أتر

دفتر أحوال السودان (43): من سنار، والضعين، والأبيض

سنار: النساء والأطفال تحت وطأة الحصار

منذ نهاية يوليو الماضي، وبسيطرة الدعم السريع على مدينة السوكي، أضحت مدينة سنار والقرى والمناطق المحيطة بها معزولة تماماً، مما صعب دخول البضائع وخروج المواطنين وفاقم تردي الخدمات عامة، والصحية خاصة، لينعكس التأثير جلياً في النساء والأطفال بالمدينة وضواحيها. 

مستشفى سنار التعليمي هو أحد أهم المستشفيات في الولاية، ويفد إليه المرضى من داخل المدينة ومن بعض المحليات المجاورة في حالات الطوارئ، ومنذ دخول الدعم السريع مدينة سنجة نهايات يونيو الماضي، أغُلق المستشفى بجميع أقسامه، وتعذرت الخدمات العلاجية بالمدينة والمحليات والقرى المحيطة، إذ لم يتبقَّ إلا المستشفيات والمراكز الخاصة التي سرعان ما تبعت المستشفى في الإغلاق، إما لانقطاع الكهرباء وغلاء الوقود وندرته، أو لنقص في الكادر الطبي؛ وقد عاودت بعض الأقسام الفتح جزئياً لتقديم خدمات الطوارئ فقط. 

نتج عن هذا الإغلاق وفاة عدد من النساء أثناء الولادة، إما بسبب المضاعفات والنزف الحاد أو العجز عن الوصول إلى المستشفى؛ إذ إن تكاليف عمليات الولادة مرتفعة جداً، وتبلغ تكلفة العملية القيصرية 250 ألف جنيه، والولادة الطبيعية 50 ألف جنيه، دون رعاية طبية كافية. كذلك فإن كثيراً من الأمهات المرضعات مصابات بالهزال بسبب عدم تلقيهن الغذاء الكافي، كما يعاني أطفالهن من سوء التغذية. 

ظروف صعبة تعايشها النساء الحوامل والمرضعات في دور الإيواء والقرى المحيطة لسنار، وغيابٌ تام للمراكز الصحية والأدوية في ظل تزايد الحاجة الماسة لها، مع تزايدٍ في نسب سوء التغذية، وانقطاع في وارد الكميات الكبيرة من الأدوية المنقذة للحياة، وارتفاع في سعر الحليب البديل للأطفال، والحليب نفسه في كثير من المناطق. 

ووفقاً لأطباء غادروا سنار نجاة بأنفسهم، قد تحدثوا لـ “أتـر”، فإنهم لا يضمنون ما يمكن أن يحدث لهم إذا دخل الدعم السريع المدينة، وقد نما لعلمهم ما حدث لزملائهم في سنجة والدندر وبقية مدن السودان منذ بدء الحرب، وهو ما يتفق مع آخر تحديث نشرته منظمة الصحية العالمية، عن أنه منذ بدء الصراع في السودان وقع 88 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية – بما في ذلك المرافق الصحية وسيارات الإسعاف ووسائل النقل والأصول والمرضى والعاملينمما أدى لمقتل 55 شخصاً وإصابة 104 آخرين. 

خلقت حالة الحصار المفروضة صعوبةً في حركة السلع والبضائع للولاية، وإغلاق الطرق السالكة بسبب الحرب وفصل الخريف، مما صعّب فرص الحصول على الغذاء، ليتسبب ذلك في ارتفاع بالغ في أسعار المواد الغذائية، على سبيل المثال: 

الصنف وكميته السعر بالجنيه السوداني
كيلة العيش 2,500
جوال السكر 225,000
جوال الأرز 110,000
جوال العدس 75,000
جوال الفحم 60,000
جوال البصل 310,000
كيلة دقيق الذرة 16,000
4 أرغفة 2,000

ووفقاً لمراقبين فقد تبع اقتحامات قوات الدعم السريع بكسّيبتها نهبٌ للآليات الزراعية، والمزروعات والمحاصيل التي كانت تعتمد عليها الأسر في قوتها وسبل عيشها، مما خلق ندرة في الحصص الغذائية التي تكفي الفرد وكذلك نوعيتها، وفقدت كثير من الأسر القدرة على التزود بما يكفي من غذاء، وباتت تعتمد على ما تقدّمه التكايا والمطابخ المركزية التي انتشرت في جميع القرى والمناطق بالولاية، مما أدى إلى فجوة في القيمة الغذائية المقدمة للنساء المرضعات وأطفالهن. وتعمل بعض المنظمات عبر هذه المطابخ والتكايا، وهي بدورها مهددة في حال استمرار الحصار وتوقف الوارد. 

الضعين: المستشفى تحت القصف

فوجئ سكان مدينة الضعين ظهيرة الثلاثاء 20 أغسطس، وهم في ذروة حياتهم اليومية، بتحليق طائرةٍ مقاتلةٍ من سلاح الجو السوداني، لم يُمهل قصفـُها المواطنين، وسرعان ما تناثرت بقايا المقذوفات في محيط مستشفى الضعين الحكومي الذي يتوسط المدينة مما أثار حالة من الذعر في المدينة 

وأدى القصف إلى مقتل ثمانية مواطنين وإصابة ثلاثة عشر شخصاً في الحال قبل اكتمال الحصر والبحث تحت الركام عن ضحايا محتملين، ثم ارتفع العدد في مساء ذات اليوم إلى ٩ قتلى وأكثر من ١٧ جريحاً بينهم أطفال ونساء وكوادر طبية تعمل بالمشفى وبعض المارة في محيط المستشفى 

وتجاور محيط المستشفى مباني الشرطة والقضاء ومباني حكومية عديدة ومركز إيواء نازحين بمدرسة الخنساء الابتدائية ومدرسة الأم الثانوية للبنات. وقد امتدت آثار الشظايا في قطر تجاوز السبعمائة متر تأثرت به العديد من بيوت المواطنين حسب إفادة المواطنة (ع . أ) التي تقطن على بعد ثلاثة شوارع شرقي المستشفى، وقد ارتفع عدد الضحايا بصبيحة يوم الأربعاء 21 أغسطس إلى 17 قتيلاً، وبلغ عدد الجرحى 18 جريحاً. 

 مدينة الضعين لم تشهد في حرب الخامس عشر من أبريل الماضي، وبعد انسحاب الفرقة 20 مشاة من حاميتها منذ أواخر نوفمبر من العام الماضي، سوى بعض الطلعات الجوية كان آخرها صبيحة 20 فبراير من العام الجاري راح ضحيتها ٨ مواطنين وخلّفت عدداً من الجرحى، واستهدف القصف حينها عدة  مناطق سكنية متفرقة بالمدينة؛ إلا أن الاستهداف طال هذه المرة أهم المواقع الخدمية؛ فمستشفى الضعين الذي يقدم خدماته منذ أكثر من ستين عاماً منذ تأسيسه في العام 1955، تطوّر بمرور الوقت ليغطي الحاجة المتعاظمة مع ازدياد أعداد السكان لعدد ٩ محليات بعد تسميتها ولاية شرق دارفور في العام 2012. وظل المستشفى يغطي حاجات النازحين جراء حروبات دارفور وحتى الحرب الأخيرة؛ إذ ظلت الولاية تستقبل الفارين من وعثاء الحرب من الخرطوم وولايات دارفور المجاورة التي تأثرت بالحرب والاشتباكات الدائرة فيها. وتضم مدينة الضعين وحدها 10 مراكز لإيواء النازحين.   

وبحسب شهود عيان، فإن القصف استهدف الجزء الجنوبي الغربي للمستشفى الذي يحتوي على عنابر الباطنية والكلى ومكتب القمسيون الطبي وإدارة التحصين، وامتدت آثار القصف إلى مدرسة الخنساء المجاورة التي يفصل بينها وبين المشفى شارع، وبها مركز إيواء وتقام فيها كورسات مدرسية للطلاب المنقطعين عن الدراسة بحكم إغلاق المدارس منذ بداية الحرب. وقد أدى القصف إلى وفاة طفل في الحال، وإصابة آخرين إصاباتٍ بليغة، ما زالوا يتلقون على أثرها العلاج حتى الآن، ولم تصدر القوات المسلحة حتى مساء الأربعاء أي بيان بخصوص الحادثة التي أدانتها كل الجهات التي استنكرت استهداف المستشفيات والمراكز التي تقدم خدمات للمواطنين العزل. وقد حُوّل الجرحى إلى مستشفى الأسرة الخاص بعد تلقي الإسعافات الأولية 

أم روابة: بعد انقطاعٍ دام 96 يوماً عودة الكهرباء بعد جهودٍ وتعاون مجتمعي

بعد انتظار دام 96 يوماً، عادت الكهرباء إلى محلية أم روابة بولاية شمال كردفان مساء السبت 17 أغسطس بعد انقطاعها منذ 13 مايو الماضي، نتيجة حريق مدمر مجهول المصدر اندلع بمحطة كهرباء أم روابة، غداة معارك في الطريق القومي بين أم روابة وتندلتي بين الجيش وقوات الدعم السريع بداية مايو انتهت بمحافظة الدعم السريع على سيطرته على المدينة المستمرة منذ أغسطس 2023. 

وسط فرحة عارمة تكللت بالزغاريد والصرخات الهستيرية للآلاف من المواطنين فرحاً واحتفالاً؛ عاد الأمل إلى قلوب سكان المدينة الذين عانوا من ظلام طويلٍ وانقطاع مستمر، ومشكلات عديدة في المياه نظراً لارتباط الآبار الجوفية بالكهرباء.  

وتمكنت فرق الصيانة بفضل جهودها المضنية خلال الأسابيع الماضية من إعادة التيار الكهربائي، لتضحي الأخبار السارة حديث كل لسان في المدينة. 

وفي حديثه لمراسل “أتـر“، أكد مصدر بالفريق العامل في صيانة محطة كهرباء أم روابة وصول فريق من الأبيض والرهد إلى أم روابة محملاً بمحور كهرباء 33/415 لتغذية المحطة، إضافة إلى مفتاح خارجي جرى تركيبه لمدينة الرهد. كما وصلت مفاتيح إضافية من الجزيرة، وجرى تركيبها في مدينة أم روابة، وأضاف: “أتم الفريق تركيب المفاتيح ومراجعة المحولات، وتبين نقص في زيت المحول، مما استدعى استخدام الزيت الاحتياطي”. 

قال المصدر: “عند الانتهاء من التركيب، وصل مهندس الحماية لتأكيد عمل المحطة، وبدأت الإجراءات بإشرافه، بعد التأكد من سلامة المحولات، جرى الاتصال بمركز التحكم لإعادة التيار الكهربائي”. ومع ذلك، “عند إدخال مفتاح أم روابة، ظهرت شرارة قوية، مما أدى إلى حرق مفتاح الجاموسي (مفتاح القادم من الجزيرة)، ونتيجةً لذلك اتخِذ قرارٌ بالاستعانة بمفتاح الرهد، مما تطلب التضحية بخدمة الكهرباء في الرهد مؤقتاً لصالح أم روابة”. 

بفضل هذه الخطوة، أعيدت خدمة التيار الكهربائي إلى أم روابة بنجاح. ورغم الحزن الذي انتاب الفريق بسبب عدم عودة الكهرباء لمدينة الرهد، وصل الفرج سريعاً، إذ تلقوا خبراً من مدينة ربك بتوفر مفتاح جديد، وبالفعل، تحرك البعض إلى ربك لجلب المفتاح الجديد من أجل إعادة التيار الكهربائي إلى الرهد في أسرع وقت ممكن. 

ولم يكن هذا العمل ليتحقق لولا “دعم المواطنين في أم روابة” عبر مبادرات محلية، إذ قدموا المساعدة من خلال توفير السكن “للفرق الوافدة المكونة من 18 مهندساً وفنياً”، وكذلك توفير الوقود لمولد المحطة والطعام والشراب لـ55 شخصاً، بينهم 18 ضيفاً و37 من أبناء المدينة الذين بذلوا مجهودات جبارة لعودة التيار. 

خلال فترة الانقطاع، تأثرت الحياة اليومية في أم روابة على نحو ملحوظ، فقد تسبب انقطاع الكهرباء في توقف جميع الآبار عن الخدمة ولجوء بعضها إلى العمل بالمولدات بتكلفة باهظة لشراء الوقود اللازم للتشغيل، إذ وصل سعر برميل المياه إلى 5 آلاف جنيه، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الاستهلاكية أيضاً، كذلك أثر سلباً على القطاع الصحي بخروج مركز غسيل الكلى بأم روابة عن الخدمة. ورغم الصعوبات، ساهمت جهود المجتمع المحلي في التخفيف من آثار الانقطاع عبر عدد من المبادرات لتخفيف وطأة المعاناة. 

الآن، يعبّر سكان أم روابة عن فرحتهم الكبيرة بعودة الكهرباء، ويأملون أن تكون هذه العودة بداية لمرحلة جديدة. 

الأبيض: أحداث القصف تجدد الخلاف حول فتح المدارس

جددت الأحداث التي وقعت في مدينة الأبيض الأسبوع الماضي، الخلاف الدائر وسط المعلمين وأولياء الأمور حول فتح المدارس في مثل هذه الظروف الأمنية. وطالب كثيرون الحكومة بتوسيع دائرة الأمن حول المدينة قبل الشروع في استئناف الدراسة. 

وقد تعرض والي شمال كردفان، إلى انتقادات قاسية من ذوي الضحايا أثناء زيارته لمشرحة المستشفى، وحملوه مسؤولية ما حدث. 

وكانت المدينة قد تعرضت لهجوم من قبل قوات الدعم السريع صبيحة الأربعاء ١٤ أغسطس الجاري، خلّف عشرات القتلى والجرحى. وذكر أحد المتعاونين في نقل المصابين للمشرحة، لـ “أتر”، أن عدد القتلى بلغ 18 قتيلاً بينهم 8 طالبات، فيما وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 100. 

وأكدت وزيرة الصحة الولائية في تصريح للإذاعة السودانية صبيحة اليوم الثاني للأحداث، بأن عدد القتلى قد بلغ 20 والجرحى 125. فقد تلقت المدينة 8 قذائف سقطت إحداها في مدرسة أبو ستة الثانوية للبنات أردت في الحال 8 طالبات ومعلمة، وجرحت عدداً كبيراً من الطالبات بينهن معلمة إصابتها بالغة؛ كما سقطت الثانية قرب المجلس التشريعي وقتلت وجرحت عدداً من الموظفين، وسقطت الثالثة في السوق الغربي وقتلت تاجراً وجرحت آخرين . 

وعمت المدينة حالة من الهلع والخوف. وفي جولة قامت بها “أتـر“، عقب توقف الهجوم الذي تواصل لمدة 40 دقيقة، تأكد خلوّ السوق من الباعة والمتسوقين، وخرجت حافلات النقل على نحو عشوائي، وانتشر تلاميذ وتلميذات المدارس في الشوارع وسط إطلاق نار متقطع. وقال أحد الذين جمعوا الطلاب محاولاً توصيلهم إلى منازلهم، إنه يعتقد أن كثيراً من الطالبات أصبن بصدمات نفسية 

لكن رغم ذلك، فقد استأنفت المدارس الخاصة في شرق المدينة نشاطها. وصرح مدير إدارة التعليم الخاص بالولاية للإذاعة بأن الدراسة قد انتظمت بالمدارس الخاصة بنسبة 90.% 

أما المدارس الحكومية التي يقع معظمها في وسط المدينة، وتعرض عدد كبير منها لسقوط القذائف، فلم تنتظم على نحو كامل؛ فقد أعلنت مديرة مدرسة ثانوية للبنات التقتها أتـر” بأنها لن تداوم على الحضور، وأنها ذاهبة بنفسها لمكتب التعليم لإبلاغه بقرارها هذا . 

وقد خلف الهجوم إحساساً بالذعر وسط سكان المدينة التي تعاني ضيقاً في جميع مناحي الحياة، وتخضع للحصار، وتنقطع عنها المياه منذ اندلاع الحرب والكهرباء لمدة مائة يوم، وترتفع أسعار الضروريات بسبب الحصار. ورغم أن الجيش كان قد رد على هجوم الدعم السريع بإطلاق 7 قذائف مدفعية وأخرج آلياته الثقيلة وطارد القوات المهاجمة إلى مواقع ارتكازاتها الأساسية في مناطق العيارة وأم صميمة على بعد 21 كيلومتراً  من المدينة، إلا أن تلك القوات قد شوهدت صباح اليوم التالي بعدد 8 مقاتلات ودراجات بخارية وهي تعود إلى أحياء المدينة التي اعتادت أن تطلق منها قذائفها طوال فترة الحرب. 

Scroll to Top