أتر

بعد فرارها من الخرطوم: الدعم السريع تبطش بالقرى غرباً

تغيَّر اتجاه الحرب في السودان كُليَّاً، بعد سيطرة الجيش على وسط الخرطوم في 21 مارس الماضي. نتيجة لذلك، اضطرّت قوات الدعم السريع التي كانت تحاصر مبنى القيادة العامة وتنتشر في بقية أحياء الخرطوم إلى الفرار عبر جسر خزّان جبل أولياء، نحو الريف الجنوبي لمدينة أم درمان، لتلتقي بآخر عناصرها المُنسحبة من ولاية الجزيرة بقيادة «قجّة»؛ أحد القادة الميدانيين للدعم السريع في الجزيرة، وقد ارتبط اسمه بأشدِّ الأعمال الانتقامية عنفاً ضدّ المدنيِّين، وكذلك بعمليات السطو والنهب منذ بداية الحرب.

منذ خروج آخر عناصرها من الخرطوم، تغيَّرت استراتيجية الدعم السريع، لتتجه غرباً. وتقول مصادر عسكرية تحدثت لـ «أتَـر»، إنّ الجيش يَسعى للإجهاز على قوّة الدعم السريع، التي تتمركز غرب أم درمان، بتطويقها من ثلاثة محاور، أهمّها محور جبال المَرخيّات، وسوق ليبيا بأمبدّة، وقوة أخرى قادمة من ولاية النيل الأبيض. وهو ما تنفيه مصادر عسكرية داخل الدعم السريع، رغم تقدُّم الجيش صباح يوم الثلاثاء الماضي، ووصوله حتى معسكر النسور القريب من حي الصفوة الواقع غرب سوق المويلح بأم درمان.

وبجانب محاولتها صدَّ هجوم الجيش الذي لم يتوقَّف منذ انتقال المعركة إلى أم درمان، أقحمت الدعم السريع نفسها في معارك واشتباكات مُتقطّعة مع بعض سكّان قرى منطقة الجمّوعية وأحياء صالحة. وتقول مصادر محلية بالمنطقة لـ «أتَـر»، إنّ الغرض من هجوم الدعم السريع على الأحياء والقرى، هو سرقة ممتلكات الناس وطردهم من منازلهم للاستيلاء عليها.

وتنفي مصادر في الدعم السريع مزاعم المدنيِّين، باتهام عناصرها بالسرقة، وتقول إنّ قواتها تطارد المُسلّحين الذين يترصّدون عناصرها من داخل الأحياء.

وصل عدد القتلى من المدنيين في قرى الجموعية إلى 129 قتيلاً حتى يوم الأربعاء الماضي، بحسب ما أخبر مصدرٌ عسكريٌّ مراسل «أتر».

وقالت مصادر في الدعم السريع إن الكتائب الإسلامية والاستخبارات العسكرية سلَّحت المدنيِّين ودفعتهم للاشتباك مع عناصرها. وأضافت المصادر أنّ أول هجوم ارتكبه المسلّحون المحلّيون ضد قوات الدعم السريع كان في السادس والعشرين من رمضان أثناء خروج قواتها من الخرطوم.

وتقول الدعم السريع إنّ سكّان عدد من القرى كانوا يهجمون على المدنيين الفارّين من الخرطوم وبعض أفراد القوات العسكرية المنسحبة من أجل إجبارهم على السير بعيداً عن القرى، ليَسهُل استهدافهم بالطيران والمدافع. ونفّذت الدعم السريع حملة مضادّة ضدّ من سمّتَهم المسلحين، ووصفتهم بأنهم يتبعون لأبو عاقلة كيكل الذي سعى لتطبيق سيناريو الجزيرة في أم درمان، حيث شكَّل مجموعات صغيرة مسلّحة لمهاجمة الدعم السريع وإحداث خسائر فادحة بين صفوفها، بجانب تشتيتها ودفعها إلى مغادرة القرى لتكون عناصر الدعم السريع في مرمى الطيران الحربي والمُسيّرات والمدافع التي تُطلَق من خارج المنطقة.

وتقول مصادر عسكرية، إنّ الخطّة أثمرت جيداً لمصلحة الجيش، لكنها أوقعت خسائر فادحة بين سكّان منطقة الجمّوعية والصالحة جنوب أم درمان.

وتقول مصادر داخل الدعم السريع لـمراسل «أتَـر»، إنّ قائد عمليات الدعم السريع اللواء عثمان حامد، المعروف بـ «عثمان عمليات»، وهو أكثر قادة الدعم السريع غموضاً، قد أجرى تغييرات جوهرية وسط تشكيلات الدعم السريع بعد خسائرها الفادحة في المناطق التي كانت تُسيطر عليها، إذ أرسل القوات التي كانت تُقاتل في الخرطوم منذ بداية الحرب إلى مدينة بارا بولاية شمال كردفان لتحلّ محلّها في محور غرب أم درمان وجنوبها، قواتٌ قدمت حديثاً بقيادة عبد الرحمن جمعة بارك الله، قائد قطاع غرب دارفور الذي وضعته أمريكا ومجلس الأمن الدولي على قائمة الحظر، مُتّهَماً في مقتل والي غرب دارفور خميس أبكر.

وتقول المصادر إنّ جمعة تسلَّم رسمياً قيادة القوات التي تقاتل حالياً في أم درمان. ويَتَّهم سكّان منطقة الجمّوعية، القائد في الدعم السريع المعروف بـقجّة، بأنه مهندس الانتهاكات التي طالت القرى من أجل «الشَّفْشَفة» وفقاً لإفادة المصادر المحليّة بالمنطقة.

اللافت في مُجريات الحرب، منذ استرداد مدينة ود مدني في يناير الماضي، هو تزايد حدّة الانتهاكات من قِبل أفراد الدعم السريع، وهي سِمَة مُشابهة لانتهاكات مُقابلة ينفذها الجيش في المناطق التي يستردّها من الدعم السريع.

وقال ثلاثة مدنيين، انتقلوا الأسبوع الماضي من أم درمان إلى بارا، إنهم سلكوا طريق بارا – أم درمان الذي وصفوه بأنه يشهد حركة كبيرة بين المدينتين.

وغادرت كثيرٌ من العائلات التي كانت في مناطق سيطرة الدعم السريع بالخرطوم وأم درمان إلى بارا. وقال أحد سكّان الكلاكلة بالخرطوم لـ «أتر»، إنه نقل أسرته إلى بارا، وينوي نقلها إلى دارفور خوفاً من انتقام الجيش، الذي صار يُنكّل بالمدنيين الذين قضوا فترات طويلة في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الدعم السريع، بحسب وصفه.

ويقول مصدر عسكريّ، إنّ الجيش قد تمكّن من محاصرة الدعم السريع في أم درمان وقطع خطوط إمداده كلياً، لكن مصادر «أتَـر» في الدعم السريع أفادت بأنها تسيطر على المنطقة الواقعة بين أم درمان وبارا بشمال كردفان، وتضيف أنّ الدعم السريع تسيطر على طريق الصادرات القومي الذي يربط بين أم درمان والأبيّض ويمرّ بمدينة بارا. وتمتد سيطرة الدعم السريع حتى منطقة الدَّنْكُوج جنوب بارا على بعد 24 كيلومتراً من الأبيّض. ومن الدَّنْكُوج تمتدّ سيطرة الدعم السريع غرباً حتى جبل عيسى الواقع على بعد حوالي 5 كيلومترات شمال غرب الأبيّض، ومنه حتى مناطق سيطرتها جنوباً نحو العيّارة التي تبعد 18 كيلومتراً عن الأبيّض، مروراً بقرى أم رماد على بعد 27 كيلومتراً عن الأبيّض حتى منطقة أم عرَدة التي تقع غرب الأبيّض على بُعد 19 كيلومتراً.

وقال عددٌ من سكّان الأبيّض، إنّ المدينة لا تزال خاضعةً لحصار الدعم السريع التي تمنع عنها سكّان المناطق الغربية، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية من جديد. وتقصف الدعم السريع المدينة مدفعياً من ثلاثة اتجاهات بحسب رواية السكّان، الذين قالوا إنها تشهد تدويناً شبه يوميّ، من الغرب والشمال والشمال الغربي.

وذات الانتهاكات التي تحدث في أم درمان، رغم محاولة الدعم السريع نفيَ ضلوعها فيها، تقع في المناطق المُحيطة بالأبيّض، وتخضع لسيطرتها. وقال عدد من السكّان، إنّ الدعم السريع تنهب مؤن الناس والمحال التجارية ووسائل الحركة من لواري ومركبات صغيرة وكذلك تقع سرقات كثيرة للمواشي والأبقار.

وترتفع حدّة انتهاكات الدعم السريع في القرى الواقعة جنوب الأبيّض، وتلك القريبة من مدينة الرهد، التي ظلت تستقبل عقب استعادتها إلى قبضة الجيش، آلافَ الأسر التي فرّت من القرى هرباً من انتهاكات الدعم السريع والمتعاونين معها.

ويقول سكّان القرى التي تتعرّض للانتهاكات اليومية، إنّ مجموعات عسكرية فارَّة من الخرطوم وأم درمان، وبعضها انفصل عن الدعم السريع، ظلّت تنهب القرى والأسواق التي تقع في طريق فرارها إلى دارفور تحت تهديد السلاح.

Scroll to Top