أتر

بعد سقوط الفاشر: هل ستُحاصَر الأُبيِّض مرةً أُخرى؟

ظلَّ إقليم كردفان منذ مطلع العام الجاري مسرَحَاً للعمليات الحربية الرئيسة بعد انحسارها في الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والخرطوم ونهر النيل والنيل الأزرق؛ وتراجعِ قوات الدعم السريع من تلك المناطق لتتركّز عملياتها في إقليمي كردفان ودارفور.

وفي الفترة بين يناير ومايو الماضيين تمكّن مُتحرّك الصياد من إحداث تقدُّمٍ حقيقيٍّ على الأرض، واستطاع  استعادة مناطق واسعة منها أم روابة والرهد وفتح الطريق القومي بين الأبيض حاضرة شمال كردفان وولاية النيل الأبيض، حتى وصل إلى مدينة الدبيبات التابعة لولاية جنوب كردفان. ومع الزخم الذي صاحب عمليات الصياد في إقليم كردفان، توجّهت العمليات بكاملها إلى الغرب والجنوب من مدينة الأبيض، وقد بدا الحديث عن إمكانية فتح الطريق إلى الفاشر في شمال دارفور جدّيّاً.

ورغم سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود في مايو الماضي، أحدث الجيش والفصائل المُتحالفة معه فرقاً واضحاً على الأرض، وتمكّن من إبعاد خطر الدعم السريع من الأبيض رغم فقدانه مدينة الدبيبات في 29 مايو الماضي، لكنه في الوقت ذاته، استردّ بارا في 11 سبتمبر الماضي، وقد مثلّت المدينة لأكثر من سنتين مركزاً حصيناً للدعم السريع بين الأبيض وأم درمان.

يقول مواطنٌ يقيم في الأبيض إنّ الدعم السريع أعدمت عشرات المدنيين في بارا بعد استردادها مؤخراً بحجة أنهم من أنصار الجيش، ونفّذت عمليات نهب وسرقة واسعة واستولت على ممتلكات المواطنين الذين نزحوا نحو الأبيض والقرى المجاورة.

لم يستمر ترجيح الكَفَّة لمصلحة الجيش طويلاً في ميدان القتال بالإقليم ذي التضاريس المنبسطة في شماله، وهو ما استغلّته الدعم السريع لتتمكّن من سحق متحرّكات مُجهّزة تابعة للجيش، ومن ضمنها مجموعات من كتائب البراء والقوات المشتركة التابعة لحركات دارفور المسلحة (حركتي مِنّي وجبريل)، ودرع السودان، في أم صميمة غربي الأبيض والحمادي وكازقيل جنوبيها، ورهيد النوبة شرقي بارا. وتوّجت الدعم السريع حملتها بإسقاط بارا السبت الماضي، على نحو أشدّ عنفاً ودمويةً رافقه قتل عشرات المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة الجنود المتعطّشين للدم والانتقام.

ويُفيد أحد المواطنين من مدينة الأبيض «أتَـر»، بأن الانتهاكات التي وقعت في بارا والفاشر جعلت السكّان يفرّون من وجه الدعم السريع فور سماعهم نبأ تحرّكها نحو أي منطقة. ويقول المواطن إنّ الدعم السريع أعدمت عشرات المدنيين في بارا بعد استردادها مؤخراً بحجة أنهم من أنصار الجيش، ونفّذت عمليات نهب وسرقة واسعة واستولت على ممتلكات المواطنين الذين نزحوا نحو الأبيض والقرى المجاورة. ولا تزال مدينة بارا تعيش أزمة إنسانية بالغة التعقيد، ويتكبّد آلاف المدنيين الفارّين من العنف آلاماً كبيرة بسبب التشرد والنزوح ونقص الخدمات الضرورية من الغذاء والكساء والدواء.

ويُخبر المواطن «أتَـر» أن آلاف النازحين من بارا وصلوا إلى الأبيض وهم في حالة بالغة السوء، بسبب هروبهم سيراً على الأقدام بعد الدخول المُباغت للدعم السريع إلى المدينة، وشروعه في إطلاق الرصاص على المواطنين دون فرْز، وهم يَعيشون في الأبيّض في معسكرات غير مُؤهّلة وتفتقر إلى الخدمات الأساسية من مياه وطعام ورعاية صحية.

وترجع أهمية بارا التي استردّها الجيش في سبتمبر قبل أن تسيطر عليها الدعم السريع يوم السبت الماضي، إلى أنها ذات موقع استراتيجي مُهم، إذ تنطلق منها الدعم السريع لتهديد الأبيض وأم درمان على حدٍّ سواء، بينما تَعني سيطرة الجيش عليها فتح طريق الصادرات الغربي، وهي بمثابة مركز عمليات لا غنى لأي طرف عنه.

ووفق إفادات متطوّعين وناجين من انتهاكات الدعم السريع، تحدّثوا لـ ألترا سودان، فقد رُصِد 55 قتيلاً في بارا حتى الأربعاء، وما يفوق 80 جريحاً وصلوا إلى الأبيض. وكشف الهلال الأحمر السوداني عن مقتل خمسة من طاقمه في بارا.

ومنذ سيطرة الدعم السريع على مدينتي بارا والفاشر على التوالي في غضون 48 ساعة، يومَي السبت والاثنين الماضيَيْن، تحرّكت رقعة العمليات العسكرية لمصلحتها، إذ إنها قلبت وجهة العمليات العسكرية تماماً من الغرب إلى الشرق، وأصبحت تُهدّد مدناً أكثر استقراراً مثل الأبيّض التي بدا أنها تشرَعُ في حصارها مرة أخرى، وأم درمان التي تقدّمت نحوها خطوات، ووصلت مناطق سيطرتها إلى محلية أم دم حاج أحمد التي تقع على بعد حوالي 98 كيلومتراً شمال أم روابة وتبعد من أم درمان 256 كيلومتراً. ومن أم دم حاج أحمد أطلّت الدعم السريع على مدينة أم روابة التي لا تحظى بدفاعات قوية وفقاً لعدة مصادر تحدّثت لـ«أتَـر»، وهو ما دفع سكّانها للنزوح نحو النيل الأبيض والقرى النائية رغم تطمينات قائد المنطقة العسكرية الذي خرج في ڤيديو مُعلناً جاهزية قواته لصدّ أي هجوم محتمل.

وتبثّ الدعم السريع دعايةً تُفيد بأنها تتحرّك نحو أم روابة، ما يعني قطع الطريق القومي، وهو ما خلق موجة نزوح واسعة من الأبيض وأم روابة والرهد والقرى التي تقع على الطريق القومي وفقاً لشهادات جمعتها «أتَـر» من السكان في تلك المناطق.

تُقدّر المنظمة الدولية للهجرة نزوح ما بين 24 و26 ألف شخص من محلية أم دم حاج أحمد يوم 28 أكتوبر، ونزوحَ 3720 شخصاً من بارا منذ 25 أكتوبر الجاري وحتى 28 أكتوبر، و285 شخصاً من مدينة أم روابة يوم 27 أكتوبر، و340 شخصاً من قرية أم بشار بمحلية الرهد يوم 26 أكتوبر.

وقالت شبكة أطباء السودان، إنّ الدعم السريع نفّذت عمليات تصفية على 38 مواطناً في أم دم حاج أحمد بتهمة الانتماء إلى الجيش، عقب استيلائها عليها؛ لكن مصادر محلية نفت ذلك، وذكرت أخرى وقوع انتهاكات مثل أعمال نهب طالت سوق المنطقة ونهب سيارات المواطنين، واستهداف منطقة زريبة الشيخ البرعي المُجاوِرة لها عند الواحدة من صباح الأربعاء بمُسيّرات انتحارية استهدفت المسجد، وخلفت مصابين.

وفي الفترة ما بين 26 و28 من الشهر الجاري، بَدَا جلياً أيضاً أن الدعم السريع تسعى حثيثةً إلى حصار الأبيض من جهة أخرى؛ فعقب إغلاقها الطريق القومي (الأبيض ـ أم درمان) بسيطرتها على بارا، تحرّكت قواتها من الناحية الجنوبية الغربية للأبيض للسيطرة على مدينة الرهد أبو دَكنة، ووصلت إلى قرية أم بشّار القريبة منها قبل أن تتراجع مرة أخرى.

وتُقدّر المنظمة الدولية للهجرة نزوح ما بين 24 و26 ألف شخص من محلية أم دم حاج أحمد يوم 28 أكتوبر، وتتوقع أنّهم ذهبوا إلى أم درمان والدويم. كما تقدّر المنظمة نزوحَ 3720 شخصاً من بارا منذ 25 أكتوبر الجاري وحتى 28 أكتوبر، ذهب جلّهم إلى محلية شيكان بولاية شمال كردفان. ونزح 285 شخصاً من مدينة أم روابة يوم 27 أكتوبر إلى الدويم، و340 شخصاً من قرية أم بشار بمحلية الرهد يوم 26 أكتوبر.

وبحسب مصادر تحدثت لـ«أتَـر»، تمكّنت الدعم السريع من السيطرة على جبل الهشاب الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً على الطريق القومي بين الأبيض والدلنج يوم الأربعاء الماضي، وقد ظلّتْ منطقةً لتبادل السيطرة بين الطرفين دون مواجهة حاسمة، فضلاً عن أن الدعم السريع تفصل الأبيض بالفعل عن مدن جنوب كردفان الدلنج وكادقلي المُحاصَرتَين. ومن الناحية الغربية تتمركز الدعم السريع في أم صميمة الواقعة على بعد 60 كيلومتراً غربي الأبيض؛ وبذا أصبحت الأبيض تفتح على نافذة واحدة بالطريق القومي الذي يربطها بولاية النيل الأبيض.

وبعد سيطرتها على بارا وجعلها مقرّاً لعملياتها العسكرية، وسيطرتها على أم دم حاج أحمد، وتهديدها قرية زريبة البرعي الشهيرة، يمكن القول إنّ الدعم السريع استطاعت الانفتاح عسكرياً على كردفان والخرطوم والشمالية والنيل الأبيض، ووضعت الجيش أمام تحدٍّ قاسٍ، إذ يَتطلّب الأمر منه قلب الطاولة ودفع محور العمليات غرباً مثلما كانت الحال قبل أيام قلائل، قبل أن تقاسي مدينة الأبيض تجربة الحصار السابق نفسها، التي امتدّت ما بين أغسطس 2023 وفبراير 2025.

Scroll to Top