«أنا عزّة أمين محمد صالح، خرجنا من الفاشر يوم السبت الماضي عند الساعة الثانية صباحاً، واستغرقت الرحلة يومين ونصف. كان الطريق إلى «طويلة» ممتلئاً بالمعاناة؛ وقد رأينا فظائع وعجائب، من اعتقالاتٍ وتفتيشٍ وسرقة وقتل، حتى وصلنا أخيراً إلى قرني ومنها إلى طويلة حيث استقبلنا الأهالي استقبالاً طيباً. من أصعب المواقف أثناء الرحلة رؤيةُ الجثث التي كنا نشاهدها ملقاةً على امتداد الطريق، كما صُفّي أمامنا كثيرٌ من الناس، وكانت الذخائر متناثرةً على الأرض في كل مكان. نسأل الله أن يجمعنا بالمفقودين، ويرحم الموتى».
تواصل عزة حديثها قائلة: «أثناء مسيرنا، كانوا يُوقفونَنَا على نحو دوري وكثيف. نهَبوا جميع ممتلكاتنا، وكانوا يقتلون ويضربون بلا رحمة. شيءٌ فظيع أن يرى الإنسان مثل هذه الأحداث».
تضيف: «نحمد الله على وصولنا سالمين، ورؤية آخرين وصلوا سالمين تُفرح القلب. هناك كثير من الجرحى والمصابين، بعضهم فقدوا أطرافهم. نزوحُ شخصٍ فاقدٍ لإحدى قدميه من الفاشر إلى طويلة أمرٌ لا يُصدّق. كثيرون توفوا، بعضهم بسبب الجوع والعطش، وآخرون بسبب النزف الشديد. أحوال النساء والفتيات سيئة جداً، وقد جرى تفتيشنا بطريقةٍ مُهينةٍ للغاية. نحمد الله على كل حال».
الفاشر، عاصمة دارفور، مدينة واسعة وعريقة، «أُحكم انتخاب موضعها، حيث بُنيَت على أرض مرتفعة تشبه التلّ، أي إنّ موقعها مستحكم استحكاماً طبيعيّاً غاية في القوة والمناعة، كقلعة عظيمة. وفي اعتقادي أن السلطان لو صمَّم على الاعتصام بها، والمدافعة عنها كما كان ينوي لاستمرّت، وبقيت على المدافعة أياماً، وأسابيع وشهوراً، ولا يَعرف ما كان يحصل بعد ذلك إلا علّام الغيوب». هكذا وصفها البكباشي حسن قنديل، موثّقاً مجريات الحملة التي جرّدتها بريطانيا ومصر على الفاشر في 1916 في أعقاب انحياز دارفور علي دينار إلى حلف المركز إلى جانب إمبراطوريات ألمانيا وتركيا والنمسا والمجر. وأهل الفاشر أنفسُهم أهل مقاومة، حولّوا بشدة النفس والتماسك الاجتماعي حصاراً دام 18 شهراً إلى رمز شجاعة. وهي أشهُرٌ من المشقّة اضطر معها الناس إلى أكل العلف وجلود الحيوان.
الآن، والفاشر تُترَك حزينة بعد وقوعها في قبضة الدعم السريع، لم تنتهِ مآسي ناسها. لكن ربما أخيراً يشاهد العالم دماء أهل الفاشر ودموعهم بينما ترتكب الدعم السريع جرائم ممنهجة ضدّهم على أسس أثنية، وثّقها أفرادها بأنفسهم، وأكّدها حميدتي في خطابه، في مفارقةٍ تكاد تقول إنّ هذا الجحيم لم يحدث بعد.
وقائع السقوط
سقطت الفرقة عند تسلّل عناصر من الدعم السريع إلى أسوارها، حيث قضوا ليلتهم داخلها بمساعدة مرتزقة كولومبيين مكّنوهم من تفكيك شبكة الألغام التي كانت تحيط بالمقر.
في الأسابيع الأخيرة قبل سقوطها، اشتدَّ الحصار الممتدّ لأكثر من خمسمائة يوم من قِبل قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، آخر المدن الكبيرة الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني في إقليم دارفور. وفي الأحد الماضي، 26 أكتوبر، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على قيادة الفرقة السادسة مشاة، لتعود بعد ساعات وتعلن السيطرة الكاملة على المدينة.
كانت قيادة الفرقة السادسة مشاة قد أعلنت في وقت سابق صدّ الهجوم رقم 267، الذي شنّته قوات الدعم السريع من خمسة محاور يوم الجمعة الماضي. وأكّد مصدر عسكري ميداني لـ«أتَـر» أنّ هجوم الجمعة كان الأعنف منذ بدء الحصار، موضحاً أنهم تواصلوا قبلها بثلاثة أيام مع هيئة قيادة الجيش طلباً للإمداد، محذّرين من أنّ غيابه لن يترك أمامهم سوى خيار الانسحاب؛ إلا أنّ القوات المشتركة رفضت هذا الخيار، بحسب المصدر، الذي يضيف أنّ المقاتلين اضطروا في يوم الجمعة إلى إيقاظ الجرحى القادرين على حمل السلاح للقتال إلى جانبهم، بسبب النقص الحادّ في العدد.
ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت إلى «أتَـر»، انسحبت قيادتا الجيش والقوات المشتركة وحكومة الولاية ليلة 26 أكتوبر وصباح 27 أكتوبر، على ثلاث مجموعات، في عملية اتّسمت بالفوضى وغياب التنظيم، ما أدّى إلى وقوع بعض القيادات وأعضاء من حكومة الولاية في الأسْر. وتضيف المصادر أنّ القيادات التي نجحت في الانسحاب وصلت إلى بلدة بشمال دارفور. وفي خطاب لاحق، قال البرهان إنهم وافقوا على انسحاب الجيش لحقن دماء المدنيين.
في مطلع أكتوبر الجاري، شنّت قوات الدعم السريع هجماتٍ بمُسيّراتٍ أطلقت عبرها مقذوفاتٍ تنبعث منها روائح غريبة وقوية. ولم تُصدر أي جهة رسمية بياناً بشأنها، غير أنّ تنسيقية لجان مقاومة الفاشر رصدت حالات ضيق تنفّس حادّ وغثيان متكرّر بين النساء والأطفال، موجّهةً نداءً للسكان في 11 أكتوبر قالت فيه: «من أراد الخروج فليخرج، ومن أراد البقاء فليبقَ». ومع كلّ تقدّم ميدانيّ لقوات الدعم السريع، امتلأت الأحياء التي كانت تحت سيطرة الجيش بالفارّين. ويقول مصدر عسكري لمراسل «أتَـر» إنهم لجأوا في الأسابيع الثلاثة الأخيرة إلى الحديث مع المواطنين بطرق ودّية وغير مباشرة حول ضرورة مغادرة المدينة، نظراً لتدهور الوضع الإنساني واشتداد الهجمات.
ويتابع المصدر أنّ مقر قيادة الفرقة كان خالياً منذ أكثر من سنة، وكذلك السلاح الطبي الذي نُقل المرضى والمصابون منه إلى داخلية الرشيد بجامعة الفاشر. كما أشار إلى أنّ جميع العتاد العسكري والإمدادات التي وصلت مؤخراً حُفظت في سلاح المدفعية غربي المدينة. وأضاف أنّ الفرقة سقطت عند تسلّل عناصر من الدعم السريع إلى أسوارها، حيث قضوا ليلتهم داخلها بمساعدة مرتزقة كولومبيين مكّنوهم من تفكيك شبكة الألغام التي كانت تحيط بالمقر. وتؤكّد شهادات سكّان من الفاشر تحدّثوا لـ«أتَـر» أن محيط الفرقة كان ملغّماً بالاتجاهين الشمالي والغربي، وأن قوات الدعم السريع تمكّنت من الدخول إلى مقر الفرقة من الناحية الغربية المطلّة على الشارع المؤدّي إلى منزل الوالي.
لم يكن تناقص أعداد المقاتلين سبباً مباشراً في قرار الانسحاب، إذ كانت التشكيلات العسكرية داخل المدينة مكوّنة من عناصر تنتمي إلى الفرَق التي فقدها الجيش وسيطرت عليها الدعم السريع في إقليم دارفور، إلى جانب القوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمستنفَرين. وكان التفوّق العسكري التقني المتقدّم للدعم السريع.
وأفاد مصدر عسكري من خارج الفاشر بأنّ الجيش، بعد تدمير منظومة التشويش التابعة للدعم السريع، نجح في تنفيذ ثلاث عمليات إسقاط جوّي ناجحة داخل المدينة. لكنّ الدعم السريع استجلبت لاحقاً منظومة جديدة أكثر تطوّراً وثبّتتها، وهي أحدث من تلك التي استولى عليها الجيش عند دخوله منطقة صالحة جنوبي أم درمان، بحيث لم يعد بإمكان الطائرات أو المُسيّرات اختراقها، ما أضعف قدرة الطيران المسيّر التابع للجيش في الفاشر على التصدّي للهجوم.
ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإنّ الإمارات تتخذ من الأراضي الليبية منصّة إمداد لقوات الدعم السريع. وقد زادت وتيرة الرحلات الجوية التي تنقل الأسلحة عبر ليبيا والصومال، حيث تُنقل هذه الشحنات برّاً من مناطق داخل السودان قبل إقلاعها جوّاً. وتشمل الأسلحة المنقولة، بحسب الصحيفة، مُسيَّرات صينية الصنع متطوّرة من طراز CH-95، إلى جانب أسلحةٍ صغيرة ومدافع رشاشة ثقيلة ومدفعية وذخائر.
وأوضح مصدر في القوات المشتركة أنّ أحد أبرز أسباب الانسحاب، إضافة إلى اشتداد الحصار، كان سقوط معسكر زمزم في أبريل الماضي، وهو ما جعل الحصار محكماً، إذ كان المعسكر يمثّل المنفذ الرئيس للمدينة من النواحي الجنوبية والجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية. وأدّى ذلك إلى تفاقم نقص الإمدادات الغذائية والعسكرية. وأضاف المصدر أنّ الدعم السريع استخدمت أسلحةً ذات تقنيات مُتقدّمة لم يسبق أن استخدمتها منذ بدء الحرب، مثل المُسيّرات الاستراتيجية دقيقة الأهداف والمدافع بمختلف أنواعها، مستهدفةً ليس المرافق العسكرية فقط، بل كذلك التجمّعات المدنية والمؤسسات العامة.
ولم يكن تناقص أعداد المقاتلين سبباً مباشراً في قرار الانسحاب، إذ كانت التشكيلات العسكرية داخل المدينة مكوّنة من عناصر تنتمي إلى الفرَق التي فقدها الجيش وسيطرت عليها الدعم السريع في إقليم دارفور، إلى جانب القوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمستنفَرين. ورغم صعوبة الحصول على الغذاء والدواء وتعطُّل الحركة وانعدام مظاهر الحياة داخل المدينة، فإنّ العامل الحاسم كان التفوّق العسكري التقني المتقدّم للدعم السريع، بحسب المصدر نفسه.
ويضيف المصدر أنّ سلاح الجو السوداني نفّذ ثلاث عمليات إسقاط ناجحة للإمداد بعد تدمير منظومة التشويش التي كانت منصوبة في الناحيتين الشمالية والشرقية، إلا أنّ الدعم السريع نصَبت منظوماتٍ أحدث وأكثر تطوّراً في الجهات الأربع: الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، ما صعَّبَ التعامل معها. ويشير إلى أنّ المشكلة لم تكن في ضعف سلاح الطيران وحده، بل في الحاجة إلى تنسيق جوي أكبر لمواجهة التقنيات الحديثة لدى الدعم السريع، فحتى في السابق لم يكن الطيران يُصيب أهدافه بدقّة نظراً لقِدَم الأسطول الجوّي للجيش السوداني.
وأكّد المصدر أنّ عناصر الدعم السريع كانت تُحْكِم الطوق حول مقرّ الفرقة لمدة أسبوع، مع استمرار الهجمات البرّية والمدفعية والمُسيّرات والمركبات المصفّحة في المحاور المتقدّمة. ومع انسحاب دفاعات الجيش والقوات المشتركة من الفرقة، استخدمت قوات الدعم السريع في الأيام الثلاثة الأخيرة تقنيات تشويش متقدّمة مكّنتها من قطع الاتصالات الفضائية والإشارات، ما أدّى إلى انقطاع الاتصال بين غرفة القيادة والسيطرة التابعة للقوات المشتركة وغرفة التحكّم الخاصة بالجيش.
وفي منشورٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، سبق خطاب البرهان الأخير، أقرَّ حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، ضمنياً إلى سقوط المدينة، مطالباً بحماية المدنيين وفتح تحقيقٍ مستقلّ في الانتهاكات والمجازر. في المقابل، قال رئيس مجلس السيادة في خطابه اللاحق إنّ القيادة واللجنة الأمنية بالمدينة قرّرت مغادرتها لتجنيب المدنيين القتل والدمار.
وفي الأثناء، أعلنت قوات الدعم السريع مواصلة تمشيط جميع أحياء مدينة الفاشر. وفي خطابٍ رسميّ مساء الأربعاء الماضي، كشف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة تأسيس، محمد حمدان دقلو حميدتي عن وصول لجان تحقيق قانونية إلى المدينة، لمُحاسبة أي جندي أو ضابط على ما وصفه بـ«التجاوزات»، مؤكّداً أنّ النتائج ستُعلن فوراً وعلى نحو علنيّ. كما أعلن عن السماح الفوري بحرّية حركة المدنيين، رغم تقارير أفادت باختفاء عددٍ منهم في الطرق المؤدّية من المدينة إلى خارجها.
ووفقاً لمصادر ميدانية لـ«دارفور24»، فإنّ المعارك قد انتقلت غرباً، حيث تتمركز قوات الجيش والقوات المشتركة في مطار الفاشر واللواء 154 مشاة ووحدات المدفعية وحي الدرجة الأولى ومقر بعثة اليوناميد شمال غرب المدينة. وقد سُمع الأربعاء دوي تبادلٍ لإطلاق النار من الناحية الغربية للمدينة باتجاه منطقة المدفعية.
وقائع النجاة ومساراتها
وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، فإنّ ما يُقدَّر بنحو 2000 شخص غادروا المدينة بين يومي 23 و25 أكتوبر 2025، بينما ارتفع العدد إلى 26,030 نازحاً خلال يومي 26 و27 أكتوبر، أي بالتزامن مع سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع. وفي 31 أكتوبر، قالت المنظمة إنّ إجمالي النازحين من الفاشر والقرى المحيطة بها في الأيام من 26 أكتوبر وحتى 29 أكتوبر بلغ 62,263 شخصاً.
قبل آخر هجوم على الفاشر، تفاقَم الجوع لأنّ معظم الطعام كان يأتي من الناحية الغربية، لكن قوات الدعم السريع بدأت تقتل المهرّبين، وكان آخرهم 13 شخصاً، إذ أحاطت المدينة بساترٍ ترابي لإحكام السيطرة على منافذها. في الأسبوع الأخير قبل سقوط الفاشر، اكتظّ حي الدرجة الأولى إلى حدّ أن كثيراً من اللائذين به كانوا ينامون تحت الحوائط والأشجار، بعد سيطرة الدعم السريع على شمال الفاشر ومعسكر أبو شوك. كما نزح البعض إلى أحياء الأبحاث والجامعة والسعودي.
قبل سقوط المدينة، ألقت قوات الدعم السريع القبض على فارّين منها في نواحي قرني الواقعة شمال المدينة، وطالبتهم بفديةٍ مالية مقابل إطلاق سراحهم. وخلال آخر أربعٍ وعشرين ساعة قبل السقوط، شهدت المدينة قصفاً متواصلاً من مُسيّراتٍ وهجماتٍ برّية من خمسة محاور، كان ذلك في ليلة 25 أكتوبر حتى صباح 26.
شهد الشهر الأخير تناقصاً حادّاً في عدد سكان مدينة الفاشر، إذ نزح منها نحو 600 ألف شخص وفقاً لمصادر ميدانية تحدثت إلى «أتَر». ووفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، فإنّ ما يُقدَّر بنحو 2000 شخص غادروا المدينة بين يومي 23 و25 أكتوبر 2025، بينما ارتفع العدد إلى 26,030 نازحاً خلال يومي 26 و27 أكتوبر، أي بالتزامن مع سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع، ونزح جُلّ هؤلاء إلى القرى المحيطة بالفاشر. وفي 31 أكتوبر، قالت المنظمة إنّ إجمالي النازحين من الفاشر والقرى المحيطة بها في الأيام من 26 أكتوبر وحتى 29 أكتوبر بلغ 62,263 شخصاً، وإنّ 25,305 أشخاص نزحوا من القرى المحيطة بالفاشر يوم 29 أكتوبر، والأرجح أنّهم هم من أتوا إليها خلال يومي 26 و27 أكتوبر.
وأشارت تقارير أولية صادرة عن فرق ميدانية أمميّة إلى أن النازحين توزّعوا على مواقع مختلفة في أنحاء محليتي الفاشر وطويلة بشمال دارفور، بينما رصدت فرق لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) في 29 أكتوبر وصول أقل من 5000 شخص فقط إلى طويلة. ووفق تقديرات المنظمة، فإنّ عدد السكان المدنيين المتبقين في الفاشر لا يتجاوز 250 ألف شخص، ما يعني أن عشرات الآلاف ما زالوا في عداد المفقودين؛ بين قتيلٍ أو محاصرٍ أو عالقٍ في الطرق التي تعجّ بالمخاطر.
ذكرت تقارير عديدة أن الدعم السريع قتلت 460 شخصاً في موقع واحد. ووثّقت مقاطع مصوّرة من غربي الفاشر، خصوصاً قرب الساتر الترابي، مشاهد لجثث متناثرة على امتداد الطرق المؤدية إلى خارج المدينة. ومع ذلك، يبقى الفرق العددي الهائل بين من كانوا داخل الفاشر قبل سقوطها وبين من وصلوا إلى طويلة – التي يُفترض أنها استقبلت النسبة الأكبر من النازحين – مروّعاً إلى حد القشعريرة.
وأكدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أنها تلقت «روايات مروعة عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة، وقتل جماعي، واغتصاب، وهجمات على العاملين في المجال الإنساني، ونهب، واختطاف، وتهجير قسري»، في سياق توغل قوات الدعم السريع في الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
وفي حديثه للصحافيين قال المتحدث باسم المفوضية سيف ماغانغو، إنهم يقدرون عدد القتلى «من المدنيين ومن أصبحوا عاجزين عن القتال خلال هجوم قوات الدعم السريع على المدينة بالمئات». وأضاف أن شركاء المفوضية الإنسانيين أفادوا بتعرض ما لا يقل عن 25 امرأة للاغتصاب الجماعي عندما دخلت قوات الدعم السريع مأوى للنازحين بالقرب من جامعة الفاشر.
إنه الرعب نفسه الذي سبق أن شهدته الجنينة في الشهور الأولى للحرب، قبل أن تكشف التقارير لاحقاً حجم المأساة الحقيقية وعدد القتلى الذي فاق جميع التقديرات الأولية.
ظلّ طريق الهرب الوحيد من عنف ومطاردة قوات الدعم السريع هو الشمال الغربي للمدينة، إذ أصبح الطريق الغربي المباشر إلى مدينة طويلة مخيفاً؛ لذا صار الناس يتجهون إلى طويلة عبر طريقٍ أطول، يسلكون فيه قرني وحلة الشيخ وكورما قبل الوصول إلى طويلة. ومع الفوضى التي رافقت سقوط المدينة، تمكّن بعض الناس من التسلّل عبر الجهة الشرقية ووصلوا إلى «دار سمايات».
وبحسب مصدرٍ عسكري وعضوٍ في غرفة الطوارئ الإنسانية المشتركة للقطاع الشمالي في الفاشر تحدّث لـ«أتَـر»، فإن اللحظات الأولى بعد سقوط الفاشر تحوّلت إلى موجة فرارٍ جماعي. يقول إنّ الناس خرجوا من دون ترتيبٍ أو زاد، وكانوا يبحثون فقط عن نجاةٍ محتملة؛ بعضهم اتجه غرباً، وبعضهم الآخر إلى الشمال. الخارجون من البوابة الشمالية ساروا نحو حِلّة الشيخ، ثم إلى قرني وصولاً إلى طويلة، بينما اتجه آخرون شمالاً إلى أمبرو وكورنو ومليط والدبّة.
يروي رجلٌ مُسنٌّ نجا من المذبحة شهادته لـ«أتَـر» وهو يتلقّى العلاج في مدينة طويلة، قائلاً إنه كان ضمن ثمانيةٍ وثلاثين شخصاً لم ينجُ منهم سوى واحد فقط، هو نفسه. وروى الرجل أنّ قوات الدعم السريع قطعت طريقهم، وبعد محاولاتٍ متكرّرة للسماح بالعبور سُمح لهم أخيراً، لكن حين ابتعدوا أمتاراً قليلة وأداروا ظهورهم بدأ الرصاص ينهال عليهم.
أما البوابة الغربية، فيصفها المصدر بأنها «طريق الموت» ومجازفةٌ خطيرة بسبب كثافة انتشار قوات الدعم السريع هناك. وعلى الطريق الممتدّ بين الفاشر وقرني كانت الجثث ملقاةً على مدّ البصر، وبعض الذين سقطوا لم يموتوا بالرصاص إنما بالعطش والإرهاق، علماً بأن المدينة كانت مغلقة يومين قبل سقوطها بلا ماءٍ ولا طعام. فلما فُتح الباب للهروب، فرّ الناس بأجسادٍ منهكة فسقطوا في الطريق قبل أن يبلغوا أي منطقة، وكان أغلب الضحايا من كبار السنّ والأطفال.
يُضيف المصدر أنّ قوات الدعم السريع عند مخارج الفاشر كانت تفرز الشباب عن النساء والأطفال وكبار السنّ، ويصف مصير الشباب بأنه غامض ومؤلم؛ بعضهم تعرّض للتعذيب والقتل، وبعضهم الآخر للاعتقال، ومنهم من لا يُعرف عنه شيء حتى الآن، خاصة من اضطرّوا إلى الخروج من ناحية شمال المدينة، إذ أكّدت مصادر عدة لـ«أتَـر»، وجود معتقلات في شمال المدينة، وخاصة في قرني، تضمّ شباباً بينهم متطوّعون من المطابخ والتكايا وغرف الطوارئ وصحافيين وأطباء. ويؤكّد المصدر أنّ عمليات التصفية الجماعية لم تقتصر على الطرقات خارج الفاشر فحسب، بل وقعت داخلها. ويكشف عن وجود مأسورين في منطقة أم جلباق شمال شرق طويلة، جرى توقيفهم أثناء محاولتهم العبور، بينما تطالب قوات الدعم السريع بفديةٍ من أهاليهم تتراوح بين مليارين وخمسة مليارات جنيه سوداني، تُحدَّد بحسب مكانة الشخص ومعرفته من وجهة نظرهم. وختم حديثه قائلاً إنّ غرفة الطوارئ أغلقت أبوابها حداداً على شهدائها.
في هذا السياق، يروي رجلٌ مُسنٌّ نجا من المذبحة شهادته لـ«أتَـر» وهو يتلقّى العلاج في مدينة طويلة، قائلاً إنه كان ضمن ثمانيةٍ وثلاثين شخصاً لم ينجُ منهم سوى واحد فقط، هو نفسه. روى الرجل أنه قضى يومين في الطريق حتى وصل إلى طويلة، وأنّ قوات الدعم السريع قطعت طريقهم، وبعد محاولاتٍ متكرّرة للسماح بالعبور سُمح لهم أخيراً، لكن حين ابتعدوا أمتاراً قليلة وأداروا ظهورهم بدأ الرصاص ينهال عليهم. ركضوا من دون أن يلتفتوا إلى الخلف، لم يتوقّف أحد، غير أنّ الرصاص كان أسرع من بقيّة المجموعة فسقطوا جميعاً. وعندما سألته مراسلة «أتَـر» عن أسرته، صمت قليلاً ثم قال بصوتٍ خافت: «لا أعلم أين هم الآن. خرجنا معاً من مدينة الفاشر، لكنني وصلت وحدي. فقدت كلّ تواصلٍ معهم، لا أدري إن كانوا أحياء أم أنني الناجي الوحيد منهم».
ويقول سليمان، اسم مُستعار لأحد النازحين الذين وصلوا إلى طويلة قبل نحو شهرين قادماً من الفاشر، إنه في هذه الأثناء ينتظر لقاء عمّه وابنه، وهما جنديان وصلا بعد سقوط المدينة. يوضح سليمان أنّ هناك ثلاثة طرقٍ لمغادرة الفاشر، أخطرها الطريق الذي يتجه شمالاً عبر معسكر أبو شوك، وسالكو هذا الطريق يقصدون الوصول إلى مناطق جبل وانا ومليط. وقال مصدرٌ في مدينة مليط إنّ الواصلين إليها قليلون: «إنهم إما أشخاص لديهم أقارب في المدينة، أو أنهم يستخدمون مليط نُقطة عبور إلى مناطق قرني وطُرة».
ويمرّ الطريق الثاني من الجهة الغربية الشمالية لمدينة الفاشر، وصولاً إلى حلة الشيخ، عبر الحمير التي يقوم بعض أهالي حلة الشيخ بتأجيرها، ويستمرّ السير من هناك ناحية قرني. في منطقة قرني توجد عرباتٌ تجارية تتبع لقوات الدعم السريع تنقل الركّاب إلى كورما، وتتراوح تذكرة الراكب الفرد بين 500 إلى 600 ألف جنيه سوداني. في بعض الأحيان، توفّر قوات حركة عبد الواحد محمد نور جرّاراتٍ تنقل الفارّين مجاناً من منطقة قرني وكورما إلى طويلة، ولكن هذه الجرارات لا تتوفر دوماً، وينتظر الفارّون الذين لا يستطيعون تأمين سعر التذكرة أياماً في منطقة قرني، وقد يمتد الانتظار إلى أسابيع.
روت زهرة لمراسل «أتَـر» في طويلة قصتها: «غادرنا الفاشر حين لم يعد البقاء ممكناً. لم يكن في المدينة ماء ولا طعام، والرصاص صار قريباً من البيوت. حملت طفلي وخرجت سيراً ليلتين بلا نوم ولا طعام كافٍ. رأيت في الطريق إلى كورما ما لا يوصف من الخوف والتعب، وفقدت الاتصال بأقارب لا أعرف إن كانوا أحياء أم لا. في كورما جاءت الجرّارات وأخذتنا إلى طويلة. وعندما وصلنا إلى طويلة كان المكان مزدحماً، لكن الناس استقبلونا بغطاءٍ وبعض الطعام. طفلي مريض ويحتاج دواءً وغذاءً خاصاً لا يتوفر هنا، وكل ما أرجوه الآن هو الأمان له، وأن أستطيع النوم ليلة واحدة دون أن أسمع صوت قصف أو بكاء».
وفي الآونة الأخيرة، أصبح الفارّون الذين يقصدون مناطق قرني وطُرة وجبل وانا مجبرين على الوصول إلى كورما بسبب خطورة الطريق الشمالي الذي يمرّ عبر معسكر أبو شوك. أما الطريق الثالث فيمرّ من الناحية الغربية ويصل إلى طويلة. يقول سليمان: «يقصد أغلب الفارّين هذا الطريق لأنه يصل إلى طويلة مباشرة، ولكن الفارّين عبر هذا الطريق يتعرّضون أيضاً للضرب، كما تتعرّض النساء والفتيات للاغتصاب، وتعجّ المراكز الصحية في طويلة بهذه الحالات التي تصل إلى هناك في وضعٍ مُزرٍ للغاية».
ويروي شاهدٌ ميدانيّ وناشطٌ نازحٌ من الفاشر إلى طويلة قبل أشهر، أنّ النازحين القادمين من المدينة كانوا يتوقفون أولاً عند بوابة طويلة لتلقّي العلاج والإسعافات الأولية وأخذ قسطٍ من الراحة، ثمّ كانت تصل صباحاً ومساءً شاحناتٌ كبيرة تابعة لـحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور لنقلهم إلى معسكر دِبّة النايرة الواقع في حي طويلة العمدة جنوب غرب المدينة.
ويُعدّ المعسكر أكبر تجمّعٍ للنازحين في إقليم دارفور. يصف الشاهد المعسكر بأنه مكانٌ يفتقر إلى الأمان الكافي، وأنّ الحياة فيه تقوم على ما تقدّمه التكايا والمانحون من المنظمات المحلية والدولية، لا سيّما أن عدد النازحين الجدد خلال اليومين الأوّلين بلغ 4400 نازحٍ ونازحة.
تقول الطبيبة المتطوعة نجلاء (اسم مستعار)، تعمل مع فريق إسعاف محلي في طويلة: «منذ وصول موجات النازحين من الفاشر، تحوّل مركزنا الصغير إلى ما يشبه غرفة طوارئ مفتوحة. نستقبل يومياً عشرات الحالات من الأطفال والنساء، أغلبهم يعانون من سوء تغذية حادّ وجفاف وحالات صدمة نفسية. بعض الأمهات يصلن بعد سيرٍ لأيامٍ طويلة حاملاتٍ أطفالاً أنهكهم العطش والبرد. المستلزمات الإسعافية شبه منعدمة؛ لا أدوية كافية، ولا سوائل وريدية، ولا كهرباء ثابتة لتشغيل الأجهزة. أحياناً نضطرّ لاستخدام مصابيح الهاتف أثناء الولادات الليلية. أكثر ما يُؤلمنا هو العجز أمام الحالات التي تحتاج نقلاً عاجلاً أو تغذية خاصة، بينما الطريق مغلق أو غير آمن. رغم التعب والخطر، يواصل الفريق العمل لأننا لا نملك رفاهية التوقّف. كلّ من نجا من الفاشر هو سبب يجعلنا نكمل، على أمل أن تتذكّرنا المنظّمات، وتصل المساعدات قبل أن نفقد مزيداً من الأرواح».
وبحسب بيان شبكة أطباء السودان الصادر في 29 أكتوبر 2025، فإنّ ما جرى في الفاشر هو امتدادٌ لعنفٍ متواصل منذ سنة ونصف، قُتل خلاله أكثر من 14 ألف مدني بالقصف والحصار والتجويع، مع استهدافٍ منهجيّ للأسواق والمعسكرات والمرافق المدنية. وأضافت الشبكة أنّ قوات الدعم السريع قتلت خلال ثلاثة أيام فقط قرابة 1500 مدني أثناء محاولتهم الفرار من المدينة مع اشتداد القتال.
وقد أعاقت قوات الدعم السريع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة طوال فترة الحصار، بحسب ما أخبرت دنِيز براون، المنسِّقة المقيمة ومنسِّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، في مقابلة مع «أتَـر»، تُنشر في هذا العدد.
بين 1916 و2025، شهدت الفاشر حربين بين قوتين غير متكافئتين. الأولى انتهت بانتصار الإمبراطورية البريطانية، والثانية بانهيار المدينة تحت ضربات الدعم السريع. لكن المشترك بينهما أن أهل الفاشر، في المرّتين، وجدوا أنفسهم في قلب معركة لم يختاروها، يدفعون ثمنها جوعاً ونزوحاً وموتاً. وفي ذاكرة المدينة، لا يزال صدى القنابل القديمة والجديدة يتردّد، شاهداً على قرنٍ كامل من المقاومة والخذلان.
ملحق: عدوان موثّق من الفضاء
بعد أكثر من مائة عام من القصف الأوّل للفاشر عام 1916 على يد القوات البريطانية المصرية، حين كانت المدينة أول موقع في أفريقيا جنوب الصحراء يُقصف بالطائرات الحربية، تكرّر العدوان في القرن الحادي والعشرين. لكن هذه المرّة، لم تكن مشاهد الدمار تُروى فقط، إنما صارت تُرى من الفضاء، حيث وثّق مختبر حقوق الإنسان بجامعة ييل حجم الدمار والقصف على المدينة عبر صور الأقمار الصناعية، التي صورّت لون الدماء من الفضاء الأعلى، في مشهد يجسّد استمرار دورة العنف التي لم تنكسر منذ قرن.
جمعت «أتَر» أدناه بعضاً مما رصده صحافيّون ومراكز أبحاث حول المقتلة التي تبعت سقوط مدينة الفاشر بيد الدعم السريع. اتصلت الأيدي التي خلقت هذه المقتلة بحبالٍ جويةٍ وأرضيةٍ طويلة تبدأ في قواعد الإمارات العسكرية، وتمُرّ ببوصاصو في صوماليلاند والكُفرة في ليبيا، حتى تصل أخيراً إلى الفاشر وسكّانها.
ورسمت التصفيات، في المنازل والطرقات والخنادق والمستشفيات، معالمَ المشهد الدامي الذي تلا سقوط المدينة، واتسعت دماءُ السكّان حتى رآها الباحثون من عدساتٍ مُعلّقةٍ في السماء.
علّق المدير التنفيذي لـ«معمل ييل للأبحاث الإنسانية» على المشاهد التي التقطها فريقه قائلاً: «لم أستطع تصديق ما شاهدناه حين رأينا صور بُقع الدماء هذه لأوّل وهلة، إلا أنّ حقيقةَ الأمر فعلاً كما نرى. لم أشهد مقتلةً بهذا الحجم أو السرعة أو البشاعة خلال عملي الذي امتدّ 25 عاماً».
تصفيات، منزلاً بعد منزل
رصد «معمل جامعة ييل للأبحاث الإنسانية» أدلةً تشير إلى قيام قوات الدعم السريع بعمليات تصفية جماعية في منازل حي الدرجة الأولى منزلاً بعد منزل. وأدلة المعمل على ذلك صورٌ تُظهر ارتكاز عربات الدعم السريع في أطراف شوارع حي الدرجة الأولى ووجود بقعٍ حمراء جوار العربات، رصَد المعمل خمساً منها على الأقل، وتقع أجسام طولها يتراوح من مترٍ إلى مترين، وهو طول أجسام البشر، جوار ثلاثٍ من هذه البقع الحمراء.
جثثٌ على الخنادق
كما رَصَد المعمل وجود كتلٍ تُطابق هيئة الأجساد البشرية، وهذه الكتل ملقاةٌ جوار الخندق الذي حفرته الدعم السريع حول المدينة، ولم تكن تلك الكتل موجودةً يوم 26 أكتوبر، إلا أنّها ظهرت يوم 27 أكتوبر ثمّ زادت على نحوٍ ملحوظ يوم 28، وتظهر بقعٌ حمراء جوار هذه الكتل، وعرباتٌ عسكرية. كما رصَد المعمل صور تجمّعاتٍ بشريةٍ تُظهر نازحين متجهين جنوباً نحو معسكر زمزم للنازحين، وغرباً نحو طويلة، يوم 27 أكتوبر.
مجازر في ساحات المستشفيات
تُظهر الصور التي جمعها المعمل لمستشفى الأطفال الواقع شرق الفاشر خلال ثلاثة أيام حدوث مقتلةٍ في يومي 27 و28 أكتوبر. ويقع المستشفى تحت سيطرة الدعم السريع، وتوقّف عن العمل منذ أكثر من عام. وتُظهر الصور المُلتقطة يوم 27 أكتوبر، أجساماً يُفترضُ من هيئتها أنّها أناسٌ مُصطفّون في ساحة المستشفى، وبقعاً بيضاء على ضفة الشارع المقابل له، بينما تُظهر الصور الملتقطة يوم 28 أكتوبر، بقعاً بيضاءَ متناثرةً بكثافة في ساحة المستشفى، وتزايداً في البقع الموجودة على الشارع، كما تَظهر أجسامٌ مثل التي شوهدت في اليوم السابق بساحة المستشفى، إلا أنّها متراصّةٌ في مكان واحد وليست منتظمةً في صفٍّ كما اليوم السابق.
ويَفترض المعمل أنّ صورة يوم 27 أكتوبر تُظهر أشخاصاً جُمعوا في صفٍّ في ساحة المستشفى، ثمّ قُتلوا لتَظهر جثثهم في ساحة المستشفى في صور يوم 28 أكتوبر.
وتُظهر الصور الملتقطة للمستشفى السعودي يوم 28 أكتوبر، ظهور أربع كتلٍ لم تكن موجودةً في اليوم السابق، ويَفترض المعمل من هيئتها وحجمها أنّها جُثث بشر. وتَظهر بقع حمراء جوار اثنين من هذه الأجسام.
ويقول المعمل إنّ هذه الصور تُطابق ما قالته تنسيقية لجان مقاومة الفاشر عن حدوث مجزرةٍ في المستشفى، وهو ما قالته وزارة الصحة الاتحادية ومنظمة الصحة العالمية.
لاحظ صحافيّ (AfriMEOSINT@) على منصة X، خطاً غليظاً أسودَ يمتدُّ لـ2.1 كيلومتر على الطريق المتجه شمال غرب الفاشر، وجوار خندق الدعم السريع. ويَفترض الصحافي أنّه آثار تدمير متحركٍ حاولَ الخروج من المدينة عبر هذا الطريق. وهو ما عضدّه مقطع ڤيديو نُشر لاحقاً لعرباتٍ قتاليةٍ مُدَمَّرةٍ صوَّرَه جنودٌ ينتمون للدعم السريع.
صور جوية لمحيط مطار الفاشر في: 7 أكتوبر، 14 أكتوبر، 27 أكتوبر. من اليسار إلى اليمين
لاحَظ الصحافي أيضاً اسوداد المنطقة المحيطة بمطار الفاشر خلال الفترة من 12 وحتى 27 أكتوبر، ورجَّحَ أنّ ذلك من فعل قصف الدعم السريع للمدينة.
بأيدي من؟
رصد الصحافي أيضاً 37 رحلةً جويةً لطائرات شحنٍ انطلقت من قواعدَ عسكرية في الإمارات نحو شرق ليبيا خلال شهر سبتمبر 2025 فقط. وكانت بنغازي وجهةَ 21 رحلةً من هذه الرحلات، والكُفرة وجهةَ 4 منها، ولم تُعرف وجهة الـ 12 رحلة الأخرى. وبلغ عدد الرحلات التي رصدها الصحافي منذ يونيو 2025 مقدار 144 رحلةً، وكان شهر يوليو أكثرَ الشهور كثافةً إذ شهد 43 رحلة.



