أتر

شارع الوادي: ملاذٌ جديدٌ للتجارة والاستثمار

في مدينةٍ حربيةٍ يُعاني سكّانها من انقطاع الخدمات الأساسية، تَعَيَّنَ على قوة العمل والتجارة والاستثمار في أسواقها الكبرى، سوق ليبيا وسوق أم درمان والسوق الشعبي، الواقعة في مناطق طالتها يد الحرب والنهب القاسية، أن تنتقل شيئاً فشيئاً إلى مواقع تجارية أكثر أماناً، كان أقربها سوق صابرين وشارع الوادي، حيث أُنشِئت مشاريع ناجحة وشركات صغيرة ومتوسّطة الحجم لتلبية حاجات المتسوّقين من مختلف الفئات، جملةً وتجزئةً.

يبدأ التغيير من محيط صينية كوبري الحلفايا، التي تعد بوصلة تُحدّد الاتجاهات في شارع الوادي شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. وعلى طول الشارع ازدحمت أحياء الواحة والروضة ومدينة النيل بالمحال التجارية، وصارت أكثر حيوية. وأصاب الحارة السادسة وبقالة ومطعم أبو غالب نصيبٌ كبيرٌ من هذا التغيير

يقع شارع الوادي شمال شرق مدينة أم درمان الكبرى، وهو من شوارعها الرئيسة، إذ يبدأ من ميدان الشهداء بمحلية أم درمان ويمتدّ عبر محلية كرري بوحداتها الإدارية الثلاث: الثورة وكرري فالريف الشمالي. وعلى الرغم من أنه كان شارعاً حيّاً وزاخراً بمختلف الأنشطة التجارية من قبل، إلا أنّ من رآه قبل الحرب لن يصدّق ما يراه الآن: تضاعفت الحركة اليومية ونشط البيع والشراء على امتداد مساحات واسعة منه، جعَلَتْ منه جسراً تجارياً بين مجموعة من المحال التجارية الناشئة حديثاً.

يبدأ التغيير من محيط صينية كوبري الحلفايا، التي تعد بوصلة تُحدّد الاتجاهات في شارع الوادي شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. وعلى طول الشارع ازدحمت أحياء الواحة والروضة ومدينة النيل بالمحال التجارية، وصارت أكثر حيوية. وأصاب الحارة السادسة وبقالة ومطعم أبو غالب نصيبٌ كبيرٌ من هذا التغيير. وقد أنشئت في الشارع عدة مولات مثل اليقين، وعصام، وهايبر، وتمتدّ على جانبيه عدد من البقالات الصغيرة والكبيرة والدكاكين والأسواق، لقضاء جميع حاجات المتسوّق بسهولة، إذ تجتمع كلها في شارع واحد.

هكذا، صار شارع الوادي جاذباً لجميع الوكلاء والمورّدين، في تحوّل فارق أدّى إلى نموّ في التجارة والاستثمار على امتداده، ووفّر مصادر دخل لأصحاب المهن الذين فقدوا أعمالهم منذ بداية الحرب. وقد تكدّس الشارع بتجّار الجملة والتجزئة، إذ تُباع جميع الأصناف من المواد الغذائية الأساسية والكمالية، فها هم وكلاء الدقيق والسكر والشاي والزيت والصابون والمنظفات بأنواعها، وأولئك مورّدو الملابس والأواني المنزلية والأثاث المنزلي الفاخر المستورد من مصر وتركيا. وتلك ورش الأثاث المحلي ومعارضه تمتدّ على طول الطريق مضفيةً عليه ألقاً وجمالاً، وتبيع منتجاتها الفاخرة بأسعار متفاوتة، وفي متناول يد المواطن.

وبعد أن كان سوق أم درمان سيد الذهب، شهدت تجارة الذهب في شارع الوادي ازدهاراً كبيراً، إذ افتُتحت عدد من المحال لبيع الذهب وشرائه في تطور لم يشهده الشارع من قبل.

ويتمتّع شارع الوادي حالياً بجميع ما يلزم الأسواق وعمليات التسوّق من معاملات تجارية نشطة بين الوكلاء والمورّدين والمستهلكين في إدارة حسابات البضائع وإصدار فواتير المبيعات والمشتريات والمنتجات وأصناف المواد الغذائية للمستهلك والتاجر. وللتكايا نصيبها الأكبر من عمليات الشراء اليومية في هذا الشارع.

قال أحد المورّدين لـ «أتَـر» إنّ أغلب البضائع الواردة تأتي من الصين ومصر وتركيا والسعودية وعمان، ومنها الملابس بمختلف أنواعها وخاماتها، والأواني المنزلية ولُعب الأطفال.

كان لزاماً أن تنشأ أسواق صغيرة داخل محلية كرري، قريبة من سكن المواطنين طلباً للأمان وخوفاً من القصف المدفعي، لذا باتت محال الوكلاء وتجّار الجملة في شارع الوادي مصادر آمنة وقريبة من هذه الأسواق تُجلب منها البضاعة من دون عناء

وذكر يوسف علي، أحد الوكلاء لشركة أدوات كهربائية مقرّها في الصين، أنّ الشركة قد توقّفت عن تزويده بالمنتجات بعد نشوب الحرب، لكنها استعادت العمل مرة أخرى بعد استقرار الأوضاع في محلية كرري، إذ شرعت في استيراد الأجهزة الكهربائية من شاشات وأدوات كهربائية متعدّدة الاستخدامات، موضحاً أنّ البضاعة تأتي عبر ميناء بورتسودان، ثم عطبرة ومن ثم تصل إلى أم درمان.

ويعجّ شارع الوادي بالمطاعم والمقاهي، مثل كنتاكي KFC، وزهرة حلب، وهاوس كريب، وزهرة الروضة، وكافيه نوتيلا بارك الذي فُتح حديثاً بعد الحرب، ومطعم وكافيه الراكوبة، وفابلي بيرقر، وبرادايس، والفكهاني، وباني أقاشي.

وفي ظلّ ازدهار التجارة في الشارع، فُتحت كثير من المحال العاملة في مجال العقارات إيجاراً وبيعاً وشراءً. قال محمد أحمد بحر، صاحب محلّ للعقارات، إن حركة إيجار المنازل والدكاكين قد نشطت كثيراً في الحرب، وبرّر ذلك بكثرة الوافدين والنازحين والمرضى، لتوفر جميع الخدمات في شارع الوادي.

واستكمالاً لكل هذا النشاط، ازدحم الشارع بالخدمات العديدة التي تلبي حاجة المواطن، أهمّها المراكز الطبية، إذ نشأت مجمّعات طبية جديدة وعيادات متخصصة، تقدم خدمات صحية، مثل مركز ماو للعيون، ومجمع ميان الطبي، ومركز العمران الطبي، إضافة إلى العديد من المراكز الصحية التي توقفت عن العمل بعد نشوب الحرب، واستعادت خدماتها بقوة، لتُلبّي احتياجات المرضى بمختلف أعمارهم. ويصل العديد من المرضى، من مناطق قريبة أو بعيدة من الشارع، خاصة أنّ المحلية مزدحمة بالسكان النازحين والوافدين. كذلك انتشرت مراكز التدريب للغات والمخاطبة والكمبيوتر والبرامج بأنواعها، ومركز للتجميل والعطور، ومراكز رياضية.

وكان لزاماً أن تنشأ أسواق صغيرة داخل محلية كرري، قريبة من سكن المواطنين طلباً للأمان وخوفاً من القصف المدفعي، لذا باتت محال الوكلاء وتجّار الجملة في شارع الوادي مصادر آمنة وقريبة من هذه الأسواق تُجلب منها البضاعة من دون عناء. وكان التجار قبل الحرب يذهبون إلى تجّار الجملة في سوق ليبيا وسوق أم درمان. وفي شارع الوادي نفسه أسواق صغيرة متفرقة على طول الطريق، مثل سوق لفة الـ21 وسوق لفة الـ30، وغيرهما.

وما كان لهذا النشاط التجاري والاستثماري الواسع في محلية كرري أن ينجو من أزمة الكاش المتفاقمة منذ اندلاع الحرب وما جَرّ ذلك من ركود مالي، وتوقّف في عمل البنوك، وأخيراً عملية استبدال العملة. لكن بعد الاستقرار الذي شهدته المحلية، بدأ بنك الخرطوم بافتتاح فرعه في شارع الوادي، لتقديم ما يحتاج إليه التجّار والعملاء من خدمات مصرفية ومعاملات مالية، وتوريدات، وتقديم الدعم للعملاء ومستخدمي تطبيق بنكك لحلّ جميع المشكلات التقنية التي تواجه العميل في حسابه، وفتح الحسابات الجديدة.

وبات شارع الوادي قِبلة للمسافرين من أم درمان إلى الولايات السودانية الأخرى، إذ تصطف البصات السفرية في محطات معينة طوال اليوم لنقل المسافرين في أي وقت.

أخيراً، يعكس هذا التغيير استقرار أجزاء كبيرة من أم درمان وصمودها أمام التحديات، مثلما يعكس العمل على إيجاد بدائل تعزّز استمرارية الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ظلّ ظروف الحرب.

Scroll to Top