
مضت أكثر من سبعة عشر شهراً على حرب الخامس عشر من أبريل، مسببة خروج 70-80% من المرافق الصحية في مناطق النزاع، أغلبها بولاية الخرطوم. وفي ظل افتقاد 65% من السودانيين للرعاية الصحية، تزيد استمرارية الحرب من تعقيدات تقديم الخدمات الطبية للعالقين داخل البلاد، وأبرزها جراحة القلب التي تواجه تحديات كبيرة، إذ تتفاقم أوضاع المرضى الإنسانية والصحية بسبب الصراع.
تقلُّصُ فرصِ تلقي العلاج المناسب، يُهدِّدُ حياة الكثيرين، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع، إذ تزايدت أعداد الذين يعانون من أمراض القلب، ويضطر بعضهم إلى السفر خارج السودان بحثاً عن العلاج، وهو أمر مكلف وصعب في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة.
تعمل أقسام قليلة مختصة بجراحة القلب في بعض المستشفيات في أنحاء البلاد، ويواجه الأطباء ضغطاً هائلاً، من هذه المستشفيات مستشفى مروي بالولاية الشمالية ومركز السلام للقلب، اللذان يؤديان دوراً حيوياً في تقديم الرعاية الطبية المتخصصة في هذا المجال، رغم التحديات الهائلة.
في شندي يجري مركز القلب بمستشفى المك نمر التعليمي التابع لجامعة شندي وتأسس في العام 2010، عمليات القسطرة الاستكشافية والقسطرة العلاجية، إضافة إلى متابعة أمراض القلب، لكنه لا يجري عمليات القلب المفتوح والعمليات المعقدة الأخرى.
وبحسب مصدر بالمركز، تحدث لـ “أتر”، كان عدد المترددين على المركز قبل الحرب، يبلغ ما بين 20 و30 حالة يومياً، وارتفع معدل التردد على المركز بعد الحرب إلى ما بين 80 و100 حالة. وقد استقبل حالات من ولايات الخرطوم والجزيرة وكسلا إضافة إلى النازحين في المدينة، والتحق به عدد من اختصاصيي القلب، كانوا يعملون بمركز القلب، ومستشفى حاج الصافي، والسلاح الطبي، بولاية الخرطوم.
أجرت “أتَـر” مقابلتين، إحداهما مع دكتورة منى الأرباب المدير العام لمستشفى مروي، والأخرى مع جيوفاني توزي، المدير القطري لمنظمة سلام الإيطالية، والتي تدعم مركز السلام للقلب جنوبي الخرطوم، وظل يعمل بلا توقف طوال شهور الحرب.
مستشفى مروي
زاد عدد الكوادر الطبية المتخصصة الوافدة بعد الحرب إلى مدينة مروي الطبية، فانعكس ذلك على تشغيل عدد من الأقسام الطبية المتخصصة، وتوسع قسم جراحة القلب بعد انضمام عدد من الاختصاصيين في المجال، بحسب حديث دكتورة منى الأرباب المدير العام لمستشفى مروي لـ”أتر”، مضيفة: “قسم جراحة القلب في مستشفى مروي مجهز بأحدث التقنيات، رغم الصعوبات اللوجستية المتمثلة في نقص الأدوية والمستلزمات الجراحية، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب الحرب، إذ تعد جراحة القلب من أكثر التخصصات الطبية تعقيداً، رغم ذلك بلغ عدد عمليات جراحة القلب في مستشفى مدينة مروي الطبيبة عدد 167 عملية حتى 4 يوليو 2024، فالمستشفى مؤسس بسعة استيعابية تبلغ 350 سريراً، وقسم جراحة القلب والصدر يحتوي على عناية مكثفة للكبار بعدد 6 أسرة وعناية مكثفة للأطفال بعدد ٥ أسرّة، إضافة إلى عنابر خاصة بمرضى القلب“.
تضيف منى: “إن تكلفة عمليات جراحة القلب ليست بالكبيرة، لكن في ظل الظروف الاقتصادية والأزمات الناتجة عن الحرب، يتعذر على المرضى تحمل نفقات العلاج، على الرغم من التخفيضات التي يدعمها المستشفى، وديوان الزكاة، وشركات التأمين، لكن في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه النظام الصحي بالسودان، نُناشد المنظمات الخيرية والإنسانية، لدعم الجهود في تقديم الرعاية الصحية للمجتمع المحلي، فالمستشفى يعاني من نقص في الموارد الطبية الأساسية والمعدات، مما يُعيق تقديم الخدمات الصحية على نحوٍ فعال”.
نوتة
تضررت معظم المرافق الصحية بشكل كبير جراء الحرب، مما أدى إلى تعطيل الخدمات الطبية الحيوية، وأعلن وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم أن “حجم الدمار والتخريب في القطاع الصحي في السودان يقدر بنحو 11 مليار دولار“، مؤكداً سعي الحكومة بجهد محلي ودولي إلى إعادة المستشفيات المدمرة للعمل. ومن جهتها أدانت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان “الاعتداءات على مرافق الرعاية الصحية”، وحمّلت اللجنة أطراف الصراع المسؤولية المباشرة عن حماية العاملين الطبيين والمستشفيات ووسائل النقل الطبية.
مستشفى السلام
جيوفاني توزي المدير القطري لمنظمة سلام الإيطالية، التي يعمل تحتها مركز السلام للقلب، منذ حوالي 17 عاماً في الخرطوم، ومركز للأطفال في بورتسودان، ومركز في نيالا، إضافة إلى عيادة أخرى في عطبرة لتوزيع العلاج القلبي. يقول جيوفاني توزي في مقابلة مع “أتر”: “منذ افتتاح مركز السلام للقلب في الخرطوم عام 2007، أجرينا أكثر من 10,000 عملية جراحية، ونتابع مرضانا من خلال نظام INR الذي يتعلق بتوزيع العلاج، إضافة إلى توزيع علاج القلب للأطفال، الذين تضاعف عددهم منذ اندلاع الحرب نظراً لزيادة عدد النازحين داخلياً. فمنذ بداية شهر مارس 2024، استقبلنا أكثر من 3000 طفل، وعاد طاقمنا إلى العمل في نيالا بهدف إعادة استعادة الأنشطة بشكل كامل، ومع ذلك تتأثر أنشطتنا بشدة بسبب الأوضاع العسكرية، حيث أقيم الآن في الخرطوم“.
“عانينا من انقطاع مستمر في الكهرباء وتعطل اتصال الإنترنت. بقينا لأكثر من ثلاثة أشهر دون كهرباء عامة واضطررنا للاعتماد على المولدات التي تستهلك أكثر من 2000 لتر من الوقود يومياً بتكلفة باهظة وبصعوبة كبيرة في تأمين الوقود. كما واجهنا مشكلات تتعلق بتأمين المواد الطبية وغير الطبية؛ فالطريق الوحيد المتاح للوصول إلى الخرطوم يمر عبر شرق النيل، وهو طريق محفوف بالمخاطر ويزداد سوءاً، بجانب ذلك لا يمكننا التحرك داخل المدينة، لذا كان علينا توفير الإقامة والخدمات اللازمة لموظفينا البالغ عددهم أكثر من 500 شخص، كما أن هناك تأخيراً يعزى إلى المعاملات البيروقراطية، مثل إصدار التأشيرات. والتضخم الحاد الذي يزيد من الضغوط المالية، مما يؤثر على قدرتنا على تغطية التكاليف المتزايدة”.
نوتة
تأسس مركز السلام للقلب في ضاحية سوبا الخرطومية في عام 2007 من قبل منظمة EMERGENCY الإيطالية، التي تأسست في ميلانو عام 1994، وظلت تقدم خدماتها المجانية للسودانيين. وحسب موقع المنظمة فإن الحرب تسبّبت في إغلاق مركز طب الأطفال في حي مايو، لكن المنظمة افتتحت منذ مارس 2024، عيادة أطفال خارجية جديدة في مجمع السلام لخدمة الأطفال في العاصمة. وبين أغسطس ونوفمبر 2023، ضم مجمع السلام أيضاً مركزاً لجراحة الطوارئ والصدمات، وتلقى حوالي 580 شخصاً العلاج – مع إعطاء الأولوية للنساء والأطفال، من بين الفئات الأكثر ضعفاً المعرضة مباشرة إلى الحرب. وبالنسبة لمرضى جراحة القلب الذين يحتاجون إلى متابعة منتظمة وأدوية مدى الحياة بعد الجراحة، أنشأت المنظمة شبكة من عيادات فرعية خارجية تابعة لمركز السلام، تتيح الوصول إلى العلاج لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى العاصمة بسبب الحرب.
وحسب جيوفاني، فإن المنظمة تمكنت مؤخراً من الحصول على المواد اللازمة من الخارج، والتي تُجلب من إيطاليا، حيث المقر الرئيس في ميلانو. وترسل هذه المواد عبر ميناء بورتسودان ومن ثم إلى المركز في بورتسودان ومن ثم الخرطوم باستخدام الشاحنات. وبسبب السيولة الأمنية، اضطرت المنظمة، حسب جيوفاني إلى زيادة المخزون الآمن لتجنب نفاد الأدوية واللوازم الطبية، كما اضطرت لتوفير الإقامة والخدمات اللازمة للموظفين لأن التنقل في المدينة بات مستحيلاً.
ومع ذلك، ما تزال المنظمة تعاني في تسيير خدماتها بسبب التمويل، “التمويل العالمي ما يزال غير كافٍ، لذا نطلب من جميع الأطراف المعنية أن تضع الأزمة الإنسانية في السودان في مقدمة النقاشات الدولية، وأن نعتبرها أولوية على الأجندة العالمية، فخطتنا ببساطة هي البقاء هنا، والاستمرار في تقديم الخدمات الصحية المجانية وعالية الجودة لمرضانا، نؤمن بأن دعم الشعب السوداني أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، بسبب الحرب الجارية، فالسودان يعاني من أزمة إنسانية منسية، مع تغطية إعلامية محدودة مقارنة بحجم الكارثة ونقص التمويل، وسوف نستمر في تقديم خدماتنا ودعمنا للسودانيين”، هكذا قال جيوفاني.