أتر

أصوات تحت الحصار (52): من شرق الجزيرة، والسامراب، والقضارف

شرق الجزيرة (أب جلفا)، 27 أكتوبر 2024

نحن أصلاً من الحصاحيصا، وبيتنا الكبير هناك، وقاعدين طوال فترة الحرب دي متعايشين مع الحاصل، ومما الدعم السريع دخل مدني نحن ما شفنا خير، وجوا قعدوا معانا في الأحياء والبيوت، وما بتقدر ترفضهم أو تقول ليهم أطلعوا من بيوت الناس، ولا حتى كلام في الشارع ما ممكن تتكلم، بالذات نحن بيتنا على الزلط، وما قدّرنا نقعد كتير في الحصاحيصا، مشينا منطقة اسمها السلفاب، وبعدها تاني نزحنا لي (أب جلفا) ومنها هسي متشردين بسبب آخر ضرب حصل في تمبول شمال حلتنا والحصل في العزازة وبانت والعوايدة، وكلهم بقعوا غرب حلتنا، ونحن حلتنا الأقل ضرراُ من الحصل دا، في حتات الناس بنلاقيهم في الشارع بقولوا مرقوا، وماعارفين الحي منو والمات منو، وفي ناس قدروا يدفنوا ناسهم، وفي ناس الدعم السريع قتل أهلهم قدامهم وقالوا ليهم مافي دفن، أطلعوا من هنا شوفوا كيكل وين، أمشوا المكان القاعد فيهو.

نحن في حلتنا قبل نطلع، الدعامة أول شي شالوا أي ستارلينك قاعد في المنطقة، ختوهو معاهم في التاتشرات، وبدوا ينهبوا الدكاكين، بدوا أول شي بالدقيق والسكر، ما خلوا حاجة الناس تاكلها أو تشيلها معاها، وما بشيلوا الشوالات، هم بشغّلوا رجال الحلة يرفعوا حاجات الدكاكين في التاتشرات من دون كلام. قبل موضوع كيكل دا الحياة كانت طبيعية جداً، وحتى التعايش مع الدعامة كان عادي الزول بتفاداهم وما بمشي جنبهم وخلاص.

من يوم الاتنين الفات سمعنا الضرب بتاع تمبول، والأخبار وصلتنا لأنو الوقت داك الاستارلينك متوفر وقريب من البيوت قررنا نطلع، لأنو خُفْتَ على بناتي الصغار، دا غير إنو زوجتي ومعاها واحدة من البنات عندهم سكري، ونحن طالعين للمجهول والأدوية زاتو عشان تتحفظ محتاجة تلاجة وحكاية صعبة جداً، والأصعب في الموضوع دا الحركة والمشي مسافات طويلة، مشينا بالحواشات حقت العيش والحسكنيت، وزوجتي دي هبّطت تلاتة مرات في الشارع بسبب العطش والتعب، دا غير إنو طلعنا مخلوعين مافي زول رتب للطلعة دي ولا خطط ليها، وماشين من 9 ونص الصباح وصلنا أم عكش صلاة العشاء، ودا المحل الفيهو الدفار.

 طبعا الاستغلال بدا طوالي، بتاع عربية في حلتنا قال لو ما الناس أدتو 5 مليار جنيه سوداني هو مفتاح عربيتو ما بحرّكه، بالإضافة لأنو ندفع حق الجاز برانا، ودي حاجة مستحيلة، في الآخر نحن وكم أسرة تانية اتفقنا مع بتاع دفار أخد مننا مليار ونص ووصلنا لحدي القضارف، وكان واقف في مكان بعيد، لأنو لو جاء جوا الحلة كان شالوا منو العربية اتحركنا يوم كامل ماشين في الشارع ما معانا غير باقات مويه، وخلصت في نص اليوم ومعانا بلح كل ما زول يهبط بياكل ليهو كم بلحة، ونواصل حاجة خيالية تحسها أو كذب كذب كدا، وصلنا العربية الكبيرة واتحركنا، وبرضو الطريق كان صعب شديد لأنو ما بتمشي بالشوارع المعروفة، نحن الرجال قاعدين فوق في راس الدفار والنسوان تحت في الأرضية من دون مساند أو أي شي، في منهم حبوبات كبار وفي حوامل وفي طفلات ووضع ما ممكن زول يتخيلو أبداً.

الأسبوع الفات كلو الناس متحركة بالدفارات، من القضارف بجوا لحدي الجزيرة، والتنسيق عن طريق المغتربين من أولاد المنطقة إيجار الدفار أو الجرار من مليار ونص لحدي 2 مليار ونص بوصلوا ليك ناسك لحدي القضارف، الناس البرا السودان أي زول أجّر دفار لأسرتو، لكن طبعاً في ناس ما عندهم زول يأجر ليهم، فبتلقى الدفار ملان شديد لدرجة الناس ممكن تقع، لكن الحاجة دي ساعدت إنو عدد كبير من الناس يطلعوا، لكن لسه والله في ناس كتيرة ما طلعت ولا عندها حق الطلوع، والمحطة البتلموا فيها الناس قرية قدام أبوجلفا اسمها الحدبة، وقرية اسمها ود الامين، ومكان اسمو أم عكش، دي الحتات البتتحرك منها العربات الكبيرة، وزاتها محتاجة جهد كبير عشان تصلها، وزي ما قلت ليك تمينا يوم كامل عشان نصل محل الدفارات، نحن راكبين في الدفار دا وخجلانين لأنو في نسوان ورجال كبار ماشين برجلينهم، والله مسافات طويلة شديد، وما معروف وصلوا وين، وفيهم ناس معوقين شايلنهم بالسراير وفي ناس شايلنهم بالكراسي أو الدرداقات، وفي ناس الدعامة جلدوهم، الزول بكون ماشي ودمو سايل، والله العظيم يعني قصص مافي زول بصدقها إلا تحصل قدامو.

رحلتنا ما انتهت في القضارف، وصلناها بعد يوم ونص، وبعد داك إتواصلت مع أهلي والناس البعرفهم طمنتهم علينا، وجازفنا موضوع الكاش، وما ارتحنا، طوالي ركبنا مشينا عطبرة لأهلنا، نقعد شوية لحدي ما الوضع يهدا، وما معروف نرجع الجزيرة متين، خلينا أي شي ورانا، بتي دي عندها كتب وامتحانات خلينا الكتب عشان المشي صعب  ومسافتو طويلة، غايتو ربنا يعوضنا ويهون.

السامراب، 25 أكتوبر 2024

أنا طلعت من السامراب لي خمسة أيام يادوب، الوضع الخليتو وراي نفس الوضع من بداية الحرب، والشبكة فاصلة من شهر فبراير الفات، زين تحديداً، سوداني رجعت قبل ٤ شهور لكن ضعيفة إلا تطلع في عمارة عالية، ودي حاجة خطرة شديد أو تستخدم ستارلينك بتاع الدعامة، وموجود في السوق وكم محل، الاستخدام بالساعة، وبتدفع كاش قبل الاستخدام، وأكتر حتة متوفر فيها في محطة الطندبة قريب السوق.

الكهرباء في الأسبوع كلو ممكن تجي يومين، وممكن تستقر، لكن التدوين وضرب الطيران سبب في إنو كل يوم الأسلاك تتقطع، وعشان تتصلح دا موضوع كبير وطويل ومحتاج تعاون بين الناس، والأدوات مافي زي ما معروف، والمتطوعين ذاتهم الدعم السريع ما بخليهم يعملوا أي شي، وللسبب دا نحن آخر 3 شهور مافي كهرباء أبداً والمويه والكهرباء بشتغلوا سوا، وهسي الفترة دي الناس معتمدين على الآبار في موية الغسيل والعدة، وعن طريق التبرعات البتجينا من غرف الطوارئ بنشغل البابور أو المولد ساعتين في اليوم، والناس بتملى الحفاظات والجرادل.

التموين طول فترة الحرب معتمدين على سوق الوحدة الحاج يوسف، كل ما السوق كان شغال والحركة طبيعية، نحن الأكل بصلنا والناس بتقدر تعيش، لكن لمن يكون في معارك جهة حطاب أو ضرب طيران في شرق النيل الوضع بكون صعب شديد، الناس سنة ونص أو أكتر معتمدة على القمح والعدس والرز بس، ومن سوق السامراب الصغير الناس بتجيب الخدرة والرجلة لأنو في ناس زرعوها وببيعوها في السوق، والسوق بكون شغال من الصباح لحدي الساعة 12 ضهر، بعدها الحركة بتكون صعبة.

بالنسبة للكاش مافي كاش، إلا في سوق الوحدة، وإلا يشيلوا القروش النسوان ويلموها أو (يدسوها) في الهدوم، لأنو ما قاعدين يفتشوهم، فالزول إلا يحول قروشو لواحدة من الأمهات تكون ماشة الحاج يوسف تبدل ليهو بنكك بالكاش، لكن الرجال ما بقدروا يشيلوا قروش، بسروقها منهم طوالي، وممكن يضربوهم لو اكتشفوا إنو معاهم قروش مدسوسة.

التفلتات في السامراب كتيرة، والدعامة ماخدين راحتهم خالص، ما حصل الجيش جاء الحتات دي، عشان كدا مسيطرين عليها وبنهبوا أي زول وبسرقوا أي حاجة عايزنها من دون زول يعترض، وعندهم معتقلات. في مركز صحي في السامراب قبل الحرب، كان شغال طبيعي، ولحدي أول شهرين بعد داك هم بقوهو مركز لعلاجهم هم براهم، بجيبوا فيهو المصابين. الفترة الأخيرة بقوا حافظين الناس، وما بسألوهم إلا الناس البتكون جديدة، بهددوهم وبتهموهم إنهم استخبارات جيش.

السامراب ملانة نازحين جايين من جنوب بحري، وما بقدروا يسافروا ولايات تانية أو برا السودان وأعدادهم كبيرة شديد، تحديداً في مربع (3) حي الهدى، وفي مربع (5) الطندبة والحاجة الكويسة إنو مافي زول قاعد في الشارع كلهم ساكنين في بيوت أسيادها فتحوها ليهم وقالوا ليهم أقعدوا فيها، تحديداً الناس الطلعت برا السودان. من أول أيام في الحرب والناس رغم حالهم الصعب متكاتفين كل أربعة أو خمسة أسر بتلموا مع بعض وبفطروا سوا.

الوضع الصحي أسوأ حاجة في المنطقة كلها، ومن بداية الحرب الشباب كانوا مجتهدين في غرف للطوارئ، إنهم يوزوعوا الأدوية حقت الأمراض المزمنة، وبعدها إتعملت صيدلية منزلية، وغطت أحياء كتيرة من السامراب، بعدها جات فكرة إنو يكون في مركز صحي كامل، لأنو الصيدلية براها ما حل لموضوع الأمراض، وقدرنا نجيب بندول وعدد من الأدوية من الحاج يوسف، كلو بتم بالتنسيق مع غرفة طوارى بحري. حالياً الأمراض بقت منتشرة جداً وكلها معدية زي حمى الضنك والكواليرا، الأعداد بتاعت الناس فاتت الـ 160، ديل ماتوا في الشهور الفاتت بسبب الحمى، رغم إنو الناس مجتهدة توفر أدوية، لكن كبار السن بسبب الجوع  خلال فترة الحر دي بموتوا بسرعة وما عندهم مناعة.

القضارف، 30 أكتوبر 2024

ما كنت متخيل إني حأوصل القضارف لما قرَّرتَ أطلع من الجنينة، ماشي على رجولي يوم الهجمة العنيفة على الولاية يوم 17 يونيو 2023، بعد اغتيال الوالي بتلاتة أيام. مشيت شرق، في الوقت الكان الكل ماشين غرب متجهين على تشاد، وكنت ما عارف ماشي وين ولا مع منو.

وصلت في النهاية قرية شمال شرق الجنينة اسمها مكشاشة، ووصلت متأخر في الليل وقعدت هناك تلاتة أيام مع حبوبة ساكنة في طرف الحلة، أول بيت دخلت عليهو. لما جيت أمشي بعد كدا، رفضت الحبوبة وقالت لي أقعد معاها، وكانت شايفة حالتي ما بتسمح لي أواصل المشي بعد ما لاحظت التعب والإرهاق علي. لكن في النهاية أصريت، وبكت وبكيت معاها، ومدت لي ٧ ألف جنيه وودعتني، وواصلت الرحلة  لحد ما وصلت القضارف. لما وصلت، بقيت ما واعي بأيّ شي لمدة تلاتة شهور، وكانت المشاهد العنيفة هي الحاجة الوحيدة اللي بتجيني في بالي، لدرجة حسيت إنو دي نهاية العالم.

مدينة القضارف عاشت حالة توتر وخوف في البداية بسبب أعداد الناس الكتيرة الجاية من مناطق النزاع، وكان في خوف من إنو الدعم السريع ممكن يهاجمهم في أي لحظة. الحكاية أثرت على التجارة، وبعض الناس هاجروا من القضارف لبورتسودان ومصر، وأسر صغيرة بقت تقعد في بيوت العائلة الكبيرة (بيوت الجد والجدة).

لكن مع الهجمات الأخيرة للدعم السريع، زادت التحديات الأمنية أكتر، وده خلى الوضع الأمني والسياسي يتعقد بعد الهجوم على الجزيرة. بقت الأسئلة الأمنية تتزايد على الشباب الجايين من مناطق النزاع، وبقت الحركة صعبة مع الانتشار الواسع لنقاط التفتيش في الأحياء والشوارع الرئيسية.

غير التحديات الأمنية، بقت فرص الشغل قليلة والأجور اليومية كمان بقت أقل، وده زاد من معاناة النازحين. الحاصل إنو عدد النازحين الجوا من مناطق النزاع للقضارف بيوصل تقريبا لـ950 ألف – 1 مليون نازح، بعضهم في مراكز الإيواء وبعضهم مع أسر مضيفة. مثلاً في مركز أم شجيرات، أكتر من 400 أسرة من نازحين سنار والجزيرة عايشين في وضع مأساوي؛ مافي مويه نظيفة للشرب، المخيمات زحمة، مافي حمامات، وحتى الحركة من وإلى المدينة صعبة عشان المسافة بعيدة.

الأطفال النازحين برة المدارس بسبب قلة المدارس والمنشآت التعليمية، وكان المفروض منظمة اليونسيف تبني مراكز تعليمية وصديقة للأطفال، لكن دا ما حصل لحد الآن. والجانب الصحي كمان في حوجة كبيرة للعلاج.

رغم إنو القضارف محافظة على وضعها كأول ولاية في إنتاج المحاصيل زي السمسم، الذرة، والفول السوداني، لكن الحاجات دي ما فرقت مع الناس في السوق، والأسعار قاعدة تزيد يوم بعد يوم، فبقى أغلب الناس شغالين في المزارع مقابل مواد عينية بدل النقد.

أما من الناحية الاجتماعية، الوضع الحالي ساعد في تقوية الروابط بين السكان الأصليين والنازحين، وبدا يظهر قبول وتبادل للثقافات، ودي حاجة جديدة بعد فترة من العنصرية والتفرقة اللي فرضتها حكومة البشير. مع كدا، لسه في صعوبات في التعامل مع النازحين، خاصة الناس اللي ما قادرين يقعدوا في مراكز الإيواء، بواجهوا صعوبة عشان إيجارات البيوت بقت غالية وبتزيد كل تلاتة شهور.

بَناشد المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية إنها تزيد جهودها وتحسن أوضاع النازحين، وتعرض صورة المعاناة الحقيقية بتقديم تقارير إنسانية تساعد في توضيح الوضع الصعب في الميدان.

Scroll to Top