اللوحة مستلهمة من صورة: عبدالله مهدي بدوي
مثّل قرار الدعم السريع بقَطع الطريق على نقل السلع الغذائية والمنتجات الزراعية والغابية والثروة الحيوانية قاصمةَ الظهر بالنسبة للمنتجين والتجار، إذ توقّفت عمليات البيع والشراء مع بداية موسم الحصاد وتراجعت أسعار السلع إلى مستوى قياسي في أقل من أسبوع واحد، بعد تطبيق القرار الذي شمل حتى السلع الواردة لمناطق الدعم السريع على غير المتوقع.
وكانت قوات الدعم السريع قد نفذت قرار منع خروج السلع بأنواعها من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة الجيش وإلى دول الجوار، وتحديداً مصر، المستورد الرئيس للثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية من السودان.
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل العام الماضي، نشطت مصر في استيراد السمسم والفول السوداني، والكركدي والصمغ العربي والجمال والأبقار والضأن، عبر وكلاء سودانيين بعيداً عن اتّباع الإجراءات الرسمية في عمليات الصادر، التي تتطلب شروطاً من ضمنها إعادة حصائل الصادرات، وفقاً لإفادات عدد من تجار المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية تحدثوا لـ «أتَـر»، واشترطوا عدم كشف هوياتهم لدواعٍ أمنية.
وفي المقابل، اعتمد السودان على استيراد السلع المختلفة والمواد الغذائية والأدوية من مصر عبر الطرق البريّة بنسبة أكبر مما كان قبل الحرب، من أجل سدّ النقص الحاد في المواد الغذائية عقب عمليات السطو والنهب شبه المنظم التي تعرّضت لها المصانع الوطنية وصوامع شركات الاستيراد في السودان.
وقال الأمين أحمد، وهو صاحب بقالة بالحارة 23 الثورة، إنّ المستهلك السوداني لا يجد بديلاً سوى شراء السلع المصرية، التي تسيّدت أرفف المحلات التجارية، مشيراً إلى أن المنتجات السودانية مثل الزيوت والألبان والصابون والبسكويت، انتقلت صناعتها إلى مصر بعد تدمير المصانع في السودان.
لا أحد يغامر بشراء وترحيل السلع من مكان إلى آخر مهما كانت المغريات، ما دام يشعر بملاحقة الدعم السريع وغياب الأمان على الطريق
وأدّى تلازمُ توقف حركة النقل مع توقف عمليات البيع والشراء التي كانت تسير حثيثاً في مناطق الإنتاج، إلى تراجع أسعار المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وبالمقابل ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية التي كانت تُستورَد من مصر.
ويقول أحمد عبد المجيد من منطقة الزريقة بولاية النيل الأبيض، التي تُنتج كميات مقدرة من السمسم الأحمر الذي يُصدَّرُ سنوياً إلى مصر، إنّ الأسعار تراجعت بعد القرار على نحو بالغ، إذ انخفض سعر قنطار السمسم من 110 آلاف جنيه إلى ما بين 65 و70 ألف جنيه.
ويقول أحمد، إنّ قرار الدعم السريع بمنع الصادر انعكس سلباً على المزارعين، الذين وقع تأثير القرار عليهم مباشرة، ويفصّل في حديثه لـ «أتَـر» بالقول: «بدأ موسم حصاد السمسم في مطلع أكتوبر الحالي، وقبل بيع المزارعين محاصيلهم صدر القرار الذي تسبّب في تراجع الأسعار على نحوٍ مستمر، قبل توقف عمليات الشراء من قِبَلِ التجار الذين استشعروا خطر منع نقل المحاصيل إلى خارج مناطق الإنتاج».
وفي ولاية شمال كردفان، التي توقفت فيها شبكات الاتصالات لأكثر من عشرة أيام، وجد المزارعون أنفسهم بين مطرقة شح السيولة النقدية، وسندان توقف التحويلات البنكية وتراجع الأسعار. متحدثاً لـ «أتَـر»، قال آدم عبد الله من قرية أم عشرة بإدارية ود عشانا التابعة لمحلية أم روابة، إنّ عمليات شراء السمسم أصبحت حصراً على صغار التجار في القرى الذين وضعوا أكثر من سعر لقنطاره، تختلف بين سعر البيع نقداً وبين سعر البيع عبر تطبيق بنكك، وسعر ثالث من الأسواق الأسبوعية التي تُقام في القرى، وسعر رابع في غير أيام الأسواق.
ويبلغ سعر قنطار السمسم بالكاش 55 ألف جنيه، ويتراوح سعر الشراء عبر «بنكك» ما بين 65 ألفاً و70 ألف جنيه، ويباع القنطار في غير أيام الأسواق بـ 50 ألفاً. وأرجع آدم عزوف التجار عن الشراء إلى قرار منع الترحيل إلى الأسواق خارج ولاية شمال كردفان.
وتأثّرت كذلك عمليات الحصاد بانخفاض الأسعار، إذ أوقف التجار تمويل المزارعين. وقال آدم إنّ المزارعين كانوا يستدينون من التجار لإكمال الحصاد، لكن بسبب تراجع الأسعار وتوقف الترحيل، أحجم التجار عن التعامل مالياً مع المزارعين، متوقّعين مزيداً من تراجع الأسعار إذا استمر إغلاق الطرق، وهي معاناة جديدة تضاف إلى كاهل المزارعين.
وفي المقابل، تراجعت أسعار الماشية طبقاً لما أفاد به يوسف أحمد، التاجر بسوق تندلتي، وقال إنّ سعر الرأس من الضأن الذكر انخفض بمقدار ما بين 50 و100 ألف جنيه.
بينما انخفضت أسعار النعاج الإناث «العَبُور» لتتراوح ما بين 50 و70 ألف جنيه للرأس. وأرجع يوسف السبب إلى توقف النقل إلى مناطق الاستهلاك في الولايات الشرقية والتصدير إلى الخارج.
وكانت أسعار الجمال قد ارتفعت في أغسطس الماضي لأول مرة منذ اندلاع الحرب. وبلغ سعر الجمل الطاعن والقابل للتصدير مليونَي جنيه قبل أن يتراجع إلى مليون وسبعمائة ألف جنيه في الأسبوع الماضي، وتراجع سعر الناقة الجزارية من مليون ونصف إلى مليون ومائتي ألف جنيه.
وظلت أسعار الأبقار ثابتة دون زيادة ونقصان، إذ يتراوح سعر الثور في سوق تندلتي ما بين 600 ألف و800 ألف جنيه.
ويقول أحد التجار بسوق المواشي، بتندلتي، طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ الأمنية، إنّ أسعار المواشي كانت على وشك الزيادة بعد بداية إنتاج السمسم ووصوله إلى الأسواق، لكن قرار الدعم السريع بإيقاف نقل السلع والحيوانات تسبب في تراجع الأسعار واستقرار بعضها.
وأخبر التاجر الذي رفض الإشارة إلى اسمه، إلى أن تجار المواشي كانوا يترقبون نهاية الحصاد لأن المزارعين كثيراً ما يدّخرون الأموال التي يحصلون عليها من الزراعة بشراء المواشي.
وفي بعض الأوقات، يبيع المُزارع قطيعه من الحيوانات لتمويل الزراعة، ليعيد شراء الحيوانات مرة أخرى نهاية موسم الحصاد، وهي حالة أشبه بعملية الادخار في البنوك. لكن تراجع أسعار المحاصيل الزراعية سوف يؤثر على القدرة الشرائية للمزارعين، وربما فشلوا في إعادة المواشي التي باعوها سابقاً لتمويل الزراعة، كما يلفت تاجر المواشي لـ «أتَــر».
وتأثرت أسعار الفول السوداني أكثر من غيرها بقرار إغلاق الطُّرق. وافتُتح الموسم هذا العام بأسعار متدنّية تراوحت بين 7 و10 آلاف جنيه فقط للقنطار بأسواق ولاية غرب كردفان التي تحتلّ موقعاً متميزاً بين الولايات في زراعة الفول السوداني.
وقال آدم عيسى، أحد المزارعين بالولاية، متحدثاً لـ «أتَـر»، إن مزارعي الفول بالولاية يتوقع أن يتعرضوا لخسائر فادحة لو استمر الوضع على ما هو عليه حالياً. وعلل ذلك بأن إنتاجية الفول تفوق حاجة الاستهلاك المحلي، ولا بدّ من وجود منافذ للتصدير وإلا كانت الخسائر مدمّرة للمزارعين.
ويَفترض عددٌ من التجّار أن السعر المناسب لقنطار الفول في مناطق الإنتاج، يجب أن يتراوح بين 45 و55 ألف جنيه. ويقول التجار إن أي سعر أقل من ذلك يَدفع المزارع إلى خسائر ربما تعيقه من الزراعة العام المقبل.
وتأثّرت السلع الواردة بتوقف عمليات الترحيل بالطريق الذي يبدأ من الدبّة مروراً بالنيل الأبيض وكردفان الكُبرى إلى دارفور. وقال عدد من سائقي الشاحنات إنهم كانوا في طريقهم إلى الدويم بولاية النيل الأبيض، إلا أنّ السلطات الرسمية في محلية الدبّة أجبرتهم على اتخاذ طريق عطبرة- هَيَا- كسلا- القضارف- سنار.
ويستغرق الطريق الجديد ما يزيد عن أسبوعين بالنسبة للشاحنات، ما يضاعف سعر الترحيل حوالي ثلاث مرات، ويهدّد سلامة وحياة السائقين وفقاً لإفادات حصلت عليها «أتَـر».
وتأثرت المصانع الصغيرة التي تُنتج الزيوت بولايتي نهر النيل وبورتسودان بإيقاف نقل السمسم والفول السوداني من مناطق الإنتاج في غرب البلاد. وقال الفكي عبد الله، الذي يعمل تاجراً في سوق عطبرة، متحدثاً لـ «أتَـر»، إن سعر جركانة زيت الفول قفز من 89 ألف جنيه إلى حوالي 011 آلاف جنيه، عقب قرار منع وصول المحاصيل الزراعية إلى شمال السودان.
وتوقّع عدد من المزارعين تحدثوا لـ «أتــر»، أن يتسبب القرار في خسائر فادحة للمزارعين، خاصة وأنه صدر مع بداية الموسم، وقبل أن تخرج المنتجات الزراعية من يد المزارعين إلى مخازن التجار، وهو ما جعل أسعارها تتراجع على نحوٍ لافت.