![](https://atarnetwork.com/wp-content/uploads/2024/09/cover-مروي-1024x512.jpg)
اللوحة من أعمال الفنان Medo Kagonka
قُدّر لمدينة مروي أن تكون أول مدينة يظهر اسمُها في أخبار حرب السودان، التي اندلعت في العاصمة الخرطوم يوم 15 أبريل 2023، وقد حَدَّدت بذلك ميقاتاً لاندلاع المواجهات العسكرية، حينما عبرت أرتال من سيارات الدفع الرباعي طريق شريان الشمال، مُرتكزةً على بُعد كيلومترات من القاعدة الجوية العسكرية في المدينة ومطارها الدولي، ليَخرج الناطق الرسمي باسم الجيش ببيانه الشهير في 13 أبريل 2023م الذي بدأت بعده الأحداث تتوالى مُعلنة الحريق الكبير.
كانت مروي مُجرَّد مركز إداري، تتركّز فيه رئاسة المحلية، التي تحمل اسم المدينة ذاته، ونبعت أهميتها التجارية والجغرافية من كونها تقع على الطريق الرابط بين ميناء بورتسودان ومدينة كريمة في الولاية الشمالية، التي تتمركز فيها المؤسسات الخدمية بما فيها المستشفيات، والصناعة، ومكاتب السكة الحديد، تاركة مروي دون أهمية استراتيجية، وإن ضمَّت المقر الإداري للمحلية، إضافة إلى الدائرة البرلمانية “الدائرة 5 مروي”.
تغيّر هذا خلال العقد الأخير، فاكتسبت مروي أهمية استراتيجية بعد بناء سد مروي الكهرومائي، وعبور طريق شريان الشمال خلالها، ليربطها مع العاصمة عند مدخل أم درمان، وأيضاً الطريق البريّ مروي – عطبرة، الذي بات بديلاً لخط السكة الحديد في ربطه الولاية الشمالية مع مدينة بورتسودان.
ولأن منشآت السدّ الخدمية تقع في الاتجاه الغربي من النيل، أي المدخل الرئيس للمدينة، فقد اكتسبت مَرَوي بذلك ميزة إضافية، ليضحي الاتجاه الغربي للنيل هو الطريق الرئيس، بدلاً عن الشرقي، الذي يمرُّ عبر مدينة كريمة. أيضاً أضحى جسر الصداقة الذي يربط مدينتي كريمة ومروي عنصراً أساسياً في حركة التجارة والاقتصاد.
وإن مثّلت كريمة في السابق المدينة الصناعية والتاريخية للولاية، فقد صارت مروي المدينة الرئيسة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مزدهرة على حساب كريمة، وهو أمر غير مستحدث في أدبيات نشوء المدن الحديثة في السودان، إذ لا بد أن تنمو مدينة على حساب أخرى، كما هو حال رفاعة / الحصاحيصا، أم درمان / الخرطوم، سواكن / بورتسودان، كوستي / ربك. ويكون السوق دائماً هو قلب عملية النمو في كل مدينة.
طبيعة سوق مروي
![صلصة مصرية في سوق مروي](https://atarnetwork.com/wp-content/uploads/2024/08/صلصة-مصرية.jpg)
يقول محمد أحمد، التاجر في سوق مروي، إن السوق ليس بذلك الحجم الكبير مقارنة بأسواق أخرى قريبة في مدن الولاية الشمالية، مثل كريمة أو الدبة، وذلك من حيث رأس المال المتحرك في السوق، لكنه يعود ويقول إنه سوق ناشئ مقارنة بحجم التجارة الذي ازداد بعد نشوء مراكز خدمية كبيرة في محلية مروي.
“يخدم سوق مروي المركزي مواطني المنطقة الشرقية من النيل ابتداءً من القرير وتنقاسي وحتى الحمداب، وذلك في المواد الغذائية، ومواد البناء، وغيرها مما يحتاجه الإنسان في أي مدينة سودانية”، يقول التاجر محمد أحمد لمراسل “أتَـر”.
ولأنه من الأسواق المركزية، يمدّ سوق مروي المحال التجارية والدكاكين في القرى القريبة بالبضاعة والسلع، حيث تكتظّ باحة المدينة خلال يوم الأربعاء من كلّ أسبوع بأناس يتوافدون من قرى وبلدات الجوار، يشترون ويبيعون البضائع، والمشغولات، والمحاصيل الزراعية من حبوب وخضروات.
صادف مراسل مجلة “أتَر” يوم السوق الأسبوعي في المدينة، ولاحظ مدى وطبيعة الاختلاف بينه وغيره من بقية أيام الأسبوع، كما لاحظ المحاذير الأمنية التي منعته من التقاط صور. ورغم أنه تقليد قديم، ظلّ سوق يوم الأربعاء يختفي رويداً رويداً مع توفر إمكانية الوصول إلى السوق في أي وقت، وتدفق النازحين وفيهم العائدون للاستقرار من الأسر القادمة من الخرطوم لمسقط رأسها؛ لكن كل هذا أيضاً لم يمنع اكتظاظ السوق يوم الأربعاء من كل أسبوع، وتوافد صغار المنتجين إلى باحته، وبالتالي تنتعش حركة البيع والشراء فيها بسبب المنتجين وليس المستهلكين الذين تتدفق أعدادهم يومياً وبوتيرة ثابتة.
للسوق في مروي تسميات جغرافية بناءً على الموقع: يوجد السوق التحت، والسوق الفوق. ويحوي الأول بقالات الإجمالي والمواد الغذائية، ومحال السلع الكهربائية، إضافة إلى البنوك ومخازن السلع، وورش أعمال الحدادة والنجارة؛ أما السوق الفوق فيضم سوق الخضار إضافة إلى مواقف المواصلات والميناء البري الذي تنطلق منه الباصات السفرية إلى مدن الولاية الشمالية والولايات الأخرى.
البيع والشراء
سابقاً كانت أم درمان هي المصدر الذي يُغذّي سوق مروي بالبضائع، وذلك عبر وسطاء أو مناديب. وبطبيعة كل سوق، هناك تقاليد تجارية تحكم الأسعار، ونوعاً ما بسبب صغر حجم نطاق السوق، يتقارب التجّار الذين يعملون في مجال واحد إلى بعضهم البعض، وتحكم العلاقات الاجتماعية عمليات البيع والشراء. وفي ذلك يقول علي محمد، أحد رواد سوق مروي، إنه منذ أكثر من عشرين عاماً ظل يشتري من محل واحد فقط مهما كانت الأسباب، وذلك لعمل أحد معارفه من القرية فيه، وبالتالي تتوافر الثقة في جودة البضاعة.
صاحب بقالة إجمالي في السوق التحت، أخبر مراسل “أتَر” بأن عمليات البيع والشراء تتحدَّدُ أولاً بالعلاقات الاجتماعية بين الطرفين، إذ يتّجه أبناء كل قرية أو منطقة إلى تاجر يعرفهم ويعرفونه، بما يضمن الثقة في الاستدانة والتسديد لاحقاً، وغالباً ما يُسدِّد الناس ديونهم للتاجر خلال عام كامل بعد نهاية الموسم الزراعي، وبالتحديد موسم حشّ التمر، بعد بيع المحصول، ومن ثم بداية دورة جديدة للدَّيْن.
يقول تجار السوق ممن قابلتهم “أتَـر”، إن عمليات البيع والشراء في سوق مروي تتسم بالروتينية، ولا تعتريها تغيرات. وتحكم عمليات البيع والشراء مناسبات الأفراح والأتراح ومواسم رمضان والأعياد. ولأن الحياة تسير بوتيرة واحدة لا تتباين في طبيعتها، لا تختلف قائمة السلع الاستهلاكية التي يشتريها الناس، وهي لا تخلو من سلع العدس، والزيت، والبهارات، والفاصوليا، وأحياناً الفول، إضافة إلى السكر، والدقيق، والصابون بأنواعه المختلفة، ومعجون الأسنان، والصلصة.
تتحدد عمليات البيع والشراء أولاً بالعلاقات الاجتماعية بين الطرفين، إذ يتّجه أبناء كل قرية أو منطقة إلى تاجر يعرفهم ويعرفونه، بما يضمن الثقة في الاستدانة والتسديد لاحقاً، وغالباً ما يُسدِّد الناس ديونهم للتاجر خلال عام كامل بعد نهاية الموسم الزراعي
بعد اندلاع الحرب، لم تعد الخرطوم مركز السوق ومصدر المنتجات والبضائع في البلاد. وخلال الأشهر التسعة الأولى، حلّت البضاعة المصرية محل نظيرتها السودانية، فبات كل شيء في تلك الفترة يأتي من خلال المعابر المشتركة مع مصر صوب الداخل السوداني، مما قلَّلَ من تأثير الحرب على سوق مروي. ووفق تجّار في السوق، فإن العرض والطلب في السوق لم يتأثر مع وصول البضاعة المصرية، لأن رواد السوق يتعاملون معها كسلعة قادمة من الخرطوم؛ كما أن السلع المصرية، حسب التجار في السوق التحت، كانت في متناول الجميع، ولم يكن هناك فرق في الأسعار، بل وفي بعض الأحيان يكون سعر السلعة المصرية أقل من مقابلها السوداني قبل الحرب.
لكن مع ارتفاع الدولار الجمركي في بداية هذا العام، ومن ثم ارتفاع قيمة الجنيه المصري في السوق السوداني، زاد سعر البضاعة المصرية إلى حدّ لاحظه الناس؛ كما أن تكلفة وأسعار السلع السودانية المُنتجة في مصانع ومعامل عطبرة بعد الحرب هي بدَورها عالية بالنسبة للناس، وليست بجودة البضائع التي كانت تُنتج في الخرطوم سابقاً، وخاصة سلع الصابون والمُنظّفات الأخرى.
انتعاش سوق الأواني
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد النازحين إلى محلية مروي من المناطق الأخرى، فأغلب النازحين إما لهم منازل سلفاً في قرى المحلية أو لهم علاقات قرابة من الدرجة الأولى، مما يجعل من الصعب رصد وتقييم الأسر القادمة أو كيفية دعمها؛ لكن شاهدنا عدداً مقدراً من محلات الأواني المنزلية الجديدة بالسوق التحت.
يقول صاحب محل أواني منزلية لمراسل “أتَر”: “بعد الحرب جاءت البضاعة المصرية، وكانت أسعارها في متناول قدرة الأسر خصوصاً تلك المتعلقة بأواني الطبخ أو تلك التي تستخدمها الأسر يومياً، وقد ساعدت الأفكار المتعلقة حول مدة بقاء الأسر في انتعاش السوق حيث تشتري الأسر النازحة أواني بسيطة في بداية الأمر، لكنها تعمل على زيادتها كلَّ فترة، مما يجعل للسوق استمرارية وحيوية”.
تقول إلهام وهي نازحة قادمة من الخرطوم بحري، إنها جاءت مع أسرتها، وأقامت في بداية الأمر بمنزل الأسرة الكبير، قبل أن يقرر زوجها بناء منزل منفصل لهم. “بدأتُ بشراء الأواني البسيطة التي أستخدمها يومياً، ولم أكن على يقين من أنني سأبقى أكثر من ستة أشهر، لذلك لم أقتنِ المستلزمات الكاملة للمنزل”، كذلك تعذر عليها أن تقتني كل ما يلزمها في المنزل لأن راتبها الشهري قد توقف. وتحكي إلهام كيف ساعدتها نسوة الأسرة على بناء مطبخها ومَنَحْنَها كثيراً مما تحتاجه من مستلزمات كي تستقر على نحو أفضل.
حالياً تأتي إلهام الى السوق كلَّما توفر لها مال، لشراء مستلزمات المنزل، وقد قررت نسيان الخرطوم، والبدء في تأسيس جديد. تصف إلهام سوق مروي بأنه “على قدر الحال”، لكنه كافٍ وفق متطلبات وشروط الحياة في الولاية الشمالية.
قائمة بأسعار المواد الغذائية الأكثر مبيعاً في سوق مروي
السلعة | الوحدة | السعر |
---|---|---|
القمح | شوال | 100,000 |
الفول | شوال | 230,000 |
الزيت | لتر واحد (الوافي) | 3,500 |
العدس | شوال | 48,000 |
السكر | خمسة كيلو | 9,500 |
الصلصة | علبة واحدة | 2,500 |
البصل | شوال | 35,000 |
صابون الحمام | شوال | 19,000 |