الصورة من تصوير: حسن يعقوب قماري
صلاة الفاتح (عند صاحبها الشيخ أحمد التجاني الياقوتة الفريدة):
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الفاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ والخاتِمِ لِمَا سَبَقَ نَاصِرِ الحَقِّ بِالحَقِّ والهَادِي إلى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ وعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدْرِهِ ومِقْدَارِهِ العَظِيمِ”.
كانت صلاة الفاتح في زمان مضى موسيقى خلفيةً في الحِلّة في أم درمان وبركةً مُرسَلة، يسمعها السامع من زاوية التجانية في ود أرُو، وكذلك من زاوية الشيخ مدّثر إبراهيم الحجّاز (١٨٦٦-١٩٣٧) في ود البنّا. ومن ذِكْر الجمعة عند السادة التجانية الكلمةُ المشرّفةُ، وهي «لا إله إلا الله» بعد صلاة العصر، على أن يتصل الذِّكْر حتى الغروب.
في ما يلي ترجمتان قصيرتان لعَلَمين من أعلام الطريقة التجانية؛ الشيخ مدّثر إبراهيم الحجّاز في أم درمان، والشيخ إبراهيم سيدي محمد التجاني (١٩٤٩-١٩٩٩) في الفاشر؛ تلخيصاً من ورقة الدكتورين علي صالح كرار ويحيى محمد إبراهيم في مجلة سودانيك آفريكا، مجلد ١٤: ص ٦١-٧٥ (٢٠٠٣)، وورقة الدكتور روديغر سيسمان، كذلك في مجلة سودانيك آفريكا، مجلد ١١: ص ١٠٧-١٢٤ (٢٠٠٠)، إضافة إلى فصل الدكتور سيسمان «تاريخ التجانية ومسألة التربية في دارفور (السودان)» في كتاب من تحرير جان لويس تريو وديفيد روبنسون (٢٠٠٠).
شملت سيرة الشيخ مدثر الحجّاز التركية والمهدية وقسطاً كبيراً من عهد الاستعمار البريطاني، بينما عاش الشيخ إبراهيم سيدي «دولة ١٩٥٦» في عبارة اليوم من زاويته في الفاشر. وسيرتا الاثنين شبّاكٌ إلى عالَمٍ مثقّفٍ تقليديٍّ وأمميٍّ إسلاميّ، استُثِير خيالُه بشغفٍ أمميّ، على خلاف الدولة القومية «أخْنِقْ فَطِّس» التي نشأ على دَبَارتها أو سوء دَبَارتها الخرّيجون. نشأت الدولة الاستعمارية التي قام فيها الخرّيجون كمشروع عسكري لتأمين مياه النيل، ونصّت شهادة بحثها، اتفاقية الحكم الثنائي بين الحكومتين البريطانية والمصرية (يناير ١٨٩٩)، في مادّتها الثالثة على أن تُفوَّض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظّف واحد ترشّحه الحكومة البريطانية وتعيّنه الحكومة المصرية، ذلك في منصب «حاكم عموم السودان». صار بذلك سردار (قائد) الجيش المصري حاكم السودان العام، وتقلّد المنصب الجنرال اللورد كتشنر (١٩ يناير ١٨٩٩ – ٢٢ ديسمبر ١٨٩٩) ثم الجنرال ونجت (٢٣ ديسمبر ١٨٩٩ – ٣١ ديسمبر ١٩١٦) وتبعه الميجر جنرال السير لي ستاك (١ يناير ١٩١٧ – ١٩ نوفمبر ١٩٢٤). اغتال مناضلون مصريون السير لي ستاك في وضح النهار بالقرب من مبنى الحربية في القاهرة، وبموته أخذت الحكومة الإنجليزية بوصية اللورد ملنر (أغسطس ١٩٢٠)؛ فصل القيادة المدنية عن العسكرية، فتولّى السير جيفري آرثر منصب حاكم عام السودان وعُيِّن اللواء هدلستون قائداً عاماً لقوة دفاع السودان التي نشأت في أعقاب ثورة ١٩٢٤ بغرض تحصين الجندية السودانية من نفوذ حركة التحرر المصرية.
أما السودان، كاجتماعٍ حيٍّ من أبطاله مثل الشيخ مدثر الحجّاز والشيخ إبراهيم سيدي، فأمرٌ آخر. يطمس فلاسفة الدعم السريع وأنصارُه الذين يلهجون اليوم بلعن دولة ١٩٥٦ هذا التمييز بين الدولة الاستعمارية والاجتماع البشري طمساً، هذا ومدافعهم تدكّ الحصاد الحضري لهذا الاجتماع وتطلب إعدامَه بالكلّية. جاز اليوم، وقد هُدّد مِرق هذه الدولة أكثر من مرة، بانفصال الجنوب في ٢٠١١ وبالحرب الضروس على أهلها اليوم، التأملُ في مصادر أخرى لبراكسيس الحياة المشتركة، وترجمة البراكسيس من القاموس الماركسي «وحدة العلم والعمل». من هذه المصادر، المربع الديمقراطي المتقدّم الذي جادت به الطبقة العاملة وآركيولوجي الاقتصاد القيمي للطرق الصوفية. قد يَفتح إذن تاريخُ مثل الشيخ مدثر الحجّاز والشيخ إبراهيم سيدي شبّاكاً على خيال آخر لهذا الاجتماع، غير الذي كانت منبعه أقلام الخرّيجين الصحفية ووظائفهم الحكومية.
إنْ كانت المدارس الثانوية، ومركزها كلية غردون، هي أوتاد دولة الخريجين فقد تناقصت هذه الأوتاد (والتعبير لمنصور خالد) بتفكيك دولة الرعاية صامولة صامولة، منذ تحرير المرحوم بدر الدين سليمان للجنيه في سبعينات القرن العشرين، مروراً بتحريره من جديد بيد المرحوم عبد الرحيم حمدي في تسعينيات القرن العشرين، ثم تحريره الأخير بيد إبراهيم البدوي وجبريل إبراهيم، حتى تدهورَت إلى بنشات في شارع المين وسيل لا ينقطع من المُكاواة. في المقابل، سكنت الطبقة العاملة فضاءً آخر، خطوطُ جغرافيته ومادةُ اجتماعِه السِّككُ الحديدُ ووِرَشها ومحطّاتها وورش الغابات والري والخزّانات وما استقرّ من عمارة الصناعة الحديثة. أما مِثْل المرحوم مدثر الحجّاز والمرحوم إبراهيم سيدي من رعايا دولة ١٩٥٦ فوطنهم فضاء اجتماعي وثقافي للسودان للكبير، يمتدّ من سواكن حتى مايدوغري ونواكشوط وفاس، ركائزه سلسلة الخلاوى والزوايا وتنظيمات الطرق الصوفية التي أوكل الناسُ إليها تأمين جزء كبير من مؤونتهم وإصلاح ما بينهم وسلامة مَعادهم. يقع القارئ على مادّية هذه الفضاء في خرائط سياحة المشايخ، ذلك في مقابل سجلّ نقليات الموظّفين أو منفستو عمليات الضباط.
وُلد مدثر إبراهيم الحجاز في قوز السوق في بربر، وأهلُه من الكميلاب الجعليين. كان والد مدثر موظفاً في الإدارة التركية في بربر، أما والدته فمن سلالة الشيخ محمد القناوي المصري، الذي استقرّ في بربر على عهد عجيب المانجلك، ووالدة جدّه ابنة الشيخ محمد عبد الوهاب المقرّب من مُكوك المِيرَفاب. أكمل مدثر حفظ القرآن في طفولته على يد عمّه سليمان الحجّاز، العالم المعروف في تلك الحقبة، والذي عيَّنه الإمام المهدي في ١٨٨٦ وكيلاً لمَحاكم الإسلام، ثاني أعلى وظيفة قضائية في دولة المهدية. انتقل مدثر عندها لدراسة العلوم الدينية في الدامَر على يد محمد أحمد جلال الدين المجذوب واستمرّ تعليمه عند محمد الخير عبد الله خوجلي في خلاوى الغُبُش، وكان هذا الأخير من أساتذة المهدي ووكيلاً له في بربر.
سافر مدثر إلى الحِجَاز في أكتوبر ١٨٨١، أربعة أشهر بعد إعلان الدعوة المهدية، وظلّ في المدينة ستة أشهر يتعلّم العلوم الدينية من علماء مغاربة منهم عبد الحي ومحمد جعفر الكتاني وأحمد الشنقيطي، ونال من كلٍّ منهم إجازة. عاد إلى السودان في مارس/أبريل ١٨٨٢ وانضمّ إلى الدعوة المهدية وصار كاتباً للإمام المهدي الذي قِيل إنه قد أودعه النسخة الأصلية للراتب. مات الإمام المهدي في يونيو ١٨٨٣ فصار مدثر كاتب أول ديوان الخليفة.
دخلت الطريقة التجانية أقاليم السودان الغربية والسودان النيلي في منتصف القرن التاسع عشر، وذلك بفضل مجهودات الداعية محمد المختار بن عبد الرحمن الشنقيطي. جمَع الشنقيطي بين الدعوة والتجارة، وتنقّل بين مصر والحِجَاز وتُمبُكتو ووَدّاي ودارفور حتى استقرّ به الحال مؤقتاً في بربر، في ضيافة تاجر آخر هو زين العابدين المغاربي. سَلّك الشنقيطي الكثيرين في طريق التجانية خلال هذه الفترة ومنهم محمد الخير وأبو القاسم هاشم وأسرته ومدثر الحجّاز. شبّ خلافٌ عظيمٌ بعد وفاة زين العابدين المغاربي بين أقاربه والشنقيطي، فانتقل الأخير إلى جزيرة أم حَراحِر جنوب شندي، وتوطّن فيها وتملّك أرضاً وأنشأ عُصبة، كما واصل دعوته لطريق التجانية فانضمّ إليه أحمد الهدي السُّوارابي الذي نشر الطريقة التجانية بدَوره في مناطق الشايقية وفي جهات دنقلا.
تعلّق مدثر بالطريقة التجانية بفضل الشنقيطي، ثم جدَّد هذه الصلة بنَيله الإجازة العلمية من القاضي أحمد سكيرج في مكة عام ١٩١٥/١٩١٦، وهو من كبار شيوخ التجانية وأغزرهم تأليفاً، وتولى القضاء في سطّات المغربية. كان الحجّ ميعاد مدثر الحجّاز للقاء شيوخ التجانية من جميع أنحاء العالم الإسلامي، من ذلك لقاؤه في سبتمبر ١٩٢٧ الشيخ الكبير هاشم بن أحمد بن سعيد الفوتي (واشتُهِر باسم «ألفا هاشم») الذي أجازه كذلك، ولقاؤه إبراهيم بن الحاج عبد الله نياس السنغالي. كما توثّقت صلة الحجّاز بكبير التجانية في مصر الشيخ محمد بن مختار الحافظ وتبادلا الرسائل حتى الأجل.
وبحسب مؤرّخ السودان الغربي الكبير أوفاهي، فإن الطريقة التجانية صارت لها بنهاية القرن التاسع عشر ثلاثة مراكز رئيسة في السودان، جزيرة أم حَراحِر جنوب شندي وشيوخها آل الشنقيطي، وخُرْسِي في كردفان وشيوخها آل الدرديري، وأوْسْلِي في ديار الشايقية وشيوخها آل الهدي. أسَّس مدثر الحجّاز والهاشماب مركزاً جديداً للتجانية في أم درمان بعد انهيار الدولة المهدية تزعَّمه الشيخ محمد البدوي نقد، وهو أزهري تولّى القضاء في بربر وأم درمان خلال المهدية ثم صار عضواً في مجلس العلماء الذي أنشأته الدولة الاستعمارية حتى وفاته في ١٩١١. خلَفَ مدثر الحجّاز الشيخ محمد البدوي نقد في مشيخة التجانية في أم درمان، ونقل مركز الطريقة إلى زاويته في ود البنا التي شيّدها في ١٩٠٦. تعايَشَ الحجّاز مع حكومة الأمر الواقع الاستعمارية ونال منها حظوةً، كما لم يعارض التعليم العلماني، وتخرّج ابنه وخليفته محمد المجذوب (١٩٠٠-١٩٨٥) في كلية غردون.
خالف الحجّاز التجانية بإصراره على توقير الشيوخ من غير التجانية وجمَعَ بين أذكارهم وأذكار التجانية. كما ظلّ وفياً للمجاذيب أساتذته الأوائل، وكتب مدحاً غزيراً لشيوخهم، خاصة محمد مجذوب الطاهر المجذوب، وكان يُعَنْوِن خطاباته لهم بتوقير شديد: «حبيبي» و«سندي» و«غوثي» و«سيدي». كما اتصل بشيوخ السمَّانية، بخاصة عبد المحمود نور الدائم حفيد الشيخ أحمد الطيب في طابَت، وكتب عبد المحمود تقريظاً لديوان الحجّاز «بهجة الأرواح». ولمّا مات عبد المحمود نعاه مدثر الحجّاز بقصيدة عصماء. كذلك اتصل الحجّاز بالشيخ قريب الله حفيد الشيخ أحمد الطيب ومؤسّس فرع السمّانية في أم درمان. لم ينقطع الشيخ قريب الله عن الصلاة في مسجد الحجّاز إلا عندما أقام المسجدَ الخاص به في ود نوباوي. إلى ذلك كان الحجّاز صديقاً لأحفاد الشيخ أحمد بن إدريس، بخاصة محمد بن على بن أحمد بن إدريس، وداوم على زيارة أسرته وأقاربه في دنقلا وأم درمان، وتوثّقت هذه الصلات بالذات مع محمد شريف بن عبد العال بن أحمد بن إدريس الذي خَصّ الحجاز بوصفات علاجية بخطّ جدّه الإمام أحمد بن إدريس. فوق ذلك، سَلَك الحجّاز الطريقة الختمية على يد محمد عثمان الميرغني (١٨٤٨-١٨٨٦) وكان عبر هذا الباب صديقاً مقرباً للسيد على الميرغني. لم تُوجِب هذه الصلة انقطاعاً عن المهدية، إذ ظلّ الحجّاز على صلة بالسيد عبد الرحمن المهدي (١٨٨٥-١٩٥٩) في زمرةِ صداقةٍ ضمّته وأحمد هاشم وعبد الله حمودة السناري.
شمل عالَم الشيخ مدثر، الممتدّ إلى المغرب ودار فولاني، الحِجَازَ العربي، وكان في الغالب يرى نفسه كادراً مجالُه أرضُ الإسلام، وتردَّد كثيراً على مركزها الحجازي. توثّقت علاقته بالشريف حسين، وتبادلا رسائل عديدة يخاطبه فيها الشريف حسين بعبارات احترام بالغ: «العالِم الفاضل الشيخ المدثر» إلى جانب المعايدات التقليدية. كما لبّى كلٌّ من مدثر الحَجّاز وأبو القاسم هاشم دعوةً من عبد العزيز آل سعود، بصفتهما من علماء المسلمين، للمشاركة في المؤتمر الإسلامي العالمي الذي انعقد في مكة في يونيو ١٩٢٦. كان من أغراض المؤتمر إعادة تنظيم الحجّ بعد تناقُص أعداد الحجيج بسبب القتال بين الوهّابيين والهاشميين على السلطان.
لم يكن مدار اللحمة الإسلامية التي كان كادرها في أم درمان الشيخ مدثر الحجّاز نيلياً وكفى، فالطريقة التجانية عابرة للحدود والقارّات، ومن ذلك صَلاتُه التي ورد ذكرها. مثّلت الطريقة من هذا الباب جسراً غزير المرور بين السودان النيلي والسودان الغربي، فمقابل الحجّاز في أم درمان كان الشيخ إبراهيم سيدي محمد التجاني (١٩٤٩-١٩٩٩) في الفاشر. تقرأ من سيرة الشيخ إبراهيم موقعاً وسطاً للفاشر بين السودان النيلي وبلاد السودان الغربية، الفاشر فيه محورٌ وليست طرفاً هامشاً. وقماشة التاريخ الذي نشأ فيه وصنَعَه الشيخ إبراهيم قماشة كثيفة متعدّدة الطبقات وليست مقابلة صمديّة، كما في مَحقة المثقّفين، بين أولاد بحر وأولاد غرب.
تعود جذور الشيخ إبراهيم إلى أسرة من مالي، وُلد في الفاشر ومات والده وهو في عمر السابعة فنشأ في كنف أخواله في ملّيط ثم عاد إلى الفاشر لمواصلة دراساته الدينية على يد عمّه أحمد التجاني بن محمد سلمى (المتوفى عام ١٩٨٥). أكمل الشيخ إبراهيم الثانوية في الفاشر ومنها انتقل للدراسة في معهد بخت الرضا (الدويم) وعاد منه أستاذاً في المدارس، حيث عمل في زالنجي والجنينة ونيالا. لم تَطُل خدمة الشيخ إبراهيم في الحكومة فانقطع عنها بعد سنين قليلة وكرّس جهده منذ ذلك الحين للطريقة التجانية. تتلمذ لسنين عديدة مع شيخين عظيمين، عمر الفلاتي في الجنينة وعمر أبو بكر الملاوي في القضارف، ونال من كليهما إجازة. ثم أسّس في العام ١٩٧٩ زاوية في جوار المسجد الذي شيّده والده في حي التجانية في الفاشر.
امتاز الشيخ إبراهيم بتبشيره بتعاليم الشيخ نياس السنغالي في التربية الروحية، الأمر الذي جرّ عليه نقداً شديداً من شيوخ التجانية الآخرين في السودان وتشاد ونيجيريا ممن أنكروا هذا التعاليم. كانت تعاليم الشيخ نياس في جوهرها فضّاً لخصوصية التربية في الطريقة وإشاعةً لأسرارها. زكّى الشيخ نياس عدداً من الأوراد ألزم بها المريد تحت إشرافه، وجعل مُدّتها وقفاً على «ذوق» المريد، وقال إن هدفها النهائي تزكية النفس وإدراك المعرفة، ذلك في مقابل التسليك الروحي الطويل الذي يتضمّن صياماً ممتداً وخلوةً قد تبلغ أسابيع عديدة أو شهوراً لخاصة الخاصة من المريدين المختارين بعناية. عارض غالب شيوخ التجانية هذه البدع النياسية، خاصة وهي تهدّد احتكارهم التجربة الصوفية وهياكل التراتب الباطنية بترفيع مريدين من العوام إلى مقامات أعلى. إلى ذلك شجع الشيخ نياس أتباعه على الهَيْلَلَة (ذِكْر «لا إله إلا الله») جهراً، بينما كان الثابت وسط التجانية الإمساك عن مثل هذا الإشهار. تطوّر هذا الجدل إلى خلاف عظيم حول كتاب الشيخ إبراهيم «السمّ الزّعاف» الذي تولّى فيه الردّ على كتاب «التكفير اختار بدعاً تهدّد السلام والوحدة بين المسلمين في نيجيريا» بقلم الشريف إبراهيم صالح، وهو من شيوخ التجانية في مايدوغري النيجيرية. انقسَم بذلك أتباع الطريقة التجانية في دارفور بين معسكرين، مع الشيخ إبراهيم وضده، وفقد بذلك الإجماع الذي رشّحه لتولي زعامة التجانية في عموم السودان.
تمسّك الشيخ إبراهيم على كلّ حال بتفسيره للعقائد التجانية، شعاره في ذلك «التجانية للحياة»، ويقصد من ذلك استنباط تصوّر كليّ للحياة من تعاليم الشيخ أحمد التجاني. شدّد الشيخ إبراهيم من هذا الباب على أهمية العمل والكسب، وطالب مريديه بطاعة ملزمة تحلّ فيها خدمة التعاليم التجانية والطريقة التجانية والمجتمع ككلّ محلَّ المصلحة الفردية. لم يسافر الشيخ إبراهيم خارج السودان على عكس الشيخ مدثر الحجاز إلا قليلاً. أدّى فريضة الحجّ وزار شمال نيجيريا في ١٩٨٤. عزم في ١٩٩٧ على رحلة برية يطوف بها مراكز الطريقة التجانية في موريتانيا وفاس المغربية مروراً بشمال نيجيريا والنيجر ومالي. لكنْ مَكَر به أتباع خصمه الشريف إبراهيم صالح، فقرّرت الحكومة التشادية إبعاده بعد وصوله أنجمينا، لذا لم يتحقّق مراده، ومات بالفشل الكلوي في سبتمبر ١٩٩٩، بعلّة الصيام الطويل. ونعاه مريدوه بشعر رقيق منه بقلم محمد الأمين التجاني السيد:
رأيتُكَ وابلاً تهبُ العطايا رباب الخير تطفح بالدِّنانِ
ففي عِلْم الطريق بلغت شأواً بتأييدٍ من الشيخ التجاني
وفي فنّ القريظ سكبتَ بحراً فخمر أزاهر الفاشر رواني
Karrār, ʿAlī Sāliḥ, and Yaḥyā Muḥammad Ibrāhīm. “A Sudanese Tijānī Shaykh: Muddaththir Ibrāhīm al-Hajjāz (1866/67–1937).” Sudanic Africa 14 (2003): 61-75.
Seesemann, Rüdiger. “The Writings of the Sudanese Tijānī Shaykh Ibrāhīm Sīdī (1949-1999): with notes on the Writings of his Grandfather, Shaykh Muḥammad Salmā (d. 1918), and his brother, shaykh muḥammad al-ghālī (BC 1947).” Sudanic Africa 11 (2000): 107-124.
Triaud, Jean-Louis, and David Robinson, eds. La Tijâniyya: une confrérie musulmane à la conquête de l’Afrique. KARTHALA Editions, 2000.