في تظاهرة فنية فريدة شهدتها العاصمة الكينية نيروبي خلال المدة من 31 يوليو إلى 23 أغسطس الجاري، قدّم 21 فناناً وفنانة سودانية أعمالهم في معرض فني نظمه برنامج الإقامة الفنية «The Rest Residency» واستضافه أحد أكثر المراكز نشاطاً وتأثيراً على نطاق شرق أفريقيا: قاليري سيركل الفني «Circle Art Gallery». ويمثل المعرض محاولة لإعادة لمِّ شمل الفنانين السودانيين الذين فرّقتهم نيران الحرب وأضحوا مشردين بين البلاد، لذلك جاء عنوانه دالاً: «الإعادة RES(E)T»، وجمع بين أعمال بصرية متنوعة لفنانين وفنانات من خلفيات متعددة في صالة واحدة؛ فوتوغرافيا وتشكيل وقرافيتي ونسيج وحتى السينما.
رحيم شدّاد وهو قيم فني، ومدير برنامج الإقامة الفنية. يقول لـ «أتَـر»: «لقد دمّرت الحرب كل شيء، ولم يعد هنالك أرشيف خاص بنا سوى في الذاكرة الجمعية، حملْنا ذلك وتفرقنا بين بلاد الناس مثل ما حملْنا السودان معنا إلى هنا، حيث حاولنا إعادة أرشفة كل شيء من مفقوداتنا من جديد، بطرقٍ وأساليب فنية متنوعة ومختلفة. فقد العديد من الفنانين أعمالهم وديارهم. عن نفسي فقدت معرضي الخاص الذي كان يحوي قرابة 580 عملاً فنياً. ويمثل هذا المعرض إنتاجاً فنياً للأرشيف السوداني المفقود».
يعبر عنوان المعرض عن فكرته بإعادة تشغيل الفنانات والفنانين، بعد توقفٍ قسريٍّ فرضته ظروف الحرب. وهو خاتمة لإقامة فنية ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بدأت منذ أكتوبر 2023، وتفرعت في عدة مناحٍ: ورش عمل وجلسات ونقاشات حول معنى الأرشيف، ومنحت الفنانين والفاعلين الثقافيين فرصة أخرى للعمل على إنتاج وإعادة إنتاج مشروعاتهم الخاصة القديمة والحديثة منها.
في مشروع «جلسات التعافي»، شاركت الفنانة أماني أزهري بمجموعة لوحات تحكي عن النساء اللائي تعرضن لجميع أنواع العنف قبل الحرب وأثناءها. وتسعى في البحث عن مساحات آمنة للتعافي، لتصور البيوت بوصفها مساحات تجتمع فيها النساء ويناقشن قصصهن وقضاياهن بخصوصية وحرية أكثر.
هنالك جامع واحد بين مختلف الأعمال الفنية المشاركة بالمعرض، وهو السودان في حقبته الأخيرة، قصص حية جاءت من هناك. وقد شهد المعرض حضوراً كبيراً من السودانيين والسودانيات أفراداً وعائلات، تجمعوا بصالة العرض هائمين بين اللوحات، غارقين فيها، ومشحونين بالحنين إلى السودان والحسرة على ما آل إليه الحال.
محمد الحسن (كوبا)، وهو رسام ومصمم قرافيتي، شارك في المعرض بمشروع «جيل النزوح»، يقول متحدثاً لـ«أتَـر»: «إن صوتي الفني يتحدث بالإنابة عن هؤلاء الأطفال الذين عاشوا معظم حياتهم في حالة نزوح مستمر، من أجل أن يُسمع صوتهم. يجمع «جيل النزوح» بين الفن الرقمي ومنحوتات من الورق المقوّى لتسليط الضوء على التأثيرين النفسي والاجتماعي العميقين للحرب على الأطفال النازحين. وهو بمثابة تذكير مؤثر بالتكلفة البشرية للحرب، ودعوة إلى العمل من أجل دعم الأطفال، وشهادة على روحهم الدائمة، ومن خلال التركيز على الأطفال، آمل أن أحقق تأثيراً إيجابياً من خلال زيادة الوعي بقضاياهم وحشد الدعم اللازم لهم، وإلهام الجميع للعمل من أجل تغيير هادف».
جانب من المعرض و الحضور ، تصوير : آدم إبراهيم
مع تعالي نبرة السياسة ودوي السلاح في السودان، تحاول الحركة الثقافة ألا تخضع، وعلى الرغم من الصراعات السياسية والعسكرية الجارية في السودان والانقسامات الفظيعة، اتخذ معظم الفنانين والفاعلين الثقافيين مسافة حياد من الحرب رافضين ما يحدث بجميع الطرق والأساليب الفنية ضمناً وعلى نحوٍ علني ومباشر.
ليس غريباً مشاركة الفنانين السودانيين في حركة الفن بشرق أفريقيا. فقبل قدوم الفنانين اللاجئين مؤخراً بسبب الحرب، هاجر عدد من الفنانين المؤثرين إلى كينيا منذ الثمانينيات، مثل أبو شريعة أحمد، والطيب ضو البيت، وحسين حلفاوي، وياسر علي، وقدموا تجارب فنية مميزة، وما تزال أسماؤهم بارزة في المشهد الثقافي والفني بنيروبي. وهكذا مهدوا الطريق للفنانين السودانيين القادمين بعد الحرب.
ما يزال هنالك عديد من الفنانين والفنانات عالقين في مناطق مختلفة من السودان. ورغم الظروف العصيبة التي يواجهونها، إلا أنهم يحاولون العمل بصبر وإرادة، منتهجين مسؤولية نبيلة حيال مشروعاتهم الإبداعية.
من الأعمال المعروضة ، تصوير : آدم إبراهيم
شارك في المعرض من الفنانين والفنانات: أحمد صديق، أحمد طاهر، أماني أزهري، الطيب مرحال، فايز أبوبكر، إبراهيم «سنوبي»، إسلام البيتي، عصام حفيظ، خالد حامد، معزة صالح، محمد أحمد، محمد الحسن «كوبا»، محمد فرح، معاوية خالد «نايل»، منى معتصم، نادر من الله، رفاء ريناس، راوية الحاج، سند شريف، تيمية محمد أحمد، ياسر فايز.