أتر

العلاقات السودانية التشادية وتأثير الولاء القبلي في الحرب

مع مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل 2023، تفاقمت أوضاع الملايين من السودانيين في مخيمات اللجوء والنزوح والتشرد، في وقت تتخوف فيه عددٌ من المؤسسات الدولية، ومن بينها الأمم المتحدة من حدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب استمرار الحرب.

وفي وضع جيوسياسي لدولة مترامية الحدود، كان لزاماً لاتساع دائرة الحرب لهذه المدة، أن يُسهم في إحداث ردود فعل واسعة النطاق في الدول المجاورة للسودان.

ومن بين تلك الدول كانت تشاد، التي تستضيف في أراضيها أكثر من مليون لاجئ، موزعين في ستة مخيمات على طول الحدود والداخل. وقد شهدت علاقات البلدين صعوداً وهبوطاً طوال تاريخهما المشترك، عزَّز من ذلك الهجرات المشتركة وموجات الجفاف التي ضربت الساحل منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

نوتة

وفي لحظة من صفاء العلاقات الدبلومسية، قررت حكومتا البلدين تأسيس القوات المشتركة السودانية التشادية، وهي وحدات عسكرية جرى إنشاؤها بموجب البروتوكول الأمني والعسكري المُوقّع بين تشاد والسودان، في منتصف يناير 2010، قوامها 3000 جندي و360 شرطياً، مناصفة بين الدولتين. يعمل أفراد هذه القوات جنباً إلى جنب على طرفي الحدود بين السودان وتشاد، ويبلغ طولها 1350 كلم، وبمعدات تسمح بالتحرك والمراقبة براً وجواً وعلى مدار الساعة. قيادة هذه القوات، وفقاً للبروتوكول، تكون بالتناوب، ستة أشهر لكل دولة. جاء تكوين هذه القوات تتويجاً لاتفاقيات ومحاولات صلح بين الدولتين إثر توتر وقطع العلاقات بينهما، بعد تعرّض عواصم البلدين لهجوم مسلح في مطلع ومنتصف 2010. قبل أشهر من اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع، كان البرهان قد زار إنجمينا، وبحث مع رئيسها «الحاجة المُلحّة لتعزيز القدرة التشغيلية للقوات المشتركة التشادية والسودانية، لمواجهة التحديات الأمنية التي تتكرَّر أكثر فأكثر في المنطقة الحدودية بين البلدين، كما ناقشت الزيارة زيادة أعداد قوات الدعم السريع في المناطق الحدودية». واتفق الطرفان على نشر قوات سودانية تشادية على طول الحدود المشتركة بولاية غرب دارفور. ووفقاً للبروتوكول، فإن مهام القوات هي بسط الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية وإعادة الحركة عبر الحدود إلى طبيعتها.

ورغم العلاقات المُتجذّرة والتداخل الثقافي والعمق التاريخي والاجتماعي بين البلدين، وأواصر التصاهر والقبائل المشتركة، دخل البلدان في أزمة دبلوماسية حادة وصلت إلى مرحلة تبادل الاتهامات وطرد بعض أفراد البعثات الدبلوماسية غير المرغوب فيهم، وذلك على خلفية اتهام الخرطوم لأنجمينا بفتح أراضيها ومطاراتها لاستقبال الإمداد العسكري المُقدّم لقوات الدعم السريع من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، بجانب فتح مستشفيات لعلاج المصابين من عناصرها، بينما نفت تشاد تلك التهم.

وذكر تقرير لنيويورك تايمز الأمريكية المنشور في سبتمبر 2023، أن دولة الإمارات تدير تحت غطاء مساعدة اللاجئين السودانيين، عمليةً سريةً لدعم قوات الدعم السريع بأسلحة من ضمنها طائرات دون طيار، كما تعمل على علاج المقاتلين المصابين، ونقل الحالات الأكثر خطورة جوّاً إلى أحد مستشفياتها العسكرية.

وبحسب التقرير، فإن صور الأقمار الصناعية قد كشفت عن وجود مركز عمليات الدعم في مطار ومستشفى، يقعان في بلدة أم جرس التشادية على بعد حوالي 30 ميلاً من الحدود مع السودانية، حيث تهبط طائرات إماراتية.

وزير خارجية تشاد محمد صالح النضيف، نفى في لقاء مع قناة «الجزيرة مباشر» تلك التهم، قائلاً إن تشاد أكثر الدول تأثراً بالحرب في السودان، والشعب التشادي يشعر، بمرارة، بمأساة اللاجئين والمشردين والنازحين السودانيين.

وأضاف النضيف، أن الوضع في السودان مؤلم، واصفاً اتهامات اصطفاف بلاده مع الدعم السريع بغير الواقعية، لكون تشاد أول دولة سعت إلى تقريب وجهات النظر بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه وقتها الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، قائلاً: «قدمنا لهما دعوة لزيارة أنجمينا قبل اندلاع الاشتباكات»، ولفت إلى أن الطرفين وافَقَا على الوساطة التشادية، لكن الحرب بدأت قبل انخراط الطرفين في المفاوضات. وقال النضيف إن جميع الاتهامات ضد حكومة بلاده راجت في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تُقدِّم لهم الحكومة السودانية أي اتهامات رسمية عبر الطرق الدبلوماسية المعروفة، الأمر الذي رد عليه وزير الخارجية السودانية، مؤكداً «أن الدعم التشادي للدعم السريع أوضح من شمس النهار، ويشمل تخصيص مطارَي أم جرس وأبشي لاستقبال الرحلات الجوية التي تنقل الأسلحة والعتاد العسكري».

ويربط بين السودان وتشاد شريط حدودي طوله أكثر من 1350 كلم وتعيش حوله 30 قبيلة مشتركة. ويشترك وزير الخارجية التشادي محمد صالح النضيف، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، في انتمائهما إلى قبيلة الرزيقات «عشيرة الماهرية».

وتحدَّث النضيف عن تورط السودان في دعم الحركات المعارضة التشادية، مؤكداً أن لديهم الدلائل على تورط السودان في دعم المعارضة التشادية، ومحاولات نقل الحرب إلى تشاد.

وفي ديسمبر من العام 2023م، أخبرت الخارجية التشادية نظيرتها السودانية بإبعاد أربعة دبلوماسيين سودانيين من أراضيها خلال 72 ساعة، في وقت اتخذت فيه الخرطوم ذات الإجراء في مواجهة إنجمينا.

وتواجه السلطات السودانية، اتهامات بفتح معسكرات للمعارضة التشادية داخل أراضيها، في مدينة الدبة بالولاية الشمالية، وبرئاسة عثمان دليو شقيق المعارض التشادي يحيى دليو، الذي قُتل في اشتباكات داخل مدينة أنجمينا الشهر الماضي.

وقالت مصادر أمنية متحدثة لـ «أتَـر»، إن السلطات السودانية وافقت على مقترح حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بفتح معسكرات للمعارضة التشادية تحت غطاء الحركات المسلحة. وأشارت المصادر إلى أن ضباطاً من الجيش السوداني وحاكم إقليم دارفور، انخرطوا في اجتماعات مكثفة، وتوافقوا على اختيار عثمان دليو قائداً لها.

وظهر عثمان دليو في مقطع فيديو وسط عناصر من حركة تحرير السودان جناح مناوي، عقب مقتل شقيقه، وهدَّدَ بالثأر. وذكرت المصادر أن عثمان دليو قد انخرط في تحالف عسكري مع  رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.

لكن وزير المالية السوداني دكتور جبريل ابراهيم، ورئيس حركة العدل والمساواة، استهجن تلك الأنباء، وقال في نهاية مارس الماضي، إن الحديث المنشور عن فتح معسكرات للمعارضة التشادية في مدينة الدبة بالولاية الشمالية محض تلفيق أُريد به دفع الحكومة التشادية للدخول المباشر إلى جانب قوات الدعم السريع. وأكد جبريل أن الحكومة السودانية، لم تُفكّر في أمر من هذا القبيل، «ولو أرادت ذلك لفعّلت وسائل بعيدة عن الأسماء المحشورة في التلفيق عن عمد».

وتصاعدت التوترات بين البلدين في أعقاب اتهامات أطلقها مساعد القائد العام للجيش السوداني وعضو مجلس السيادة ياسر العطا نوفمبر المنصرم، اتهم فيها تشاد بفتح مطاراتها لنقل دعم إماراتي بالسلاح والذخيرة لصالح قوات الدعم السريع.

وقد أكدت تقارير عديدة اتهامات الجيش للإمارات بدعم قوات الدعم السريع عبر الأراضي التشادية، من ضمنها تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن السودان, إذ قال التقرير إن الإمارات بانخراطها في عمليات نقل الأسلحة إلى إقليم دارفور، قد انتهكت حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، في عام 2004.

من جانبها، طالبت تشاد الحكومة السودانية بالاعتذار عن التصريحات التي أطلقها ياسر العطا وإلا ستتخذ الإجراء المناسب، لكن وزير الخارجية السوداني علي الصادق شدد وقتها على رفض تقديم أي اعتذار، وقال إنهم سلموا تشاد ما يُثبت صحة تلك التصريحات.

رغم الجهود المضنية التي تقوم بها بعض الجهات من أجل التهدئة بين البلدين، إلا أن خروج بعض الحركات المسلحة في السودان، مثل حركة العدل والمساواة التي يقودها الدكتور جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي عن موقفها المحايد المُعلن عند بدء الحرب، وانحيازها للجيش، زاد من تدهور العلاقة بين البلدين أكثر، وتبودلت الاتهامات على أعلى مستوى من قادة البلدين.

وينحدر قادة الحركات المسلحة المساندة للجيش «جبريل، ومناوي» من قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي.

وتشهد العلاقة بين جبريل ومناوي والرئيس التشادي رغم ما يجمع بينهما من صلات قبيلية توتراً كبيراً، بسبب ما يُقال عن وجود تسهيلات لوجستية تقدمها تشاد لقوات الدعم السريع.

لكن الشريط الحدودي الطويل بين البلدين يُصعِّبُ من عملية مراقبة التحركات العسكرية بين البلدين كما يلفت أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور مصطفى الجميل، في حديثه لـ «أتَـر»، مؤكداً تأثر البلدين سلباً أو إيجاباً بأي صراع مسلح أو تغيير سياسي في أيهما، ومذكراً بالأدوار التي مارسها السودان، في تغيير أنظمة الحكم في تشاد لا سيما، في حقبتي حسين حبري وإدريس دبي، إذ تتوجه أصابع الاتهام لأنظمة الحكم بالسودان في دعم عشرات الحركات المعارضة للحكم في تشاد.

ويعزو الصحفي والمحلل السياسي التشادي أبوبكر محمد عبد السلام، الاتهامات بين البلدين، إلى ما وصفه بسوء التفاهم، بسبب الخطابات المُعرقِلة لمسار الدبلوماسية، معتبراً أن تشاد اتخذت موقف الحياد بين الطرفين المتحاربين، وسَعَت لأن تكون وسيطاً بينهما، لكن بسبب  الخطابات الأخيرة من حكومة السودان وقادة الجيش، ورفع سقف الاتهامات ردت الحكومة التشادية ودحضت التهم.

Scroll to Top