أتر

دفتر أحوال السودان  (45) : كسلا ،الدمازين ونهر النيل

تصوير حسن يعقوب قماري

الدمازين: حصار ونزوح وغلاء وتضييق أمني

توغلت قوات الدعم السريع في منطقة الأدهم – منطقة مشاريع زراعية – داخل محافظة التضامن شمال غربي إقليم النيل الأزرق، والمتاخمة لولاية سنار عبر محلية الدالي والمزموم في مطلع أغسطس الجاري، لكن سرعان ما أعلن الجيش السوداني بإقليم النيل الأزرق عن صد الهجوم. وبحسب لجان مقاومة الدمازين تتمركز قوات الدعم السريع في قريتي جريوة و رورو داخل محافظة التضامن، دون حدوث أي اشتباكات جديدة مع الجيش. 

ما زالت شبكات الاتصالات والإنترنت في إقليم النيل الأزرق مقطوعة منذ اجتياح مدينة سنجة، رغم بداية العودة التدريجية والجزئية لشبكتي سوداني وزين (مكالمات فقط) بمدينة الدمازين، لكن يشكو السكان من ضعفها وعدم استقرارها. وسبّب الانقطاع في خدمات الاتصالات والإنترنت أزمة في التحويلات البنكية والسيولة النقدية والتواصل، مما أثر سلباً على تقديم المساعدات وخدمات الإعاشة للنازحين والمواطنين. 

الأشجار الكثيفة في مدخل الدمازين هي أول ما أوى إليه النازحون، منذ قدومهم من مختلف مناطق سنار التي اجتاحتها قوات الدعم السريع، ريثما يجدون عقاراً للاستئجار أو معارف يمكثون لديهم، لكن السلطات المحلية بعد ساعات قليلة فقط، سارعت بطردهم من تلك الاستراحة المؤقتة بحجة أن وجودهم في مدخل المدينة منافٍ للمظهر الحضاري. وتسارعت استجابة سكان الأحياء المجاورة، باستضافتهم في المدارس وإنشاء مطبخ مركزي لهم وفتح صندوق تبرعات لإعانتهم على المُصاب جراء النزوح. 

بحسب مصفوفة تتبع النزوح، فقد فر 22% من السكان الذين كانوا بمختلف مناطق ولاية سنار إلى إقليم النيل الأزرق، منهم 104,340 بمدينة الدمازين، و 51,940  بمدينة الروصيرص. وأنشئ 46 مركز إيواء بكلا المدينتين ومحافظة قنيص، ودشنت مطابخ مركزية، وأخرى داخل مراكز الإيواء. 

تواجه هذه الجهود المبذولة بعوائق فصل الخريف، والبنية التحتية الهشة لمراكز الإيواء، تتمثل في صعوبات كالمياه الراكدة التي تسببت في أزمة صحية وبيئية، إضافة إلى انتشار الأمراض والحشرات الناقلة، فضلاً عن المعاناة في تأمين المواد الغذائية، والاحتياجات اليومية للنازحين والسكان، إذ تشهد الأسواق ارتفاعاً في أسعار المنتجات الاستهلاكية بسبب الإغلاق، واحتمال انعدامها. 

تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بمدينة الدمازين بصورة طبيعية، رغم اكتظاظها بالنازحين والفارين، الذين وفدوا إليها طلباً للخدمات العلاجية، ونقص الكادر الطبي، إذ غادرت أعداد كبيرة من الأطباء المدينة، ومن بقي فهو مضطر. 

 نسبة لإغلاق الطريق الرابط بين الإقليم وبورتسودان العاصمة الإدارية للبلاد، تناقص المخزون الدوائي على نحو ملحوظ، ويمضي نحو الانعدام في حال توقف الإمداد. وبحسب إفادات السكان، فإن هناك طائرة حربية قدمت إلى النيل الأزرق من بورتسودان محملة بالأدوية الطبية المنقذة للحياة في الإقليم، خزنت بصيدلية التأمين الصحي، لكن رغم ذلك فهناك شح كبير في الدواء، وينسحب الوضع على جميع أصناف الأدوية طارئة. 

النقص في الدواء تسبب في توقف مركز غسيل الكلى بمدينة الدمازين، وقبل معاودة نشاطه مرة أخرى توفي ثمانية من مرضى الكلى نتيجة للتوقف. 

التذبذب في سعر صرف العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية، أثر بدوره على أسعار الأدوية في الصيدليات، فإضافة إلى ندرة الأصناف، ارتفعت أسعار الأدوية إلى الضعف وبعضها إلى الضعفين. ويلاحظ أن كثيراً من الصيادلة باتوا يعمدون إلى جرد مخزون الدواء في حال قلت كميته، وبيعه لصيادلة آخرين. 

 يعاني النازحون بمراكز الإيواء معيشياً، إضافة إلى انتشار مرض ملتحمة العينين أو ما يعرف بالتهاب العين كحال عديد مناطق البلاد، نتيجة التكدس الشديد في أوساطهم، وعدم توفر الرعاية الصحية لهم. 

قلت الحركة الداخلية داخل مدن الإقليم وبينها، ومرد ذلك الشح الكبير في الوقود، وارتفاع أسعاره في السوق الموازي، إذ بلغ سعر جالون البنزين 60 ألف جنيه سوداني إن وجد. 

يشتهر إقليم النيل الأزرق بموسم أمطاره الغزير عموماً. ووفق تقديرات الهيئة العامة للأرصاد الجوية، ونظراً لزيادة معدل هطول الأمطار خريف هذا العام، فمن المتوقع هطول أمطار غزيرة جداً مصحوبة برياح قوية وزوابع رعدية، في الإقليم ومناطق عديدة بالبلاد، وهو ما يسهم في مزيد إغلاق الطرق غير المعبدة التي يلجأ إليها المغادرون من الإقليم، مما يصعب السفر سواء إلى ولاية القضارف أو إلى دولتي جنوب السودان وإثيوبيا الحدوديتين. 

يعاني المغادرون من الإقليم من وعورة الطرق، وصعوبتها نتيجة غزارة الأمطار، وأحياناً يجتازون بعض النقاط عبر الآليات الزراعية، وقد تستغرق الرحلة إلى ولاية القضارف سبعة أيام.  

أثر إغلاق الطرق وتذبذب سعر الصرف، على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في الأسواق، إذ ارتفعت الأسعار بما يفوق القدرة الشرائية، للمواطنين والنازحين على السواء، واختفى بعضها تماماً، رغم محاولة حكومة الإقليم تسعير بعض السلع مثل الذرة والسكر. 

وحددت السلطات سعر الكيلو الواحد من السكر بأربعة آلاف جنيه، وجوال الذرة الرفيعة زنة خمسة كيلة 50 ألف جنيه، لكن هذه القرارات الحكومية أدت إلى شح وندرة في السلع جراء مخاوف التجار من الخسارة. واختفى الرغيف تماماً نتيجة لاختفاء دقيق القمح، وكذلك سلعة السكر والتمر والبصل، والأخير لم يُشاهد في الأسواق والمحال التجارية بحسب إفادات مواطنين.  

وارتفعت أسعار جميع السلع ووصل سعر كيلو لحم الضأن لأربعة عشر ألف جنيه سوداني، وكيلو البقر عشرة آلاف جنيه سوداني، بينما بلغ رطل الزيت وكيلو العدس والأرز 12000 جنيه سوداني، وبلغ سعر جوال البصل زهاء الخمسمائة ألف جنيه سوداني. وبلغ سعر جوال السكر ما يربو على الأربعمائة ألف جنيه سوداني. وتسببت ندرة السلع وغلاؤها في حالة من الهلع وسط السكان والنازحين 

أمنياً ازدادت نقاط التفتيش في إقليم النيل الأزرق. ويجري تفتيش المارة وهواتفهم الشخصية، واعتقالهم لمجرد الظن والاشتباه، خاصة الناشطين في مراكز الإيواء والتكايا. وبحسب لجان المقاومة بمدينة الدمازين جرى اعتقال ثلاثة نشطاء في الأسبوع الماضي 

كسلا: توتر بعد وفاة الشاب الأمين محمد نور في ظروف غامضة

الأسبوع الماضي، شهدت ولاية كسلا بشرق السودان حالة من التوتر والغضب الشعبي، إثر وفاة الشاب الأمين محمد نور (25 عاماً) في ظروف غامضة بعد اعتقاله من قبل جهاز الأمن والمخابرات. كان الأمين، الذي نزح من مدينة ود مدني بسبب الحرب، يعيش في دار إيواء بكسلا ويعمل تاجراً في محل لبيع الفول، وهو متزوج وأب لطفلة. 

وبحسب رواية أسرة الأمين، فإنه اعتقل يوم الخميس الماضي في مدينة ود شريفيْ، الواقعة على بعد 16 كيلومتراً جنوب شرق كسلا، من قبل قوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات. وأفادت الأسرة بأنه تعرض للتعذيب خلال التحقيق، مما أدى إلى وفاته في الساعات الأولى من صباح الجمعة. وفي حين برر مدير جهاز الأمن في كسلا الوفاة بأنها نتيجة ضيق في التنفس، كشف تقرير الطب الشرعي عن وجود إصابات وكدمات في جسده وضربات على الرأس، مما عزز احتمال تعرضه للتعذيب. 

عقب انتشار نبأ الوفاة، أصدرت أسرة الأمين تصريحاً أكدت فيه أن ابنها لا علاقة له بقوات الدعم السريع، خلافاً لما أعلنه جهاز الأمن. وتصاعد التوتر في كسلا، إذ اندلعت احتجاجات سلمية شارك فيها عدد من الشباب، الذين وضعوا متاريس أمام مبنى جهاز الأمن والنيابة العامة وأغلقوا سوق المدينة 

في محاولة لتهدئة الوضع، حاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بإطلاق أعيرة نارية، مما أدى إلى زيادة حدة المواجهات. ولم تهدأ وتيرة الاحتجاجات إلا بعد تسليم جهاز الأمن قائمة بأسماء المتهمين إلى النيابة العامة وفتح بلاغ تحت المادة 130 من القانون الجنائي (القتل العمد). 

رغم تهدئة الوضع وعودة الحياة إلى طبيعتها في كسلا، أشارت اللجنة القانونية التي تمثل أسرة الأمين إلى أن الإجراءات القانونية ما زالت متوقفة عند رفع الحصانة عن المتهمين، وهو إجراء يتطلب توجيهاً من النائب العام إلى مدير جهاز الأمن في بورتسودان. في هذه الأثناء، أعيد استجواب الشاكي والشهود بكسلا بحضور هيئة الاتهام في القضية. 

وأكدت هيئة الاتهام أن الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام غير صحيحة، مشددة على أن النشر في هذه المرحلة الأولية من التحقيقات قد يضر بسير القضية. 

وتأتي الأحداث في وقت تشهد فيه ولاية كسلا تدفقاً كبيراً للنازحين منذ اندلاع الحرب. ووصل عدد دور الإيواء إلى أكثر من 350 داراً في مختلف مدن الولاية. وأعادت الأحداث إلى الأذهان النزاعات الدامية التي شهدتها كسلا في السنوات الماضية، مما أثار حالة من الرعب والقلق بين المواطنين وأدى إلى شلل في الحركة العامة. 

ومع ذلك، بدأت الأوضاع تعود تدريجياً إلى طبيعتها في المدينة، رغم استمرار وجود ارتكازات أمنية في مناطق مختلفة. 

يتوقع مراقبون أن تكون هناك تداعيات أخرى إذا لم تأخذ العدالة مجراها في هذه القضية الحساسة. 

ولاية نهر النيل: السلطات الصحية تعلن تفشي الكوليرا بعطبرة وبربر والدامر

في ظل أزمة صحية متفاقمة، يعاني سكان ولاية نهر النيل، في مدينة عطبرة وبربر والدامر، من تفشي مرض الكوليرا الذي ألقى بظلاله الثقيلة على حياتهم اليومية. يعكس الوضع الراهن عمق الأزمة الإنسانية التي يتعرض لها السكان، إذ يتزايد عدد المصابين يومياً على نحو مقلق، مما يهدد حياة الكثيرين ويزيد من معاناتهم. 

تعد مياه الشرب الملوثة أحد أبرز الأسباب وراء انتشار الوباء. وأفادت تقارير بأن شبكة المياه في المنطقة تفتقر إلى الصيانة الجيدة، وتعرضت للتلوث من مصادر متعددة. على الرغم من الجهود التي بذلت لتحسين جودة المياه، إلا أن العديد من السكان ما يزالون يعتمدون على مصادر مياه غير آمنة، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالكوليرا. 

وعقدت الدكتورة ماجدة عبد الله وزير الصحة بولاية نهر النيل، مؤتمراً صحفياً، عصر الخميس الموافق 29 أغسطس، بمقر الوزارة بعطبرة، بحضور قيادات الوزارة والأجهزة الإعلامية الولائية والقومية، أعلنت فيه تفشي وباء الكوليرا بولاية نهر النيل، وقالت إن أول حالة ظهرت في مطلع أغسطس بمحلية الدامر (البسلي)، ثم تصاعدت الحالات بشكل متواصل حتى بلغت (٢١٠) حالات أكثرها بمحلية عطبرة ٨٤ حالة تليها الدامر (٤٠) حالة، وباقي الحالات موزعة بين بربر وأبوحمد، وقالت إن المحليات الجنوبية (شندي والمتمة) والبحيرة في الشمال خالية من الوباء حتى وقت انعقاد المؤتمر الصحفي -، وعزت ذلك للجهود التي بُذلت في تلك المحليات في مجال إزالة النفايات وتجفيف مياه الأمطار الراكدة، وأعلنت عن سبع حالات وفاه نتيجة الإصابة بالمرض، الذي بات ينتشر بسرعة بسبب تناول الطعام المكشوف وشرب المياه الملوثة وانتقال العدوى عن طريق النواقل، وأكثرها خطورة الذباب والبعوض. 

وفي تطور جديد للوباء، أعلنت السلطات الصحية بولاية نهر النيل شمال السودان، يوم الأربعاء، عن ارتفاع الإصابة بالكوليرا إلى 700 حالة، منها 30 وفاة. 

وأشارت إلى أن محلية الدامر سجلت أعلى عدد من الإصابات، حيث بلغت 47 حالة، تلتها عطبرة بـ17 حالة، وبربر بـ13 حالة، في حين سُجلت حالة واحدة في كل من محليتي أبو حمد والبحيرة، إضافة إلى 3 حالات عابرة للطريق، كما بلغ عدد حالات التعافي 406 حالة. 

 وأكدت الوزارة أنها تبذل جهوداً مضاعفة لمحاصرة الوباء والقضاء عليه، وناشدت الجميع مساندة الوزارة باتباع الإرشادات الصحية وأهمها النظافة الشخصية وغسل الأيدي بالماء والصابون والتبليغ الفوري لأقرب مرفق صحي عند الشعور بأعراض المرض، وناشدت أيضاً الخيرين التبرع للمستشفيات بالأسرّة والمحاليل الوريدية. 

وبعد حصر الحالات بمستشفى عطبرة بلغ عدد الوفيات 9 حالات حتى اليوم الجمعة 30 أغسطس، وأقيمت مراكز للعزل عبارة عن خيام يتوفر فيها الدواء. ولكن حسب مصادر طبية فإن الأدوية ستنفد قريباً.  

وسجل مستشفى بربر عدد 37 إصابة حسب إفادات الكوادر الطبية من المستشفى، وأنشئ مراكز عزل للمصابين، مع توفر الأدوية نسبياً . 

Scroll to Top