أتر

السودان: خريف الحرب والمرض والجوع 

في السودان، تتشابك الأزمات الصحية مع مسار معقد من المشكلات الاقتصادية والسياسية، ما يجعل حياة الملايين أشدّ صعوبة يوماً بعد يوم. ولعقود طويلة، ظل السودان يرزح تحت وطأة أزمات صحية متتالية؛ فالدولة التي تفتقر إلى بنية تحتية صحية قوية تعاني من تفاقم الأوبئة على نحوٍ مرعب، خاصة في المناطق الريفية والنائية، حيث ينتشر الفقر وتغيب الخدمات الأساسية. 

الملاريا، حمى الضنك، الكوليرا، والالتهابات التنفسية، أمراض مستوطنة تُنهك السكان، وتتطلّب استجابة شاملة وعاجلة؛ لكنها تُقابل بنظام صحي ضعيف، على أفضل تقدير، لا يستطيع تلبية الحاجة المُلحّة. وقد زاد الصراع المسلح المستمر لما يقارب العام ونصفه، من الطِّين بِلّة. 

انهارت المستشفيات، وتوقفت المراكز الصحية عن تقديم خدماتها، ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الرعاية الطبية الأساسية. غابت الأدوية والمعدات الطبية. ومع تفاقم الوضع، ازدادت الأوبئة انتشاراً، ليتحول الوضع إلى كارثة صحية لم يَعرِفْ لها السودان مثيلاً، ربما منذ عقود. 

مواسم خير أم فصول أزمة؟

على مرّ تاريخه، ظل السودان يعاني من مواسم الفيضانات والسيول التي تتسبب في أزمات صحية متكررة، لتمتد آثارها إلى كل بقعة من البلاد. في العاصمة الخرطوم، قلب السودان النابض بالحياة والحركة قبل اندلاع حرب 15 أبريل 2023، كانت مياه السيول تختلط بالصرف الصحي، ما يُحوّل مصادر المياه إلى بيئة خصبة لتفشي الأوبئة. أمراض مثل الكوليرا والتيفويد كانت تطفو على سطح معاناة المواطنين. 

أما في ولاية نهر النيل، فقد كانت الفيضانات والسيول، أكثر من مجرد كوارث طبيعية؛ فهي تأتي مصحوبة بالملاريا التي تنتشر نتيجة لتكاثر البعوض في المياه الراكدة. وفي ولاية كسلا شرقي السودان، ترافق مع فيضانات وسيول عام 2019 انتشار واسع لحمى الضنك، مما أدى إلى وفاة عشرات الأشخاص؛ بينما في شمال البلاد، لم تقتصر الفيضانات على الأوبئة فقط، بل أضافت لدغات الثعابين والعقارب إلى لائحة المخاطر، لتبحث هذه الزواحف عن مأوى بعيد عن السيول، مما يهدد السكان الذين غالباً ما يجدون أنفسهم بلا علاج سريع لإنقاذهم. 

ويعاني إقليم دارفور بوجهٍ خاص من نقص حاد في الغذاء والخدمات الأساسية، وهي أزمة تتفاقم وتنذر بحدوث مجاعة واسعة تُلقي بظلالها على جميع مناحي الحياة. 

إن الحكومات السابقة التي كانت تُخفف من وقع الكارثة السنوية باستخدام مصطلحات مُلطفة لتهدئة مخاوف المواطنين، لم تعد قادرة على إخفاء ما يحدث. توسعت رقعة الأوبئة، وانهارت مصانع الأدوية، وتوقفت نسبة كبيرة من المنشآت الصحية عن العمل. 

ومع مرور أشهر الحرب السبعة عشر، تحولت المخاوف الصحية إلى كابوس متجدد. دُمِّرت المعامل الطبية المركزية مثل معمل “ستاك” في الخرطوم، ما أدى إلى كشف العينات وتعرضها لظروف تخزين غير ملائمة. مياه الأمطار التي امتزجت بالجثث المتحللة في شوارع العاصمة خلقت بيئة خصبة لتفشي أمراض جديدة. نقص الأدوية والكوادر الطبية زاد من تفاقم الأوضاع، وامتلأت المستشفيات بالمرضى غير القادرين على تلقي العلاج. 

أما خلال الشهرين اللذين سبقا موسم خريف هذا العام، فقد ظهرت مخاوف جديدة تتعلق بضربات الشمس والتهابات السحايا، وسط مناشدات لحملات تطعيم تستهدف تلاميذ المدارس في الولايات التي استأنفت الدراسة. تلك المخاوف لم تتوقف هنا، بل كانت هنالك مطالبات عاجلة بتوفير الأمصال الخاصة بلدغات العقارب، وهي الأمصال التي كانت تصل إلى ولايات وأرياف البلاد.

كيف تقتل فيضانات السودان الناس عبر الأمراض والغرق؟

في كل موسم خريف، تحمل مياه الفيضانات في السودان معها مأساة جديدة، إذ لا تتوقف الأضرار عند حدود المنازل المدمرة أو الأراضي الزراعية الغارقة، بل تمتد إلى حياة البشر، وتتحول المياه الملوثة إلى مصدر للأوبئة القاتلة. وفقاً لتقارير محلية وعالمية لأعوام 2020، و2021، و2022، فقد أسفرت فيضانات السودان عن وفاة مئات الأشخاص نتيجة الغرق وأمراض نشأت عن تلوث المياه، مثل الكوليرا والتيفويد. ومع عدم توفر الرعاية الطبية اللازمة في المناطق المتضررة، تزداد سرعة انتشار هذه الأمراض، لتتحول المياه إلى قاتل خفي يفتك بأرواح المواطنين. 

وفقاً لما أشارت إليه الدكتورة ليلى حمد النيل، اختصاصية طب المجتمع بوزارة الصحة الاتحادية، فإن وزارة الصحة بالتعاون مع الشركاء مثل الدفاع المدني وهيئة الأرصاد الجوية، ترصد التوقعات السنوية وأماكن الهشاشة، مع اتخاذ الاستعدادات اللازمة مثل إرسال الإمدادات الطبية وتدريب الكوادر الصحية في المناطق التي يتوقع أن تكون أشدّ تضرراً. 

هذا العام كان مختلفاً. توقعات الأمطار التي كانت تشير إلى هطول متوسط في بعض المناطق جاءت مفارقة لما حدث؛ فالولاية الشمالية وولاية نهر النيل شهدتا هطول أمطار تفوق التقديرات، ما أدى إلى اندفاع سيول غير مسبوق. لم تتوقف الخطورة عند انهيار المنازل الطينية، وما تخلفه من إصابات، بل تجاوزتها إلى اختلاط المياه بمياه ملوثة ناتجة عن آبار الصرف الصحي ومواد التنقيب عن الذهب والمعادن، ما فاقم من الأزمة الصحية. 

وفي مشهد آخر، حملت السيول خطراً من نوع مختلف في ولاية الخرطوم، إذ جرفت معها ألغاماً وقذائف غير منفجرة، مما هدد حياة الناس. 

منذ يوليو 2024، تتصدر المياه الملوثة واجهة الأسباب وراء تفشي الأوبئة وانتشار الأمراض المنقولة. فوسط المياه الراكدة التي تشكل بيئة خصبة لتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض، تظهر عدد من الحالات المقلقة كالتهاب ملتحمة العين والطفح الجلدي. هذه الأمراض تنتقل بسرعة بين الناس، خاصة لدى ملامسة المرضى، ما يجعل الوضع أشدّ تعقيداً. 

وما يزيد الطين بِلّة، انهيار المنازل الذي لا يتوقف عند الإصابات والجروح، بل يتسبب في حالات غرق وجرف للسكان الذين يحاولون النجاة بجميع الطرق الممكنة. كل هذا يحدث في ظل شح المياه الصالحة للشرب، وصعوبة الوصول إلى المواد الغذائية، مما يهدد بمجاعة حقيقية في مناطق مثل مخيم زمزم وأجزاء أخرى من السودان. 

وفي ظل هذه المعاناة المتفاقمة، تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مؤلمة تُظهر المواطن السوداني، المنهك بفعل الفيضانات والحروب، وهو يقف في وجه السيول، مُستخدِماً بدنه المنهار في محاولة يائسة لإيقاف تيارات المياه العاتية، وهو يخوض معركته الأخيرة، كآخر جندي في ساحة مقاومة الموت. 

أبعاد متعددة للكارثة

تتعمق الأزمات الصحية على نحوٍ مقلق، لتكشف أبعاداً جديدة للمعاناة الإنسانية. وزارة الصحة الاتحادية، المنهكة بالأصل، بمحاولات التصدي للوضع الصحي المتدهور بفعل توسع رقعة القتال، تجد نفسها الآن في مواجهة كارثة مزدوجة. تفاقمت أزمة النزوح من ولاية سنار نحو كسلا والقضارف وبورتسودان ومختلف مدن السودان، وتفشت الأمراض الناتجة عن تكدس النازحين في المدن والمعسكرات، وسط بيئة ملوثة وانعدام أبسط سبل النظافة والرعاية الصحية. ومع تزايد تحذيرات المنظمات الدولية من مجاعة وشيكة تلوح في الأفق بعد مرور ما يقارب عاماً ونصف العام على اندلاع الحرب، عمّت الأمطار الغزيرة والسيول تسع ولايات في كارثة إنسانية تفوق الوصف. 

وفقاً لتقرير لمنظمة أطباء بلا حدود، فإن 70% من مستشفيات السودان خرجت عن الخدمة، إما بسبب القصف المدفعي أو انعدام الأمن، ما جعل توفير الرعاية الصحية الفعالة شبه مستحيل. فاقم الوضع الكارثي  من التحديات التي تواجه الوزارة، وهي تقف عاجزة أمام الأزمة في ظل عجز الحكومة عن تمويل حملات التصدي للأمراض التي باتت تنتشر بسرعة مخيفة. 

ربما كان هذا الموسم من الكوارث فرصة مؤلمة لتسليط الضوء على غياب الكوادر الطبية عن القرى النائية والمناطق المتأثرة، حيث كان المواطنون قبل ذلك يتكبدون مشقة السفر إلى المدن بحثاً عن العلاج. وفي هذا السياق، تظهر حالة قرية “سركمتو” في الولاية الشمالية، رمزاً للمعاناة الطويلة التي عاشها المواطنون في سبيل الحصول على الرعاية الصحية. 

استعدادات لمواجهة الأمراض المتفشية

مع توالي هطول الأمطار الغزيرة واندفاع السيول، تعمل غرفة طوارئ الخريف الاتحادية على مدار الساعة لعقد اجتماعاتها اليومية بمدينة كسلا، مستعرضةً الحالة الصحية المتدهورة والزيادة المتسارعة في أعداد الإصابات والوفيات. وبينما تسجل إحصائيات الإصابات جراء انهيارات المنازل والجرْف، تبرز الأوبئة الموسمية بوصفها خطراً متفاقماً، وعلى رأسها الملاريا، وحمى الضنك، والإسهال المائي، والكوليرا. وفي آخر اجتماع عقد يوم الأربعاء 13 سبتمبر، بلغ عدد الحالات المصابة بالكوليرا 8350 حالة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 270. 

لكن الكوليرا ليست وحدها في المشهد. ظهرت حالات التهاب ملتحمة العين الحاد في عدة ولايات، ما أثار قلقاً كبيراً بين المواطنين والجهات الصحية. هذا المرض يتسبب في تهيج شديد في العين، مع حكة وتورم، مصحوباً بإفرازات قد تستمر لأسابيع. وقد بلغ عدد الإصابات بالولاية الشمالية وحدها 5118 حالة حتى 13 سبتمبر. وإلى جانب ذلك، أُبلغَ عن تفشي التهاب الجلد البكتيري في عدة مناطق، وسُجّلت 748 حالة إصابة في الولاية الشمالية. 

للحد من تفشي الكوليرا، أنشئت مراكز عزل في ولايات كسلا ونهر النيل والولاية الشمالية. وبالنسبة للإجراءات الوقائية، تنصح الدكتورة ليلى حمد النيل، بضرورة العناية الشخصية، مثل غسل الأيدي بانتظام. كما تطرقت إلى ما انتشر حول تلوث مياه النيل بالمواد المستخدمة في التعدين، لافتةً في حديثها لـ “أتر”، إلى أنه لم تُجرَ اختبارات معملية حتى الآن لتأكيد ذلك. ورغم ذلك، تؤكد ليلى أن تلوث المياه يظل سبباً رئيساً لانتقال الأمراض كالكوليرا والتسمم، ما يجعل من الضروري التأكد من صلاحية مياه الشرب. وهنا تؤدي فرق الإصحاح البيئي والرقابة على الأغذية التابعة للوزارة دوراً حيوياً في مراقبة المياه وضمان سلامتها. 

طرق بديلة: تحديات إيصال الأدوية

توقفت جل مصانع الأدوية في الخرطوم عن العمل، والحال كذلك، باتت عملية إيصال الأدوية والمساعدات إلى المناطق المتضررة بمثابة تحدٍ كبير، خاصة مع قطع الطرق القومية وإغلاق العديد من المناطق. تزايدت الأزمة على نحوٍ ملحوظ بعد الهجوم على مدينة سنجة والنزوح الجماعي للمواطنين مع بداية موسم الخريف، ما ضاعف من تعقيد الوصول إلى المحتاجين. 

لطالما اعتمدت وزارة الصحة السودانية على خطة سنوية لتجهيز الإمدادات لفصل الخريف، وكانت ترسل المساعدات الطبية من الخرطوم بالتنسيق مع هيئة الإمدادات الطبية. ولكن تحت وطأة النزاع وقطع الطرق القومية، تطلب الوضع حلولاً بديلة للتعامل مع الأزمة. أنشئت ثلاثة مراكز رئيسة لتوزيع الإمدادات الطبية في كلٍّ من ولاية البحر الأحمر، ولاية كسلا، وولاية نهر النيل، لضمان وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة على نحوٍ أسرع. إضافة إلى ذلك، وضعت الوزارة خطة لتدريب الكوادر الطبية وتوفير الميزانيات اللازمة قبل بدء موسم الأمطار، بهدف الاستعداد بشكل كافٍ لمواجهة أي طارئ. 

إلى جانب ذلك، جرى التنسيق مع مفوضية العون الإنساني لضمان وصول المساعدات الطبية المقدمة من المنظمات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة، في محاولة للتخفيف من الأزمة الصحية المتفاقمة. 

أما في أم درمان، التي تعد بؤرة للاشتباكات المسلحة، فقد تعرضت منشآتها الصحية لأضرار جسيمة، وأثبتت الوزارة أن المدينة ليست معزولة عن الخدمة الصحية. ففي تصريح رسمي  يوم 15 سبتمبر، أُعلِنَ عن تدشين حملة تطعيم ضد الحمى الصفراء وشلل الأطفال العضلي في عدة مراكز صحية بالمدينة، مثل مركز الحارة 75، 35، 79، والعامرية، ضمن منظومة التطعيم الروتيني الدولي. 

تحديات تواجه المبادرات المحلية والمنظمات

انعدام الأمن المستمر نتيجة القتال بين الأطراف المتنازعة يجعل حركة القوافل الإنسانية محفوفة بالمخاطر، ويتطلب التنسيق الأمني المشدد لضمان سلامة الفرق والمساعدات. إضافة إلى ذلك، فقد تعرضت مستودعات الإغاثة لعمليات نهب واسعة، مما أدى إلى فقدان كميات هائلة من المواد الغذائية والأدوية التي كان من المفترض أن تصل إلى محتاجيها. 

على سبيل المثال، أشار “علي”، وهو مواطن سوداني نزح إلى تشاد بعد اندلاع الحرب، إلى أن إحدى قوافل الإغاثة قد تعرضت للنهب قبل شهرين، وأن المواد الغذائية المسروقة تُباع حالياً في الأسواق التشادية. هذه الحوادث تؤكد مدى تعقيد الوضع وتفاقم معاناة النازحين. 

في مخيم زمزم بشمال دارفور، تتدهور الأوضاع على نحوٍ مُقلق. وتكشف بيانات حديثة عن معاناة الأطفال بوجهٍ خاص من سوء التغذية الحاد. وبحسب المسح الذي أجرته “أطباء بلا حدود” بالتعاون مع السلطات السودانية، فإن 10.1% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، فيما تصل نسبة سوء التغذية الحاد الشامل إلى 34.8%. 

رئيس عمليات الطوارئ في “أطباء بلا حدود”، ميشال أوليفييه لاشاريتيه، حذر من تفاقم الأزمة قائلاً: “إذا لم نتحرك بسرعة لتأمين المساعدات، سنشهد وفاة آلاف الأطفال خلال الأسابيع القادمة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن المساعدات لم تصل بعد إلى المخيم أو إلى مدينة الفاشر القريبة، وذلك بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على الطرق المؤدية إلى تلك المناطق، مما يجعل إيصال المواد الغذائية والأدوية أمراً شبه مستحيل. 

وأعربت كلودين ماييه، المرجع الطبي في “أطباء بلا حدود”، عن قلقها البالغ حيال نتائج المسح، موضحة أن مستويات سوء التغذية المسجلة، تعدُّ من بين الأسوأ على مستوى العالم. وأضافت أن طرق القياس المستخدمة قد لا تعكس الحجم الكامل للمشكلة، مشيرةً إلى أن استخدام طرق قياس أخرى قد يكشف حجماً أكبر للأزمة. 

ارتفاع أسعار الغذاء والوقود زاد من تعقيد الوضع، وبات من الصعب توفير المياه وتشغيل العيادات الطبية. وأوضحت ماييه أن المنظمة اضطرت إلى تقليص خدماتها بسبب نقص الإمدادات الحاد، والتركيز على الحالات الأكثر خطورة فقط. 

وجهت “أطباء بلا حدود” نداءً عاجلاً إلى الأمم المتحدة والجهات الدولية لدراسة جميع الخيارات الممكنة لضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإنزال الجوي. وأكد لاشاريتيه أن “استمرار عرقلة وصول الإمدادات يجعلنا نشعر بأننا نتخلى عن عدد متزايد من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة. تأخير المساعدات لا يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة وزيادة عدد الوفيات بين الفئات الأكثر ضعفاً“. 

مئات الآلاف من الأطفال يعانون سوء التغذية

في خطاب مؤثر أمام تجمع الأطباء السودانيين بالولايات المتحدة (سابا) في 14 سبتمبر 2024، سلطت د. هبة عمر إبراهيم، رئيسة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، الضوء على الكارثة الصحية التي ضربت البلاد جراء الحرب المستمرة منذ أبريل 2023. وأوضحت أن النظام الصحي في السودان شهد انهياراً شبه كامل 

وبحسب د. هبة، فقد توقفت 80% من المرافق الصحية عن العمل، وتعرض أكثر من 60 مرفقاً للتدمير أو القصف. هذا الانهيار الفادح أثر على حوالي 15 مليون سوداني، باتوا يفتقرون إلى أبسط أنواع الرعاية الصحية، مع نقص شديد في الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة والمحاليل الوريدية. 

وأكدت أن هذا التدهور الصحي أدى إلى تفشي أمراض خطيرة مثل الدرن، الإيدز، والكوليرا، إلى جانب انتشار لدغات العقارب والثعابين التي حصدت أرواح العديد من المواطنين، وأضافت أن الأطفال هم الفئة الأشد تأثراً، إذ يعاني حوالي 730,000 طفل من سوء التغذية الحاد، مع تسجيل وفاة طفل كل ساعتين في معسكرات النازحين. 

لم تقتصر الكارثة على الأطفال فقط، بل شملت البالغين أيضاً. يموت شخص بالغ يومياً من بين كل 10,000 مواطن نتيجة الجوع والأمراض. هذا التدهور في النظام الصحي العام أدى إلى غياب أدوية التحصين للأطفال، مما زاد من تفشي الأوبئة وعقّد الوضع الصحي أكثر. وفي السياق، شددت د. هبة على أهمية دعم العاملين في المجال الصحي، وضرورة توفير بيئة آمنة تمكنهم من أداء مهامهم الإنسانية. 

أدت الأضرار الناجمة عن القصف والأزمات المتتالية، إضافة إلى تأثير فصل الخريف، إلى تدمير 70% من البنية التحتية الصحية، مما أخرج عدداً كبيراً من المستشفيات عن الخدمة. الأوبئة مثل التهاب الجلد البكتيري، التهاب ملتحمة العين، الكوليرا، حمى الضنك، والملاريا، باتت تشكل تهديداً حقيقياً لحياة الملايين. وازداد الوضع سوءاً مع نقص الموارد والبنية التحتية اللازمة لمكافحة هذه الأمراض. وأكدت هبة أن التعاون بين الجهود المحلية والدولية يبقى الأمل الوحيد للخروج من هذه الأزمة. 

Scroll to Top