أتر

أصوات تحت الحصار (38): من سنار وسنجة

اللوحة من أعمال الفنان Medo Kagonka

سنار، 10 يوليو 2024

من الأول كان في هجوم في جبل مويا، ونحن حلتنا قريبة مِنّه، ومن بداية الاشتباكات أنا قمت سقت ناس بيتنا ودّيتهم حلة شويه أبعد في شرق سنار. يوم السبت بتذكّر فتحت فيسبوك، لقيت صاحبي كاتب بوست وهو ساكن قرية (القويزات)، والقرية دي فيها طريق تهريب ما فيهو حركة كتيرة، بربط بين جبل مويا وسنجة، مروراً بي حلة اسمها محبوبة؛ لقيتو كاتب إنو يا أخوانا في حالة هلع وتوتر؛ رسلت ليهو عشان أفهم الحاصل شنو، قال لي في أكتر من 250 عربية بتاعت دعم سريع ماشة على سنجة، الكلام دا حوالي الساعة 11، وأنا صراحة ما اهتمّيت شديد، قلت يمكن الحاجة الشافها دي متحرك بتاع جيش، وهو ما قِدِرْ يِمَيِّزْ بينهم، بعد ساعة ونص اتصلت على صاحبي في سنجة سألتو، وفعلاً قال لي في عربات داخلة هو ما شافها، لكن سمع كدا، أغلب الناس استنكرت لأنو سنار فيها جيش، ومستغربين الدعامة جوا من وين وكيف، لكن فوراً قررنا إنو بغض النظر عن الحاجة الحتحصل دي نحن لازم نطلع لأنو ما عايزين نتعرّض لانتهاكات.

وطبعاً سنجة ما حصل فيها أي اشتباك من الصباح الساعة 11. الجيش دا انسحب بكل بساطة، مشوا شرق سنار، قطعوا بكوبري ود العيس وقعدوا ورا الكوبري وسنجة في الاتجاه الغربي، وحتى أصوات الرصاص الكُنّا سامعينها كانت احتفالات الدعم السريع بأنهم دخلوا سنجة ما كان في أي مقاومة أو اشتباكات.

نحن قاعدين في حلة قريبة من السوكي وقررنا تاني يوم طوالي نسافر القضارف. يوم الأحد جبنا دفار بتاع واحد خالنا كدا، ونحن أكتر من تسعة أو عشرة أُسَر، ركبنا الدفار دا وصلنا الدندر وهي أول حلة بعد السوكي طوالي، وفيها الكوبري بتقطعوا عشان تمشي الاتجاه الشرقي للدندر، وبعد داك بتبدا حدود ولاية القضارف كان في الآلاف من الناس، نحن ماشين في تمنية مسارات في الطريق والكوبري بشيل عربية واحدة بس للعبور، وهو كوبري قديم شديد بتاع حديد من زمن الإنجليز، وفيهو مسار سكة حديد، وعربيتنا ما قدرت تصل الكوبري بسبب الزحمة الفظيعة دي من 8 صباحاً لحدي 12 بالليل، وبعد داك زي الساعة 1 صباحاً جات عربات الجيش ومشت على القضارف، في اللحظة ديك عرفنا إنو خلاص سنجة دي ما فيها أمل ولازم نكمل مشي، وخايفين إنو الدعامة يجونا في الكوبري، وفعلاً كل همنا كان إنو بس نقطع الكوبري، وحتى لو حصلت حاجة نكون بالجهة التانية، ونركب أي شي تاني يوم. 9 صباحاً الدعم السريع دخل الدندر وجوا لحدي صفوف العربات الفيها مواطنين عايزين يطلعوا من الدندر وبدوا يعزلوا في العربات العايزنها، وفي الأول الدعامة الجوا ديل اختاروا البكاسي، بس أي بوكس واقف شالوهو، ولو في زول اعترض بياخد رصاصة في يدو أو رجلو طوالي.

 نحن جانا واحد منهم نبذنا شديد، وقال إنتو مش بتقولوا علينا جنجويد، نحن حنوريكم يعني شنو جنجويد، في اللحظة ديك أنا انتظرتو يمشي وقلت لناس بيتنا وأمي إنو إنتو أقطعوا الكوبري وأنا بنتظر مع السواق بتاع الدفار، وإذا قدرنا نقطع الكوبري بالعربية خلاص، وإذا ما قدرنا وحصل شي أنا بلحقكم، وفعلاً قدروا يقطعوا، ومشوا بالاتجاه الشرقي، بعد داك جانا واحد من الدعامة سألنا من الدفار، قلنا ليهو الدفار دا سيدو قفلو ومشى، عمّر لينا الكلاش طوالي وختاه في راسنا وقال تطلعوا المفتاح أسي دي، وبعدها طوالي السواق أداهو المفتاح وشالو ومشى ما ساق الدفار، ونحن اضطرينا نكسر الخزنة وعملنا تراب كتير في محل الجاز ونزلنا اللساتك، والوقت داك هو كان بعيد وشايفنا، نحن قايلنو مشى وما مركز معانا، وجانا راجع قال الشنط الجوا الدفار دي كلها تفضوها لي في الأرض، في واحدة من الشنط حقت بت خالتي (شنطة خطوبة) وواضح إنها جديدة، فتح الشنطة دي تحديداً وملاها رصاص كلها بدون أي سبب، وأنا عندي لابتوب شالو ختاهو في الأرض وخت رجلو في النص فصل الشاشة من الكيبورد، وكسرو على نصين وضربني بدبشك السلاح في رجلي وأصبعي اتعوق، والضفر طلع كلو، حالياً لافّي ليها شاش أكتر من أسبوع، ودا كلو متحمّلنو وهمنا كيف نقطع الكوبري لأنو ممكن يجي تاني يقتلنا.

حاولنا نقطع لكن الزحمة ما طبيعية، وناس كمية ضايعة من بعض، ومفقودين بسبب الزحمة والتدافع البحصل. كل الأسر الما لاقنّهم ديل بفقدوا بعض في الكوبري بسبب الزحمة، وجزو بقطع وجزو لا، وفي شفع بضيعوا وحاجة صعبة شديد، الناس لدرجة أنها ماشة في السكة حديد، وفي ناس بتدخل بين فتحات السكة حديد عشان تَعَدّي، والأزمة الكبيرة كانت إنو الناس رجلينها بتدخل جوا الفتحات حقت السكة حديد، وقعدنا وقت كتير بنطلّع في الناس الكبار البقعوا حاجة صعبة شديد كانت.

لمن قطعنا الكوبري لقينا إنو مافي شبكة والكهرباء قاطعة في أي مكان، وأصلاً سنار قبل يومين من الحصل دا كلو كانت برضو قاطعة، والسبب الأساسي من ضياع الناس من بعض هو عدم الكهرباء وعدم الشبكة، دا غير إنو الناس بعد تقطع بتمشي تفتش على المويه، والدندر بقت مدينة أشباح، الناس واقفين فيها وما فضل فيها أي شي، لا مويه لا أكل، الناس بس لقت بلح كانت بتوزعوا لبعض، والبلح ذاته انتهى، ودي أيام مستحيل الزول ينساها.

سنجة، 10 يوليو 2024

أنا كنت في التكينة شرق سنار، بعد داك لمن سمعنا إنو في هجوم على سنار، مشينا سنجة، وبعد أول يومين بس الدعم السريع دخل سنجة، وشفت بعيوني إنو الجيش انسحب بكوبري ود العيس، واتحركنا أنا وناس بيتنا عددنا أربعة أنفار باتجاه الدندر، عشان نقطع الكوبري ونمشي القضارف أو كسلا، المهم بس نصل مكان ما فيهو دعم سريع.

إتحركنا ووصلنا الدندر، بس لحظة وصولنا عرفنا إنو فعلياً الدعامة وصلوا سوق الدندر، ودخلوا كم بيت وضربوا الناس، مشينا باتجاه الكوبري طوالي، وأصلاً قلنا نرتاح حبة ونواصل ونشيل من الدندر أي حاجة بتتأكل لأنو طلعنا من بيتنا مخلوعين وخايفين ما شلنا أي شي معانا يكفينا وبعد وصلنا قريب للكوبري بقينا شايفين الصفوف، والله زي يوم القيامة نسوان وشفع وعجايز، وكل الناس واقفة، وفي ناس قاعدة في الأرض لأنو الكوبري زحمة والشارع ما ماشي أبداً، بطيء شديد، وأنا الولد الوحيد في البيت، واقف مرة أسند أخواتي ومرة أمي ومرة حبوبتي، وبتاع العربية الوصّلنا أصلاً هو طالع وعربيتو فيها ناس بيتو بس، قعدنا كلنا ومتضايقين في الكراسي، قلنا بس لحدي ما نصل بعد الكوبري، لمن وصلنا قدامه لقيت إنو الموضوع دا مستحيل، وأهلي قالوا إنو هم حيمشوا برجلينهم، لأنو صفوف المشاة أحسن من العربات، وقالوا أنا انتظرهم أقعد ومعاي الشنط، واتفقنا إنو أنا وأمي نتلاقى في آخر شجرة على يدها الشمال، وهم مشوا قدامي، وأنا وصلت بعدهم بستة ساعات أو أكتر، مشيت المحل الإتفقنا عليهو ما لقيت أمي ولا ناس بيتنا  وخفت شديد، وما عارف أفكر لأنو ما فاهم ممكن افتشها وين وكيف، وهناك في قريتين واحدة أقصى الشمال اسمها الحويوا وواحدة أقصى اليمين اسمها ود مصري، الفي أقصى الشمال دي بعيدة شوية، وود مصري دي قريبة لكن خطرة جداً والدعامة وصلوها ولافين بالعربات حولها وأصلاً ما كان عندهم عربات، شالوا عربات الناس هايس وحافلات ووصلوا القرى دي، وشالوا عربات الناس، بقوا متحركين بيها، وفي جزو منهم بشيلوا عربات ويرجعوا تاني اتجاه الدندر وسنجة.

أنا قلت أبدا افتش البيوت بيت بيت، لأنو ما عارف ناس بيتنا وين، لأنو الناس فتحت بيوتها للنازحين والقطعوا الكوبري، وفي كلية برضو تابعة لجامعة سنار برضو الناس مشوا قعدوا حولها ودخلوا قعدوا في المباني، وبرضو في مدرسة في نفس الحلة دي، الناس جرت دخلت قعدت فيها، أنا واصلت تفتيش لحدي وقت متأخر شديد بالليل ما لقيتهم، وزي الساعه ٥ عصر كدا جات قوة مشتركة اشتبكت مع الدعامة، والدعم السريع انسحب، وفعلاً الوضع راق شوية، وناس القوات المشتركة ديل قالوا أي زول عندو عربية واقفة يدخل يشيلها ويطلع وبرضو، لو عايز تشيل ممتلكاتك من جنب الكوبري أو أي مكان ممكن، وحاولت أمشي وأرجع للشنط والحاجات الفي الكوبري، مع أنو الدعامة قطعوا كل الأوراق وشرطوا للناس حاجاتهم، فقلت أحاول أمشي، لكن لاقاني كم زول جاي قال إنو الوضع كعب وأحسن تواصل مشيك وما ترجع.

واصلت أفتش في ناس بيتنا، وقلت أمشي الحلة التانية الفي أقصى الشمال، وهي بعيدة شديد يمكن مسافة عشرة كيلومتر مشيتها، ووصلت في كرجاكة بتاعت مويه، وقفت بس أشرب وفجأة شفت بت من الكانوا معانا وركبنا في عربيتهم والله وقتها بكيت طوالي، وسألتها إنو أهلي وين وصفت لي، وقالت لي أنا جيت أشيل ليهم مويه، ملينا باغة مويه كبيرة واتحركنا عليهم والجركانة للأسف كملت كلها بسبب الناس في الشارع، بيلاقيك زول يقول ليك ولدي حيموت بالعطش أو عندي زول كبير مغمى عليهو، وفي ناس قالوا لينا عندنا دوا مفروض ناخدوا وطبعاً مافي طريقة إلا تدي الناس معاك وكملت والله كلها، لدرجة رجعنا تاني مليناها ودسيناها عديل المرة التانية، عشان نقدر نوصلها لناس بيتنا، والحمد لله وصلت لقيت ناس بيتنا، لكن بقينا في مصيبة تانية إنو الناس المعانا ديل عندهم شفع رايحين ومافي زول قادر يلقاهم، وواحد من أهم المشاهد الحصلت إنو الناس بالليل بتقعد تنادي في أسماء الناس الرايحة وأسامي بعض، يعني بتلقى زول مثلاً بقول “يا فلان يا فلان”، لأنو ما ممكن تلقى الزول إلا كدا، زحمة وناس كتيرة وناس راقدة في الأرض لأنو مافي مواصلات تودينا القضارف، وإذا في حتكون غالية، وأغلب الناس ما عندهم قروش يا إما طلعوا من دونها أو شالوها الدعامة.

قعدنا هناك يومين في نفس الحال دا، لحدي ما لقينا الشفع الضايعين، والناس لقت أهلها الرايحين كلهم، بعد داك اتقسمنا الشفع، ومعاهم الكبار مشوا القضارف طوالي، وإتحركنا نحن الشباب على الحواتة برجلينّا ودي مسافة ما أقل أربعين كيلو، ومافي مويه، الطريق دا كلو بنشرب مويه المطرة البتكون في الأرض قاعدة في مسار العربات، شربنا منها ووصلنا الحواتة، بعد سبعة ساعات مشي بعد داك من الحواتة لقينا مواصلات للقضارف ركبناها ووصلنا الحمد لله.

Scroll to Top