
تبادَلَ الصحافيّون في نيروبي دعوةً من تحالف السودان التأسيسي «تأسيس»، لحضور مراسم التوقيع على ميثاق السودان التأسيسي، الذي يقود بدَوره إلى تكوين حكومة سُمّيت «حكومة السلام والوحدة»، رغم أنها ستكون في حالة حربية مستمرّة. حَدَّدت الدعوة المكان والزمان، وشرحت أن هذا التحالف يتكوَّن من قوى سياسية واجتماعية ومدنية وحركات مسلّحة وقوات الدعم السريع. شرَحَ رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس أكثر، حينما سُئل عن نفوذ الدعم السريع داخل التحالف بقوله: «إن الدعم السريع هو عضو من ضمن أعضاء آخرين». الحقيقة الظاهرة هي أنّ كلّ شيء يُشير إلى الدعم السريع وإلى آل دقلو تحديداً. هذه نظرة وسائل الإعلام، كما أنها حقيقة ما حدث في نيروبي.
شهدَت قاعة جومو كينياتا للمؤتمرات الدولية، صباح يوم الثلاثاء 18 فبراير الجاري، حشداً من تكوينات وأفراد وقيادات أهلية وسياسية، توافدوا من أماكن مختلفة إلى قاعةٍ في قلب العاصمة نيروبي، تُحيط بها مؤسسات السّلطة من جهات عدة: البرلمان إلى يمينها، والسلطة القضائية إلى يساره، وأمامها مكتب حاكم مقاطعة نيروبي. اختيار مكان مراسم التوقيع نفسه أوحى لكثير من المراقبين بدَور الحكومة الكينية في توفير الحماية وربما التشجيع.
في قاعة كينياتا، كان كلّ شيء يُشير إلى المال الذي زيَّنَ القاعة وجعلها باهظة التكلفة. مضيفاتٌ وموظّفو برتوكول وشركة لوجيستيك، لم يتركوا شاردةً ولا واردةً إلا ووضعوها في مكانها. ومن على شرفةٍ فوق القاعة، كان القوني دقلو يراقب ويُوجّه ويتجوَّل بين الحاضرين كأنه صاحب الحفل.
الفكرة الرئيسة من الحشد السوداني في نيروبي، هي الوصول إلى تحالف سياسي يجوز القول إنّه لمساندة الدعم السريع سياسياً. لكن أيضاً للمتحمّسين للفكرة دوافع مختلفة، وحوافز تجعلهم يُغامرون بالتحالف علناً مع قوات الدعم السريع في هذا التوقيت، ويتحمّلون معه مسؤوليات الانتهاكات الكبيرة التي يرتكبها الجنود على الأرض.
في قاعة كينياتا، كان كلّ شيء يُشير إلى المال الذي زيَّنَ القاعة وجعلها باهظة التكلفة. مضيفاتٌ وموظّفو برتوكول وشركة لوجيستيك، لم يتركوا شاردةً ولا واردةً إلا ووضعوها في مكانها. ومن على شرفةٍ فوق القاعة، كان القوني دقلو يراقب ويُوجّه ويتجوَّل بين الحاضرين كأنه صاحب الحفل.
خارج القاعة دارت مُشاورات مكثّفة لإقناع الحركة الشعبية – شمال – بقيادة عبد العزيز الحلو للانضمام إلى التحالف الجديد. بدا أمرُ الحلو أهمَّ من جميع الذين توافدوا إلى القاعة تباعاً. قال أحد المنظّمين لـ «أتَـر» مفسراً التأخير والاضطراب في برنامج مراسم التوقيع «إنّ مشاورات مُكثّفة تجري مع عبد العزيز الحلو للانضمام إلى المجموعة». حانت اللحظة، حينما دخل الحلو برفقة عبد الرحيم دقلو، وسط ترحيب الحضور، وكأنها لحظة نصر حاسمة. أثار انضمام الحلو إلى المجموعة تساؤلاتٍ كثيرةً حول ما رآه في التحالف، ولم يرَه في جميع التحالفات التي أعقبت انفصال جنوب السودان. أعلنت الجهات المُنظِّمة، أنّ التوقيع على الإعلان السياسي سيؤجَّل إلى يوم الجمعة، وفي نهار الخميس دعَت إلى مؤتمر صحفي بفندق رديسون بلو، لكنه أُجِّل أيضاً إلى يوم الاثنين المقبل.
قالت مصادر كينية لـ «أتَـر»، إنّ هنالك مشاورات داخل الحكومة الكينية حول الأزمة الدبلوماسية مع السودان في حال جرى التوقيع على الميثاق في كينيا، ما قد يجعل السُّلطات تتراجع عن موقفها من إعلان حكومة موازية من نيروبي.
قال مصدر مُطَّلع في الحركة الشعبية شمال، إنّ وفداً من مجلس التحرير والمكتب السياسي وصل إلى نيروبي لعقد مشاورات حول الوثيقة السياسية قبل التوقيع عليها. وقال المصدر إنّ المشاورات بين أعضاء مجلس التحرير كانت مستمرّة خلال الأسابيع الماضية ولا يَتوقَّع عقباتٍ تُذكر، لكن مصدراً دبلوماسياً غربياً قال لـ «أتَـر»، إنّ رئيس الوزراء السابق؛ عبد الله حمدوك، قد وَعَد دبلوماسيين غربيين في أديس أبابا خلال اجتماعات قمة الاتحاد الافريقي، بأنّ عبد العزيز الحلو سيكون ضمن مجموعة الجبهة المدنية العريضة التي تدعو إليها قوى سياسية برئاسة حمدوك. كلّ ذلك يجعل موقف الحركة الشعبية غير محسوم. ورغم خطاب الحلو رئيس الحركة الشعبية في اليوم الأول لمؤتمر نيروبي، وموقفه المعادي لحكومة بورتسودان، لكنه لم يعلن موقفاً واضحاً من تشكيل حكومة موازية حتى الآن. مصادر كينية أخرى قالت لـ «أتَـر»، إنّ هنالك مشاورات داخل الحكومة الكينية حول الأزمة الدبلوماسية مع السودان في حال جرى التوقيع على الميثاق في كينيا، ما قد يجعل السُّلطات تتراجع عن موقفها من إعلان حكومة موازية من نيروبي.
عاملان أساسيان يُحدِّدان الخطوة التالية لتحالف الدعم السريع، أوّلهما ما إذا أصرّت كينيا على دعم التحالف السياسي وضحّت بعلاقتها مع السّلطات في بورتسودان، خاصة بعد استدعاء بورتسودان سفيرها في نيروبي اليوم الخميس. الأمر الثاني هو قرار الحركة الشعبية شمال بالاستمرار في التحالف، وحافزها النهائي من حكومة موازية.
اعتبَرت السُّلطات في بورتسودان أنّ هناك تعدّياً من الحكومة الكينية على السيادة السودانية. عدَّدَ مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة في بورتسودان ما اعتبره مخالفات للرئيس الكيني وليام روتو لسيادة السودان، وقال في خطابٍ أرسله إلى الرئيس وليام روتو إن استضافة كينيا لمراسم التوقيع على حكومة مُوازية لحكومته يُعد مخالفاً للوائح ونظم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. واعتبر نائب رئيس مجلس السيادة أن أنشطة الرئيس الكيني مؤخراً وانحيازه لطرف من أطراف الصراع، يُصعّب موقف كينيا كوسيط. في رده على موقف الحكومة في بورتسودان، أصدر وزير الخارجية ووزير مجلس الوزراء الكيني موسالا مودافادي تصريحاتٍ شرح من خلالها الموقف الكيني الداعم لشعب السودان ووحدته، مُذكراً بدور كينيا تمهيداً لمحادثات السلام والتوقيع على برتوكول مشاكوس في 2001 ولاحقاً التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في العام 2005 في ضاحية نيفاشا بالعاصمة الكينية.
ترى الحكومة في بورتسودان، أن الموقف الكيني مصدره علاقات تربط بين الرئيس الكيني وقائد قوات الدعم السريع سبقت الحرب، دون أن تشرح تفاصيل هذه العلاقة. خلال العامين الماضيين، نظرت حكومة بورتسودان بعين الريبة والشك للمواقف الكينية من الأزمة في السودان. بدأ ذلك في أول شهور الحرب خلال اجتماع قمة الإيقاد في 14 يونيو 2023 بجيبوتي. على هامش الاجتماع، دعت كينيا إلى قمة رباعية ضمّت جنوب السودان، جيبوتي، يوغندا، وتترأسها كينيا نفسها. رفضت الحكومة في بورتسودان مقترح كينيا وشكَّكَتْ في نواياها، مُتخوِّفة أكثر من قربها الظاهر من حكومة الإمارات العربية المتحدة. في يناير 2024، فرشت كينيا السجادة الحمراء لاستقبال محمد حمدان دقلو رسمياً خلال جولة أفريقية سهلتها دولة الإمارات العربية المتحدة. في العام 2023، سافر الرئيس الكيني وليام روتو إلى جوبا في زيارة متصلة بالسودان، وكان بصحبته عبد الرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع وشقيق حميدتي، حسب ما أوردت صحيفة نيشن الكينية.
الأسبوع الماضي وعلى هامش قمة الاتحاد الأفريقي، انضمّت كينيا إلى مجموعة دول ومنظمات أممية لمناقشة قضية السودان، وتبرَّعت ضمن آخرين بمبلغ مليون دولار للمساعدات الإنسانية. بعد أيام فقط من قمة الاتحاد الأفريقي، استضافت كينيا وفوداً من الدعم السريع وحلفائه للتوقيع على اتفاق سياسي يُمهّد لتشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان. حضر إلى نيروبي قادة الدعم السريع وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو الذي وصل إلى نيروبي يوم الأحد الماضي، قبل يومين من موعد التوقيع على الوثيقة السياسية. كذلك وصل شقيقه عبد الرحيم دقلو ونائبه، ووصل شقيقه الأصغر القوني دقلو، إضافة إلى ضيوف من المجتمع السياسي والإدارات الأهلية.