
في الرابع من مارس الجاري، أظهَرَ ڤيديو بُثَّ من مصفاة الخرطوم للبترول، مُهندسين من شركة سودا غاز للبترول المحدودة، وهم يَحتفلون بأول شُحنة من المصفاة لغاز الطبخ. وقد ظلّت مصفاة الخرطوم بالجيلي تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ نشوب حرب 15 أبريل، حتى إعلان القوات المسلحة السودانية سيطرتها عليها يوم 25 يناير 2025، عقب اشتباكات امتدّت لعدة أيام ضدّ قوات الدعم السريع.
وتُعدّ مصفاة الجيلي، المعروفة أيضاً بـمصفاة الخرطوم، أكبر منشأة لتكرير النفط في السودان، وتؤدّي دَوراً محورياً في تأمين جزء كبير من احتياجات البلاد من المشتقّات النفطية، وتقع على بعد 70 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم على الجانب الشرقي لطريق التحدّي (عطبرة – الخرطوم)، ما يمنحها موقعاً استراتيجياً قريباً من مراكز الاستهلاك والبنية التحتية الأساسية للطاقة.
وخلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على مصفاة الجيلي، لم تتعرَّض خزانات الغاز لأيّ ضرر، بحسب خبير فني يعمل مع إحدى الشركات العاملة في مجال الغاز تحدّث لـ «أتَـر»، وأشار إلى أنّ تعرُّضها لأي انفجار يمكن أن يُؤدّي إلى تدمير شامل للمنطقة المحيطة. واحتفظت المخازن التابعة للمؤسسة السودانية للنفط بالغاز طوال عامين من نشوب الحرب، إضافة إلى خزانات الشركات الأخرى بالمصفاة.
وعلى الرغم مما شاع أخيراً من أن المصفاة قد عاودت إنتاج غاز الطبخ، يؤكد الخبير الفني أن هذا لم يحدث بعد، وأن الشحنات التي وُزّعت هي مما كان مخزناً سلفاً في مخازن شركة سودا غاز بالمصفاة منذ ما قبل اندلاع الحرب. واستمرّت عمليات تكرير وإنتاج الغاز وتخزينه في الشهور الأولى من الحرب حتى توقّفها في شهر أكتوبر 2023. واحتَجَزت قوات الدعم السريع خلال فترة سيطرتها على المصفاة بعض الموظّفين وعمال الصيانة والمهندسين داخلها.
وبحسب حديث الخبير الفني، جرَت أخيراً عمليات صيانة وإصلاح لما يمكن إصلاحه من خطوط النقل من خزانات الغاز الخارجة لشركات التوزيع مثل شركتي أمان للغاز وسودا غاز.
تضمّ المصفاة خزانات تابعة للمؤسّسة السودانية للنفط، وأُسِّست في عام 1998 شركةً حكوميةً ولها شخصية اعتبارية، وتتبع لوزارة الطاقة والنفط وفقاً لموقع وزارة النفط والطاقة السودانية. وتعمل الشركة في عمليات التنقيب وإنتاج النفط والغاز، وتُشارك في عمليات تكرير النفط وتوزيع المنتجات النفطية. قبل الحرب، كانت لدى السودان مستودعات استراتيجية للوقود، موزّعة في مختلف أرجاء البلاد. تُخزِّن المستودعات الاستراتيجية أنواعاً مختلفة من الوقود منها وقود السيارات، والديزل، وغاز الطبخ (LPG)، وأكبر هذه المستودعات من حيث كمية الوقود المُخزَّنة، هو مُستودع الجيلي جوار المصفاة، وكان يحتوي على أكثر من 239 ألف طن متري، يَليه المستودع الاستراتيجي الجديد ببورتسودان الذي يحتوي على أكثر من 128 ألف طن متري، ومن ثمّ مستودع الشجرة بالخرطوم، وكان فيه من الوقود أكثر من 100 ألف طن متري. ويُعدّ مستودع الجيلي كذلك أكبر المستودعات من حيث مخزون غاز الطبخ، الذي كان يبلغ 21 ألف طن متري.
في 4 فبراير، خلال زيارته إلى مصفاة الخرطوم، قال دكتور محيي الدين نعيم محمد سعيد وزير الطاقة والنفط إن شركة CNPC (مؤسسة البترول الوطنية الصينية)، أكّدت استعدادها لفحص المصفاة بعد الحرب لإعادة إعمارها. وأوضح الوزير أنّ العديد من الوحدات داخل المصفاة قد تضرَّرت، مُؤكّداً فقدان ما يقارب 700 ألف برميل جازولين، أي ما يعادل حمولة باخرة.
وقال مصدر هندسيّ من المصفاة لـ «أتَـر»، إنّ فريقاً هندسياً أجرى فحصاً لتقييم الأضرار في المصفاة، موضحاً أنها قد تعرّضت لأضرار كبيرة لكن يمكن إعادة تأهيلها.
وتحتوي مصفاة الخرطوم على وحدتين لتكسير الغاز، الذي يُضغَطُ في وحدات مُخصّصة بعد عملية الحرق. ويُستخلص الغاز من تسخين النفط الخام إلى درجات حرارة تصل إلى 350 – 400 درجة مئوية في وحدة التسخين، ثم يُدخل الخام الساخن إلى برج التقطير الجوي، ليُفصَل إلى عدة منتجات بناءً على درجات الغليان، ومنها الغازات الخفيفة (المستخدمة في إنتاج غاز الطبخ LPG) والنفتا (تُستخدم في إنتاج البنزين) والكيروسين (يُستخدم في وقود الطائرات) والديزل والزيوت الثقيلة.
تُوجَّهُ الغازاتُ الخفيفةُ الناتجةُ عن التقطير (الميثان، الإيثان، البروبان، والبيوتان)، إلى وحدة مُعالجة الغاز لإزالة الشوائب والكبريت باستخدام عمليات كيميائية خاصة، مثل التنقية بالأمين، وهي عملية كيميائية باستخدام محاليل الأمينات، ويجري بعدها فصل البروبان والبيوتان، وهما المُكوِّنان الأساسيان لغاز الطبخ (LPG)، في وحدات فصل خاصة. وفي المرحلة الأخيرة يُخلَطُ البروبان والبيوتان بنسبٍ مُحدَّدة للحصول على المنتج النهائي وفقاً للمواصفات المطلوبة.
يُبرَّدُ الغاز المضغوط ويُنقل إلى خزانات خاصّة، تحت ضغط مرتفع لمنع تبخّره. بعد التخزين، يُعبّأ غاز الطبخ في أسطوانات الغاز، أو يُنقل عبر شاحنات مُخصَّصة إلى مستودعات التعبئة والتوزيع.
وفي وقت سابق، تعرّضت الوحدة الأولى لعُطل فنّي أدّى إلى أزمة في توفر الغاز في الأسواق، ولتفادي ذلك مستقبلاً لا بدّ من زيادة وحدات التكسير، بحسب المهندس صالح عبد الغني، الذي عمل بالمصفاة في فترة سابقة، في حديثه لـ «أتَـر».
وبحسب مصدر إداري تحدث لـ «أتَـر»، فإنّ المصفاة تمتلك قدرة تكريرية تصل إلى 100 ألف برميل يومياً من النفط الخام، ما يُمكِّنها من تغطية نسبة كبيرة من الطلب المحلّي على المنتجات البترولية، وتوفير 60% من احتياجات السودان من البنزين، و48% من احتياجات الجازولين (الديزل)، و50% من احتياجات غاز الطهي (LPG).
وتُستورد الكميات المتبقية لسدّ العجز في السوق المحلي، خاصة في ظل تذبذب الإنتاج المحلي من النفط بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011، ما تسبّب في فقدان السودان جزءاً كبيراً من احتياطاته النفطية.
يقول المهندس صالح عبد الغني: «بعدَ استقلال الجنوب كان خام البترول يُنقل عن طريق الشركة الصينية للنفط من الحقول عبر خطوط الأنابيب حتى مصفاة الجيلي مروراً بمصفاة الأبيض وهي مصفاة صغيرة نسبياً، ونسبةً للحظر الأمريكي على السودان ارتفعت أسعار قطع غيارها، ما أدّى إلى قلة إنتاجها من المشتقات البترولية».
بدأ التنقيب عن النفط في السودان منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما وقّعت حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري اتفاقية مع شركة شيفرون الأمريكية للتنقيب عن النفط، وتلتها اتفاقيات وُقِّعَتْ مع شركات فرنسية وأمريكية في الثمانينيات. وبعد إجراء المسوحات الجيوفيزيائية حُفرت آبارٌ استكشافيةٌ في مناطق مختلفة من البلاد. وبدأ الإنتاج الفعلي للنفط في السودان في العام 1998. وحتى يونيو 1999، بلغ الإنتاج 150 ألف برميل في اليوم. ووقّعت حكومة الإنقاذ في تلك الفترة، اتفاقيات مع عديد من الشركات النفطية مثل الشركتين الكنديتين IPC وSPC، والشركة الوطنية الصينية للبترول CNPC ، وشركة الكونستريوم، وأُنشئت شركة النيل الكبرى لعمليات البترول GNPOC عام 1997. ووصَل السودان إلى ذروة الإنتاج في العام 2007 بواقع 530 ألف برميل في اليوم.
ويبلغ احتياطي السودان من الغاز الطبيعي 2010 مليار متر مكعب. ورغم الإنتاج الوارد إلى مصفاتي الجيلي والأُبيّض، يَستورد السودان كميّات مُقدّرة من الغاز، وتُخزَّن في مستودعات عدد من مدن البلاد. ووفقاً لوكالة سونا في مارس 2023 وُزِّع 10,435 طن من الغاز من بورتسودان للولايات المختلفة. وفي تقرير بنك السودان المركزي بالواردات لعام 2024 استورد السودان ما قيمته 43,386,000 دولار من الغاز الطبيعي.
كان وكيل الغاز أحمد طه يعمل في بيع الغاز قبل الحرب، وبعد نزوحه إلى مدينة شندي عاد من جديد إلى مسكنه بالخرطوم، ولدى محاولته التواصل مع الوكلاء لم يجد تجاوباً. يقول متحدثاً لـ «أتَـر»، إنّ أغلب الوكلاء بعد الحرب ما عادوا يعملون، وقد أُغلقت محلّاتهم أو نُهبت، على ندرة الغاز طيلة سنتي الحرب. ووفقاً لمُشاهدات طه، تصدّت مجموعات من المتطوّعين في الأحياء بالتعاون مع قوات الجيش، لتوفير اسطوانات الغاز، وكانت الحصص تُجلب في فترات متباعدة جداً، وبمبالغ مالية كبيرة جداً. وقد تضخّمت مستودعات التخزين في الولايات مُقارنةً بما قبل الحرب، ويتحكّم التجار في توزيع الغاز، الذي لم يعد سلعةً تحظَى بالطلب عليها، وأصبح الإقبال على الفحم والحطب ومواقد الكهرباء أكبر، لارتفاع تكلفة إعادة تعبئة الأسطوانة الواحدة. وبحسب رصد أجراه مراسل «أتَـر» في عدد من الولايات، يتراوح سعر إعادة تعبئة الأسطوانة بين 45 إلى 50 ألف جنيه سوداني، وفي مدينة بورتسودان بلغ السعر بين 60 إلى 65 ألف جنيه سوداني.
المستودع | الموقع | احتياطي الديزل (بالطن المتري) | احتياطي وقود السيارات (بالطن المتري) | احتياطي غاز الطبخ (بالطن المتري) | احتياطي وقود الطائرات (بالطن المتري) | المجموع |
---|---|---|---|---|---|---|
المستودع الاستراتيجي القديم | بورتسودان | 33200 | 58400 | 1200 | 0 | 92800 |
المستودع الاستراتيجي الجديد | بورتسودان | 66400 | 36500 | 10000 | 15600 | 128500 |
مستودع الجيلي الاستراتيجي | الخرطوم | 166000 | 36500 | 21000 | 15600 | 239100 |
مستودع الشجرة | الخرطوم | 61380 | 38870 | 0 | 0 | 100250 |
مستودع ربَك القديم | ربك | 5800 | 0 | 0 | 0 | 5800 |
مستودع ربَك الجديد | ربك | 41500 | 7300 | 1500 | 0 | 50300 |
المجموع | 439980 | 198210 | 34000 | 31200 | 703390 |