أتر

المعابر السودانية: كيف قطعت الحرب شرايين السوق؟

في 20 أغسطس، وبعد مضي وعام وأكثر على الحرب في السودان، نشر حساب مجلس السيادة بمنصة (X) تعميماً صحفياً أورد فيه: «تسهيلاً للإجراءات عبر المعابر الحدودية وضمان انسياب الحركة التجارية وسرعة تخليص البضائع، فقد وجه السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة بأيلولة الإشراف على المعابر الحدودية لمجلس السيادة».

توحي صيغة التعميم بأن مجلس السيادة، يُقرّ بالتكدّس في البضائع والحركة التجارية بين دول الجوار والسودان، لذا جعل من نفسه مُشرفاً على المعابر. وهذه ليست المرة الأولى التي يجعل فيها مجلس السيادة من نفسه مشرفاً على هيئة أو وزارة تنفيذية.

تقودنا فرضية البضائع المتكدّسة إلى احتمالين: الأول أن التجارة الحدودية مع دول الجوار قد زادت إلى حد أن الأمر اقتضى تدخّلاً سيادياً لإنقاذ السوق الداخلي، أما الاحتمال الثاني فهو أن القرار جاء على أسس سياسية بحتة ولا علاقة له بالاقتصاد. مع ذلك، ما هو الدافع الاقتصادي الذي قد يجبر مجلس السيادة على الإشراف المباشر على المعابر.

نوتة

يقع السودان في السهل المنبسط من أفريقيا، رابطاً بين الساحل الغربي للبحر الأحمر ومناطق الساڤنا الغنية والفقيرة، وبين حوض النيل ومنابعه، إضافة إلى سهول وسط إفريقيا التي تصل حتى غربها. مثّلت هذه الجغرافيا تنّوعاً كبيراً في طرق النقل، وفي إمكانية الوصول إلى مناطق الزراعة، وفي السوق التجارية القديمة منها والحديثة.

أظهرت أزمة كوڤيد19 أهمية المستودعات اللوجستية والمعابر الحدودية البرّية بين الدول، خصوصاً تلك التي تتقاطع فيها الأسواق التجارية وتتنوّع فيها مصادر الغذاء. ربما قلّلت الأحداث السياسية التي صاحبت ثورة 2018 ديسمبر في السودان من أهمية المعابر، قبل أن يُبرزها إغلاق ميناء بورتسودان في العام 2021 بعد حركة احتجاجية واسعة بشرق السودان قادها مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، ليعيد طريق العقبة الذي يربط موانئ البحر الأحمر مع بقية السودان مسألة الطرق والأرض إلى الواجهة.

وبحسب حديث مسؤول إداريّ بوزارة الخارجية السودانية لـ «أتَـر»، فإنّ السودان قد صادق في الآونة الأخيرة على سبعة معابر برية وخمسة مطارات من أجل إدخال المساعدات. ويُتوقّع أن تشهد هذه المعابر حركةً واسعةً لإدخال المساعدات ووصولها إلى المناطق المتأثّرة، بسبب جفاف الأودية والخيران التي عطّلت حركة الشاحنات. وبحسب إفادة من منظمة العون الإنساني، تتوقّع الحكومة أن تمدّها الجهات المعنية بإدخال المساعدات بأسماء المناطق والجهات التي ستتسلّم المساعدات، وخاصة في مناطق سيطرة الدعم السريع.

معابر الشمال: الاقتصاد أهمّ

خلال الحرب الحالية، بعد أن أدّت العمليات العسكرية إلى بروز الطرق الآمنة، تلك التي كانت سبلاً للنزوح أو التي تخصّ الولايات الداخلية، برزت المعابر بحسبانها دالةً على توسّع الصراع، وعنصراً مؤثراً على طبيعة السيطرة والسُّلطة التي يمكن فَرْضها على مساحة جغرافية معينة، وجزءاً من منظومة العلاقات وموقع الأنظمة المجاورة للسودان وسلطته الانتقالية. وقد ساعدت معابر أرقين وأشكيت وأوسيف التي تربط السودان ومصر في امتصاص الصدمة التي اجتاحت السوق، خصوصاً في جلب المواد الغذائية، إذ أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري ثباتاً نسبياً في حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال العام 2023، رغم الظروف التي يمرّ بها سوق السودان والظروف الاقتصادية التي تمرّ بها مصر. ومن أهم المؤشرات التي أوضحتها تلك البيانات، أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان بلغ 1.4 مليار دولار خلال عام 2023 مقابل 1.5 مليار دولار خلال عام 2022. وبلغت قيمة الواردات المصرية إلى السودان 979.9 مليون دولار خلال عام 2023، مقابل 954.3 مليون دولار خلال عام 2022. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تعطّل عجلة الإنتاج في السودان، حيث توقفت مصانع الخرطوم عن العمل، ويتضح ذلك من خلال طبيعة ونوع الواردات المصرية للسودان.

لقد فرضت الحرب واقعاً مريراً، أرغم السودانيين على التوجه إلى مصر بأعداد كبيرة، وفاق عدد اللاجئين السودانيين في مصر نصف مليون شخص. وكانت اتفاقية الحريات الأربع التي وُقعّت بتاريخ 18 يناير 2004، بين الحكومة السودانية والمصرية، قد دخلت حيّز التنفيذ في 4 أبريل 2013. ويَمنح الاتفاق الذي أقرّه البرلمان المصري والسوداني في ذلك الوقت، المواطنين المصريين والسودانيين حقّ الإقامة والعمل وتملُّك العقارات، وغيرها من النشاطات المشروعة في البلد الآخر.

ومع ذلك، عطّل الجانب المصري الاتفاق، مُلزماً الجميع بالحصول على تأشيرات وموافقة أمنية تبلغ قيمتها حوالي 3 آلاف دولار أمريكي، ما أدّى إلى تعقيد إمكانية دخول السودانيين أرض مصر، ونشّط سوق الهجرة غير الشرعية، الأمر الذي لم تَرُد عليه حكومة السودان بعد.

معابر الشرق: المنطق عسكري

تاريخياً، ظلت إثيوبيا نشطة تجارياً في حدودها مع السودان. وكان لحرب 15 أبريل تأثير على هذا النشاط التجاري، وذلك حسب ورشة تنمية وتطوير الصادرات بولاية القضارف التي أقيمت في مايو الماضي، وأعلنت عن توقيع ولاية القضارف مع الجانب الإثيوبي مذكرة تفاهم من أجل تبادلٍ سلعيّ تصل قيمته إلى 20 مليون دولار. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تجارية تفضيلية بين السودان وإثيوبيا منذ العام 2002، إلا أن قيمة التجارة بين البلدين بلغت حتى العام 2020م حوالي 27 مليون دولار.

مؤخراً، برزت موانع تَحُول دون زيادة التبادل التجاري بين السودان وإثيوبيا، وقد باتت الحدود الشرقية مسرحاً للعمليات العسكرية بين الجيش السوداني وعصابات الشفتة الحدودية، إضافة إلى بُعد مدينة القضارف من مناطق الإنتاج، الأمر الذي كان يجعل من إثيوبيا سوقاً رئيساً لمنتجاتها خصوصاً الزيوت والمواد الغذائية.

مثّل معبر القلّابات نافذة مهمّة للفارّين من الحرب، لكن جحيم الخرطوم ليس أقل لظىً من غابات إثيوبيا، حيث عاش أكثر من ستة آلاف سوداني واقعاً كارثياً بسبب غياب الخدمات وهجمات المليشيات المحلية وعصابات الشفتة، إضافة إلى تعنّت الجانب الإثيوبي وتجاهل الحكومة السودانية لمعاناتهم، وعدم توفير إمكانيات العودة إلى الجانب السوداني، في ظلّ واقع مرير يمرّ به النازحون في ولاية القضارف. حتى أغسطس 2024م، تمكن حوالي خمسة آلاف لاجئ من العودة إلى السودان مشياً على الأقدام، بعد وقوعهم تحت الحصار من قِبل مليشيات الفانو في غابات أولالا.

في إرتريا، لم يختلف الأمر، وإن كان أفضل على المستوى الشعبي، إذ بدت أسمرا أكثر قبولاً لجموع اللاجئين الذين اتخذوا منها معبراً نحو الخليج. تعاملَت الحكومة السودانية مع الجانب الإرتري بشيء من الانفتاح. وأدّت زيارة البرهان إلى كسلا في سبتمبر 2023، إلى فتح معبر اللفة الحدودي بتاريخ 13 سبتمبر 2023. كذلك عملت اللجنة المختصة بمتابعة العمل في معبر عواض التجاري. وفي يونيو 2024، أغلِق معبر اللفة بغرض الصيانة حسب ما ذكرت هيئة الجمارك. وفي حديثه لـ “أتَـر”، صرّح مدير القطاع الشرقي لهيئة الجمارك السودان، العميد حافظ التجاني، أنهم شكلوا لجنة من وزارة المالية الاتحادية والجمارك والشرطة لتكملة أعمال صيانة المعبر وافتتاحه رسمياً بهدف تنشيط التجارة الحدودية مع دولة إرتريا، لافتاً إلى ورود طلبات عديدة من الموردين والمصدرين في هذا الصدد. وفي 21 سبتمبر من العام الجاري أكد اكتمال 80% من أعمال الصيانة بالمعبر.

حدود مشتعلة غرباً

تبلغ الحدود الجغرافية بين السودان وتشاد، حوالي 1403 كلم. وتتسم حدود السودان الغربية تتسم بالانسيابية، حيث تتكون من سهول وخيران صغيرة سهلة العبور، وبحسب حديث الباحث محمد تورشين إلى «أتَـر»، فإن غياب السلطات السودانية على طول الشريط الحدودي الممتدّ من مناطق فور بَرَنقا السودانية وحتى الطينة التشادية؛ يسهل من عمليات التوغل من دولة إلى أخرى، وهي مشكلة لن تُحلّ إلا بوجود علامات على الحدود وقوات مشتركة.

نوتة

اتفقت حكومتا البلدين على تأسيس القوات المشتركة السودانية التشادية بموجب البروتوكول الأمني والعسكري المُوقّع بين تشاد والسودان، في منتصف يناير 2010، وقوامها 3000 جندي و360 شرطياً، مناصفة بين الدولتين. يعمل أفراد هذه القوات جنباً إلى جنب، وبمعدات تسمح بالتحرك والمراقبة براً وجواً وعلى مدار الساعة. قيادة هذه القوات، وفقاً للبروتوكول، تكون بالتناوب، ستة أشهر لكل دولة. جاء تكوين هذه القوات تتويجاً لاتفاقيات ومحاولات صلح بين الدولتين إثر توتر وقطع العلاقات بينهما، بعد تعرّض عواصم البلدين لهجوم مسلح في مطلع ومنتصف 2010. قبل أشهر من اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع، كان البرهان قد زار إنجمينا، وبحث مع رئيسها الحاجة المُلحّة لتعزيز القدرة التشغيلية للقوات المشتركة التشادية- السودانية، لمواجهة التحديات الأمنية التي تتكرَّر أكثر فأكثر في المنطقة الحدودية بين البلدين، كما ناقشت الزيارة زيادة أعداد قوات الدعم السريع في المناطق الحدودية. واتفق الطرفان على نشر قوات سودانية تشادية على طول الحدود المشتركة بولاية غرب دارفور. ووفقاً للبروتوكول، فإن مهام القوات هي بسط الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية وإعادة الحركة عبر الحدود إلى طبيعتها.

معابر السودان وضجة الدعم الإماراتي

أثيرت مسألة مرور المساعدات الإنسانية من دول الجوار إلى داخل السودان في مواضع مختلفة خلال مراحل هذه الحرب، أهمّها إقرار قمة دول جوار السودان في بيانها الختامي إمكانية دخول المساعدات الإنسانية من كافة دول جوار السودان. وفي تصريحه خلال زيارته الدبة في فبراير 2024، أوصد عبد الفتاح البرهان الباب في وجه إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع، الأمر الذي أدّى إلى توقف المساعدات الإنسانية القادمة من دول الجوار.

في الخامس من مارس 2024، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً حددت فيه مسارات إدخال المساعدات الإنسانية من دول الجوار. وكانت قد أصدرت بياناً قبلها أعلنت فيه عن موافقتها على دخول مساعدات إنسانية عبر تشاد وجنوب السودان.

وقالت الخارجية السودانية إنها أخطرت الأمم المتحدة بموافقة الحكومة على استخدام معبر الطينة من تشاد إلى الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) لدخول المساعدات الإنسانية المحددة، بعد الاتفاق على الجوانب الفنية بين الحكومتين السودانية والتشادية ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1591.

وأضافت أنها وافقت على استخدام معبر الطينة، رغم أن «حدود السودان مع تشاد باتت خطّ الإمداد الأول لقوات الدعم السريع بالسلاح والمؤن والمرتزقة»؛ حسب بيان الحكومة، بعد أن ظلت لمدة طويلة مسرحاً لتهريب السلاح والبشر وجميع أشكال الجرائم العابرة للحدود.

وإضافة إلى معبر الطينة، حدّدت الحكومة مسارات برية وجوية لإيصال المساعدات للمحتاجين، وهي الخطّ الرابط بين بورتسودان وعطبرة والدبة وملّيط والفاشر؛ ومن مصر عبر طريق البحر الأحمر إلى بورتسودان ومعبر وادي حلفا-دنقلا؛ ومن جنوب السودان عبر النقل النهري والطريق البري من الرنك إلى كوستي؛ وعبر مطارات الفاشر وكادوقلي والأبيض، في حالة تعثّر الوصول عبر الطرق البرية.

حدود ليبيا للتهريب فقط

تبدو الحدود الليبية متروكة لفعل الصحراء، حيث تتحرك عبرها موجات تهريب البشر والمواد الغذائية والوقود وقطع غيار السيارات وبعض المواد المستخدمة في حصاد المحاصيل كالخيش والمشمعات وغيرها من السلع. تسيطر بعض الحركات المسلحة على بعض المعابر في الحدود الليبية الواقعة ضمن نطاق الولاية الشمالية، إضافة إلى أجزاء في الحدود مع تشاد، بينما تتخذ مصر استراتيجية دفاعية واسعة بمعاونة المخابرات السودانية حسب بعض المصادر المحلية في الولاية الشمالية، من أجل مكافحة تسلّل الأسلحة والعتاد الحربي التي ترى مصر إنه يهدّد حدودها الجنوبية.

والحدود الليبية السودانية مُغلقة رسمياً منذ اندلاع الحرب. ويملك الدعم السريع أكبر قاعدة عسكرية في المثلث أو ما يُعرف باسم قاعدة «الشفرليت»، إذ كان يستعد أكثر من 4 آلاف مقاتل لدخول المعركة، قبل أن يقصف الطيران الحربي التابع للجيش القاعدة، ويسيطر عليها في 20 أبريل 2023م، وتغيير المعادلة العسكرية على الحدود الليبية.

وبحسب إحصائيات مفوضية اللاجئين، لجأ نحو 97,000 شخص إلى ليبيا منذ بداية الأزمة. وتُعد مدينة الكُفرة نقطة عبور رئيسة، لكنها باتت مُعرّضةً لضغط شديد، حيث تستقبل نحو 350 واصلاً جديداً من السودان يومياً، علماً بأن السيول التي وقعت مؤخراً أضرّت بالبنية التحتية المحلية الأساسية، بينما اضطر بعض اللاجئين لاتخاذ المدارس دُور إيواء مؤقتة.

هل هناك تكدّس في البضائع؟

في أغسطس 2023م، أثارت وفاة 15 من سائقي النقل المصريين وتكدّس آلاف الشاحنات أمام معبري أشكيت وأرقين على الجانب المصري من الحدود مع السودان، جدلاً حول سوء الخدمات في المعبرين، وخلوّهما من التجهيزات الضرورية للسائقين، وتساؤلات عمّن يتحمل المسؤولية.

تسبّبت زيادة الحاجة إلى البضائع القادمة من مصر بعد الحرب في تكدّس آلاف الشاحنات على الجانب المصري حتى نفِد الماء والطعام والأدوية والمؤن الضرورية للسائقين، لدرجة أن استغاث عددٌ منهم عبر منصّات التواصل، محمِّلاً الحكومتين السودانية والمصرية مسؤولية الحادث، لعدم قدرة الأولى على الاستجابة، ولضعف البنى التحتية في جانب الثانية.

بعد مرور عام على الحادثة، أعلنت وزارة المالية عن ضوابط مشدّدة لمعالجة مشكلات تكدّس البضائع في معبري أشكيت وأرقين الحدوديين، وشكّلت الوزارة فريقاً لمعالجتها، موجِّهة بتفريغ البضائع خلال شهر واحد. متحدثا لمجلة «أتَـر»، يقول التاجر علي طه إن وزارة المالية جزء من إشكالية تعطيل انسياب البضاعة بسبب السياسات الجبائية التي يتّبعها وزير المالية، ورغبته في الحصول على إيرادات إضافية، ما يدفع التجّار إلى تأجيل التخليص.

يقول أحد العاملين بهيئة الجمارك، إنّ الاتهامات التي قدّمتها مصر بسبب تأخّر الجانب السوداني لا أساس لها من الصحة: «نحن نعمل وفق دوام العمل الرسمي في السودان. نعم وُجدت مشكلات في نظام العمل الحكومي لكن استطعنا معالجتها. وإن كان هناك من يتحمّل مسؤولية ما يجري، فهي الجهة المُنوط بها عمل المعابر في وزارة المالية وبنك السودان».

وحسب مخلّص جمركي في معبر أرقين، فإن الأزمة مركّبة، «ليس السبب الجمارك أو بنك السودان أو وزارة المالية أو حتى الجانب المصري، إنما هي أزمة مجمل النظام العامل في المعابر الحدودية»، مضيفاً أن المعابر تتأثّر بطبيعة العلاقات السياسية بين الدول أكثر من مجرد آلية السوق. «تكمن معضلة وزارة المالية وبنك السودان في تحديد سعر السلعة عند دخولها السودان، ولا يمكن أن يتغيّر سعر الدولار الجمركي وفق تحصيل وزارة المالية للعوائد».

نوتة

لم تبلغ التجارة الحدودية بين دول جوار السودان وسوقه الداخلي مبلغاً كبيراً، فقد وصل أقصى مستوى لها  مبلغ 1.8 مليار دولار. وبالنظر إلى للتجارة الحدودية فإن قانون نقطة التجارة السودانية لعام 2001 أجاز نقاطَ تجارة فرعية بالولايات. وأُنشئت 10 نقاط تجارة فرعية بولايات السودان المختلفة في كل من البحر الأحمر، كسلا، القضارف، الأبيض، النهود، الفاشر، نيالا، عطبرة، الجزيرة وسنار.

طوال  العقدين الماضيينمثّل اتجاه الصادرات السودانية نحو الدول الآسيوية غير العربية النسبة الأكبر بما يُقدر بـ 36٪، تليها الدول العربية بنسبة 26٪، ثم دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 3.8%، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بنسبة 0.1٪.

مصير المعابر

بالنظر إلى خارطة الحرب، فإننا أمام واقع معقد قد تبدو فيه الصورة من على البُعد قاتمة، لكن بالنظر إلى الحال اليوميّ الذي تعيشه معابر السودان، سنشاهد واقعاً صعباً يعصف بالاقتصاد وينذر بنشوء سوق لا تتحكّم فيه الدولة أو التجار أو المنتجين، وإنما القدرة على الوصول وفرض منطقة القوّة في تحويل مسار التجارة الحدودية.

تهدّد تحرّكات قوات الدعم السريع على الجزء الجنوبي من ولاية سنار، وعلى الطريق التجاري الذي يربط سنار مع النيل الأبيض، حدود السودان مع دولة جنوب السودان التي تُحاذي ولايات النيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور، دعك من وجود جماعات مسلّحة في شمال جنوب السودان. وفقاً لذلك، تصبح الحدود الجنوبية مفتوحةً على الفوضى التي تؤثّر على الدولتين، حيث تتوغّل بعض المجموعات المسلحة في الجانبين لتتحكّم في حركة التجارة الحدودية.

لكن مع ذلك، تبدو الحدود مع ولاية النيل الأبيض أكثر قدرةً على استيعاب القدرة التجارية، إلا أنّ وصول البضائع إلى النيل الأبيض ضعيف للغاية، ما يصعّب الاستفادة من ولاية النيل الأبيض معبراً تجارياً بين البلدين. بدَورها تعيش حدود جنوب كردفان وغرب كردفان وضعاً متوتراً. وتُسيطر الحركة الشعبية-شمال قطاع عبد العزيز الحلو، على أجزاء واسعة، ما يُصعِّب مرور البضائع والمساعدات.

وفي زيارته الأخيرة إلى جوبا، اتفق البرهان مع نظيره كير على توصيل المساعدات إلى جنوب كردفان عبر الطرق البرية ومطار كادوقلي. وكذلك بشأن استئناف تدفق النفط إلى ميناء بورتسودان، بعد توقفه منذ فبراير الماضي جراء الحرب القائمة. من المتوقع أن تصل حكومة جنوب السودان وحركة الحلو إلى اتفاق لمرور المساعدات الإنسانية إلى كادوقلي وكوستي عبر مطار جوبا ومن ثم كادوقلي، وعبر الرنك إلى كوستي.

تبدو معالجة الوضع في سنار أفضل، إذ يُمكن أن تعبر الشاحنات إلى جنوب السودان خاصة مع انتعاش أسواق سنار بعد تضاؤل الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع عليها، لكن ديناميات المعارك على دائم التبدل تجعل الأمر في خطر مستمر.

على الجزء الشرقي من البلاد، أغلقت الحكومة في مطلع سبتمبر الحالي معبر القلّابات نتيجة سيطرة مليشيات فانو الأمهرية على مناطق قريبة من الحدود السودانية. وقد عانى معبر القلّابات من الإغلاق المستمر والمتقطع منذ الحرب الإثيوبية بين الحكومة الفدرالية وجبهة تغراي، التي خلقت معادلة تجارية على طول الشريط الحدودي بين البلدين أدّت إلى تعطل حركة التجارة خلال السنوات الثلاث الماضية.

غرباً في ليبيا وتشاد، تبدو المعادلة هجيناً ما بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في دارفور، حيث تسيطر بعض الفصائل على معابر مثل ملّيط ومثلث عوينات وأدري التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وتحوّلت طرق التجارة التي كانت في السابق تربط أسواق السودان بدولة تشاد وغرب أفريقيا إلى طرق مهجورة بعيدة عن أي توظيف في العمليات التجارية العابرة للحدود، ما تسبّب في شحّ الغذاء والدواء في عدد من الولايات الحدودية التي كانت تستفيد من عبور هذه المنتجات عبر أراضيها.

يبقى قرار مجلس السيادة بخصوص المعابر رهن السياسات التنفيذية على أرض الواقع. فلا جدوى من القرارات والتعليمات، إن لم تكن هناك لوائح وهياكل إنفاذ واضحة. وتبقى مسألة الإشراف مهمةً بلا خطوات أو أجندة واضحة، ما يفتح سؤال المكاسب السياسية وراء هذه القرارات.

Scroll to Top