أتر

دفتر أحوال السودان(42): من معسكر زمزم وأبوشوك وأمدرمان والأبيض

معسكر زمزم: مجاعة رغم الإنكار الحكومي

يعيش معسكر زمزم للنازحين الذي يبعد حوالي 15 كيلومتراً جنوب غرب الفاشر، ويأوي أكثر من 500 ألف نسمة، أوضاعاً إنسانية مأساوية، بسبب نقص الغذاء الحاد، إضافة إلى نقص مياه الشرب والخدمات الصحية، مع شحٍّ في المعونات الإنسانية. 

وتُـقدّم بعض المنظمات والمبادرات المحلية المعينات الغذائية للنازحين، ولكنها لا تكفي، وهي  أقل من 1% من الاحتياجات الإنسانية، بحسب أحد موظفي المنظمات العاملة بالمعسكر، ويُرجع ذلك إلى ضعف تدفق المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية 

يقول «س»، أحد أعضاء غرفة طوارئ معسكر زمزم، متحدثاً لـ «أتر»، إنهم يتلقون أحياناً مساعدات من المغتربين وبعض المنظمات الدولية، ولكنها تكفي فقط لأيام معدودة فقط، ولا تتجاوز تغطية احتياجات 100 أسرة، يجري اختيارها وفقاً للأكثر حاجة.  

زهراء إحدى النازحات بمعسكر زمزم منذ العام 2003، تقول إنهنّ يعيشن أسوأ أيامهنّ في المعسكر، وتحدثت لـ«أتر»، عن وجود حالات وفيات متزايدة بسبب الجوع في المعسكر، خاصة وسط كبار السن والأطفال. وكانت منظمة أطباء بلا حدود، قد ذكرت في مطلع فبراير الماضي، أن هناك حالة وفاة طفل كل ساعتين بسبب أمراض سوء التغذية في المعسكر.  

 ويُعد «زمزم» من أقدم المعسكرات التي أنشئت في شمال دارفور، بعد اندلاع الحرب الأهلية في دارفور بدايات 2003م، ومنذ ذلك الوقت ظل يتدفق النازحون إلى المعسكر في فترات مختلفة، ومن مناطق عدة في دارفور وخاصة شمالها. 

عقب اندلاع حرب 15 أبريل 2023، لاذ إلى المعسكر نازحون من مدينة نيالا، وشهد تدفقاً كبيراً للنازحين من داخل مدينة الفاشر عقب اندلاع الاشتباكات فيها. وبحسب «م.ع» الناشطة في العمل الطوعي بالمعسكر، فإن زيادة عدد النازحين بعد الحرب ضاعفت من معاناة قاطني المعسكر على نحو بالغ، وخاصة نقص الغذاء والمياه والمراكز الصحية، ولفتت إلى أن حاجة النازحين الجدد هي الأكبر، وبالتالي فمعظم المساعدات الإنسانية على الرغم من قلتها، تذهب إليهم نسبة لأوضاعهم الكارثية 

متحدثة إلى «أتر» تقول خديجة، وهي نازحة تعيش في المعسكر منذ العام 2003، إنها فقدت الأمل في أن تتوفر المساعدات سواء من المنظمات أو الجهات الحكومية، ولكنها لا تتمكن من شراء المواد الغذائية حتى بمالها الخاص، لأن التجار لا يفضلون الاستلام بتطبيق بنكك، وهناك من يبدلون الأموال إلى ورقية لكن بعمولة تتجاوز الـ20% من جملة المبالغ، وإذا قبلت بذلك فلن يتبقى لها ما تستطيع أن تشتري به احتياجات المنزل نسبة لغلاء الأسعار، وندرتها الحادة، فالدخن – الغذاء الأساسي بدارفور – قد بات معدوماً في الوقت الحالي.  

تعرض المعسكر لسيول منذ بداية الشهر الحالي، مما ضاعف من معاناة النازحين. وبحسب نشرة لغرفة الطوارئ في معسكر زمزم في صفحتها على فيسبوك، فقد تأثر أكثر من 1.005 منازل بالمعسكر، معظمها تأثراً كلياً. 

إحدى النازحات من الفاشر إلى زمزم، وتدعى زاهية، تعيش الآن مع أسرتها في العراء، لأن راكوبتها المشيدة من الثياب والكراتين، قد تعرضت للدمار بسبب الأمطار والسيول.  

تقول زاهية: «حاولنا اللجوء إلى المدارس داخل المعسكر، ولكنها مكتظة للغاية بالنازحين، ولا نمتلك المال الكافي للنزوح إلى المحليات الأخرى مثل طويلة أو دار السلام في الوقت الحالي، وفي حال تيسر لنا ذلك، فإننا سننزح مرة أخرى بحثاً عن الأمن والمأوى». 

نزحت زاهية مرتين منذ مايو الماضي، مرة من منزلها في الفاشر شمال إلى الفاشر جنوب، والمرة الثانية إلى معسكر زمزم، بعد أن اشتد التدوين العشوائي على الأحياء السكنية، وتقول متحدثة إلى «أتر»، إنهم يعانون من قلة المراحيض، ورغم أن المبادرات الشبابية شيّدت أربعة مراحيض، لكنها غير كافية نسبة لعدد النازحين الكبير، خاصة مع انعدام المياه الكافية لنظافتها. ويتخوف النازحون بمعسكر زمزم، من انتشار الأمراض إذا استمر الحال على ما هو عليه، خاصة مع انتشار الذباب والمياه الراكدة. 

يوجد عدد من المراكز الصحية بالمعسكر، وتُدار عبر المنظمات، مثل منظمة ريليف (تدير ستة مراكز)، وأطباء بلا حدود (تدير مركزين ومعظم تلك المراكز تعمل على تقديم الخدمات الصحية الأولية، إضافة إلى الرعاية الصحية للأطفال المعرضين لأمراض سوء التغذية 

لكن بالنظر إلى الكثافة السكانية والخدمات المتوفرة في تلك المراكز، فإن الأوضاع الصحية في المعسكر وصلت إلى أسوأ حالاتها. تقول إحدى النازحات وتدعى سامية، إنها ذهبت إلى أحد المراكز، ولم تستطع مقابلة الطبيب بسبب العدد الهائل للنازحين المنتظرين في المركز، فاضطرت للحضور في اليوم التالي منذ الخامسة صباحاً، لتتمكن أخيراً من مقابلة الطبيب بعد الساعة الثانية ظهراً 

وتقول حواء وهي نازحة أخرى، إنها في وقت سابق اكتفت بتقديم العلاج البلدي لأطفالها المصابين بالالتهابات، لصعوبة الحصول الخدمة في المراكز الصحية، وتضيف في حديثها لـ «أتر»، أن السبب الرئيس في تدافع النازحين إلى المراكز الصحية يكمن في حالات سوء التغذية، فمعظم الأسر في المعسكر لا تكاد تحصل على وجبة واحدة في اليوم. وبحسب «م.ع» إحدى المتطوعات، فإن الشائع الآن بين الأسر في المعسكر، إعداد بليلة العدسية أو المكرونة دون إضافة أيٍّ من المكونات الأخرى، لأنها متوفرة إلى حد ما، والأقل سعر لكثير من الناس 

وعلى الرغم من هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها المعسكر نفت مفوضية العون الإنساني التابعة لولاية شمال دارفور، أن تكون هناك مجاعة في المعسكر، وقالت إن المنظمات التي أعلنت ذلك دافعها سياسي وهو التدخل في شؤون الولاية عبر ادعاءات العمل الإنساني.  

وذكرت «م.ع» أنهم لم يقابلوا أي مسؤول حكومي منذ بداية الحرب، واستغربت من إنكار الحكومة لإعلان المجاعة، وأضافت: «لم تبذل الجهات الرسمية أي مجهود على أرض الواقع لتخفيف معاناة النازحين، وكأنهم لم يكونوا مواطنين في الولاية». 

واعتبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، أن إعلان المجاعة بمخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، وتفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي في 13 منطقة أخرى «مؤشران على أزمة إنسانية واسعة النطاق تهدد حياة ملايين الأطفال». 

معسكر أبو شوك: قصف وسيول وتعذر لسبل الحياة

استهدف قصف مدفعي يوم الاثنين الماضي (12 أغسطس)، معسكر أبو شوك للنازحين بولاية شمال دارفور، ولم يكن الأول من نوعه منذ اشتداد المعارك بالولاية، فإضافة إلى القصف المتواصل والضائقة المعيشية التي يعانيها النازحون، أتى خريف هذا العام بسيول وأمطار راكمت المصاب. فمع تهدم البيوت وتقلص المساحات الزراعية، تتزايد الأمراض وتتعذر الحياة. 

عادة ما تتجمع مياه الأمطار ببركة بالجوار من المعسكر، وتقع قريباً من شمال سوق نيفاشا، وتمتد من بلك 3 إلى بلك 6، ويصب في البركة وادٍ، حيث تتجه المياه مندفعة من بلك 26 وبلك 28 نحو البيوت، وليس لها مجرى أو مضيق، ولا توجد مصارف على الوادي حتى السوق، مما يشكل تهديداً للنازحين لأنه المصرف الوحيد لخروج المياه من داخل المعسكر. ونتيجة لذلك تهدم ما يقارب 350 منزلاً بحسب غرفة طوارئ المعسكر، وكثرت البيوت التي دخلتها المياه، بسبب التخلخل الذي أحدثته اهتزازات التدوين والقصف، ومعظمها تعاني من هشاشة البناء، ونسبة لخروج عدد كبير من قاطني المعسكر، بسبب حدة المعارك، تعذر فتح المجاري والمصارف، حتى بالجهد الذاتي للسكان. 

والحال كذلك، لم تُقدّم أي مساعدات للنازحين من قبل حكومة الولاية أو المنظمات، لدرء كارثة السيول والمياه الراكدة، رغم مناشدات غرفة طوارئ المعسكر، فعمل شباب متطوعون من عضويتها، بآلات تقليدية على فتح بعض المجاري بغرض التصريف، وهي مع ذلك ليست كافية، إذ يتطلب الوضع آليات ومعدات حديثة. 

 معظم البيوت التي لم تتهدّم حتى الآن آيلة للسقوط، وتتسرب المياه من أسقفها، ولا يستطيع من يسكنونها إصلاحها خوفاً من التدوين والقنص. 

ومع اشتداد فصل الخريف، وتردي الحالة الأمنية بالولاية، توقفت الزراعة، خاصة بالاتجاهات الشمالية والشرقية، وهي مناطق تماس بين الأطراف المتقاتلة. 

يعاني النازحون بالمعسكر من فقدان الرعاية الصحية، ويوجد مركز صحي بغرفة طوارئ المعسكر، وكان سابقاً مركز التأمين الصحي، ومعظم المراكز والعيادات، إضافة إلى مركز التغذية العلاجية الوحيد للأطفال، أغلقت أبوابها بسبب القصف والتدوين المتواصل، وتبقت فقط عيادتان خاصتان، وسط صعوبة بالغة في الحصول على الأدوية للمرضى خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة. ولم يتلقَّ سكان المعسكر أي دعم من أي جهة سواء حكومية أو منظمات باستثناء منظمة Relife International التي تقدم أدوية الطوارئ فقط. 

يوجد بالمعسكر سوق صغير «أم سويقو»، إضافة إلى سوق نيفاشا الذي يعمل بشكل جزئي، بسبب القصف والمعارك، والأسعار مرتفعة جداً وليست في متناول النازحين، الذين ليس لديهم مصدر دخل ولا عمل. ويجد التجار صعوبة في إدخال البضائع، التي كانت ترد سابقاً من مناطق مليط وكورما والضعين. ومع إغلاق الطريق بسبب الحصار توقفت البضائع، ولجأ بعض التجار لطرق بديلة، شاقة وطويلة، لا تخلو من مخاطر باتجاهات كبكابية وطويلة وصولاً إلى الفاشر، وهو ما يسهم في زيادة أسعار المواد الغذائية. 

الصنف السعر بالجنيه السوداني
كورة العيش 4000
لتر الزيت 3000
كيلو الدقيق 3500
رطل السكر 2400
كيلو اللحم 8000
جوال البصل 80000
صابونة الغسيل 1200
جالون الوقود 50000

أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بمعسكر أبو شوك

أم درمان: إصابات بالملاريا والكوليرا وتردٍّ بيئي بسبب المياه الراكدة

لا أحد التفت لآثار الأمطار التي استمرت في الهطول لحوالي أسبوع بأم درمان، وتراوحت بين الخفيفة والغزيرة، بعدما أحدثته الحرب من دمار في  المدينة التي تحولت أحياء عريقة فيها إلى ركام، إلا أن التوقعات تشير إلى أن أمراضاً ناتجة عن تردي البيئة، قد تصيب السكان على قلتهم، إذا لم تتحرك السلطات نحو معالجة آثار الخريف. 

وخلال 10 أيام، استقبلت عيادة بالحارة 14 القريبة من سوق الشنقيطي 29 حالة إصابة بالملاريا. ويقول طبيب عمومي فضل حجب اسمه لدواع أمنية، متحدثاً لـ «أتر»، إن الإصابات في ازدياد مطرد بسبب ظهور البعوض والنواقل، وقد حدثت حالات وفاة بين المصابين. 

ويخبر الطبيب أن طفلاً في الحادية عشرة من عمره يدعى عبد الرحمن إبراهيم من الحارة 23 توفي نتيجة للإصابة بالملاريا. 

وظهرت حالات إصابة بالكوليرا في عدة مناطق بأم درمان. وبحسب لجنة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية فإن حالات الإصابة بالكوليرا بلغت 268 حالة بينها 17 حالة وفاة، بكل من ولايات كسلا، والجزيرة، والخرطوم. وأفاد مصدر طبي بمستشفى النو، لمراسل «أتر»، بأن المستشفى استقبل تسع إصابات يرجح أنها حالات كوليرا. 

وقالت لجنة الطوارئ الاتحادية في تقرير يوم الثلاثاء، إن إدارة صحة البيئة والرقابة على الأغذية الاتحادية  تحصر حالياً مخزون الكلور لتوزيعه على عدد من الولايات منعاً لحدوث حالات كوليرا جديدة. 

ويقول ملاحظ صحة بمحلية كرري، متحدثاً لمراسل «أتر»، إن تراكم الأوساخ وعدم تصريف المياه وإغلاق مصارف مياه الأمطار والسيول والمجاري، يُتوقّع أن يُحدث آثاراً مدمرة على المواطنين في غياب عمل السلطات على مكافحة الذباب والبعوض والحشرات المختلفة. 

 لكن الدكتور سر الختم فضل المولى، رئيس اللجنة العليا لطوارئ الخريف بولاية الخرطوم، قال لـ «أتـــر»، إن لجنة الطوارئ التي تضم عدة جهات تنفيذية ونظامية، عملت خلال الأشهر الثلاثة الماضية على تطهير مصارف مياه الأمطار وفتح المجاري وردم البرك والمستنقعات وإزالة الأنقاض. وأشار سر الختم إلى أنه جرى تطهير ما يزيد عن 200 كيلومتر من المصارف والمجاري، في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الجيش بمحليتي كرري وأم درمان. 

ويقول سر الختم، إن لجنة طوارئ الخريف واجهتها مشكلة وجود ألغام ومتفجرات وذخائر غير منفجرة في عدد من المصارف والمناطق المفتوحة، لكنها استعانت على ذلك بلجنة مكافحة الألغام. 

 وبالمقابل، يقول الطاهر النور، الذي ما زال يسكن في الحارة 17 بأمبدة، التي يسيطر عليها الدعم السريع، إن الأمطار أحدثت أضراراً بالغة بالمنازل في تلك المناطق. وأشار الطاهر إلى أنه بسبب كثرة الأنقاض وإغلاق المصارف، أغرقت مياه الأمطار مساحات واسعة من الأحياء، ودمرت كثيراً من منازل المواطنين الخالية من السكان. 

وتشير مصادر طبية بأم درمان، إلى زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالتايفويد وأمراض الأمعاء والإسهالات المائية. وأرجعت المصادر ذلك إلى التردي البيئي في الأسواق والأحياء. 

وتقول مصادر طبية، إن أدوية طوارئ الملاريا والتايفويد والإسهالات لا تتوفر في المستشفيات وصيدليات الطوارئ، بل تُباع في السوق السوداء، إذ تتراوح جرعة حقن الملاريا بين 25 ألفاً و35 ألف جنيه، بجانب عدم توفر الناموسيات. 

وتسببت التروس التي أقامها السكان في مداخل الأحياء بداية الحرب تحوطاً من دخول مركبات الدعم السريع واللصوص، في ركود مياه الأمطار، مما يزيد من توالد البعوض. 

وقال مصدر بلجنة الطوارئ بولاية الخرطوم، إن اللجنة لا تملك إمكانيات لحصر وتقييم خسائر الأمطار والسيول في المنازل والممتلكات بمناطق سيطرة السلطات الحكومية. 

الأبيض: وقتلى وإصابات بين النساء وتلاميذ المدارس نتيجة القصف

بعد حالة هدوء لما يزيد عن الشهر، وجد سكان مدينة الأبيض المحاصرة أنفسهم في دوامة الحرب المستعرة للعام الثاني بين الجيش والدعم السريع مجدداً، فقد جرى تدوين المدينة بعدد من قذائف الكاتيوشا، يوم الأربعاء الماضي، ولا أحد استطاع تحديد مكان انطلاقها على وجه الدقة، لكن جرى التأكد من ضحاياها، وهم 8 قتلى وما يزيد عن 50 إصابة متفرقة بين النساء والأطفال وتلاميذ وتلميذات المدارس، بحسب مصادر حكومية تحدثت لـ «أتر». 

ورغم سيطرة الدعم السريع على أطراف المدينة، وإحكامها الحصار على مداخلها، كانت قد دبّت الحياة في الشوارع والأسواق والمؤسسات الحكومية، وفتحت المدارس أبوابها لعودة جزء من تلاميذ المرحلة الابتدائية إلى مقاعد الدراسة، كما يقول ضابط إداري من مدينة الأبيض لـ «أتـــر». ويؤكد الضابط الذي فضل حجب اسمه لدواعٍ أمنية، إن الناس توقعوا تراجع الدعم السريع عن المناطق القريبة من أطراف المدينة، بعد إعلان فتح المدارس وتوقف إطلاق القذائف لأكثر من شهر، ولذا نشطت الحركة وشرع بعضهم في ممارسة أنشطة زراعية محدودة بعد حصولهم على التقاوي من بعض المؤسسات الزراعية، ولذلك كانت الخسائر الأكبر في الأرواح والإصابات بسبب الطمأنينة التي سادت المدينة. 

وبحسب مصادر أمنية، فإن بعض القذائف سقطت على مدرسة للبنات، كانت مكتظة بالتلميذات، مما أدى لمقتل عددٍ منهن، وكذلك تأثرت بعض المؤسسات الحكومية، منها وزارة التخطيط العمراني التي قُتل بعض موظفيها. 

وكانت قوات الدعم السريع قبل تراجعها إلى خارج المدينة، قد سيطرت على الأجزاء الغربية من مدينة الأبيض ومنها مربع 13 الذي ما زال خالياً من السكان، مما جعل عناصره تتسلل عبر الدراجات النارية والمركبات المدنية الصغيرة إلى تلك الأحياء، تحت جنح الليل، ومنها تُطلق القذائف نحو وسط المدينة والمرافق الحكومية وقيادة الجيش بين الحين والآخر. 

ويتوقع عدد من المواطنين تحدثوا لـ «أتـــر»، أن يكون التدوين، الذي فوجئت به الأجهزة الأمنية وحكومة الولاية، قد قُصد التأكيد على استمرار الحصار على مداخل المدينة التي بات سكانها يحصلون على المواد الغذائية بشق الأنفس.  

ولكن مصادر أمنية قالت، إن القذائف المدفعية التي باغتت المدينة وأحدثت الخسائر، هي محاولة لإرباك تقدم الجيش نحو ارتكازات الدعم السريع في الجهة الشرقية. ودللت المصادر الأمنية على ذلك بالسرعة التي أوقفت بها القوة تقدمها نحو شرق المدينة واتجاهها نحو مصدر القذائف التي أطلقت منها. 

وتسبب القصف في حالة شلل كبير للمدينة، وأعاد السكان لحالة الترقب والرعب التي كانت سائدة منذ بداية الحرب حتى مارس الماضي. 

وتوقع ثلاثة تجار بسوق الأبيض حدوث ندرة في المواد الغذائية وزيادة في الأسعار إذا تكرر القصف. وقال التجار الذين فضلوا عدم التعريف بهم لدواعٍ أمنية، إن السلع المعروضة في السوق لا تفي بحاجة المواطنين وإن زيادات مطردة في الأسعار تحدث باستمرار وإنها -أي المواد الغذائية- يمكن أن تنفد لو تجددت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع على أطراف المدينة. 

وأفاد التجار بأن السلع تدخل في الوقت الراهن إلى المدينة بعد دفع جبايات باهظة للدعم السريع في عدة ارتكازات على المداخل، ولم يستبعدوا حرمانهم من تخطي الارتكازات إن ارتفعت وتيرة الصراع بين الطرفين. 

ودرج أفراد الدعم السريع على تحصيل رسوم باهظة من الناقلات والمركبات العامة التي تعبر مناطق سيطرتهم مقابل السماح لها بالعبور وتوفير حماية غير مكتملة في بعض الأوقات من عمليات النهب التي تجرى غالباً على أيدي أفراد من قوات الدعم السريع، أو العصابات المتواطئة معها. 

Scroll to Top