أتر

شمال بحري: الأمور تتحسَّن لكن ببطء

منذ أكتوبر الماضي، قلّت وتيرة العمليات العسكرية في شمال الخرطوم بحري، وبدأ الهدوء التدريجي يدبُّ فيها. وفي 9 أكتوبر، أعلن قائد منطقة الكدرو العسكرية، اللواء النعمان علي عوض، أنَّ منطقة شمال بحري قد استُعيدت إلى قبضة الجيش، وبدأت المستشفيات وأقسام الشرطة بالدروشاب والحلفايا تستأنف عملها.

وبالتزامن مع ذلك، بدأت استجابة بطيئة للعودة الطوعية من سكّان مناطق شمال بحري، الذين غادروا منازلهم لما يقارب العامين، قضوهما في نزوح مُكلف ومرهق. ومع تقدّم الجيش وانفتاحه جنوباً وانسحاب الدعم السريع من مدينة بحري بالكامل؛ بدَت منطقة شمال مدينة بحري قابلةً للعودة المُمرحلة للسكّان في رحلات جماعيّة وفرديّة. وتفتّقت مظاهر الحياة في الشوارع والأسواق، لا سيما بعد انتهاء المعارك وأصوات الرصاص في منطقة شرق النيل وفَتْح طريق التحدي، الرابط بين مدينة بحري ومناطق شمال البلاد التي نزح إليها عددٌ مُقدّرٌ من سكّان المنطقة.

تَختَلط علامات الحرب بحركة البيع والشراء في سوق مدينة الجيلي: سيارات قليلة وباعة خضار ورواكيب وأطفال يَعرِضون فاكهة الجوّافة

يرصد مراسل «أتَـر»، في رحلةٍ بين مدينة شندي والحلفايا، في نهاية مارس الماضي، حركةً مُتقطّعةً للسيارات في شارع التحدّي، ومُخلّفات الحرب وآثارها المُدمّرة متناثرة على جانبي الطريق: مئات السيّارات المحروقة والمنهوبة، وإغلاق كامل لمحطات التزوّد بالخدمة من طلمبات وكافتريات ومحال، وآثار المعارك في مدخل مصفاة الجيلي للبترول، ومشهد المئات من جرّارات الوقود المحترقة عند مدخل كوبري عازة «كوبري الجوّافة» بمنطقة الكدرو، في حرب الوقود المشهودة بين الجيش والدعم السريع. يُخبر أحد المستنفَرين مُراسل «أتَـر»، بأنّ حرائق التناكر ناجمةٌ عن هجمات الطيران والمُسيَّرات والكمائن الدقيقة التي نصَبها الجيش في مدخل الكوبري.

تَختَلط علامات الحرب بحركة البيع والشراء في سوق مدينة الجيلي: سيارات قليلة وباعة خضار ورواكيب وأطفال يَعرِضون فاكهة الجوّافة، وتكثر نقاط التفتيش في القرى المكلومة في الجيلي والكبّاشي والسّقّاي والخُوجَلاب وحتى الكدَرو والحلفايا. وتبدو مشاهدُ المنازل مهجورةً ومنهوبةً ومشرعة الأبواب، بينما تزداد الحركة في تقاطع كوبري الحلفايا إلى مدينة أم درمان ومنها، فضلاً عن الانتشار العسكري الكثيف، والازدحام الملحوظ أمام بنك الخرطوم بالحلفايا.

عادت بعض خدمات المياه بعد استعادة تشغيل محطتي شمال بحري والنية، في مارس الماضي بنسبة 75% من قدرتيهما التشغيلية. واستمرّت عمليات صيانة الخطوط وتغذيتها، بحسب شهود عيان، بمنطقة دردوق ونبتة، ومن المتوقّع عودة التيار الكهربائي إليهما قريباً. ورصَدَ مراسل «أتَـر» وصول شاحناتٍ مُحمّلة بمواد إغاثية، تزامناً مع العودة الطوعية للسكان.

يشكو سكّان عائدون تحدّثوا لمراسل «أتَـر» غياب حملات إصحاح البيئة بعد عامين من إغلاق المنطقة والمنازل وانتشار البعوض والحشرات بكثافة، ما نتج عنه انتشار هائل للحمّيات في بيئة طبيعية وصحية وصفوها بالمترديّة، مع ضغط كبير على المستشفيات القليلة التي استأنفت العمل بصعوبة.

وقالت غرفة طوارئ مدينة بحري إنها نجحت، بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظّمة السلام المتحدة، في توفير شحنة مساعدات غير غذائية (NFIs)  تستهدف 1000 أسرة نازحة في الأحَامْدة السامراب شمال، بواقع 740 حصّة وفق خطّة منظّمة. ووصلت المساعدات إلى 140 أسرة في اليوم الأول، مع استمرار جهود التوزيع حتى إكمال المهمة في تاريخها المُحدّد.

يشكو سكّان عائدون تحدّثوا لمراسل «أتَـر» غياب حملات إصحاح البيئة بعد عامين من إغلاق المنطقة والمنازل وانتشار البعوض والحشرات بكثافة، ما نتج عنه انتشار هائل للحمّيات في بيئة طبيعية وصحية وصفوها بالمترديّة، مع ضغط كبير على المستشفيات القليلة التي استأنفت العمل بصعوبة. «الكهرباء والمياه غير مستقرّة، والبيئة سيئة جداً»، تقول إحدى العائدات واسمها فاطمة لمراسل «أتَـر»، وتضيف: «المؤسسة التعاونية شغالة، إضافة إلى أسواق صغيرة لا تفي بالغرض كاملاً، كما أن هناك مدارس بدأت تعمل في الدروشاب والحلفايا».

عاد أبوبكر عثمان مع أسرته إلى منزله بالكدرو بعد غياب استمر لمدة 18 شهراً تقريباً. يُحدِّث «أتَـر» قائلاً: «وجدتُ بيتي منهوباً إلا من بعض الأثاث، لكني أصرّ على عدم الرجوع نازحاً مرة أخرى إلى شندي، وأجتهد في تهيئة البيت بالمُتاح، رغم تذبذب الكهرباء والمياه». ويضيف: «عادت بعض الدكاكين القليلة إلى العمل وانتظم أطفالي في مدرسة قريبة من البيت، لكننا نعاني من الملاريا، فقد أُصِبْتُ أولاً ووجدتُ العلاج بصعوبة، ثم لاحقاً أُصيبت زوجتي واثنان من أطفالي». ويأمل أبوبكر أن تتحسّن الأوضاع إلى الأفضل: «الأمور تتحسّن لكن ببطء، هنالك أعمال للرشّ لكنها لا تغطي المناطق جميعها، وما زالت معظم البيوت خالية من أصحابها، وحتى الذين عادوا من مناطق النزوح ما زالوا قليلين مقارنة بعدد البيوت الخالية». ويقول أبوبكر إنّ الأيام الأولى لعودتهم شهدت سرقات من قِبَل أفراد يرتدون زيَّ الجيش، لكن بعد فتح قسم الشرطة وانتشار القوات الأمنية المختلفة على نحو أوسع، قلّت نسبة السرقات والانتهاكات.

متحدّثاً لـ «أتَـر»، يقول جمال سعيد، إنه عاد إلى الدروشاب بمفرده لاختبار الأوضاع، مؤكّداً أنه سيُعيد الأسرة كاملة لاحقاً. «وجدتُ سيارتي مُشلَّعة ومن دون إطارات، فسحبتها إلى أم درمان للصيانة»، يقول جمال ومن ثم يضيف: «ما زالت الأحوال في الدروشاب سيئة، خاصة من الناحية الصحية، حيث يعاني الناس من حمّيات مجهولة. هنالك فرق طوعية تعمل على توزيع الإغاثة وتوفير العلاج للمرضى، ويَعمل مستشفى علي عبد الفتاح ومركز صحي الدروشاب جنوب بأقل من طاقتَيْهما». ويرى جمال أنّ أعداد العائدين لا تزال قليلة، لكنه يتوقَّع عودة كثير من الناس في الفترة المُقبلة.

حصرنا أكثر من ألفي حالة وفاة، في زمن الحرب لأسباب مختلفة، وأكثر من 60 مفقوداً ومنهم أسرى

وقد وصلَ يوم 28 رمضان، بحسب شهود عيان، 70 باصاً سياحياً إلى شمال بحري عائدة من بورتسودان وعطبرة وشندي.

 تُخبر إخلاص محمد، من قاطنات الدروشاب، أنها حينما عادت أوَّلَ مرَّةٍ وجدَتْ أفراداً من الجيش يُقيمون في منزلها مع كامل أثاث المنزل، فرجعت إلى منطقة نزوحها لتستعدّ للعودة النهائية، وبعد عودتها مرة أخرى لم تجد في منزلها سوى الجدران.

لكن بدأت الحالة الأمنية في التحسّن تدريجياً بعد استئناف أقسام الشرطة في الحلفايا والدروشاب عملها، وباشرت استخراج النشرات الجنائية، كما يشير الأمين إدريس الذي استخرج نشرة جنائية من قسم الحلفايا لعربته التي سُرقت في أواخر نوفمبر الماضي، قُبيل استعادة الجيش للمنطقة، وظلّ يبحث عنها بزريبة للسيارات المفقودة بالقرب من كوبري الحلفايا دون جدوى.

«تهدّمت عشرات المنازل كلياً أو جزئياً على امتداد الشارع الرئيس جراء القصف المدفعي والطيران، نعمل على حصرها»، يقول خالد إدريس، من لجنة حصر الموتى والمفقودين بمدينة الحلفايا، ومن ثم يُخبر مراسل «أتَـر»: «حصرنا أكثر من ألفي حالة وفاة، في زمن الحرب لأسباب مختلفة، وأكثر من 60 مفقوداً ومنهم أسرى».

وتشكّلت في مدينة الحلفايا مبادرات محلّية أهلية لتتبّع عودة النازحين وأقامت احتفالاً بالعيد وبرنامجاً للدعم النفسي للأطفال. يُخبر خالد، مراسل «أتَـر» بانحسار نسب الإصابة بحمى الضنك في الحلفايا، والجهد المبذول في أعمال النظافة والرشّ بالمبيدات أهلياً ورسمياً، وأنّ بعض المستشفيات والمدارس الخاصة بدأت أعمالاً للصيانة، استعداداً لعودة السكان الذين لا يزالون يتوافدون.

استعادت أسواق الجيلي والدروشاب والحلفايا نشاطها، إضافة إلى المؤسسة التعاونية التابعة للجيش بمنفذ الحلفايا. وما زال سوق الكدَرو متوقّفاً بسبب أعمال الصيانة في الكهرباء. وعادت كثيرٌ من المخابز للعمل، ما أسهم في توفر الخبز. وتُجلب المواد الاستهلاكية إلى أسواق شمال بحري من شندي وأم درمان.

وبلغ سعر كيلو السكر بالحلفايا 2500، رطل اللبن 1200 جنيه، ربع البصل 3000 جنيه، كيلو لبن البودرة 20 ألف جنيه، كيلو الرز 2000 جنيه، كيلو العدس 3000 جنيه، رطل الشاي 6000، كيلو المكرونة 6000 جنيه، رطل البُن 10000 جنيه، كيس السَّلَطة 3200،  كيلو اللحمة العجّالي 16 ألف جنيه، أنبوبة الغاز 48 ألف جنيه، كيلو الدقيق 2500 جنيه، طبق البيض 26 ألف جنيه، 7 رغيفات 1000 جنيه،  لتر الزيت 5500 جنيه، كيلو البطاطس 2000 جنيه، كيلو الأسود 2000 جنيه، كيلو البرتقال والمنقة 7000 جنيه، كيلو الموز 2000 جنيه.

Scroll to Top