أتر

سودانيون بالقاهرة: البحث عن «العودة الطوعية»

بالقرب من كوبري المريوطية بمحافظة الجيزة بمصر، يتجمّع السودانيون للعودة إلى ديارهم ضمن «برنامج العودة الطوعية» من القاهرة إلى وادي حلفا. وعلى الرغم من أنّ مكتب السفر مكتوب عليه «عودة طوعية»، يدفع الراغبون في العودة رسوم التذاكر والشحن كاملة. ونشطت في الآونة الأخيرة مبادرات أهلية ومناطقية، وأخرى يقودها فنّانون وشخصيات شهيرة، تحت شعار «العودة الطوعية»، لكن خلال جولة مراسل «أتَـر» لم يتوصّل إلى أيّ منها.

بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ «العودة الطوعية» تتطلّب العودة بأمان وكرامة، وتشمل بذلك التأكيدات العامّة على السلامة الشخصيّة وعدم التمييز والتحرّر من الخوف من الاضطهاد أو العقوبة عند العودة، والأمن الجسدي، والأمن المادي، مثل الوصول إلى الأرض أو سبل العيش. كما تشمل عدم معاملة اللاجئين بخشونة؛ وأن يتمكّنوا من العودة دون قيد أو شرط ليُعاملوا باحترام وقبول كامل من جانب سُلطاتهم الوطنية، بما في ذلك الاستعادة الكاملة لحقوقهم.

وتقتضي «العودة الطوعية» إلى الوطن بأمان وكرامة، التزاماً كاملاً من جانب بلد المنشأ للمساعدة في إعادة إدماج أبناء البلد، إضافة إلى الدعم المستمرّ من جانب المجتمع الدولي خلال مرحلة ما بعد الصراع التي تُعتبر حاسمة لضمان تمكين أولئك الذين يتخذون قرار العودة إلى ديارهم من إعادة بناء حياتهم في بيئة مستقرة.

ومن أولويات المفوضية تهيئة الظروف المواتية للعودة إلى الوطن، وضمان ممارسة الاختيار الحرّ والمستنير، وحشد الدعم للعائدين. وتعمل المفوضية على تسهيل «العودة الطوعية» من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك تنظيم زيارات تفقّدية للاجئين وتجميع معلومات محدّثة عن وطنهم ومنطقتهم الأصليَّيْن، والمشاركة في أنشطة السلام والمصالحة، وتعزيز استعادة السكن والممتلكات وتقديم المساعدة الخاصة بالعودة وتوفير الدعم القانوني للعائدين.

سكينة، إحدى مواطنات محلية شرق النيل، وقَدِمت إلى القاهرة تهريباً قبل أربعة أشهر، قابلها مراسل «أتَـر» بالقرب من كوبري المريوطية. دفعت سكينة إلى إحدى وكالات السفر ثمن التذاكر لها ولبقية أفراد أسرتها، وطُلب منها دفع مبلغ ألف جنيه مصري للشخص الواحد، إضافة إلى مبلغ 200 جنيه مصري تُدفع لاحقاً في كتيبة أبو سمبل. تقول: «بحثنا عن برنامج العودة الطوعية الذي يتكفّل بمصاريف السفر لكن لم نجده»، لكنها تفيد بأنّ الإجراءات كانت سهلة جداً، فبعد أن دفعت قيمة التذاكر يوم 13 أبريل حُدِّد لها يوم 14 أبريل موعداً لتحرّك الباص.

قبل ذلك، كانت سكينة قد قدَّمت طلباً للّجوء فور وصولها إلى مصر في يناير الماضي، وحُدِّد يوم 6 أكتوبر المقبل للمقابلة الأولى والتسجيل في المفوّضية، وهي تراها فترة انتظار طويلة جداً، لذا فضّلت العودة إلى الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها، تقول: «السودان وطني ولن أجد له مثيلاً، على الرغم من أن الشعب المصري استقبلنا على نحو جيد، وتوفرت لنا فرص عمل، ولم نرَ منهم إلا كل خير. كذلك أصبحت شرق النيل مستقرّة، فالأسواق تعمل والخدمات كذلك من مياه وغيرها».

وبالقرب من كوبري المريوطية أيضاً التقت «أتَـر» بهناء، التي قالت إنها قَدِمت إلى مصر قبل 4 سنوات مع زوجها، والآن تودّ السفر إلى السودان لأنّ زوجها حصل على عقد عمل بإحدى دول الخليج، فضلاً عن انتهاء مدد إقاماتهم، ووجدوا أن تكلفة تجديدها عالية، لذا فضّلوا السفر إلى زوجها من السودان، خاصةً بعد استقرار الأوضاع بالجزيرة والخرطوم.

إنهم يكذبون علينا، ويعلّقون لافتات في الباص بأنها «عودة طوعية»، لكن عند قدومي فوجئتُ بالرسوم التي تبلغ قيمتها 1200 جنيه مصري للفرد، على الرغم من أنّ المبلغ مع بدايات العودة قبل أيام كان 700 جنيه مصري للفرد. لقد بحثتُ كثيراً عن العودة الطوعية ولم أجدها

يوم السبت 12 أبريل الجاري، دفعت هناء 1200 جنيه قيمة تذكرة الفرد الواحد، وكان يفترض أن تنطلق رحلة العودة في اليوم التالي، لكن لأنّ عدد الركاب في الباص لم يكتمل وأُجِّلت الرحلة إلى يوم الاثنين، ورغم سهولة الإجراءات، إلا أنّ أعداد السودانيين الذين يرغبون في العودة تتزايد بكوبري المريوطية وأغلبهم من سكّان الخرطوم ومدني.

آدم، أحد الركّاب الذين ينتظرون الباص العائد إلى السودان بالقرب من كوبري المريوطية، قال لمراسل «أتَـر» غاضباً: «إنهم يكذبون علينا، ويعلّقون لافتات في الباص بأنها «عودة طوعية»، لكن عند قدومي فوجئتُ بالرسوم التي تبلغ قيمتها 1200 جنيه مصري للفرد، على الرغم من أنّ المبلغ مع بدايات العودة قبل أيام كان 700 جنيه مصري للفرد. لقد بحثتُ كثيراً عن العودة الطوعية ولم أجدها». دفع آدم التذكرة، لكنه يأتي كُلَّ يوم دون أن يسافر لأنّ عدد الركاب لم يكتمل.

وصل آدم إلى القاهرة عن طريق التهريب في رمضان الماضي، قاصداً رؤية أبنائه الذين سبقوه في رحلة التهريب منذ اندلاع الحرب، وها هو يَعود إلى السودان مرة أخرى إلى الخرطوم بحري حيث يعمل؛ لكنه لا يفكّر في إعادة أفراد أسرته بعد إلى الخرطوم، لأنه لا يرى أن الوضع مستقرّ تماماً في بحري، فالخدمات ما زالت مفقودة، فلا توجد كهرباء ولا مياه، والبعوض منتشر في أحياء المدينة.

أما إيلا، وهي طالبة جامعية، فتقول إنها ذهبت مع أسرتها إلى مصر قبل أكثر من عام عن طريق التهريب وقدّمت للمفوضية وتسلّمت بطاقة اللجوء، لكن بعد استئناف الدراسة بجامعتها بفرعها في مدينة بربر، اضطرّت للعودة دون بقية أفراد أسرتها. وفي حي عابدين بوسط القاهرة، دفعت قيمة التذكرة التي تبلغ ألف جنيه مصري إلى حلفا، على أن تدفع قيمة التذكرة إلى وجهتها في السودان من حلفا. قالت لمراسل «أتَـر» إنّ الرحلة من القاهرة وحتى حلفا تستغرق يومين، رغم الازدحام في دخول الباصات إلى حلفا. «لم تكن الرحلة سيئة، والأمور طيبة عموماً، على الرغم من وجود تفاتيش كثيرة ومرهقة جداً لأناس قادمين من مسافات طويلة، وقد استغرقت رحلتي 5 أيام منذ تحركي من القاهرة حتى وصولي إلى ود مدني».

تقيم سمية في القاهرة منذ سنوات قبل الحرب، والآن عادت مع عائلتها الممتدّة إلى منزلها بكوستي لأنّ والدتها أصرّت على العودة إلى السودان بعد استقرار الأوضاع، لكنها عازمة على العودة إلى القاهرة مرة أخرى، لأن بقية أفراد أسرتها الصغيرة لا تزال هنالك. وتروي سمية تفاصيل الرحلة قائلةً إنهم تحرّكوا من القاهرة في الخامس والعشرين من رمضان الماضي عن طريق الباص من القاهرة إلى أبو سمبل، بسعر تذكرة يبلغ ألف جنيه مصري للفرد، دون أن يتضمّن السعر شحن الحقائب السفرية، التي دفعوا مقابل إيصالها 200 جنيه مصري للشنطة الواحدة من القاهرة إلى أبو سمبل، وفي حلفا كلّف شحنها إلى كوستي 30 ألف جنيه سوداني. تقول سمية: «لم نأتِ عن طريق برنامج العودة الطوعية بل أتينا بمالنا الخاص».

«كانت الرحلة سهلة في بدايتها حتى وصلنا إلى معسكر أبوسمبل؛ حيث يُجمَع السودانيون العائدون إلى السودان، وبالمعسكر لا يوجد أكل أو شرب، ولا حتى مكان لإيواء الناس، ومكثنا به يومين حتى اكتمل عدد ركاب الباصات التي تقلّ الناس من المعسكر إلى حلفا، ومن حلفا إلى كوستي كلّفت التذكرة الواحدة 200 ألف جنيه سوداني، واستغرق زمن الرحلة الكلي حتى وصولنا أربعة أيام»

معسكر أبو سمبل، يتبع لكتيبة خاصّة في الجيش المصري في منطقة أبو سمبل التي تقع جنوب غرب أسوان، ويعبر منه الناس بعبّارات من غرب النيل إلى شرقه وصولاً إلى معبر أشكيت. ويمتاز السفر عبر أبو سمبل بتسهيلات من جانب الحكومة المصرية؛ إذ تتجنّب السّلطات مساءلة من دخلوا مصر عبر التهريب. وتذكر سونا أنّ رحلات العودة ازدادت بشدّة بعد عيد الفطر، ما أدّى إلى تكدّس العائدين في المعسكر، وربَتْ الحافلات الموجودة في المعسكر على 120 حافلة.

قَدِمت آلاء إلى القاهرة عن طريق التهريب ورجعت، لاستكمال دراستها الجامعية في السودان، عن طريق العودة الطوعية قبل 9 أشهر، مستقلةً القطار من القاهرة إلى أسوان ومن أسوان إلى أبو سمبل، ودفعت رسوماً رمزية لا تتجاوز 200 جنيه مصري عند معسكر أبو سمبل، وهي رسوم تذكرة للباص الذي أوصلهم إلى حلفا. تقول: «هناك بعض الناس كانوا لا يدفعون إطلاقاً وسافروا معنا، وكان عدد العائدين حينها كبيراً، وأنا قدّمت وسافرت في نفس اليوم، وكانت الأولوية للأسر والبنات المسافرات وحدهن، وتحرّكنا عند الساعة الثانية صباحاً من معسكر أبو سمبل ووصلنا عند الثامنة صباحاً. لقد كانت الرحلة سريعة وسهلة».

Scroll to Top