أتر

بحري تحيا على جهود التطوع بعد ستة عشر شهراً تحت وطأة الحرب 

تصوير حسن يعقوب قماري

مرت ستة عشر شهراً من الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وما زالت مدينة بحري تعاني أزمات إنسانية وصحية عديدة. ومع توقف جميع المستشفيات، تعتمد المدينة اعتماداً كلياً على الدعم الطارئ الذي تقدمه غرفة طوارئ بحري والمراكز الصحية العاملة، وتواجه تحديات جسيمة تشمل نقص الأدوية، وتفشي الأمراض مثل حمى الضنك والإسهالات المائية، وتأثيرات الحرب العميقة على النساء والأطفال، بما في ذلك مشكلات الصحة الإنجابية وفقدان مصادر الدخل. في مثل هذه الظروف، ومع انعدام تام لخدمات أجهزة الدولة، تؤدي جهود المتطوعين دوراً حاسماً في توفير الغذاء والدواء والخدمات الأساسية للسكان المتضررين من الحرب. 

تحديات الحياة اليومية وسط النزاع

خرجت محطة بحري للمياه من الخدمة رابعَ أيام الحرب، وغدت مياه النيل المصدرَ الأساسي لمياه الشرب والاستخدام. وبحسب حديث مواطنة من بحري لـ “أتَـر”، وفضلت عدم ذكر اسمها، تــُحمَّل عربات الدفار الكبيرة بالمياه من النهر، بدعم ذاتي أو بدعم من منظمات إنسانية، ويجري توزيع المياه على الأحياء بمعدل مرة واحدة أسبوعياً لكل حي. ومع احتمال تعطل الدفار الناقل للمياه في بعض الأحيان، يحيا الناس في أزمة دائمة. كذلك يجري توفير المياه عبر عربات الكارو والتكاتك للبيع المباشر بأسعار تتراوح بين 5 و7 آلاف جنيه للبرميل الواحد. 

وبعد موجة من الانقطاعات المتكررة، تخبر المواطنة “أتَـر” بأن شبكتي الاتصالات، سوداني وزين، تشهدان استقراراً نسبياً، “لكن يجب عليك الصعود إلى الطابق الثاني أو الثالث لالتقاط الشبكة، في حين وصلت أسعار إنترنت الأقمار الصناعية (ستارلنك) إلى 3 آلاف جنيه للساعة“. 

وتشير المواطنة إلى استمرار عمليات السرقة، إضافة إلى الاعتقالات التي تطال الشباب المتطوعين وكبار السن أيضاً، إذ تؤكد حدوث ما لا يقل عن 6 وفيات نتيجة لتلك الاعتقالات، ولا يُسلَّم القتلى إلى ذويهم. 

مواطنة أخرى فضلت حجب اسمها أيضاً، أشارت إلى وجود العديد من الانتهاكات في حق النساء، مثل الاختطاف والاغتصاب والعمالة من دون أجر والاستعباد الجنسي. 

في ما يتعلق بالكهرباء، تخبر المواطنة “أتَـر” بأن العاملين على الصيانة، ووصفتهم بالجنود المجهولين، لا يستطيعون العمل خلال فترات التوتر أو الاشتباكات، وينتظرون توقفها لتقييم الأضرار والبدء في الصيانة وسط تحديات عظيمة. وقد خرجت محطة بحري الحرارية عن الخدمة عملياً في 22 يونيو 2024 نتيجة حريق مدمر، تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأنه. وكانت المحطة خارج الخدمة منذ الأيام الأولى للحرب، بعد أن احتلتها قوات الدعم السريع احتماءً من القصف المدفعي والجوي. 

أما الأسواق، فقد دُمر سوق بحري وسوق سعد قشرة، وأجزاء واسعة من السوق المركزي ببحري، الذي كان يوفر بعض أصناف الخضروات لمن تبقى من سكان المدينة، فبات معظمهم يعتمدون اعتماداً أساسياً على سوق (6) في الحاج يوسف. 

جهود توفير الغذاء في بحري

وسط التحديات الأمنية ومشكلات المياه والكهرباء، إلى جانب ندرة المواد وغلاء الأسعار، يواجه متطوعو المطابخ في بحري صعوبات كبيرة في تلبية احتياجات المواطنين. يعمل في بحري حوالي 80 إلى 90 مطبخاً وتكية، موزعة على أربعة قطاعات: جنوب بحري، وسط بحري، شمال بحري، والريف الشمالي، بحسب علاء الدين عضو مكتب الحاجات الغذائية والمياه بغرفة طوارئ بحري. 

ويشير علاء إلى أن الوجبات المقدمة تتكون غالباً من شوربة فقط دون خبز أو دقيق، وتقتصر المواد المتوفرة على الفول، العدس، الفاصوليا، والأرز. 

تدعم غرفة طوارئ بحري 75 مطبخاً، إضافة إلى برنامج الغذاء العالمي الذي يقدم وجبة واحدة، وقد أُطلق مؤخراً للمواطنين في ولاية الخرطوم. يقول علاء: “يستفيد من هذه المطابخ حوالي 35 ألف شخص في بحري“. 

وفي الأربعاء، ١٤ أغسطس، أعلنت غرف طوارئ بحري عن توقف معظم المطابخ في مدينة بحري وخروجها عن الخدمة بسبب العجز المالي. “بعد استقرار عمل المطابخ في مدينة بحري في الأسبوع الأخير لشهر يوليو، بدأ العمل بالتراجع بعد مرور 4 أيام من بداية شهر أغسطس، واليوم توقفت أغلب المطابخ، حيث خرج 68 مطبخاً عن العمل من أصل 81 بسبب العجز المالي وتوقف التبرعات والمنح، لذلك نهيب بالجميع التكاتف والتعاضد من أجل مواطن مدينة بحري ودرء حدوث كارثة المجاعة”. 

وتتباين مصادر المواد الغذائية بحسب المنطقة، فأهل جنوب ووسط بحري يتزودون من سوق ستة في شرق النيل، ويتزود أهل شمال بحري من أسواق صغيرة كسوق حطاب والأحامدة وجزء من شمال بحري مثل أم القرى، أما الريف الشمالي لبحري فإن المواد الغذائية تُنقل إليه من أم درمان عبر المراكب. ويعتمد اختيار الأسواق على مدى توفر التمويل، إذ يجري الشراء من الأسواق القريبة إذا كان التمويل محدوداً، ومن أسواق أبعد مثل أم درمان أو شندي إذا كان الدعم كافياً. 

أشار علاء إلى أن بعض التكايا خارج نطاق دعم الغرفة تعمل بدعم من الأهالي المغتربين، لكنها لا تستطيع الاستمرار يومياً. وقد خرجت بعض المطابخ عن الخدمة، لكنها عاودت العمل بفضل برنامج الغذاء العالمي، وأخرى تعمل حسب الوضع الأمني في مناطق الاشتباك. 

النساء والأطفال: الصحة الإنجابية والدعم النفسي

وفقاً لإفادة مرام، وهي عضوٌ بمكتب السيدات في غرفة طوارئ بحري، في حديث إلى “أتَـر”، تعاني النساء في بحري من انعدام الأمان والخوف من المجهول، فقد أثر فقدان مصادر الدخل تأثيراً مباشراً على النساء والأطفال، الذين يشكلون الفئة الأضعف المتضررة من حرب 15 أبريل. 

وفي شأن الصحة الإنجابية، تشير مرام إلى وفاة 25 امرأة من منطقة واحدة بسبب النزف أثناء الولادة، إضافة إلى نقص الڤيتامينات وأدوات التنظيم، مما أدى إلى ولادة العديد من الأطفال بوزن ناقص وتوفّي العديد منهم. 

 كذلك تواجه النساء صعوبات في عبور النيل بالمراكب إلى أم درمان بغرض الولادة، في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة، ما أدى إلى ولادة أطفال ميتين. وتعرضت بعض النساء لالتهابات في الكلى نتيجة الشرب مباشرة من مياه النيل، وهناك نقص في الفوط والأدوية المتعلقة بالحمل والتطعيمات، مما يتسبب في أمراض جنسية وتناسلية. 

وقد أدى انعدام التعليم والصدمات المتتالية إلى تفاقم الأزمات النفسية لدى الأطفال، الذين يعانون من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة. ولتخفيف معاناتهم، جرى تصميم مساحات صديقة للأطفال في شمبات لممارسة الرسم والألعاب، إضافة إلى مساحات تعليمية. 

في إطار دعم النساء، ذكرت مرام أن مكتب السيدات نظم جلسات دعم نفسي تشمل مساحات آمنة و”قعدات جبنة”، وضمّ مختصين نفسيين لتخفيف أثر الحرب؛ كما يخطط المكتب لدعم المشاريع المنتجة للنساء لتمكينهن اقتصادياً، وإنشاء غرف ولادة مجهزة عند توفر الدعم الكافي. 

تحديات طبية وأوبئة متصاعدة

منذ اندلاع حرب 15 أبريل توقفت جميع المستشفيات في مدينة بحري عن العمل، بينما تدعم غرفة طوارئ بحري خمسة مراكز صحية هيمركز القرى المتحدة في ريفي بحري، مركز الكومر في بحري، مركزي العزبة (متوقف عن العمل منذ منتصف أغسطس بسبب غرقه بمياه الأمطار) والسامراب في شمال بحري، ومركز الشعبية في جنوب بحريبحسب حديث ريان صلاح ممثلة المكتب الطبي بغرفة طوارئ بحري. 

ويعمل في كلٍّ من المراكز الخمسة طبيب عمومي وبعض الاختصاصيين وقابلات، وتقدم خدمات طبية تشمل الفحوصات اللازمة والعمليات الصغرى وتحويل الحالات الطارئة إلى مستشفيات شرق النيل أو الرازي أو غيرها من المستشفيات القليلة التي ما زالت تعمل في ولاية الخرطوم 

وتشير ريان إلى عمل أيام صحية في مدينة بحري واستشارات طبية تُقدّم عبر الإنترنت. وتخطط غرفة طوارئ بحري لتشغيل 20 صيدلية موزعة على أربعة قطاعاتريف بحري، شمال، بحري، جنوب بحري، وسط بحريفي حالة توفر الدعم الكافي، بعد أن توقفت بعض الصيدليات السابقة بسبب نقص الدعم. 

تواجه غرفة الطوارئ تحديات عسيرة للحصول على الأدوية، ولا توجد أي نقطة لشراء الأدوية في بحري، ويتعين عليهم الذهاب إلى شرق النيل للحصول على الأدوية من صيدليات متفرقة، وسط صعوبات التنقل. ووفقاً لريان، فإن المدينة حالياً تواجه مشكلات صحية متعددة، منها حمى الضنك والإسهالات المائية بسبب تلوث المياه، إلى جانب حالات الدوسنتاريا والكوليرا. 

في تقرير قدمته ريان ممثلة المكتب الطبي بغرفة طوارئ بحري، سُجلت حالات حمى الضنك في بحري بين 1 و7 أبريل كالتالي: الشعبية 200 حالة، شمبات 100 حالة، الصافية 50 حالة، المزاد 20 حالة، الدناقلة 12 حالة، وحلة حمد حالتان. بين 9 و25 أبريل، سُجلت حالات جديدة في الشعبية حي الصديق 26 حالة، حي الشعلة 10 حالات، حي الهدف 4 حالات، جنوب الشعبية 3 حالات، المزاد أكثر من 30 حالة، وشمبات 20 حالة. من 26 أبريل حتى 5 يونيو، لم تسجل حالات جديدة، لكن سُجلت 15 حالة اشتباه لاحقاً كانت نتائجها سلبية. 

حالات حمى الضنك في بحري

الموقع 1-7 أبريل 26 أبريل - 5 يونيو 7-9 يونيو 21 يونيو – 29 يونيو
محلية بحري 26 5 7 21
المزاد جنوب 20 35 3
حلة حمد 2
الدناقلة جنوب 12
الصبابي 200 43 1
الصافية 50
حلفاية الملوك 15
شمبات الحلة 100 20

وقد ورد من مركز صحي الشعبية شمال تسجيل 11 حالة إسهال حاد، وحالة وفاة واحدة في شمبات خلال يومين فقط. وفي يوم الجمعة 26 يوليو، سجل المركز 15 حالة إسهال حاد، جميعها من خارج المركز، ويوم السبت 27 يوليو، سُجّلت 21 حالة إسهال حاد، منها 12 حالة داخل المركز و9 من خارج المركز. 

وجاء آخر تحديث صحي من غرف طوارئ بحري عن الوضع الصحي في مركز صحي الشعبية شمال في الفترة من من تاريخ مطلع أغسطس الجاري وحتى يوم 20 أغسطس، على النحو التالي: 

المرض متوسط الإصابة اليومية مجموع الحالات
إسهالات مائية 10 200
دسنتاريا 10 200
جرثومة معدة 4 40
جروح حشرات الخريف 6 60
ملاريا 15 300
تيفويد 12 240

مع استمرار النزاع، تتفاقم الأزمات الإنسانية في بحري ومدن السودان جمعيها. ويسعى العاملون في المجال الإنساني ومتطوعو غرف الطوارئ جاهدين لتلبية احتياجات السكان، وسط تحديات كبيرة، لكن الحاجة إلى دعم مستدام، وإيقاف إطلاق نار، مع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب ما زالت مُلحّة، ويتطلع أهل السودان إلى إعادة بناء الحياة الطبيعية التي افتقدوها بفعل حرب الخامس عشر من أبريل. 

Scroll to Top