
القَرْقَف: موسمٌ يُفسده المطر
تقع منطقة القرقف في الجزء الجنوبي الشرقي من ولاية كسلا، تحدّها شرقاً دولة إريتريا وغرباً ود الحليو على بعد حوالي 10 كيلومترات وجنوباً منطقة حمداييت، وتتبع إلى محلية ود الحليو. وتتمتّع المنطقة بمساحة تبلغ حوالي مليونَي فدان صالحة للزراعة، ويزرع سكانها محصولَي الذُّرة والسمسم على نحو أساسي، إضافة إلى محصول الدُّخن. وتقع محلية ود الحليو على نهر سيتيت، أحد روافد نهر عطبرة، بالقرب من الحدود السودانية – الإريترية، وتَعجّ بالتنوّع القبلي، وتسكنها قبائل الحمران والجعليين والهوسا والبني عامر وقبائل أخرى.
تُعد محلية ود الحليو ومنطقة القرقف من أبرز المناطق الزراعية في ولاية كسلا، لما تتمتعان به من مساحات شاسعة وأراضٍ خصبة.
تعتمد الزراعة في القرقف على الري المطري، ورغم الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها هذه المناطق، إلا أنّ الموسم الزراعي الحالي شهد فشلاً ذريعاً نتيجة لعوامل عدة، أبرزها الأمطار الغزيرة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
متحدثاً لـ «أتَـر»، يقول مصعب، وهو أحد المزارعين في منطقة القرقف: «إنّ الموسم الزراعي قد فشل فشلاً ذريعاً بسبب الأمطار التي هطلت بغزارة في موسم الخريف، من يوم 20 يوليو إلى 10 سبتمبر». وذلك لأنّ المزارعين لم يجدوا سبيلاً إلى تنظيف الأرض وتجهيزها للزراعة.
يُضيف مصعب أن أكبر التحدّيات التي واجهته هذا الموسم تتمثّل في نُدرة العُمال وزيادة أُجرتهم. ووصلت أجرة قَطْع أردب السمسم (مقدار جوالين) إلى بين 15 ألفاً و25 ألف جنيه، ولم تكن تتجاوز 5 آلاف جنيه سوداني في العام الماضي. وتعاني القرقف من نُدرة توفر المواد الغذائية، إضافة إلى أن ارتفاع سعر الدولار أدّى إلى زيادة أسعار المُبيدات، ما أسهم في تفشي الأمراض وسط المحصول.
ويذكر عبد الله، وهو أحد المُزارعين في منطقة القرقف، أنّ إنتاجية الذرة قد انخفضت إلى الثلث في الموسم الزراعي الحالي مُقارنة بالموسم الزراعي الماضي. وأرجع الأسباب إلى زيادة نسبة الأمطار التي أغرقت الحقول، إلى جانب كثرة الحشائش الضارة التي أتلفت المحاصيل الزراعية وخفضت الإنتاج على نحو بالغ.
وساهمت الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار في تفاقُم مُعاناة المزارعين، ما أجبر كثيراً منهم على تقليص مساحة الأراضي المزروعة، يقول عبد الله: «هذه التحدّيات تُهدد الأمن الغذائي في المنطقة».
ويأمل عبد الله والمزارعون في المنطقة الغنية، تجاوز التحدّيات الحالية إذا وُفر الدعم اللازم للمزارعين، واتخاذ خطوات جادة لتحسين البنية التحتية الزراعية.
رفاعة: استعادة وعودة تدريجية للمواطنين
بعد استعادة الجيش السوداني ود مدني في يناير الماضي، بدأ يُسارع من تحرّكاته لاستعادة بقية مُدن ومحليات شرق الجزيرة، حتى أعلن استعادة مدينة رفاعة في اليوم الأول من شهر فبراير الجاري. وتُعدّ رفاعة إحدى أكبر مدُن شرق الجزيرة. مصادر عسكرية أخبرت «أتَـر» بأن قوات كيكل «درع السودان» المتحالفة مع الجيش منذ أكتوبر الماضي، وقوات مُتحرّك «النبأ اليقين» بقيادة العميد عبادي الطاهر، قد تحرّكت من مدينة تمبول إلى رفاعة لاستعادتها.
وكانت قوات أبو عاقلة كيكل قد دخلت المدينة أول مرة ضمن قوات الدعم السريع في ديسمبر 2023، قبل استسلامها وانضمامها إلى الجيش في 20 أكتوبر 2024.
عقب سيطرة الجيش والقوات المتحالفة معه على رفاعة، ظهر قائد قوات درع السودان في مقاطع مصوّرة من المدينة برفقة ناظر قبيلة الشُكرية علي محمد أحمد أبوسن.
وذكر مصدر مُقرب من الناظر لـ «أتَـر» أنه في وقت سابق، عند تصاعد العمليات الانتقامية، رفض الناظر مُغادرة المدينة. وقال المصدر إن ديوان الناظر كان يضم 15 أُسرة، يمدّها بوجبات غذائية بأبسط المقومات.
وتشهد المدينة الآن عودة تدريجية للمواطنين، مع فتح جزئي للسوق من بعض التُجّار الذين يجلبون البضائع من مدينتي ود مدني وحلفا الجديدة.
وتخبر المصادر أنه أثناء سيطرة الدعم السريع على المدينة، دافَع ناظر الشكرية برفاعة عن بعض المؤسّسات الخدمية، عبر توضيح أهميتها كقطاعات تقدّم خدمات إنسانية بحتة. وقد أسفرت جهود الناظر عن استجابة كيكل قائد قوات الدعم السريع حينها، وتوصّل الطرفان إلى اتفاق أمنيّ يقضي بعدم الاعتداء على المواطنين، والتعهّد بحماية المؤسسات، ما أسهم في الحدّ نسبياً من حالات الانفلات الأمني وتقديم دعم لاستئناف عمل القطاع الصحي، وتسهيل حركة المواطنين لممارسة أنشطتهم التجارية. لكن رغم الاتفاق، لم يَسلم المواطنون من انتهاكات قوات الدعم السريع. متحدثاً لـ «أتَـر»، يحكي عمر، أحد مواطني رفاعة، أن عناصر قوات الدعم السريع كانت تطرق أبواب المنازل في أي وقت، وتقتحمها وتعبث بما فيها بحثاً عن المال والسيارات. ويُشير عمر إلى أن المعتدين كانوا يستغلون تفوّقهم العددي لترويع الأهالي، وكان العنف والترهيب سِمتان ثابتتان في تعاملهم مع المدنيين. ولم يتردّدوا قط في اللجوء إلى الضرب والتهديد بالسلاح، وإطلاق الرصاص لترهيب السكان وإجبارهم على التخلّي عن ممتلكاتهم.
وعانت المدينة من تذبذُب التيار الكهربائي وندرة المياه مع انقطاع شبكات الاتصال. وكانت الدعم السريع تتحكّم في أجهزة «ستارلنك». وتَراوحَ سعر الساعة حينها ما بين 3000 و4000 جنيه سوداني. وشكا المواطنون من غلاء أسعار المواد التموينية، فقد بلغ سعر كيلو السكر 7000 جنيه وجوال البصل 150.000 جنيه. ومع انعدام غاز الطبخ لجأ السّكّان إلى استخدام الحطب والفحم بديلاً للغاز.
وذكر شهود عيان أن قوات الدعم السريع مارست عمليات انتقامية ضد السكان، بعد إعلان أبوعاقلة كيكل انضمامه للجيش السوداني في 20 أكتوبر من العام الماضي، وقتلت أكثر من 20 شخصاً، ونزح ما لا يقل عن 1000 مواطن من المدينة. وفي ظلّ انعدام مُعظم المواد الغذائية من سوق المدينة، كانت قوات من الدعم السريع تبيع جزءاً من المواد التموينية التي تسرقها من البلدات المجاورة.
متحدثاً لمراسل «أتَـر»، يقول أحمد أحد سكان رفاعة إنه منذ دخول قوات درع السودان وإعلان الجيش السوداني سيطرته على المدينة مطلع الشهر الجاري، بدأت حركة طفيفة للتجّار مع فتح جزئي لسوق المدينة، فضلاً عن استئناف عدد من فرّيشة السوق أعمالهم. وحتى الآن تعيش المدينة في انعدام تامّ للتيار الكهربائي، ورغم ذلك ظلّت طواحين الدقيق تعمل جزئياً معتمدة على وابورات. وبحسب أحمد فقد بدأت عمليات تنظيف وتجهيز مبنى التأمين الصحّي لاستئناف تقديم الخدمات الصحّية اعتباراً من الجمعة.