أتر

دفتر أحوال السودان (72): من النهود والنيل الأبيض وأمدرمان والدبّة

النهود: بين الفوضى والحصار

أغلَقت السُّلطات في مدينة النهود بولاية غرب كردفان، السبت الماضي، السوق الكبير بالمدينة، ونشرت قواتٍ من الجيش والقوات النظامية الأخرى، وذلك إثر اشتباكات قبَلية ضارية شهدتها منطقة أبو سرور جنوب شرق المدينة، خلّفت عشرات القتلى والجرحى ومئات النازحين. ووقعت الاشتباكات التي استُخدمت فيها أسلحة ثقيلة كمدافع الدوشكا والقرنوف وآر بي جي، بجانب جيم 3 والكلاشنكوف، على خلفية نهب عربة دفع رباعي تحت تهديد السلاح.

ولا تُشكِّل الأحداث التي شهدتها منطقة أبو سرور سوى مشهد من مشاهد متكرّرة على مدار الأسبوع بمدينة النهود وأريافها، حيث تشهد مناطق عديدة وطرق في ولاية غرب كردفان على وجه العموم، فوضى وسيولة أمنية غير مسبوقة، توقّفت معها حركة تنقّل المواطنين عبر عدد من الطرق التي تربط مختلف أنحاء الولاية بمدينة النهود العاصمة البديلة للولاية، منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على العاصمة الفولة في يونيو الماضي.

وكانت مناطق أبو زيد والمحفورة والسّنوط الواقعة شرق وجنوب شرق المدينة هي التي تغذّي النهود بالخضروات، لكن هذا الإمداد توقّف قبل اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023م، بسبب مواجهات قبَلية سبق أن دارت بين منسوبين لقبائل المِسيريّة والحَمَر على خطّ الحدود الفاصل بينهما. ومع أنّ هذه المواجهات وقعت قبل نشوب الحرب، إلا أنّ الأوضاع الراهنة عزَّزَتْ من حالة التوتّر والعزلة، وأسهمت في قطع التواصل ومنع المعاملات التجارية العلنية بين الطرفين عبر تلك الحدود.

منذ اندلاع الحرب، تعيش مدينة النهود فوضى وسيولة أمنية غير مسبوقة، عزَّزَها الفراغ في منصب الوالي. لكن في ديسمبر الماضي عُيِّنَ اللواء متقاعد محمد آدم محمد جايد والياً، وتعهَّد منذ أيامه الأولى ببسط هيبة الدولة، وأصدر قرارات استقبلها سكّان المدينة بحفاوة، لكونها قضت بمنع إطلاق النار العشوائي الذي أودى بحياة العشرات، وبمنع حمل السلاح في الأسواق الذي عزّز من انتشار أعمال اللصوصية والسرقات تحت تهديد السلاح في المدينة والقرى المُجاورة لها، لكن تلك القرارات لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

تسبّبت الفوضى الأمنية في لجوء القبائل إلى تسليح نفسها. ومنذ اندلاع حرب 15 أبريل حدث ما يُشبه سباق التسلّح بين مختلف مكوّنات ولاية غرب كردفان، وعمدت عديد منها إلى تكوين مليشيات لحماية نفسها.

وتُسيطر قوات الدعم السريع على جميع محليات ولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة النهود والفرقة 22 للقوات المسلحة في مدينة بابنوسة. وكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على عاصمة الولاية مدينة الفولة في يونيو الماضي، وأصبحت بعدها تُسيطر على غالبية الطرق الرئيسة وتفرض رسوماً وجبايات على العربات.

كذلك ترزح مدينة النهود تحت الحصار، بفعل سيطرة قوات الدعم السريع على جميع محلّيات الولاية، كما تُسيطر على الطرق الرئيسة المُؤدّية إليها، فمنذ نحو سنة انقطع تنقّل المواطنين على الطرق التي تربط المدينة بمدن الأبيّض وأبو زبد والإضيّة، ليضطرّ المسافرون إلى سلوك طرق وعرة غير معهودة وهو ما يعرّضهم لكثير من المخاطر.

وفضلاً عن قوات الدعم السريع التي تتحكَّم في الطرق، يتحكَّم متفلّتون وعصابات نهب في عدد من الطرق، حيث تنتشر عمليات النهب تحت تهديد السلاح، الأمر الذي أجبر المواطنين على إيقاف استخدام هذه الطرق.

وهناك أيضاً قوات الاحتياط التي أُسِّست على يد «اتحاد شباب حَمَر». ونشأ هذا الاتحاد في العام 2019، لكن بعد حرب 15 أبريل 2023م بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع تغيّرت مهامّه ليتولى حماية مدينة النهود العاصمة البديلة وعددٍ من الطرق. وأصبحت قوات الاتحاد تابعة للجيش ومساندة له في الحرب، وتفرض هذه القوات رسوماً وجبايات على الطرق وعلى التجار والمؤسّسات داخل مدينة النهود.

ويُسيطر مُسلّحون يتبعون إلى اتحاد شباب حمر على عددٍ من الطرق بالمحليات وينصبون البوابات والارتكازات، ويَفرضون عديداً من الجبايات، تبعهم في ذلك السكّان من مختلف القرى، معتبرين أنّ تلك الرسوم باتت حقاً لهم في ظلّ غياب السلطات الحكومية.

وكانت قوات الدعم السريع، قد منعت تصدير المحصولات الزراعية من النهود إلى مناطق سيطرة القوات المسلّحة، ودفعت تلك القرارات أصحاب الشاحنات وسائقيها للبحث عن طرق بديلة آمنة للوصول إلى مدينة الدبّة بالولاية الشمالية، وإلى مدينة الأبيض عبر منطقة المزروب الواقعة شمالها، لكن هذه المسارات أوقعت الشاحنات في أيدي النهّابين والمليشيات القبَلية.

النيل الأبيض: المستشفيات تستقبل أسرى معتقلات الدعم السريع

كشَفت مصادر طبية وميدانية عن حجم الانتهاكات التي تعرّض لها أسرى مدنيّون وعسكريّون في معتقلات قوات الدعم السريع، وقد أَطلَق الجيش السوداني سراحهم عقب دخوله أجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، خاصّة في معتقلات سوبا وطيبة والرياض وجبل أولياء، والتي وُصفت بأنها من أسوأ المواقع التي استخدمتها الدعم السريع لاحتجاز الأسرى وتعذيبهم.

وخلال الأسبوع الأول من تحرير منطقة جبل أولياء، استقبل مستشفى القطينة التعليمي أكثر من 180 أسيراً ممن أطلق الجيش سراحهم، ما أدّى إلى ازدحام شديد في قسم الطوارئ، وهو القسم الوحيد الذي لا يزال يعمل بعد إغلاق المديرة العامة للمستشفى أبوابه دون إبداء أسباب، ما اضطرّ الأسرى المُحرَّرين للنوم على الأرض. ورغم الظروف الصعبة، هبّ أهالي مدينة القطينة لتقديم الدعم الكامل لهم، من غذاء وملابس ومياه وحتى مبالغ مالية، في موقف وُصِفَ بأنه يعكس تماسك المجتمع وتضامنه.

وفي وقت لاحق، نقلت حكومة ولاية النيل الأبيض هؤلاء الأسرى المحرَّرين إلى مستشفيات الدويم وربك وكوستي لتلقي الرعاية الصحية اللازمة.

وخلال زيارة ميدانية لمراسل «أتَـر» إلى مستشفى الدويم التعليمي، تبيّن أن الحالة الصحية لبعضهم قد بدأت في التحسّن، بينما لا يزال آخرون يعانون من آثار التعذيب الجسدي والنفسي. وبدت على عدد منهم علامات الحرمان من الطعام والماء، إضافة إلى الانتهاكات المرتبطة بحرمانهم من قضاء حوائجهم على نحو طبيعي طوال فترة احتجازهم لدى قوات الدعم السريع.

وقالت المدير الطبي لمستشفى الدويم التعليمي، د. هديل بدر الدين، لمراسل «أتَـر»، إن المستشفى استقبل 41 أسيراً محرّراً من منطقة جبل أولياء، لافتةً إلى أنّ عدداً من الحالات قد وصلت في مرحلة متأخّرة، وأنّ الحالات الباقية تتراوح بين المستقرّة والعادية.

وأوضحت هديل، في حديثها لـ «أتَـر»، أنهم يقدّمون العلاج للأسرى المُحرَّرين عبر ثلاث مراحل: العلاج الطبي، والدعم النفسي، وعلاج سوء التغذية، لافتةً إلى أن معظمهم يعانون من الجوع الشديد، ما أدّى إلى مضاعفات صحية عميقة، من بينها فشل في الكبد والكلية، وأمراض مناعية، وانخفاض في نسبة البوتاسيوم، وضعف في الحركة. وأكدت أن حالتهم النفسية سيئة للغاية، نتيجة ما تعرّضوا له من ضرب وتعذيب واغتصاب وبتر للأعضاء التناسلية، إلى جانب إصابات في الرأس. وأضافت: «يعاني أحدهم من تشنّجات متكرّرة يومياً بسبب الضرب في الرأس، وبفضل الله تمكنّا من توفير طبيب نفسي سيبدأ العمل خلال الأيام المقبلة».

وأشارت هديل إلى أنّ معاناة هؤلاء الأسرى المحرّرين لا تنحصر في سوء التغذية فحسب، بل تمتدّ إلى حالة جوع حادّ، موضحة أن هناك فرقاً بين الحالتين، فقد حُرِموا في المعتقل من الغذاء والماء لمدة تراوحت بين ثلاثة إلى أربعة أيام. وعندما كان يُسمح لهم بالطعام داخل المعتقلات، لم يكن كافياً لسدّ حاجتهم، إلى جانب تعرّضهم لجميع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من قبل قوات الدعم السريع.

وبيّنت أنّ المستشفى أجرى عمليات جراحية لثمانية منهم بعد وصولهم إلى الدويم، وأنّ جميعهم قادمون من منطقة جبل أولياء، باستثناء عدد منهم وصلوا مع ذويهم من الجزيرة، والخرطوم، والأبيّض.

وقالت إنّ أعمارهم تتراوح بين 20 و40 عاماً، وجميعهم من الذكور، مشيرةً إلى تسجيل أربع حالات وفاة، في مقابل تَماثُل خمس حالات للشفاء.

وأضافت أنّ وجود الأسير المُحرَّر مع أسرته يُعدّ علاجاً نفسياً مُهمّاً، لكنها شدَّدت على أهمية التزام الأهل بتعليمات خبراء التغذية والإرشادات الطبية، مشيرةً إلى حالة وفاةٍ لأسير محرَّر ذهب إلى منزله وتناوَلَ كميات كبيرة من الطعام، ما أدّى إلى تدهور صحّته ووفاته. كما توفي آخر كان يعاني من هزال شديد، وقال قبل وفاته إنهم كانوا 300 أسير، ولم ينجُ منهم سوى أربعة. وأكّدت أنّ سبب الوفاة في الحالتين هو الجوع.

ووجّهت هديل رسالة إلى الأسرى المفرج عنهم وإلى ذويهم، طالبَتهم فيها بضرورة زيارة المستشفى واستشارة خبير التغذية، مؤكّدة أنه يتعيّن أن تخضع أجسام الأسرى المُحرَّرين لنظام صحي دقيق، وأنّ تناول كميات كبيرة من الطعام دون إشراف طبي قد يؤدّي إلى ما يُعرف بـ «متلازمة الأكل المرتجع»، وهي حالة خطرة قد تودي بالحياة.

أم درمان: عيد، بأية حال

جاء العيد وسُكّان أم درمان لا يزالون يُعانون بين رحى حرب استمرّت سنتين. وطوال هذه الفترة ظلّ الناس يَتقاسمون الحزن والفرح، محاولين إيجاد فسحة أمل ومساحة للبهجة؛ لكن رغم ذلك يصطدم سكّان أم درمان بالواقع المرير في الأسواق، حيث يسيطر غلاء الأسعار، ليُواجِهوا متطلّبات العيد وجيوبهم خاوية، وتحار الأمّهات بين رغبة الشراء والعجز عن تلبية رغبات الأطفال، خاصةً أنهم لا يفهمون معنى الغلاء.

متحدّثة لـمراسلة «أتَـر» تقول مريم حسين، إنها عجزت عن شراء ملابس العيد لأطفالها، فالأسعار مرتفعة، ولا يُفسِحُ التجّار مجالاً للتخفيض.

أثناء تجوال مراسلة «أتَـر» بسوق صابرين التقت بنجلاء، وهي إحدى قاطنات شمال أم درمان، وحينما سألتها عن الأسعار أبدت غضبها، وذكرت أنها جاءت إلى السوق مرتين وعجزت عن الشراء، ففي المرة الأولى وجدت الأسعار مرتفعة، وفي الثانية وجدت السوق مزدحماً، خاصةً أنّ سوق صابرين قد بات وجهةً لجميع سكّان المدينة  ونازحيها، ما زاد من الطلب ودفع التجّار لزيادة الأسعار. تقول إنها فاوضت أحد التجّار في سعر أحد الملبوسات فكان ردّه: «امشي وبجي غيرك.. والسوق ما ح يقيف عشانك.. وبين البائع والمشتري يفتح الله ويستر الله».

أما سلوى محمد علي، وهي معلّمة بإحدى المدارس الخاصة، فقالت لمراسلة «أتَـر» إنها أنفقت راتبها كاملاً في شراء ملابس لأطفالها، ولم تستطع شراء ضروريات المنزل. «كيلو الحلاوة العادية بعشرة آلاف، أما الفاخرة فلا تقلّ أسعارها عن عشرين ألفاً»، تضيف.

كذلك أكّدت سارة مختار، ربّة منزل، لـ «أتَـر» صعوبة شراء ملابس العيد، وقالت إنها لم تشترِ لأطفالها أي ملابس جديدة، وأقنعتهم بأن يُعيِّدوا بملابسهم القديمة. وزادت في حديثها: «لقد أثّرت الحرب كثيراً، ما عاد الواحد مِنّا قادراً على شراء سفنجة!».

إسلام عبد الله، وهي أم لأربعة أطفال، قالت إنها اشترت لأطفالها في العيد أحذية بلاستيك فقط، ولم تستطع أن تشتري لهم ملابس لغلاء الأسعار، خاصة أنّ زوجها محدود الدخل، فكل ما يجده يُوفّره للطعام والعلاج لطفلتهما التي تعاني من فقر الدم.

أما زينب عثمان، التي أرسل لها زوجها الذي يعمل في مدينة عطبرة مصاريف العيد، فقالت لمراسلة «أتَـر» إنها ذهبت إلى السوق ووجدت الأسعار مرتفعة، فاكتفت بشراء الملابس دون الأحذية.

وتقول الحاجة عائشة بت حسين لمراسلة «أتَـر» مقارنة بين العيد قبل الحرب وبعدها: «العيد بقى ما زي عيد زمان، العيد في الحرب دي الناس تفطر وتصلي صلاة العيد وترجع بيوتها، كل شيء تغيّر، ورغم الغلاء يحاول الناس الفرح والتجمّع مع الأهل والجيران، لكن الحقيقة الناس حزينة من الحرب والغلاء وربنا يرجع الأعياد زي زمان».

واختفى الخبيز هذا العيد من معظم البيوت لارتفاع تكاليف مكوناته من دقيق وزيت وسمن ولبن، واكتفت معظم ربات البيوت بالحلاوة والبلح. تقول سناء محمد إنها لم تستطع صناعة الخبيز هذا العيد والعيد السابق لظروف الحرب وغلاء الأسعار.

أما إقبال علي، التي تصنع الخبيز وتتاجر فيه، فقد قالت إنّ القوة الشرائية ضعيفة مقارنة بالسنوات الماضية قبل الحرب، وعزَت الأسباب إلى ظروف الحرب والظروف الاقتصادية.

السلعة السعر بالجنيه السوداني
الفستان 50,000
التي شيرت 20,000
بنطلون الجينز 25,000
الجزمة شراب 25,000
جزمة جوردن 35,000

أسعار ملابس الأطفال في سوق صابرين

السلعة السعر بالجنيه السوداني
كيلو السكر 3,500,000
كيلو اللبن كابو 20,000
كيلو اللبن مياسم 14,000
علبة السمن الكبيرة 20,000
الزيت 5 لتر 28,000

أسعار مواد الخبيز في سوق صابرين

الدبّة: بَلبَلة في السوق عقب تهديد الدعم السريع باجتياح الشمالية

أثَّر خطاب قائد ثاني الدعم السريع، الذي هدَّدَ فيه باجتياح الولاية الشمالية، على أهمّ أسواقها بمدينة الدبّة على نحو بالغ، بعد التوسُّع اللافت الذي شهده بعد الحرب، ليُصبح أحد أكبر مراكز الصادرات والواردات بالبلاد.

وظلت مدينة الدبّة تتعرّض باستمرار لهجمات عبر الطائرات المُسيَّرة، كان آخرها في التاسع من الشهر الجاري، ما تسبّب في مقتل عدد من المواطنين. وعلى الرغم من محاولة الجيش التصدّي لها بالمضادّات الأرضية، وصل بعضها إلى وجهته وأصاب أهدافاً عسكرية دون الكشف عن الخسائر التي وقعت فيها، وقد سقط بعضها على منازل المواطنين.

وفي السادس من الشهر الجاري هاجمت المُسيَّرات الاستراتيجية مواقعَ عسكرية بالمدينة. وتفيد مصادر بأنها قتلت أكثر من 36 عسكرياً لم يُعلَن عن أسمائهم.

وقد دفع التلويح بالعمل العسكري، وأسراب المُسيَّرات، كثيراً من التجّار إلى نقل أنشطتهم خارج الولاية. وقال يوسف عبد الله الذي يعمل في تجارة الأحذية المستوردة من الصين وتركيا، لمراسل «أتَـر»، إنّ عشرات الشركات وكثيراً من أصحاب الأنشطة التجارية الصغيرة، بدأوا في الرحيل عن السوق خوفاً من تعرّضهم لخسائر فادحة لو نفّذ قائد ثاني الدعم السريع تهديده الذي ذكره.

ويُخبر عبد الله أنّ كثيراً من التجّار بالدبّة اتجهوا نحو كوستي وربك بولاية النيل الأبيض، وبعضُهم انتقل إلى عطبرة بولاية نهر النيل، وإلى القضارف وكسلا وأم درمان.

وعقب الحرب، أنشئ بسوق الدبّة محجرٌ لتصدير الماشية وبورصة للمحاصيل الزراعية والمنتجات الغابيّة والصمغ العربي، وصارت المدينة مقرّاً لمئات الشركات التي تنشط في جميع المجالات التجارية. وأصبحت البضائع تُستورد من الخارج، وتمرّ الصادرات من الثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية عبر سوق الدبّة.

ويقول صالح يعقوب، وهو من سكان الدبّة، إنّ السوق بعد توسُّعه أثناء فترة الحرب قد ابتلع المدينة وصار جزءٌ كبيرٌ منها امتداداً له.

وحفَّز توقّف المعارك بالخرطوم وفرار الدعم السريع إلى غرب أم درمان وجنوبها بعض التجّار على العودة إليها. وقد فضّل دفع الله إبراهيم، الذي كان يعمل سابقاً بسوق سعد قشرة ونزح إلى الدبة، أن ينقل أنشطته إلى الخرطوم على أمل أن تستقرّ الأوضاع، ويُعيد ترميم متجره بسعد قشرة بدلاً من الانتظار في الشمالية التي أصبحت مُهدَّدةً بالاجتياح العسكري في أية لحظة.

وقال أحد تجّار سوق الدبة، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، إنّ الأجهزة الأمنية أخطرت التجّار عبر ميكرفونات متحرّكة بأن فتح المتاجر يبدأ السابعة صباحاً، وألزمتهم بإغلاقها الساعة الثانية ظهراً وهو ما اعتبره التجّار مؤشّراً على خطورة الوضع الأمني.

ويقول تاجر آخر، رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إنّ الأوضاع بدأت تتدهور، وحتى السُّلطات أظهرت ضيقاً بالتجّار، لذلك بدأوا في النزوح من جديد، وأخبر مراسل «أتَـر» بأنه كان يعمل في سوق ليبيا بأمبدّة وقرّر حالياً العودة إلى سوق صابرين ريثما تجري إعادة العمل بسوق ليبيا.

ومع ازدياد حركة نقل البضائع من السوق إلى بقية الولايات، ارتفعت أسعار أجرة الدفّارات ومركبات النقل الأخرى. ويقول حامد الطيب الذي يعمل تاجراً للملابس الجاهزة، إنّ أجرة الدفّار من الدبّة إلى عطبرة قفزت من ثمانمائة ألف جنيه إلى مليون ونصف المليون.

أما سعر نقل البضائع ما بين الدبّة وكوستي، فقد وصل إلى أربعة ملايين جنيه بدلاً عن مليونين ونصف المليون قبل أسبوع واحد. وبالمقابل انخفضت أسعار إيجار المتاجر في السوق والمنازل في الأحياء لأقلّ من النصف.

وقال عددٌ من التجّار إن الشاحنات ظلّت تتحرّك بين الدبّة والضّعين، فتذهب محمّلة بالسلع والبضائع لكنها تعود فارغة، لأنّ الدعم السريع تسمح بدخول السلع إلى مناطق سيطرتها، وتمنع نقل أي منتجات منها إلى مناطق سيطرة الجيش.

Scroll to Top