
في ظلّ غياب المنظمات الدولية والمحلية المُرتبطة بها، لأسباب تتعلّق بسحب كادرها من ولاية شمال كردفان وإغلاق مكاتبها الرئيسة في الخرطوم بعد نشوب حرب أبريل 2023، تصدّت منظمات أهلية في مدينة الأبيض، لسدّ الفراغ بتقديم الطعام والعلاج وتعويض النقص في المواد الغذائية وتوفير مياه الشرب.
توقف برنامج الغذاء العالمي بالمدينة، منذ نهب مخازنه في بداية الحرب، إضافة إلى توقف أعمال اليونيسف ومنظمة UNHCR. في المقابل، ما زالت بعض المنظمات الإنسانية تعمل خلال الحصار المضروب على المدينة، مثل منظمة Plan، إضافة إلى منظمات دولية أخرى لا تزال تواصل عملها لكن دون أن تكون لها مقار داخل الأبيض. ومعظمها يعمل في مجال الطوارئ وتقديم الإغاثة والتحويلات النقدية.
المطبخ المركزي والتكايا
أُسِّسَتْ مبادرة المطبخ المركزي في يوليو 2024، وتُقدّم وجبة واحدة يومياً لثمانية آلاف فرد، منهم أربعة آلاف نازح وأربعة آلاف من المقيمين بالمدينة. وأخبر ممثل المبادرة محمد أحمد عرابي “أتَـر” بأنّ المطبخ تدعمه منظمة صدقات الخيرية.
إضافة إلى الأسر في معسكرات إيواء النازحين، يستهدف المطبخ الأسر التي تصله من داخل المدينة، وعددها 350 أسرة منها أسرٌ مُقيمة، إلى جانب الأسر في أطراف مدينة الأبيض. ويبلغ عدد معسكرات الإيواء في المدينة ستة معسكرات، إضافة إلى طلاب المدارس حول المطبخ، ويصل عددها إلى 13 مدرسة؛ كما يُقدّم المطبخ الطعام لنزلاء المعسكر المركزي.
وأبانت مسوح أجرَتها بعض المنظمات مثل منظمة الهلال الأحمر بشمال كردفان، بالتعاون مع مفوضية العون الإنساني بالولاية، وقطاع التنمية والرعاية الاجتماعية بالولاية، أن عدد الأسر النازحة داخل المدينة بلغ 26.340 أسرة تضم 146.500 فرد. يقول عرابي إن الحاجة للطعام ليست مقتصرة على النازحين وحدهم، ويضيف أن هناك عدداً كبيراً من المبادرات الشعبية التي تعمل في مجال تقديم الوجبات الجاهزة، وقدَّر عدد التكايا العاملة داخل المدينة بـ 14 تكية، تعمل مرة أو مرتين في الأسبوع. وبحسب عرابي، لا توجد منظمات تدعم العمل الطوعي على نحو مستمر وواضح، لكنهم خاطبوا بعض المنظمات مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة ميرسي كوريس من أجل تشبيك المبادرات المجتمعية مع المنظمات الدولية والوطنية، وأضاف أّن الدعم حتى الآن يأتي من الخيّرين وهذا ما يجعله متقطعاً.
الدواء والعلاج
وكانت محصّلة المبادرة في عام واحد 10.632 حالة تردّدت على الطبيب العمومي، وحوالي 3000 حالة ترددت على العيادات المتخصصة، منها 384 حالة لعيادة العيون و381 حالة للأسنان، و5191 لتحصين الأطفال، وأكثر من 12 ألف فحص معملي
بدأت مبادرة شباب حي القبة لتوفير الأمن ومكافحة السرقات في الحي أثناء الحرب، لكنها وسّعت نشاطها ليشمل توفير الرعاية الصحية الأولية لمواطني الحي والأحياء الأخرى، فبادروا لتشغيل مستوصف الحي. وكانت مبادرتهم قد نشطت قَبل الحرب باستئناف عمل المستوصف المتوقف لثلاثة أشهر بسبب إضراب الأطباء في المدينة.
متحدّثاً لـ “أتَـر”، يقول د. يوسف عوض الحدربي، عضو المبادرة، إنها بدأت منذ وقت مبكر أثناء الحرب، في مايو 2023، ولا يزال عملها مستمراً حتى الآن؛ وتهدف إلى توفير الرعاية الصحية وتقليل تكلفة العلاج وتقليل الضغط على المستشفيات الرئيسة، ما يزيد من جودة الرعاية الطبية. ونفذت المبادرة خطّتها التشغيلية بالتعاون مع وزارة الصحة الولائية التي وفرت الأجهزة والمعدات، بينما وفرت المبادرة الكادر الطبي والمحاليل.
وكانت محصّلة المبادرة في عام واحد 10.632 حالة تردّدت على الطبيب العمومي، وحوالي 3000 حالة ترددت على العيادات المتخصصة، منها 384 حالة لعيادة العيون و381 حالة للأسنان، و5191 لتحصين الأطفال، وأكثر من 12 ألف فحص معملي. كما تكفّلت المبادرة بعلاج النازحين في مراكز الإيواء مجاناً، وبلغ عدد الحالات التي استقبلها المستوصف من النازحين 911 حالةً، وأقامت يوماً علاجياً لنزلاء دار المسنّين بالأبيّض.
وقد أُسِّست أثناء الحرب مبادرات أخرى تعمل في مجال توفير الدواء مثل مبادرة شارع الحوادث، لكنها تعاني من عدم الاستمرارية، نتيجة لنقص التمويل.
السُّقيا والجباريك المجتمعيّة
وانتظمت بالمدينة مبادرات أخرى في مجال السقيا والجباريك المجتمعية، بالتعاون بين منظمة إيكو سودان ومحلية شيكان وديوان الزكاة في الولاية وبتمويل من بنك الادخار. ويوفر المشروع بحسب صهيب حامد، المدير العام لمنظمة إيكو سودان، نظاماً غذائياً مرناً لمجتمع المدينة الصامد إزاء حصار الدعم السريع الذي منع إدخال الغذاء إلى المدينة.
ويقول صهيب متحدثاً لـ “أتَـر”، إنّ الفكرة استُلهمت من مشروع السقيا الذي دشّنته محلية شيكان بعد سيطرة الدعم السريع على مصادر المياه الشمالية والجنوبية للأبيّض، حين فكّرت المحلية في استخدام الحوض الجوفي الداخلي للمدينة لحلّ أزمة المياه بحفر آبار جوفية ومضخّات في الأحياء، ونجح ذلك في حلّ مشكلة المياه نجاحاً مقدّراً أدى إلى ثبات أسعار المياه مقارنة بالسلع الأخرى.
إن التمويل وقف عقبة أساسية أمام المشروع، لأنّ المانحين يميلون إلى مشاريع الطوارئ مثل الإغاثة والتحويل النقدي، فمن وجهة نظر المانحين تحتاج المشاريع التنموية إلى المتابعة والتقييم، وليس لديهم موظفون في مناطق النزاع
ومن وحي نجاح هذا المشروع فكرت منظمة إيكو سودان في حلّ مشكلة الأمن الغذائي باستخدام المصادر ذاتها، بعد توفر شروط معينة، أهمّها وجود المساحة المعقولة المُلحقة بمصدر المياه وقلة ملوحة المياه وموافقة المجتمع المحلي. وقال صهيب إنّ المسح الأوّلي شمل 57 فئة داخل مجتمع المدينة، وانطبقت المواصفات على 32 فئة منها. ويقول صهيب إن التمويل وقف عقبة أساسية أمام المشروع، لأنّ المانحين يميلون إلى مشاريع الطوارئ مثل الإغاثة والتحويل النقدي، فمن وجهة نظر المانحين تحتاج المشاريع التنموية إلى المتابعة والتقييم، وليس لديهم موظفون في مناطق النزاع، لذا اقترحت المنظمة أن يكون التمويل من بنك الادخار لتسوير المزرعة التي يجري فيها إعداد الشتول قبل نقلها إلى الجباريك وذلك بقرضٍ لمدة عامين. ووافق صندوق الزكاة على تمويل الري بنظام التنقيط، بينما موّلت المنظمة المُنفّذة (إيكو سودان) التقاوي والشتول بالتعاون مع إدارة الزراعة بمحلية شيكان. ووافق صندوق الزكاة على تمويل النماذج العشرة الأولى للمشروع. يقول صهيب: “سيبدأ تنفيذ تركيب سور المزرعة الرئيسة خلال شهر فبراير الجاري، بعد أن جُهّزت الشتول لجميع نماذج المشروع بالمشتل المركزي لمحلية شيكان”.
ورغم أنّ الجباريك المنزلية تعتمد على مياه الخريف في العادة، تسعى المبادرة الحالية لاستدامة زراعة الخضروات داخل الأبيض بالاستفادة من مصدر الري الدائم، مشروع السُّقيا.