أتر

حدث في الخرطوم

خلال الأيام العشرة الماضية، تمكنت القوات المسلحة السودانية والقوات المتحالفة معها من استعادة معظم أجزاء مدينة الخرطوم. بانت بوادر التقدم الأخير بالظهور في 16 مارس الجاري، حين أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد ركن نبيل عبدالله تقدم قوات سلاح المدرعات في محور نادي الأسرة وكبري المسلمية وموقف شروني وأبراج النيلين الواقعة وسط الخرطوم، وفي اليوم التالي أعلن الناطق الرسمي التحام قوات سلاح المدرعات والقوات الموجودة في القيادة العامة بالخرطوم. وبعد أيام أعلنت القوات المسلحة نجاح القوات في السيطرة على القصر الجمهوري، والوزارات في المنطقة، ومناطق عدة في السوق العربي.

صبيحة استيلاء الجيش على القصر الجمهوري، راح ضحية مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع أربعةٌ من أعضاء فريق تلفزيون السودان القومي العامل على تغطية الأحداث، هم: فاروق أحمد محمد الزاهر، ومجدي عبد الرحمن فخر الدين، ووجي جعفر أونور، ولاحقاً إبراهيم مضوي متأثراً بجراحه، وضباط يتبعون للإعلام العسكري للقوات المسلحة هم: المقدم حسن إبراهيم والنقيب عماد الدين حسن، وعسكريون آخرون.

وفي 22 مارس، واصلت القوات المسلحة تقدمها في وسط الخرطوم، معلنةً القضاء على مجموعة من قوات الدعم السريع التي حاولت الانسحاب من المنطقة، والسيطرة على مجموعة من المواقع في منطقة المقرن، هي مبنى عمارة زين وبنك السودان ومصرف الساحل والصحراء وبرج التعاونية وكلية البيان والمتحف القومي وجامعة السودان-المجمع الغربي وقاعة الصداقة، إضافةً إلى إدارة المرافق الاستراتيجية وبرج كورنثيا ومباني رئاسة جهاز المخابرات الوطني. وبعد يوم أكملت القوات المسلحة تقدمها في وسط الخرطوم، وأعلنت تمكنها من استعادة مول الواحة بوسط السوق العربي. حدث التقدم الكبير التالي بعد ذلك بيومين، حين أعلنت القوات المسلحة استعادتها مواقع الشرطة الواقعة شرق القيادة العامة في منطقة بري بالخرطوم.

وبعد سيطرة القوات المسلحة على منطقة وسط الخرطوم، واقتراب قواتها من السيطرة على جسر خزان جبل أولياء، المخرج الوحيد المتبقي للدعم السريع من الخرطوم، وسط أنباء عن حدوث انسحابات للدعم السريع استباقاً للحصار المرتقب؛ شهد يوم الأربعاء 26 مارس، أكبر تقدم عسكري للقوات المسلحة في الخرطوم من ناحية المساحة الجغرافية.

وفي صباح ذات اليوم، أعلنت القوات المسلحة استعادة اللواء الأول مشاة «آلي» الواقع بمنطقة الباقير جنوبي الخرطوم. وتوسعت القوات الموجودة في معسكرات القيادة العامة وسلاح المدرعات في بقية أنحاء المدينة، فأعلنت نجاحها في السيطرة على كوبري المنشية من الناحية الغربية. وبثّ ضباط من القوات المسلحة وجنودها مقاطع فيديو تظهر انتشارهم على امتداد شارع الستين، في مواقع منها برج الاتصالات، وقسم شرطة الرياض، وصولاً إلى تقاطع شارع مدني مع شارع الستين.

كذلك تحركت القوات على امتداد شارع المطار، وبثّ الضباط والجنود مقاطع فيديو تُبين وجودهم في مطار الخرطوم الدولي، وقيادة قوات الدفاع الجوي بشارع 61 العمارات، وصولاً إلى السوق المركزي بالخرطوم. وتقدمت القوات كذلك في أحياء وسط الخرطوم، وبثّ منسوبو القوات المسلحة مقاطع تظهر وصولهم إلى أحياء النزهة والصحافة والامتداد.

جنوباً، تحركت قوات الجيش والقوات المُسانِدة لها من مواقعها في محيط سلاح المدرعات نحو أحياء الكلاكلة اللفة والكلاكلة القبة والكلاكلة القلعة وسيطرت على معسكر الاحتياطي المركزي بمنطقة الفتيح ومعسكر اليرموك اللذين خسرتهما في وقت سابق.

وتحركت قوات لواء النخبة الأول التابعة لجهاز المخابرات الوطني وقوات درع السودان من شمال ولاية الجزيرة نحو جبل أولياء، بعد تمكنهما من استعادة منطقة حبيبة بولاية الجزيرة في وقت سابق، وسيطرتا على منطقة طيبة الحسناب، التي تضم معسكر طيبة، أحد أكبر مُعسكرات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم شمال جبل أولياء. وسيطرتا كذلك على قاعدة النجومي الجوية القريبة من الجبل، ومن ثم دخلتا مدينة جبل أولياء.

أخيراً، في اليوم الخميس 27 مارس، أعلنت القوات المسلحة سيطرتها على محلية الخرطوم بالكلية. بعد أن أكملت السيطرة على محليتي بحري، وشرق النيل سابقاً. في حين تظلّ قوات الدعم السريع موجودةً في مناطق في ولاية الخرطوم، هي الأحياء الواقعة غرب أم درمان وجنوب غربها، والتي يواصل الجيش عملياته العسكرية لاستعادتها.

أتت هذه التقدمات العسكرية الأخيرة امتداداً للعملية العسكرية التي بدأتها القوات المسلحة عملياً قبل 6 أشهر يوم 26 سبتمبر الماضي، بنيَّةِ استعادة العاصمة الخرطوم. وحينها تمكنت القوات المسلحة من السيطرة على مداخل جسري الحلفايا والنيل الأبيض (السلاح الطبي) من الاتجاهين. واتّبعت القوات المسلحة خلال هذه العملية استراتيجية تمثلت في ربط القوات الموجودة في معسكراتها الأساسية في العاصمة مع عزل قوات الدعم السريع عن بعضها البعض، ومن ذلك عزل القوات الموجودة في بحري عن نظيرتها في شرق النيل، وقوات شرق النيل عن بعضها، وأخيراً عزل القوات الموجودة في مناطق المقرن والقصر الجمهوري عن تلك الموجودة في بقية أحياء المدينة. أتاحت هذه الاستراتيجية للقوات المسلحة فتح خطوط إمداد مُريحة بين قواتها المُختلفة، داخل الخرطوم وخارجها، كما مكَّنتْها من قطع خطوط إمداد الدعم السريع داخل العاصمة ومهاجمتها من عدة اتجاهات. وبعد السيطرة على منطقة وسط الخرطوم والاقتراب من جسر خزان جبل أولياء، أضحت قوات الدعم السريع بمحلية الخرطوم مُهدَّدةً بالدخول في حصار كليّ داخل الولاية، ما دفع العديد من عناصرها للهروب

رسمت هذه العمليات معالم مشهد حربي جديد؛ تُسيطر فيه القوات المسلحة على جلّ المناطق الواقعة وسط وشمال وشرق السودان، ومواقع عدة في كردفان ودارفور، في حين تحافظ قوات الدعم السريع على وجودها في ولايات غرب ووسط وشرق وجنوب دارفور وأجزاء واسعة من شمال دارفور.

وكشف التقدم الأخير عن مآسٍ إنسانية عدة عاشها سكان الخرطوم تحت سيطرة الدعم السريع، إذ عُثر على مجموعة من المُعتَقلين في منطقة جبل أولياء وهم بحالة سيئة، كما سجُلت مقاطع فيديو لحاوية ممتلئة بالهياكل العظمية لأشخاص يُظنُّ أنهم كانوا معتقلين وقتلتهم قوات الدعم السريع حرقاً. وسجَّلت العديد من مقاطع الفيديو مشاهد لاحتفالات سكان المدينة العارمة عقب خلاصهم من قبضة الدعم السريع.

Scroll to Top