تحدثت دنِيز براون، المنسِّقة المقيمة ومنسِّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان المعينة في 1 سبتمبر 2025، مع شبكة «أتَـر» على خلفية الهجوم الأخير على الفاشر. تراوحت ملاحظاتها بين تقييمات صريحة لفشل حماية المدنيين ووصف عملي للاستجابة الإنسانية.
بخصوص الوضع في الفاشر، كيف تشعرين فعلاً؟
كنا نحذّر من هذا منذ مدة. في يوليو دعا الأمين العام لوقف إطلاق نار، وكرَّرنا هذا النداء عدة مرات. مؤخراً، قضيتُ أسبوعاً في طويلة لأضغط من أجل فتح الوصول إلى الفاشر. بعد عام ونصف من تقييد وصول المساعدات الإنسانية، والآن – بعد الدمار الشامل والوفيات خلال الأيام القليلة الماضية – كيف أشعر؟ يخونني التعبير، لكن أول كلمة تخطر ببالي هي «غاضبة». إنها مأساة مفجعة كان بالإمكان تجنُّبها. لعل «غاضبة» هو أوضح وصف لمشاعري.
كثير ممن الناس في السودان وخارجه يشاركونك هذا الشعور. على مدى أسابيع، تَلقينا تقاريرَ مروعةً عن الفاشر. كان السودان بالفعل أكبر أزمة إنسانية في العالم، حتى قبل هذه الأحداث. هلا وضّحتِ لنا كيف أسهم ما حدث في الفاشر في تضخيم هذه الأزمة؟ وكيف تَصفين الاحتياجات الإنسانية في السودان الآن، بعد سيطرة قوّات الدعم السريع على الفاشر؟
الأزمة أكبر مما كانت عليه قبل أسبوعين لسببين: أولاً، ازدادت أعداد النازحين. باستخدام منظومتنا لتتبّع النزوح، التي نُديرها بالشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة، سجّلنا نحو 26 ألف شخص نزحوا مؤخراً، ليس من داخل المدينة فحسب، بل من المناطق المحيطة بها أيضاً، وعلى نحوٍ مُتزايد. هذا النمط يدفع الأرقام للتزايد.
لكن الأرقام وحدها لا تبيّن المشكلة الحقيقية. عندما أسترجع المشهد، فأكثر ما يطاردني هو القسوة والإرهاب الذي تحمّله الناس. عندما كنت في طويلة قبل أسبوعين، قابلت نساءً فرَرْنَ لتوهن من الفاشر. كان النظر في عيونهنّ أشبه بالنظر إلى خواء: جَوَّفَ الخوفُ دواخلهن. رعب كهذا يَنْطَبع في الناس ويُغيّرهم. كيف ندعم، بوصفنا مجتمعاً دولياً أو محلياً، مجتمعات أعضاؤها صاروا مكسورين على هذا النحو!
ثمة عامل مروع آخر أُنبه إليه باستمرار: أنماط العنف الجنسي. وهذه لم تبدأ هذا الأسبوع. وثّقت آليات للأمم المتحدة الحقوقية بالفعل أنماطاً من الاغتصاب، والتعذيب الجنسي والعبودية الجنسية، أكثرها في دارفور، وغالباً ما تُنسب إلى عناصر من قوات الدعم السريع. عندما قُدت عبر الدروب الضيقة من الجنينة إلى طويلة، رأيتُ عشراتٍ من الأطفال المجندين، صبياناً لا يتجاوز سن بعضهم العاشرة. لذا، فوراء الإحصاءات، تلوح الصدمة وتفكك العائلات والمجتمعات، وهو أمر ستستغرق البلاد وقتاً طويلاً لتداركه.
دعت بيانات الدعم السريع وبعض التقارير الإعلامية المدنيين في الفاشر إلى مغادرتها ووعدت بممرات آمنة. بظنك، هل من مناطق آمنة حول الفاشر، وهل من ممرات يمكن للأمم المتحدة أو العاملين في المجال الإنساني استخدامها لمساعدة الفارين؟ وما الخطة إذاً؟
أطعن في هذا الادعاء بوجود مرورٍ آمن. بحوزتنا تقارير موثوقة عن إعدامات تعسفية لمدنيين حاولوا الفرار من الفاشر خلال هذا الأسبوع. من وصلوا إلى طويلة في الأيام الأخيرة، ساروا لسبعة أيام أو أزيد دون توقف. وعلى طول تلك الطرق الترابية الضيقة، تنشط مليشيات تبتز أموال النازحين بالإكراه وتحتجزهم حتى يدفعوا، وتُقيم نقاط تفتيش تعترض العائلات وتستغل الضعفاء. لهذه الأسباب، لا أعتقد أن قوات الدعم السريع تتيح ممراتٍ آمنة للخروج من الفاشر.
ومع ذلك، ثمة مستجيبون محليّون يقومون بعملٍ بطولي: أطباء وممرضون ومتطوعون سودانيون، هم أول من يلبي النداء عند اندلاع أي أزمة. أنشأوا مراكز إسعاف ورعاية ومرافق طبية في طويلة وقولو وزالنجي ونيرتيتي، وأقاموا مخيمات لاستقبال النازحين، بمن فيهم من فرّوا من زمزم في أبريل. لكن الأمم المتحدة ومجتمع الفاعلين الإنسانيّين يُواجهان نقصاً حاداً في التمويل يكاد يشل عملهما. فالتمويل الحالي يغطي 27% فقط من حاجة الاستجابة الإنسانية في السودان. في موقع زرتُه في نيرتتي، كان السكان يستخدمون ذات مصدر المياه للشرب والنظافة، وهو ظرف قد يؤدي بسرعة إلى تفشّي الكوليرا إذا لم تُتَدارَك الأمور.
تعرّض العاملون الإنسانيون والمتطوعون المحليون الذين تخلفوا، كما في المستشفى السعودي مثلاً، للتهديد أو الاختطاف. وبما أن المتطوعين والشركاء المحليين أصبحوا مستهدفين، ماذا بوسع الأمم المتحدة أن تفعل لحماية هؤلاء؟
لدينا تقارير تفيد بمقتل متطوعين إنسانيين وبعض الشركاء. وفي حالاتٍ عدّة، لا تزال ظروف الوفاة غير واضحة، فلا نعلم بعد إن كانوا قضوا في الاشتباكات أم أُعدموا عمداً. منعتنا قوات الدعم السريع من دخول الفاشر. ترى الأمم المتحدة أن حضورها نفسه يشكل وسيلة حماية – ما نُسمّيه «الحماية بالوجود» – وحرماننا من الوصول يقوّض هذه الحماية.
السبيل الثاني يكمن في ممارسة ضغط قانوني وسياسي مستمر: تذكير قوات الدعم السريع بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي. صُمِّمَتْ هذه القواعد لحماية المدنيين والعاملين الإنسانيين أثناء النزاعات المسلّحة. لكن عندما تُنتهك هذه القواعد بنحوٍ صارخ، تصبح أدوات الضغط التقليدية أقل فاعلية. عادةً ما تكون الحماية عبر الوجود الفعلي والضغط القانوني والدبلوماسي القنوات الرئيسة لحماية العاملين في العمل الإنساني. الآن، تضرّر كلاهما بسبب القيود على الوصول والمخاطر الميدانية، ما يضع جهود الإغاثة المحلية والدولية في مأزق حقيقي. نحن لا نملك الموارد لتغطية حتى الاحتياجات الأساسية في كل مكان، ولا بد من تمويل عاجل، وتيسير وصول آمن لقوافل الغذاء والدواء. ودون ذلك، ستتزايد المعاناة وتتعاظم الأزمة. والتحرك الدولي مطلوب.
دعت قوات الدعم السريع وتحالف تأسيس والمتحدثون باسمهما علناً المنظمات الإنسانية لدخول الفاشر. هل هناك علامات على جدية هذه الدعوات؟ هل اتُّخذت خطوات ملموسة لتيسير وصول المساعدات الإنسانية؟
على العكس تماماً، نحن من طالَبنا بالوصول. قضيتُ ما يقرب من أسبوع في طويلة أطلب إذن الدخول إلى الفاشر ورُفض. لا يتجاوز الطريق من طويلة إلى الفاشر نحو 50 كيلومتراً، لكننا بحاجة إلى ضمانات مرور آمن. تعرّضت قوافلنا لهجمات من قبل؛ وقبل أشهر أدت هجمة إلى مقتل خمسة أشخاص. منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، قُتل ما يزيد عن 128 من العاملين الإنسانيين، معظمهم سودانيون. طلبنا مروراً آمناً فلم نحصل عليه. لذا، فالتصريحات العلنية التي أشرتَ إليها لا تتطابق مع الواقع الذي نُواجهه.
مع الإبلاغ عن تدمير مخيمات مثل زمزم وأبو شُوك، هل تخطط الأمم المتحدة لإنشاء معسكرات إضافية في طويلة أو في مناطق أخرى خارج الفاشر لاستيعاب الفارين من المدينة؟
زُرت بالفعل معسكراً كبيراً في طويلة؛ وهو يتوسّع مع استمرار تدفق الناس. تعمل الجهات الوطنية والدولية، والمستجيبون المحليون، والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة على استقبال ومعالجة الناس وتوفير الغذاء والخدمات الأساسية. لكن، ومرة أخرى، التمويل هو العقبة الأساسية. مع تمويل يغطي نحو 27% فقط من مناشدتنا، لا نستطيع تلبية جميع الاحتياجات.
سنستخدم المواقع القائمة مثل طويلة ونيرتتي والمواقع الأخرى التي يصل إليها النازحون. نراقب أيضاً التحركات باتجاه الحدود مع تشاد. عندما سافرت إلى طويلة مررت عبر معبر أدري، ونُراقب تلك التحركات العابرة للحدود بعناية. لكنّ لا حل سحرياً: يمكننا فقط استيعاب الناس في المواقع الحالية إلى أن نحصل على الموارد والضمانات اللازمة لتوسيع الطاقة الاستيعابية بأمان.
عودة لموضوعَي الوصول والتفاوض. ما هي القنوات الرسمية وغير الرسمية التي تستخدمها الأمم المتحدة للتفاوض مع الفاعلين المسلحين حول الفاشر والمنطقة المحيطة؟ وإذا رُفض إذنُ الوصول، هل هناك بدائل لتوصيل المساعدات مثل الإنزال الجوي أو العمل عبر شركاء محليين أو خطط طوارئ أخرى؟
لأكن واضحةً: بعد ما حدث، لا أعتقد أن هناك العديد من الجهات المحلية التي ما زالت تعمل داخل الفاشر. تقارير القتل ومقاطع الفيديو الفوضوية التي شاهدناها جميعاً تُشير إلى أن المدينة لم تعد مكاناً يمكن للمستجيبين المحليين العمل فيه بأمان. أما بخصوص التفاوض: فهذه العمليات سرّية للغاية. مسؤولية الأمم المتحدة أن تتحدَّث مع جميع الأطراف على جميع المستويات، لكن لا يمكنني الكشف عن تفاصيل كيفية التفاوض أو من يُشارك أو القنوات المحددة، فإفشاء ذلك قد يُعرِّض الناس للخطر.
أما البدائل فهي محدودة. الإنزال الجوي معقّد لوجيستياً وقانونياً وليس دائماً ممكناً أو آمناً. نهجنا البراغماتي كان دعم المستجيبين المحليين حيثما يستطيعون العمل، دعم المخيمات التي وصل إليها الناس، وموضعة الإمدادات مُسبقاً حيثما أمكن ذلك. لكن هذه الخيارات تعتمد على كلٍّ من الضمانات الأمنية والتمويل الكافي. ومن دون وصول آمن وموارد كافية، تظل بدائلنا محدودة.
انتشرت تقارير عن مفاوضات غير مباشرة واتفاق بوساطة لوقف إطلاق نار بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة تهدف إلى تيسير وصول الدعم الإنساني. هل ثمّة خطة مفصّلة وطويلة الأمد لضمان وصول المساعدات إلى شمال السودان ودارفور إذا جرت مثل هذه الاتفاقات؟ وهل هناك ضمان بأن أي طرف سيُتيح للأمم المتحدة الوصول؟
لستُ على علم بأي اتفاق مُلزم ومُؤكّد يضمن وصول الدعم الإنساني. ربما هناك اتفاق لم أُبلَّغ به بعد، لكنني لم أرَ أو أطّلع على وثيقة من هذا النوع. وإضافة إلى ذلك، غيّرت أحداث الأيام القليلة الماضية السياق العملياتي على نحو كبير: هناك تقارير موثوقة عن عمليات قتل جماعي وإعدامات تعسفية، واحتمال وجود مناطق مزروعة بالألغام وذخائر غير منفجرة، كما يصعب الآن معرفة من يوجد في المدينة ومن يسيطر على كل منطقة. لقد تصاعدت المخاطر التي كانت قائمة منذ أيام قليلة. في أي خطة مستقبلية يجب أن تُأخذ هذه المتغيرات والحقائق الجديدة بعين الاعتبار. على الأمم المتحدة أن تظل حيادية ونزيهة، لكن علينا أيضاً فهم الواقع الجديد تماماً قبل أن نتمكّن من العودة والعمل على نطاق واسع.
كثيرون منا يصعب عليهم الحصول على معلومات دقيقة وفي وقتها من الفاشر. الصحفيون محجوبون؛ والناس مفقودون. كيف تحصل الأمم المتحدة حالياً على معلومات من المدينة وتتحقّق منها؟
هذا سؤال مهم ويتصل بمأزق حقيقي. أساليب التحقق لدينا محمية بعناية لأن فضحها قد يُعرّض المصادر والأفراد للخطر. نستخدم آليات متعددة للتوثق، من وكالات شريكة إلى موظفين ميدانيين وروابط مجتمعية، لكننا لن نُعلن أننا نملك «تقارير موثوقة» حتى نكون متأكدين تماماً. علينا أن نتجنَّب نشر معلومات قد تُعرّض الناس للخطر. لذا لا أستطيع الإفصاح عن الأساليب أو المصادر بالتفصيل. ما أستطيع تأكيده أن الوضع عنيف: قُتِلَ مدنيون، ونتلقى تقارير متزايدة عن عنف جنسي، وتَردنا ادعاءات خطيرة بشأن أحداث في المستشفيات. ومع ذلك، لا نزال في المراحل الأولى من فهم نطاق وخطورة هذه الحوادث على نحوٍ كامل.
ذكرتِ سابقاً أن مناشدتكم ممولة بنسبة 27% فقط. هل تعتقدين أن كارثة الفاشر ستحفز المانحين على زيادة التمويل؟ وكيف يمكن للأمم المتحدة والمجتمع المدني والإعلام الضغط على المجتمع الدولي للاستجابة على نحو أسرع؟
كنت أُفضِّلُ أن يستيقظ العالم قبل اندلاع عنف واسع النطاق. لكن الحقيقة المرة أن الانتباه الدولي كثيراً ما يتبع صور معاناة الناس إذا انتشرت على نطاق واسع. ما زلت آمل أنه الآن، ومع انعقاد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، ستلتفت الحكومات والمانحون ويقدّمون الموارد المطلوبة. هذا جزء من مسؤوليتي، أن أستمرّ في التصريح. خلال الأيام الثلاثة الماضية أظن أن هذه مقابلتي الخامسة عشرة عبر وسائل إعلام بالإنقليزية والألمانية والعربية. أحاول التأكد من أنه لا يمكن لأحد أن يقول إنه لم يكن يعلم. التحدي الآن هو تحويل هذا الاهتمام إلى تمويل عاجل وضغط سياسي يضمن توصيل المساعدات وحماية المدنيين على الأرض.
ذكرتِ مخيّمات في طويلة ومواقع أخرى. إذا استجاب المانحون، هل سيكون توسيع طاقة المخيّمات وموضعة الإمدادات مسبقاً أولوية التمويل الإضافي؟
المواقع مثل طويلة ونيرتتي موجودة بالفعل، وسيجري توسيعُها بقدرٍ ما تسمح الموارد. لكن علينا الحذر من الاقتراب كثيراً من الفاشر نظراً لتقلُّب الوضع. أولويتنا الفورية هي رعاية الناس حيثما وصلوا، وطويلة تشكل محور الاستجابة الآن. إذا توفرت الموارد سنوسع الخدمات: الغذاء، الصحة، المياه، الصرف الصحي والحماية. لكن ذلك ببساطة غير ممكن بلا تمويل. ليس لديّ موارد، والأمم المتحدة ليست لديها أموال غير محدودة، ولهذا نواصل النداء إلى المانحين للتصرّف الآن.
ذكرتِ قافلة متجهة إلى كادوقلي (جنوب كردفان). هل هناك تحديثات عنها وعن الوضع الأعمّ في كردفان عموماً، وبارا في شمالها؟
أعتقد أن القافلة وصلت بأمان، لكن أحتاج إلى التأكد مجدداً. وعلى نطاق أوسع حدَّدْنا مناطق جغرافية ذات أولوية، لا يمكننا الوصول إليها بسبب قيود الوصول أو قلة الموارد. كردفان وجزء من ولاية الخرطوم ضمن تلك الأولويات. لدينا موظفون أمميون ومنظمات دولية وفاعلون وطنيون في هذه المناطق، وهناك تناغم جيد بينهم. ومع تأمين مزيد من الموارد سنزيد الدعم للمواقع ذات الأولوية. بينما يتركز الاهتمام كثيراً على الفاشر، فإن كردفان أيضاً تحتاج إلى اهتمام وموارد بنحوٍ عاجل.
للتوضيح: هل أولوية الأمم المتحدة في هذه المناطق الآن تقييم الاحتياجات أم الدفع من أجل مرور آمن للقوافل؟ وعندما تقولين إن المناشدة ممولة بنسبة 27%، خلال أي فترة يُقاس هذا الرقم؟
أولوياتنا الأساسية في كل مكان هي حماية المدنيين، ومنع تجنيد الأطفال، وإيقاف العنف الجنسي، وضمان وصول الأطفال إلى التعليم والخدمات المنقذة للحياة. ستُوجّه هذه الأولوية الأنشطة المحددة في كل منطقة: في الفاشر تعني الضغط من أجل إخلاء آمن ومرور آمن؛ في كردفان قد تعني الوقاية المبكرة والاستعداد لمنع التصعيد؛ وفي الخرطوم غالباً ما تعني ترميم شبكات المياه والصرف لإيقاف تمدد الكوليرا.
أما بخصوص نسبة التمويل، فهي لا تُحدّث يومياً. عندما وصلت إلى السودان قبل سبعة أسابيع كانت الاستجابة مُموّلة بنحو 25%؛ وحتى وقت هذه المقابلة تبلغ نحو 27% (ربما 28%). التحديثات الشهرية هي المألوفة لأن المئات من الشركاء يمدّون قاعدة بيانات المناشدات الموحدة بالمعلومات. لكن سواء أكانت 27% أم 28%، فالمهم أن حجم الطلب نحو أربعة مليارات دولار، ولدينا نحو مليار واحد فقط. هذا العجز هو الذي يحدد ما إذا كان الناس سيحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها أو سيحصلون على أقل بكثير من المعايير المطلوبة.
بالنظر إلى المشهد الهش في السودان - قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة، والعديد من المجموعات المسلحة المحلية والقبلية - ما نوع الاستراتيجية الإنسانية التي قد تنجح عملياً؟ هل نحتاج إلى آليات جديدة أم نهج مختلف من الأمم المتحدة؟
هذا سؤال مهم ويستحق وقتاً أكثر مما أستطيع منحه في مقابلة واحدة. السياق معقّد: بعض الطرق أصبحت غير سالكة بسبب الذخائر غير المنفجرة والمليشيات المُقاتلة، مثل الطريق الرئيس من الجنينة إلى طويلة. العمليات الإنسانية تتطلب فهماً دقيقاً للمجتمعات وحواراً مستمراً معها. في الصومال، على سبيل المثال، عملت الأمم المتحدة كثيراً عبر المجتمعات والهياكل المحلية. ذلك النهج جزء من الإجابة هنا أيضاً.
لكن السودان يطرح مشكلة أعمق: تجاهل صارخ للقانون الإنساني الدولي. هذا التجاهل ليس فريداً في حالة السودان، لكن حجمه هنا صادم. القانون الإنساني الدولي هو الإطار الذي يُفترض أن يحمي المدنيين؛ وعندما يُتجاهل على نحو صارخ، يصبح العمل الإنساني أصعب بكثير. علينا أن نواصل الدفاع عن تلك المعايير ونطالب بالمحاسبة، خصوصاً بشأن أنماط العنف الجنسي التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. التوثيق والتحقيق والإجراءات القضائية لاحقاً ضرورية، رغم أن العدالة تتحرك ببطء.
بهذا يُثير السودان تساؤلات حول ما إذا كانت الآليات القديمة كافية. أظن أنها لا تزال ذات صلة، لكن يجب تطبيقها بحساسية لواقع المجتمع المحلي وربما تكملتها بنُهجٍ جديدةٍ قابلةٍ للتكيّف، تعترف بهياكل القيادة المجزأة وآليات الحماية التي يقودها المجتمع. في النهاية، العقبة الأكبر الآن هي رفض بعض الفاعلين احترام قوانين الحرب، وهذه مشكلة سياسية تتطلَّب ضغطاً دولياً ومساءلةً، لا مُجرّد تحسينات تشغيلية.
أخيراً، من تجربتك، ما الذي يُميّز السودان عن أزمات أخرى عملتِ عليها؟ هل يحتاج إلى استراتيجية جديدة جوهرياً؟
تفكك السودان، ومدى تجاهل القانون الإنساني، ومزيج القوات النظامية وغير النظامية يجعله تحدياً فريداً. ومع ذلك، لا تزال العديد من المبادئ التي نطبقها في أماكن أخرى قائمة: يجب أن نعمل عن كثب مع المجتمعات، نقوّي الفاعلين المحليين، نوثّق الانتهاكات، ونضغط من أجل الحماية. لكن السودان على الأرجح يتطلّب التزاماً سياسياً متجدّداً من المجتمع الدولي لتطبيق المعايير وتوفير الموارد، إلى جانب الاهتمام المستمر بموضوع المساءلة طويلة المدى عن الجرائم الخطيرة. نحتاج إلى كلٍّ من توسيع الاستجابة الإنسانية العاجلة وعلى التوازي مثابرة نحو العدالة.
هذا المزيج من الإغاثة العاجلة والمُساءلة أمرٌ حاسمٌ إذا أردنا منع دورة جديدة من الإفلات من العقاب وتكرار الفظائع الجماعية. يتطلّب ذلك تنسيقاً مُستمرّاً بين الوكالات الإنسانية والدبلوماسيين والمجتمع المدني المحلي، إضافة إلى موارد مستدامة وخطط انتقالية تعيد بناء المؤسسات وتضمن حماية المدنيين على المدى الطويل. ودون ذلك، ستبقى جهود الإغاثة محدودةً، والتعافي الهش مُعرّضاً للانهيار أمام موجات عنف جديدة. الاستجابة يجب أن تكون سريعة ومبنية على التعاون الدولي.



