شندي: مُسيَّرات هجومية تقلق منام المدين
تصدَّت المضادَّات الأرضية، التابعة للفرقة الثالثة مشاة بشندي، في الثانية من فجر الأربعاء ٩ يوليو ٢٠٢٤، لمجموعة مسيرات، زعمت مصادر تحدثت لـ “أتَـر” أنها تتبع لقوات الدعم السريع على امتداد قريب يُرى ويسمع من داخل أحياء مدينة شندي، بحسب ما يتداوله المواطنون.
وأسقط الجيش فجر الأربعاء ثلاث مسيرات. وبحسب مصادر، كانت تلك المسيرات تستهدف مقر قيادة الفرقة الثالثة مشاة. واستيقظ المواطنون على أصوات انفجارات مدوية وأضواء اللهب، مما خلف هلعاً وسط السكان.
يقول الحسن منير يقطن مربع ١٦ المُتاخم لسور الفرقة الثالثة مشاة لـ “أتر”، إن أفراد أسرته طالبوه بضرورة الانتقال لمنزل بعيد من الفرقة الثالثة مشاة، ولكن في ظل ظروف اقتصادية حرجة وارتفاع أسعار إيجار المنازل في شندي منذ اندلاع الحرب، يقول إنه لن يستطيع تنفيذ رغبة أفراد الأسرة. ومثل منير كثيرون يقطنون عشرات المنازل القريبة من مباني الفرقة.
وقالت قيادة الفرقة الثالثة مشاة التابعة للجيش السوداني بمدينة شندي، متحدثة لوسائط إعلامية، إن المسيّرات التي استهدفت مقرها جرى تدمير عبواتها المتفجرة وسقطت أجزاء منها حول مباني المطار الملحق بالفرقة، دون أن تتسبب في أضرار أو إصابات في الأرواح والمعدات.
تقع مدينة شندي جغرافيّاً في ولاية نهر النيل في شمال السودان، على منحنى النيل الذي يَحفُّها من الغرب والشمال، على ارتفاع 360 متراً فوق سطح البحر، وعلى خطَّي عرض 18,17 درجة شمال خطّ الاستواء، وعلى خطّي طول 24,23 درجة شرق خطّ جرينتش، وتتوسط حزام الساحل الذي يمتد من الجهة الشرقيّة في السودان إلى المنطقة الجنوبيّة الغربيّة للصحراء الكبرى، رابطةً بين الشمال والجنوب والشرق في البلاد، وتحدها شرقاً سهول البطانة الممتدة، ومن الجهة الشماليّة الشرقيّة ولاية الخرطوم، مبتعدة عن العاصمة بحوالي 150 كيلومتراً في اتجاه الشمال الشرقي. و45 كيلومتراً من موقع آثار مروي القديمة. وهي من المدن الواقعة على تخوم التجمعات الحضرية في شمال وشمال شرق السودان من جهة تاريخها التجاري والسياسي القديم والمعاصر.
وتحيط بالفرقة الثالثة مشاة والتي تعرف محلياً بـ “القيادة”، أحياء العشرينات من جهة الشرق، ومنطقتا الشقالوة وساردية من جهة الغرب وشمالاً المُسيَّاب وجنوباً مربعات ١٢ و٢ و٣، وهي أحياء وبلدات مأهولة بالسكان والأهالي. ويقدر عدد سكان شندي قبل الحرب بنحو 55 ألف نسمة حسب تقديرات عام 2007.
وشهدت مدينة شندي منذ اندلاع حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ موجات نزوح كبيرة من ولايتي الخرطوم، والجزيرة عقب سقوط مدينة ود مدني، الأمر الذي أدى إلى زيادة سكانية هائلة، وتمدداً للأسواق، وارتفاعاً لمعدلات الجريمة وترويج المخدرات.
ونفذت السلطات المحلية في المدينة، أمس الأول، حملة مشتركة من الجيش والقوات الأخرى لإزالة عدد من الأسواق والمقاهي الجديدة حول خط السكة الحديد الذي يتوسط أحياء المدينة، كما نفذت حملات تفتيش واعتقالات واسعة استهدفت ما سمته بـ “الوجود الأجنبي”.
وتنشط حرب المسيرات من جهة الدعم السريع على مناطق مثل شندي، القضارف، سنار، الشمالية، والنيل الأبيض، الواقعة تحت سيطرة قوات الجيش.
وللمرة الثالثة تضرب مسيرات الدعم السريع الفرقة الثالثة في شندي دون خسائر على المنطقة، كما ضربت من قبل بيتاً للقيادي الإسلامي (مصلح الرشيدي) إبان زيارة وفد مجموعة من النظار القبليين للمدينة.
القضارف: نازحون متكدّسون والخوف يعيق الزراعة
اقتربت المعارك من تخوم ولاية القضارف الجنوبية والجنوبية الغربية مع ولاية سنار، على الرغم من انخفاض وتيرة المعارك غرباً في الحدود مع ولاية الجزيرة، التي تُسيطر عليها قوات الدعم السريع.
ومؤخراً بعد دخول مدينة سنجة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع وتلتها مدينة الدندر، لجأت إلى القضارف أعداد كبيرة من سكان ولاية سنار بمختلف قراها ومدنها، بمن في ذلك آلاف النازحين الذين احتضنتهم المدينة منذ بداية الحرب من مختلف مناطق السودان. ولم يجد نازحو سنجة من مفر سوى الاتجاه شرقاً مع تعذر إمكانية الوصول إلى ولايتي النيل الأبيض والأزرق المعزولتين.
ومع الضائقة الاقتصادية التي يمر بها عموم سكان السودان، قابل المواطنون في ولاية القضارف الفارين من سنار عبر قرى أبو رخم والحواتة وصولاً لمدينة القضارف ذاتها، بكرم فياض.
وما زال كثيرٌ من نازحي ولاية سنار عالقين على الطريق بين منطقتي أبو رخم والمقرح بولاية القضارف، بسبب وعورة الطريق وهطول الأمطار وتعطل المركبات وعدم توفرها. وتنشط العديد من المنظمات والخيرين في إغاثة النازحين والمتضررين من التهجير، بمساعدات إسعافية مُهدَّدة بالانقطاع على المدى الطويل، ما لم تتدارك المنظمات الإقليمية الوضع.
وتشهد مدينة القضارف هذه الأيام تكدساً وازدحاماً للنازحين. وبحسب رئيس لجنة النازحين بالحكومة المحلية، فإن الولاية استقبلت أكثر من 135 ألف نازح من ولاية سنار، مُوزَّعين على أكثر من 30 موقعاً.
وتقوم بلدية محلية القضارف بتوزيع المراكز على المنظمات التي تُقدّم المساعدات الإنسانية للنازحين، وقطن معظم النازحين في المدارس المكتظة أصلاً بالنازحين السابقين من الخرطوم وود مدني، وجرى إخلاء بعضها وتوزيع النازحين على مراكز خارج المدينة بمنطقة الحوري بالتنسيق مع منظمة المجلس النرويجي للاجئين، مع إصرار حكومة الولاية على استمرار العام الدراسي.
يُمثّل معهد أبو الحسن والميناء البري الجديد مكانين رئيسَيْن لاستقبال النازحين. واجتهدت بعض المنظمات في تشييد بعض المخيمات، وكذلك أوَت كثيرٌ من الأسر في المدينة الفارين من لهيب سنار، وبعضهم استطاع استئجار منزل رغم غلاء أسعار إيجار العقارات. وتتمثل الخطورة في إيواء بعض النازحين في مبانٍ تحت التشييد.
وعلى الرغم من تصريح برنامج الأغذية العالمي، بأن مخزونه من الغذاء في القضارف يكفي لتلبية احتياجات 50 ألف شخص، لكن الأسواق والمحلات التجارية في المدينة تتوافر فيها السلع والمواد الاستهلاكية، لكن تبقى مسألة تغيّر سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار مؤثرة جداً، إذ تتغير أسعار السلع يومياً، وجميعها يأتي من دولة إثيوبيا أو عبر الوارد من مدينة بورتسودان.
التوتر هو السمة البائنة في وجوه السكان. فبحكم الموقع الجغرافي اقتربت المعارك كثيراً من حدود التماس مع الولاية، وقد آثر كثيرٌ من المُزارعين عدم حرث الأرض تخوفاً من خطر يقترب، وهو ما ينذر بكارثة تُهدِّدُ الأمن الغذائي لسكان القضارف، خصوصاً أن الزراعة هي النشاط الأساسي لسكان الولاية، ويعتمد عليها ما تبقى من أجزاء البلاد التي لم تصلها نيران الحرب.
ومما زاد التوتر لدى المواطنين الانتشار الأمني الكثيف والتضييق على النازحين والمتطوعين في خدمتهم، كذلك كثرة نقاط التفتيش.
بعد اجتياح سنجة من قِبَلِ قوات الدعم السريع، زادت ساعات حظر التجوال في القضارف، لتبدأ من السابعة مساء بدلاً من التاسعة وتستمر حتى السادسة صباحاً؛ ولا تشمل الخدمات الطبية سوى مركزين فقط.
وبالنسبة للخدمات الصحية، تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بصورة طبيعية مقدمة خدماتها، رغم عن العشوائية البائنة كما يشكو العديد من المرضى، ومرد ذلك العدد الكبير من المرضى مما يشكل عبئاً هائلاً عليها يفوق طاقتها الاستيعابية، خصوصاً أن الفصل خريف وتكثر فيه الأمراض، مع غياب تام للجهات الرسمية وعجزها عن إدارة الأزمة.
وفيما يأمل كثيرون أن يحد موسم الخريف من توسع قوات الدعم السريع في الجنوب الشرقي من البلاد، لكن شدة الأمطار والفيضانات تعني أيضاً مُفاقمة معاناة الفارين من جحيم معارك ولايتي سنار والجزيرة.