمه – إنّ تعيين شخصية أمنية في موقع إداري بهذا الحجم «يُمثل محاولة لإحكام السيطرة الإدارية والأمنية على المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية».

ما السبب في إقالة المدير السابق؟

 بحسب مُتابعات «أتَـر»، نفى عضوٌ في اللجنة التسييرية لشركة السودان للأقطان، في بيانٍ، توقيعه أو موافقته على قرار تعيين مدير عام جديد للشركة، واصفاً ما نُسب إليه من توقيع بأنه تزوير وانتحال لشخصيته، قائلاً إنه لم يشارك في أي اجتماعات للّجنة منذ أكثر من سنة، ولم يُفوّض أحداً للتوقيع أو اتخاذ قرارات باسمه.

كشف مصدر مُطلِع من داخل شركة الأقطان، لمراسل «أتَـر»، أنّ المدير المُقال قد جرى تعيينه بعقد مدّته سنتان، وانتهت المدة. وحاول المدير إخفاء صورة العقد الموقّع بينه ومجلس إدارة الشركة. وبعد اندلاع الحرب، زعم المدير السابق أن الأوراق الخاصة بالشركة جميعها تبدّدت أو نُهبت وأحرقت، بَيد أن حظّه العاثر – طبقاً لرواية المصدر من داخل الشركة – أوقعه في غير المتوقّع، إذ حضر وفد من مجلس الإدارة من بورتسودان لتفقّد مباني وموقع الشركة في الخرطوم، ووَجَد أصل العقد من ضمن الأوراق غير المحترقة، في مقرّ الشركة بالخرطوم. واعتبر المصدر أن هذا هو السبب في إزاحته. تطابق قول مصدر آخر من داخل الشركة، مع المصدر الأول، بَيد أن الأخير أضاف لمراسل «أتَـر» أنّ صورة العقد عُثِر عليها منذ تاريخ سيطرة القوات المسلحة على الخرطوم كاملة، إلا أنّ ما دفع إلى إقالته، هو رفضه توقيع صفقة بين الشركة وجهةٍ خارجية.

وقد شابَ تعيينَ مدير جديد للشركة جدلٌ إعلاميٌّ أيضاً؛ فبحسب مُتابعات «أتَـر»، نفى عضوٌ في اللجنة التسييرية لشركة السودان للأقطان، وممثل مشروع الجزيرة في اللجنة، في بيانٍ، توقيعه أو موافقته على قرار تعيين مدير عام جديد للشركة، واصفاً ما نُسب إليه من توقيع بأنه تزوير وانتحال لشخصيته، قائلاً إنه لم يشارك في أي اجتماعات للّجنة منذ أكثر من سنة، ولم يُفوّض أحداً للتوقيع أو اتخاذ قرارات باسمه، مضيفاً أنّ ما جرى تداوله بشأن موافقته على القرار «غير صحيح».

في حديثه لمراسل «أتَـر»، قال عابدين برقاوي القيادي بتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، وأحد المساهمين في الشركة، إنّ قضية تعيين شخصٍ مديراً للشركة، أو إزالة آخر، باتت لا تعنيهم في شيء، خاصة أن الشركة باتت تُسيطر عليها جهاتٌ لا علاقة لها بالمزارعين المُساهمين فيها، كما أن أنشطتها باتت بعيدةً عن قضايا المزارعين وهمومهم.

في حديثه لمراسل «أتَـر»، قال عابدين برقاوي القيادي بتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، وأحد المساهمين في الشركة، تعليقاً على الإقالة، إنّ قضية تعيين شخصٍ مديراً للشركة، أو إزالة آخر، باتت لا تعنيهم في شيء، خاصة أن الشركة باتت تُسيطر عليها جهاتٌ لا علاقة لها بالمزارعين المُساهمين فيها، كما أن أنشطتها باتت بعيدةً عن قضايا المزارعين وهمومهم، ووصفها بأنها أصبحت من بؤر الفساد منذ حكم الرئيس المعزول عمر البشير، ودعا إلى عقد جمعية عمومية عاجلة، حتى يطّلع المُزارعون على ما يدور في الشركة ويكون لهم رأي فيه. وأشار برقاوي إلى أنه وعلى الرغم من أن المزارعين، وتحديداً مزارعي الجزيرة والمناقل، يمتلكون نصيباً مقدّراً  من أسهمها، إلا أنهم يُحرمون من حقهم الطبيعي في اختيار مجلس إدارة الشركة منذ فترة طويلة.

وليس بعيداً عن برقاوي، يقول المزارع كمال ساري وهو صاحب أسهم في الشركة، لمراسل «أتَـر»، إن الغرض الأساسي الذي أُنشئت من أجله الشركة كان تحسين أوضاع المزارعين المعيشية والمحافظة على زراعة القطن باعتباره محصولاً استراتيجياً لدعم اقتصاد السودان، لكن تغيّرت أهداف الشركة وأصبحت بؤرة من بؤر الفساد المُقنّن في عهد الإنقاذ وما تلاه.

تاريخ الفساد

ظلّت شركة الأقطان، واحدةً من أكثر الشركات إثارةً الجدل على مدى سنوات، خاصة أن قضايا الفساد ظلَّتْ تُلاحقها إعلامياً في الفترة من 2014 وحتى 2022، كما شهدت ردهاتُ المحاكم جلسات لمحاكمة نافذين في الشركة بتهم فساد، حوكم فيها عدد من قادة الشركة.

طوال فترات المحاكمة في عهد حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، ظل المُزارع بمشروع حلفا الجديدة، وأحد مالكي الأسهم في الشركة، جودة سليمان الطاهر، يَحضر الجلسات القضائية حول فساد مسؤولي الشركة بالخرطوم، ولفت في حديثه إلى مراسل «أتَـر»، إلى أنه ما من قضية من قضاياها تقترب من الحسم، حتى تظهر لها أبعاد أخرى، وخيوط تقود إلى قضايا جديدة، واصفاً الفساد في الشركة بأنه كان مُتناسلاً. ويَعتبر الطاهر تدخّل جهات حكومية في تعيين المدير الجديد استمراراً للنهج السابق ومحاولات السيطرة على شركة خاصة بالمزارعين، بَيد أنه رأى في الأمر أيضاً «صدمة» سوف تجعل المزارعين يستيقظون من «نومهم» ويستردّون حقوقهم.

في العام 2016، كانت محكمة الخرطوم وسط قد أدانت المتهم «عابدين محمد علي الفكي» المدير العام السابق للشركة ورفيقه «محيي الدين عثمان» عضو مجلس إدارة الشركة، بتُهمة إنشاء شركات باطنية بأموال شركة الأقطان.

وقالت المحكمة حينها – بحسب منطوق الحكم الذي نُشر في عدد من الصحف حينئذٍ – إنّ المتهمَيْن أسَّسَا الشركات بأموالٍ من شركة الأقطان وأكبرها كانت شركة «مدكوت للتجارة العالمية» بـ 350 سهماً، إلى جانب المساهمة الخاصة في شركة «المدبرات العالمية»، التي أسّستها شركة «عين القطر الهندسية» وشركة «الفايدي للحفريات»، وهاتان الشركتان أسّسهما أشخاص لهم صلة قربى بالمتهَمَين الأول «عابدين محمد» والثاني «محيي الدين عثمان». وقد استقرّت شركة «مدكوت» في آخر إيداع لدى المسجّل التجاري بالأسهم التالية: شركة السودان للأقطان (400) سهم، المتهم الثاني «محيي الدين عثمان» (300) سهم، والمتهم الثالث «محمد عبد الله» (300) سهم. في (19/1/ 2007) أُسّست شركة «آزر الهندسية» بأسماء كلّ من المتهم السابع «مهند علي أحمد» و «محمد بكري حسين» والمرحوم «محمد بابكر حسين». في (2010) أُبرم توثيق بواسطة المتهم الخامس «سعد الدين محمد حمدان»، فحواه تنازُل «محمد بابكر» عن أسهمه للمتهم الرابع «ضرغام الشعراني»، وتوثيق آخر بذات التاريخ للمتهم «محمد بابكر حسين» بالتنازل عن أسهمه للمتهم الرابع «الشعراني». وبوفاة «محمد بابكر» في العام (2008)، وبعد الإسقاطات وإعادة التخطيط في الأسهم، كانت جملة هذه الأسهم لشركة «الأقطان» (500) سهم، شركة مدكوت (1000) سهم، ضرغام الشعراني (1750) سهماً والمتهم الثاني (1450) سهماً. وفي عام (2009) أُسِّست شركة أخرى، هي شركة «الدهناء للمقاولات المحدودة» بـ(100) سهم باسم كل من المتهمين الثالث والسابع بالمناصفة، وأسند لهذه الشركة تنفيذ الأعمال المدنية للمحالج الجديدة. وفي (21 يوليو 2010) أُنشئت شركة «كام نو للهندسة والاستشارات المحدودة» لكل من شركة «مدكوت للتجارة العالمية» و«أحمد حاج النور» بالمناصفة، وأُسندت لهذه الشركة الأعمال الاستشارية للمحالج الجديدة. وفي (2 مايو 2007) أنشئت شركة «الرائدة لحليج الأقطان» بموافقة شركة «الأقطان» وشركة «مدكوت» ومصرف المزارع التجاري والجهاز الاستشاري للضمان الاجتماعي وشركة «شيكان للتأمين» وشركة «بالكان» التركية. وفي (19 يوليو 2011) أسِّست شركة «جي سي كوت»، بين شركة «السودان للأقطان» وشركة «مدكوت» و«أبو بكر البدري» والمتهم السابع و«أحمد عبد الله عمر».

وقال القاضي إنّ المتهم الأول يمثل رئيساً لمجالس إدارة جميع هذه الشركات، ما عدا شركة «كان» التي يمثل رئيس مجلس إدارتها المتهم «معتصم أبا يزيد».

وكانت المحكمة في قد أدانت المتهمين في القضية، وقضت على المتهَمَين الأول والثاني بالسجن 12 و10 سنوات، وقرّرت إعمال التغريب لبلوغهما سن الـ«70» في عامي 2017 و2020م. كما قضت المحكمة بإعادة مبلغ 16 مليار جنيه لشركة «الأقطان» واسترجاع أكثر من 16 مليار جنيه قيمة الجرّارات والغرامة (مليار) جنيه لكل منهما.

جدل الخاص والعام

كشف جاد كريم عن مُستندٍ صادر من مدير الشركة الذي عيّنه الوزير، بتفويض شقيق قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، المحامي حسن البرهان، ليقوم مقام الشركة في مقابلة سلطات ولاية الجزيرة، في ما يتعلّق بالأصول الثابتة والمتحرّكة بالشركة، واستخراج شهادات التخصيص والتفاوض والتسويات.

وبحسب متابعات مراسل «أتَـر»، شُكّل مجلس إدارة للشركة من اتحادات المزارعين التسييرية، المعيّنة من قِبل لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو، عقب سقوط نظام البشير، ونجحت الشركة في بعض مهامها، ومنها تشغيل محلج أقطان الشركة بحلفا الجديدة لموسمين ناجحين بعد أن ظلّ متوقفاً لسنوات طويلة منذ تركيبه.

لكن على الرغم من ذلك، يقول ممثل للجنة التسييرية الشرعية للشركة، المحامي كمال محمد الأمين، لمراسل «أتَـر» إنّ طبيعة الشركة حُّولت من خاصة إلى عامة، ليُبرّر التدخّل الحكومي فيها، إضافة إلى موافقة المسجّل التجاري على تعيين مدير للشركة بواسطة وزير التجارة في الفترة الانتقالية 2019-2021. وانتقد المحامي كذلك تدخُّل الحكومة في عمل الشركة وتعيين المديرين ومجالس الإدارات، قائلاً إنّ «الشركة هي شركة خاصة حسب سجلّها، لكن ظلت الدولة تتدخّل في شؤونها بتعيينات مخالِفة لقانون الشركات ومخالِفة لنظام الشركة الأساسي»، مُتّهماً السلطات بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 بأنها تُمهّد وتعمل على عودة المجموعة السابقة التي أدانتها المحكمة في 2016، وأخبر بأنّ الحكومة تتدخّل باستمرار في عمل الشركة متحجّجة بنصيبها عن أسهم بنك المزارع التجاري والصندوق القومي للمعاشات.

ويُضيف المحامي كمال، أنه جرى تحويل الشركة إلى عامّة دون اتخاذ إجراءات قانونية ودون الرجوع إلى أصحاب المصلحة (المزارعين)، مُشيراً إلى أنه بحسب قانون الشركات لا يوجد ما يُسمَّى بتحويل شركة خاصة إلى عامة، وأضاف أنّ الشركة لها قانون تأسيس، ولا تستطيع أي جهة اتخاذ قرار بإشراف مؤسّسات أخرى عليها، في إشارة إلى القرار الصادر من الحكومة في الفترة الانتقالية بوضع شركة الأقطان تحت إشراف وزارة التجارة، التي عمد وزيرها آنذاك علي جدّو، إلى تعيين مدير جديد للشركة في العام ذاته، ليُعيِّن المديرُ الجديدُ الوزيرَ، بعد إقالته عقب الانقلاب في 25 أكتوبر، مستشاراً لدى الشركة.

ويقول الأمين، ممثل اللجنة التسييرية الشرعية للشركة، إنهم سيتقدّمون بطعونهم ضد الإجراءات الحكومية وقرارات المسجّل التجاري قريباً، ويُشدّد على أن جرائم الفساد التي ارتُكبت في الشركة لن تمرّ دون عقاب لمُرتكبيها، ولن تسقط هذه الجرائم بتقادم السنين. 

وفي العام 2021 دار جدل كثيف حول وضعية الشركة التي حوّلتها الحكومة حينذاك إلى شركة عامة، تؤول مسؤوليتها لوزارة التجارة وتتلقّى التمويل من بنك السودان، بحصائل صادر في صادرات القطن وغيره من المنتجات. وتقدّم محامون وقتذاك، نيابةً عن المزارعين، بطعون ضد قرارات الحكومة القاضية بإشراف وزارة التجارة على الشركة. ويكشف كمال محمد الأمين لمراسل «أتَـر»، أنهم كانوا في انتظار «فتوى» من وزارة العدل حول قرار الحكومة، ليتقدّموا بها للمحاكم، بَيد أن انقلاب 25 أكتوبر ونشوب الحرب بعد ذاك، لم يمكّناهم من متابعة القضية.

وانتقد رئيس مجلس الإدارة المُقال عقب انقلاب 25 أكتوبر، جاد كريم حمد الرضي، إجراءات وزارة التجارة بتعيين مدير للشركة، ووصفها بغير الصحيحة، لأن الوزارة لا تملك هذه الصلاحيات؛ لكونها شركة خاصة بالمُزارعين. وكشف جاد كريم عن مُستندٍ صادر من مدير الشركة الذي عيّنه الوزير، بتفويض شقيق قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، المحامي حسن البرهان، ليقوم مقام الشركة في مقابلة سلطات ولاية الجزيرة، في ما يتعلّق بالأصول الثابتة والمتحرّكة بالشركة، واستخراج شهادات التخصيص والتفاوض والتسويات، متسائلاً عن العلاقة التي تربط شقيق البرهان بالمُدان السابق في شركة الأقطان، محيي الدين عثمان.

ويقول كمال محمد الأمين إنهم تثبّتوا من حقيقة أنّ هناك شركات بالباطن تنشأ من داخل شركة الأقطان، يكون منشؤوها قادةً في مجلس الإدارة أو مديرين عامين، وأنهم سيتقدّمون فور تحسّن الأوضاع الأمنية والسياسية بالبلاد، بشكاوى بهذا الخصوص.

أين تذهب أرباح الشركة؟

يقول كمال ساري لمراسل «أتَـر»، إنه منذ إنشاء الشركة لم تُصرَف أيُّ أرباح للمساهمين، إلا في عام 2009، حين صُرف مبلغ «12» جنيهاً فقط لكلّ مُساهم من المساهمين، مُنوّهاً إلى أن المزارعين والمساهمين منذ ذلك الوقت لم يكن لهم نصيب في الأرباح أو علم بما يجري في الشركة.

يقول كمال ساري لمراسل «أتَـر»، إنه منذ إنشاء الشركة لم تُصرَف أيُّ أرباح للمساهمين، إلا في عام 2009، حين صُرف مبلغ «12» جنيهاً فقط لكلّ مُساهم من المساهمين، مُنوّهاً إلى أن المزارعين والمساهمين منذ ذلك الوقت لم يكن لهم نصيب في الأرباح أو علم بما يجري في الشركة. وأشار إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية للمُساهمين مرة واحدة فقط في قاعة الصداقة في العام ذاته، ولم يشهدوا بعدها أي اجتماع آخر، ولا تجري مشاورتهم حول أوضاع الشركة. ويضيف ساري أنّ المزارعين لا تزال بحوزتهم شهادات الأسهم والصكوك، وشدَّد على أنهم سيُبرزونها في وقت الحاجة لإثبات الحقوق، وعَدَّ التعيينات التي تُفرض من مجلس إدارة الشركة من دون الرجوع إلى أصحاب المصلحة تجاوزاً للحقوق والواجبات واللوائح المنصوص عليها في قانون الشركات، وقال إنّ تعيين أكثر من مدير من غير اجتماع جمعية عمومية هو السبب في أن تعمّ الفوضى والنهب من أموال الشركة.

ويقول قيادي سابق باتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، طلب عدم الكشف عن اسمه، وكان من ضمن ممثلي المشروع في مجلس إدارة الشركة، لمراسل «أتَـر»، إنّ الشركة كُوِّنت عبر اتحادات المزارعين بالمشاريع المرْوية التي كانت تَزرع القطن، ووفّرت أموالَ تأسيسها من استقطاعاتٍ أُخِذت من أرباح المزارعين الخاصة بالقطن منذ عام 1970 وحتى عام 2005. وكشف القيادي السابق عن أنّ القرارات في فترة حكم الإنقاذ كانت تأتيهم جاهزة، وأن الجمعيات العمومية – 2009 مثالاً – كانت محض ديكور، على حدّ وصفه. 

وفي الأول من مايو الماضي أعلنت الشركة وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية «سونا» أنها قد شرعت في التحضيرات اللازمة لزراعة 42 ألف فدان بالقطن للموسم الزراعي الجديد، منها 20 ألف فدان في النيل الأزرق، و10 آلاف فدان في الفاو، و3 آلاف فدان في سنار، و6 آلاف فدان في الجزيرة، و3 آلاف فدان في حلفا الجديدة.

وكشف مدير شركة السودان للأقطان عن الترتيبات الجارية لتوفير تمويل سعودي بمبلغ 250 مليون دولار لزراعة 500 ألف فدان قطن في النيل الأزرق، إضافةً إلى مساحات مُقدّرة في سنار والجزيرة والرهد.

وفي هذا الصدد، يُؤكّد مزارع من قسم الشوّال بمشروع الجزيرة لمراسل «أتَـر»، أنّ الشركة السودانية للأقطان قد زرعت بالفعل 6 آلاف فدان من محصول القطن بمشروع الجزيرة، وحالياً وبعد أن وصل المحصول إلى مراحل التسميد لم تُعطِ الشركة المزارعين سماد اليوريا. وحذّر من أن انعدام السماد سيخفّض من إنتاجية المحصول، الذي يشارف على مرحلة الإزهار، إلى الثلث، ما سيُسفر عن نتائج عكسية، مضيفاً: «الشركة أعطتنا البذور وحضّرت الأرض، وهي مشغولة حالياً بصراع المناصب ولا تنشغل بهمومنا ومشكلاتنا ونحن شركاؤها».

ويقول المزارع والمساهم بالشركة مِنّ الله خير السيد آدم، من مشروع الرهد الزراعي، لمراسل «أتَـر»، إنهم في مشروع الرهد الزراعي لم يتلقّوا أي تقاوي أو أسمدة أو تحضير لأراضيهم من قِبل شركة الأقطان هذا العام، وذلك على الرغم من سماعهم، ومشاهدتهم، لتصريحات الشركة حول زراعة القطن بمشروعهم، وأشار إلى أنّه تلقّى أرباحاً نظير مساهمته في الشركة مرّة واحدة في عام 2009 فقط، ومذّاك الوقت لم يصله أي شيء.

ويتخوّف آدم من أن تذهب الأموال التي يفترض أن تكون قد وصلت إلى الشركة من تمويل المملكة العربية السعودية لحساب أشخاص محدّدين في مجلس إدارة الشركة. وحول تعيين مدير جديد للشركة يقول آدم، إنّ الأموال الكثيرة للشركة تُغري بقبول العمل فيها، ولأنها أموال بلا رقيب ولا حسيب، فالتلاعب بها أسهل من شُرب الماء، على حدّ قوله، ويتساءل عن علاقة المدير الجديد بالشركة، إذ إنه من مجال والشركة في مجال آخر، ويجيب عن سؤاله قائلاً: «لربما أنه ومن عيَّنهُ يضعون نُصب أعينهم الذهب الأبيض الذي بالشركة». 

Scroll to Top