أتر

محاصيل واعدة: التسالي

بدأ الأمر بأنْ تجاسَر مُزارعٌ في ولاية القضارف على زراعة محصول التسالي «حَبّ البطيخ» في مساحة صغيرة. وبعد أن وَجَد المحصول نجاحاً سريعاً ورواجاً في السوق، زاد عدد المزارعين والمساحات المزروعة. مع مرور السنوات، تطوّرت زراعته في الولاية، وتمدّدت مساحاته في موسم 2014-2015، وبدأت مصانع الآليات الزراعية خارج البلاد في تصنيع آليات مخصّصة لعملياته الزراعية، ذلك حسب إفادة أبو زيد، وهو مزارع في منطقة القدَمْبَليّة جنوبيّ ولاية القضارف خصّص حوالي 7 آلاف فدّان لزراعة محصول التسالي.


حب التسالي محصول شتوي، تبدأ عمليات زراعته في منتصف سبتمبر وحتى بداية أكتوبر من كلّ عام، أي بعد محصولي السِّمسم والذُّرة اللذين يُزرعان باكراً. يُزرع بطيخ التسالي بعد جفاف التربة الطينية التي كانت مبتلّة أو مغمورة بالمياه. وكلما كانت التربة أكثر طينية، زاد احتمال نجاح المحصول، لأنه لا يحتاج إلى أمطار لريّه، إنما يستمرّ في النمو بعد إنباته في فصل الشتاء إلى أن يبلغ مرحلة الحصاد.

تبدأ عمليات تحضير الأرض وحرثها قبل شهر سبتمبر، ثمّ تُترك حتى تنمو الحشائش، لتُحرَث مرات أخرى حتى التحقّق من أنّ الأرض جاهزة، ومن ثم تبدأ عملية بذر البذور باستخدام التراكتور planter أو الديسك العريض desk؛ ولا يُفضّل استخدام الأخير لأنه يضع البذور على سطح الأرض، ما يقلّل من نسبة الإنبات إلى نصف المساحة مقارنةً بغرس البذور باستخدام التراكتور الذي يَغرسها عميقاً في الأرض، ليتيح التحكّم في المسافة بين البذور من 5-15 سم.

يشرح أبو زيد لـ «أتَـر» العمليات الزراعية لمحصول التسالي على النحو التالي: تبدأ مرحلة الكَدِيب عقب إنبات المحصول، وتُستخدم فيها الأيدي العاملة البشرية، وتعقبها عملية رشّ المبيد على مرحلتين، وذلك لأن للتسالي آفات تهاجمه مثل حشرة «تاكسي مدني»، وسُمّيت بذلك بسبب لونها الأحمر، وهي تؤثّر بشدّة على الإنتاجية إنْ لم تُكافَح جيداً، كما يُنثر السّماد العضوي لزيادة إنتاج المحصول. وأخيراً، تأتي مرحلة الحصاد التي تكون مرهقة ومكلّفة، إذ تحتاج إلى أيدٍ عاملة بشرية لأنّ الحصّادات الآلية تزيد من نسبة التالف.

لطبيعة محصول التسالي، الذي يُزرع في فصل الشتاء، يصبح من ثمّ خارج دائرة تمويل البنك، لذلك بات سوقه في القضارف يتمتّع بحرّية نسبية، إذ يتحكّم التجّار في أسعاره. وقد أدّت زيادة أسعار الجازولين، ونُدرة السيولة النقدية بسبب عملية استبدال العُملة، وغياب سعر التركيز وعدم ثبات سعر الصرف، في انخفاض سعر حبّ البطيخ.

لحَبّ التسالي أنواع عدّة حسب لونه، وهي أنواع يمكن للمزارع التحكّم بها، وتعتمد على مهارته وخبرته ودربته. وأوسع أنواعه رواجاً ونجاحاً في السوق هو ذو اللون الأبيض، أما التسالي الأحمر فهو غير مرغوب وسعره أقل بكثير، وهو يحمرّ لتأخُّر حصاده، فكلما طالت مدة بقاء ثمرة البطيخ في التربة زادت درجة احمرار الحبّ.

يقدّم البنك الزراعي تمويله في فصل الخريف مع بداية الموسم الزراعي العام حصراً، ويستفيد المزارعون من التمويل بشراء الوقود «الجازولين» والتقاوي والمبيدات والأسمدة. ولطبيعة محصول التسالي، الذي يُزرع في فصل الشتاء، يصبح من ثمّ خارج دائرة تمويل البنك، لذلك بات سوقه في القضارف يتمتّع بحرّية نسبية، إذ يتحكّم التجّار في أسعاره. وقد أدّت زيادة أسعار الجازولين، ونُدرة السيولة النقدية بسبب عملية استبدال العُملة، وغياب سعر التركيز وعدم ثبات سعر الصرف، في انخفاض سعر حبّ البطيخ. وذلك وفقاً لمزارعين تحدّثوا لـ «أتَـر».

بحسب محمد عبد الله، وهو تاجر محاصيل في ولاية القضارف، انخفض سعر طن التسالي إلى 2.5 مليون جنيه سوداني من 3.2 ملايين جنيه سوداني، بسبب الزيادات الكبيرة في عرض المحصول، لذلك عزَف كثيرٌ من المزارعين عن بيع إنتاجهم، وآثروا تخزينه حتى ارتفاع السعر مرة أخرى، لتفادي الخسارة وتغطية تكاليف الزراعة.

يُصَدَّر حبّ التسالي عبر ميناء بورتسودان وفق إجراءات يتعين اتّباعها عبر مكاتب التصدير في سوق القضارف. وحسب سائقي شاحنات تحدّثوا لمراسل «أتَـر»، فإنّ الطريق بين القضارف وبورتسودان يخلو من العوائق تقريباً، ولا تعترضه سوى إجراءات نقاط الطريق في التفتيش العادي لمطابقة كمية الشحنة المدوّنة في الوثائق مع تلك التي يحملها السائق.

والتسالي هو المحصول الأول في التصدير حالياً، ويَكثُر الطلب عليه من الدول العربية، وخاصة مصر والخليج. ويُعاد تصديره مرة أخرى من مصر إلى دول الخليج وأوروبا. يقول التاجر محمد عبد الله إنّ ولاية النيل الأزرق تنتج محصول حبّ البطيخ بجودة عالية ويتميّز بلونه الأبيض وحجمه الكبير، ويُطلّق على حبّته محلياً في سوق المحاصيل اسم «الحبة الجامبو».

ويأسف التاجر عبد الله: «تعطّلت حركة تجارة الحبّة الجامبو من مناطق النيل الأزرق بسبب قطع الطريق بعد دخول قوات الدعم السريع مدينة سنجة، ولاحقاً مع هجماتها على أجزاء واسعة من محليات الريف الغربي، حيث هجر معظم المزارعين أراضيهم تاركين محاصيلهم بلا حصاد».

التوقيت السعر بالجنيه السوداني نقداً
منتصف ديسمبر 140,000
بداية يناير 130,000
نهاية يناير 80,000
فبراير 75,000

أسعار جوال التسالي زنة 70 كلغم لموسم 2024-2025 بالقضارف.

المصدر: استطلاع أجراه مراسل أتَـر.

أخبر متابعون لصيقون بالأسوق المحلية بولاية غرب كردفان أنّ حبّ البطيخ يُزرع في مناطق واسعة بأرياف الولاية، وبالتحديد في مناطق دار حَمَر بمحليات الخِوي، والنهود، وود بندة، وغِبيش والإضيّة، وأب زبَد. وتشكّل هذه المحلّيات ما يُقدّر بـ 60% من مساحة الولاية.

وفي غرب كردفان، يُعرَف حبّ البطيخ محلياً باسم «الكاشير»، وتحوي الثمرة الواحدة قدراً كبيراً جداً من الحبوب. ويُزرع المحصول في نهاية الموسم بعد حصاد المحاصيل الأخرى وتجهيز الأرض. وبعد حصاده يُستهلك الحبّ ذو اللون الأحمر محلّياً في الطبخ، بينما يُصدّر الأبيض إلى خارج الولاية، فيُنقل من مواقع إنتاجه في أرياف المحليات المختلفة مع بقية المحاصيل إلى الأسواق الريفية ثم شبه الحضرية ثم المركزية وأهمّها بورصة المحاصيل في مدينة النهود، وذلك لأنّ مناطق الإنتاج لم تدخل بعد في دائرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023. بينما تبدأ الصعوبات مع بدء عملية التصدير وترحيل المحصول نحو سوق الدبة في الولاية الشمالية.

وقد شهدت مناطق الإنتاج في ولاية غرب كردفان إنتاجية كبيرة للغاية لمحصول حبّ البطيخ هذا العام، لكن تسبّبت الحرب في خروج كثير من الشركات والمصدّرين من سلسلة الإنتاج، بسبب مخاطر النقل، وتعدّد الضرائب والجبايات غير الرسمية، وتكاثر نقاط التفتيش، وعدم ضمان وصول بضائعهم إلى وجهاتها خارج الولاية، ما أحدَثَ ركوداً في سوق المحاصيل.

ورغم أنّ بورصة النهود تحدّد السعر التأشيري لحبّ البطيخ وجميع المحاصيل، تبقى أسعارها غير مجزية ومتغيّرة بحسب المزارعين والتجّار، فتكلفة المركبة المشحونة من مدينة النهود حتى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، تتجاوز مبلغ 20 مليون جنيه سوداني، وتُدفع على أجزاء في مختلف الارتكازات على الطرق، سواءٌ أكانت لمستنفَرين يتبعون للجيش حتى مدينة بارا، أم أفراد يتبعون للدعم السريع، أم مسلحي القبائل حتى كوستي. وحكى عدد من التجار لمراسل «أتَـر» كيف نُهبت كثيرٌ من المركبات، واقتيدت أخرى إلى جهات مختلفة، بينما فُرضت جبايات على مركبات عدّة، وأحياناً يقرّر المسلّحون الاحتفاظ بالمركبة على الرغم من حصولهم على المال. نتج عن هذا الوضع انخفاض في أسعار المحاصيل الزراعية في النهود مقارنة ببقية مناطق السودان، حيث يتراوح سعر قنطار الفول في ولاية القضارف بين 50- 70 ألف جنيه سوداني، بينما يبلغ في النهود 26-27 ألف جنيه سوداني، وذلك حسب مصادر متطابقة.

لا يقتصر إنتاج ثمرة البطيخ على حبّ التسالي فقط، إنما تُنتج الثمرة كميات من المياه مع بدء عملية الحصاد، يجمعها العمّال الزراعيون في أوعية، وتُباع إلى التجّار الذين يُصدّرونها إلى الخارج، وتدخل في صناعة مستحضرات التجميل.

يقول تاجر بسوق مدينة الدبّة بالولاية الشمالية، واسمه أحمد أبوبكر، إنّ التسالي يرد إلى الدبّة من شرق دارفور وأجزاء من شمال كردفان وغربها، لكنّ الجودة العالية تتوافر في الوارد من الجزء الشرقي من ولاية شمال درافور، وتحديداً مناطق أم كدّادة وبروش، والزرنخ، وعيال أمين وما حولها. لكنْ توقّف وارد هذا الإنتاج منذ إعلان الدعم السريع منع تصدير المحاصيل من مواقع سيطرتها العسكرية في إقليمي دارفور وكردفان، ما خلق ندرةً في مناطق التصدير وتكدساً غير مربح في مناطق الإنتاج. وقد أثّر هذا بدَوره في عملية التصدير إلى دول الإمارات والصين ومصر، والأخيرة هي المستورد الأكبر للمحصول بحسب إفادات تجار من الدبة والقضارف تحدثوا لـ«أتَـر».

لا يقتصر إنتاج ثمرة البطيخ على حبّ التسالي فقط، إنما تُنتج الثمرة كميات من المياه مع بدء عملية الحصاد، يجمعها العمّال الزراعيون في أوعية، وتُباع إلى التجّار الذين يُصدّرونها إلى الخارج، وتدخل في صناعة مستحضرات التجميل.

وحسب حديث الكيميائي محمد خيري لـ«أتَـر»، فإنّ كثيراً من العقاقير ومستحضرات التجميل تُستخلص من النباتات، ويتطلب استخلاص المادة الفعّالة منها عمليات كيميائية محدّدة، مثل التسخين في درجات حرارة معيّنة، بوجود مواد مُحفزة لضمان حدوث التفاعل والحصول على الناتج المطلوب.

ويشكل الماء حوالي 90% من كتلة ثمرة البطيخ، فضلاً عن الألياف. ويُطلِق المزارعون على سوائل الثمرة اسم «موية التسالي»، لكنها في الحقيقة العلمية تجمع عدداً من العناصر، وتُستخدم على نحو واسع في منتجات التجميل والعناية بالبشرة بسبب خصائصها التي تفيد في ترطيب البشرة وتهدئتها، ولأنها تحتوي على مضادّات الأكسدة التي تفيد في تنشيط الخلايا، كما تساعد إنزيمات البطيخ على التقشير اللطيف لخلايا الجلد الميتة، ما يجعل البشرة منتعشة ومتوهّجة. وبسبب احتوائها على ڤايتمينات  عديدة (A، E، C) تُستخدَم «موية التسالي» في التغلّب على علامات التقدّم في السنّ والشيخوخة، كما تحوي مضادّات لالتهابات الجلد. كذلك تعمل هذه المستخلصات على موازنة إنتاج الدهون، ما يجعلها مفيدة للبشرة الدهنية أو المعرّضة لحب الشباب.

Scroll to Top