
تواترت الأنباء أخيراً، عن توقُّف الاستثناء الممنوح للسودانيّين لتمديد زيارتهم منتهية الصلاحية في المملكة العربية السعودية، ومعظمُهم ممّن دفعت بهم الحرب للسّفر إليها. أحدثت الأنباء زلزالاً في أوساط المجتمع السوداني بالسعودية. وأخبر عددٌ من السودانيين القادمين إلى السعودية بموجب الزيارة العائلية «أتَـر»، أنّ الجوازات السعودية قد ألغت خيارَ التجديد الاستثنائي لحاملي تأشيرات الزيارات العائليّة التي استُخرجت من سفارات المملكة خارج السودان، بينما بقيَ الاستثناء سارياً للتأشيرات الصادرة من السفارة السعودية في الخرطوم ما قبل الحرب. وانطبق الإجراء الأخير على حالة السودانيين ممن قَدِموا إلى المملكة في الآونة الأخيرة بتأشيرات الزيارة «الشخصية»، وهي تأشيرات يُصدرها أحد المواطنين السعوديين، وتعتمدها وكالات السفر السودانية لأجل تيسير دخول السودانيين الذين ليس لديهم أقارب في السعودية.
واكتظّت خلال الأسبوع الجاري مباني فروع الجوازات وشؤون الوافدين في مختلف المدن السعودية بالمراجعين السودانيين، الذين رُفض تمديدُ زيارتهم عن طريق الطلب الإلكتروني. وتركّزت المراجعات على الاستفسار بدءاً عن صحّة القرار الذي عدَّوه مفاجئاً، وما إذا كانت هنالك طلبات استثناءات يمكن تقديمها، أو في أسوأ الفروض الحصولُ على تمديدٍ ريثما يتسنّى للأسر ترتيب أوضاعها، لا سيّما النساء والأطفال وكبار السنّ.
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً نُسِبَ لأحد مسؤولي الجوازات السعودية، يفيد بعدم تمديد الزيارات المنتهية للسودانيين من حمَلة التأشيرات الصادرة من السفارات السعودية خارج السودان، مع استمرار استثناء حمَلة التأشيرات الصادرة من الخرطوم

تكدُّس المراجعين السودانيين أمام مبنى الجوازات بمدينة الدمّام
وتفيد متابعات «أتَـر» أنّ غرامةَ عدم تجديد تأشيرة الزيارة في الوقت المحدّد تُقدَّر بـ 700 ريال (186 دولاراً). وفي حالة عدم مغادرة المملكة في الوقت المحدّد، تُفرض غرامة تقدَّر بـ 15 ألف ريال (4 آلاف دولار) وقد تصل إلى 50 ألف ريال وسجن لمدة 6 أشهر.
ولم تُصدِر الجهات السعودية الرسمية أيّ بيان يفيد بالأسباب وراء إلغاء هذه الاستثناءات، لا سيّما وأنها لم تُصدِر بادئ الأمر بياناً يفيد باستثناء السودانيين من تجديد زياراتهم المنتهية لمدة تصل لعامين.
وتزامَن مع هذه الإجراءات استقبالُ وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، السفيرَ السوداني دفع الله الحاج علي منتصف أبريل الجاري. وناقش الطرفان عدداً من القضايا بحضور عدد من كبار مسؤولي الأمن والشؤون القانونية لوزارة الداخلية السعودية، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً نُسِبَ لأحد مسؤولي الجوازات السعودية، يفيد بعدم تمديد الزيارات المنتهية للسودانيين من حمَلة التأشيرات الصادرة من السفارات السعودية خارج السودان، مع استمرار استثناء حمَلة التأشيرات الصادرة من الخرطوم، منوِّهاً في الوقت ذاته بضرورة الإسراع في مغادرة المملكة لتجنّب الغرامة المالية.
ويفيد تقصّي «أتَـر» عن وجود حالات عديدة لسودانيين عادوا إلى السودان بجوازات سفر منتهية الصلاحية، ما يثير الشكوك حول صحّة ضرورة الحصول على وثيقة سفر من السفارة السودانية. وفي هذا الشأن، يفيد أحد المسؤولين في شركة «تاركو»، فضَّل حجب اسمه، بأنه يُمكن للمواطن السوداني العودة إلى السودان بجواز سفر منتهي الصلاحية عن طريق المنفذ الجوي فقط «المطار»، أما في ما يتعلّق بالمنافذ البحرية «الباخرة» فلا يمكنه السفر إلا بجواز ساري الصلاحية أو وثيقة سفر تصدرها السفارة السودانية». وقد حاولت «أتَـر» التواصل مع مسؤولي السفارة السودانية في الرياض، للحصول على إفادة بهذا الخصوص، لكنها لم تتلقّ منهم ردّاً.
في سبتمبر 2019، وضمن رؤية 2030 لمرحلة ما بعد النفط، أعلن المسؤولون في وزارة السياحة في المملكة العربية السعودية عن تسهيل إصدار تأشيرات السياحة لمختلف مواطني دول العالم، وذلك بغرض دعم قطاع السياحة في المملكة وتنويع مصادر الدخل وتعزيز التنوع الاقتصادي. ولقد انعكس ذلك أيضاً على تسهيل إجراءات الزيارات العائلية التي كانت محصورة في السابق على الأقارب من الدرجة الأولى، إضافة إلى والدة الزوجة في حالات استثنائية (فترة ما قبل وبعد ولادة ابنتها بالسعودية)، قبل أن تتسع هذه الفئة في سبتمبر 2019 لتشمل جميع أفراد الأسرة الممتدّة وأفراد أسرة الزوجة، فشملت الأعمام والعَمّات والأخوال والخالات وأزواجهم وأبناءهم. وعلى إثر ذلك بات المقيم في المملكة العربية السعودية قادراً على دعوة من يشاء من أقاربه لزيارة المملكة بتأشيرة عائلية تمتدّ حتى عام كامل.
وقد وافق اندلاع الشرارة الأولى من حرب 15 أبريل في السودان، وجود أعداد كبيرة من السودانيين داخل السعودية، إما لزيارة ذويهم أو لأداء شعيرة العُمرة، ما أدّى إلى تقّطع السّبل بهم واضطرّهم للبقاء مع ذويهم داخل الأراضي السعودية.
وفي 11 مايو 2023، أي بعد أقل من شهر من بدء الحرب، أصدرت الجوازات السعودية قراراً يمنح الحقّ للسودانيين القادمين بتأشيرة العُمرة (تُصدر تأشيرة العُمرة إلكترونياً عن طريق وكالات السفر السودانية، وتمتدّ صلاحيتها 90 يوماً فقط)، في أن يُستضافوا استثنائياً في المملكة، وذلك بتحويل تأشيرات العمرة إلى تأشيرات زيارة، بشرط وجود أقارب لهم لكفالتهم. وقد اعتُبرت هذه الخطوة مبادرةً إيجابيةً أمَّنَت لأعدادٍ كبيرةٍ من السودانيين ترتيب أوضاعهم في ظلّ تمدُّد رقعة الحرب في السودان خلال تلك الفترة.
أسعار العودة
وأفاد أحد أصحاب وكالات السفر مراسل «أتَـر»، بارتفاعٍ متصاعدٍ لأسعار تذاكر الطيران من السعودية إلى السودان. بينما كانت قيمة تذاكر الطيران عند شركتي تاركو وبدر من المطارات السعودية إلى بورتسودان لا تتجاوز 800 ريال (214 دولاراً) خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل، وصلت قيمتها الآن إلى 1500 ريال (400 دولار)، أي ما يقرب من ضعف القيمة، مع ضيق الخيارات المتاحة للطيران الأجنبي (الخطوط الإثيوبية والمصرية). وتوقَّعَ صاحب وكالة السفر مزيداً من ارتفاع الأسعار، مع تزايُد أعداد السودانيين المغادرين. كذلك يفيد بأن سعر تذكرة الباخرة من ميناء جدة الإسلامي إلى ميناء سواكن قد ارتفعت من 450 ريالاً (120 دولاراً تقريباً) إلى 680 ريالاً (180 دولاراً تقريباً)، مع توقّعات بمزيد من ارتفاع الأسعار.
وتسلُك رحلة العودة إلى السودان عبر الباخرة مساراً يجمع الركاب في ميناء جدة الإسلامي، قبل أن تقلّهم إحدى البواخر إلى ميناء سواكن، وبعدها يُنقل الركّاب فوراً من سواكن إلى وجهتين رئيستين (الخرطوم وود مدني)، بتعاون مشترك مع شركات الباصات السياحية.
وقبل أن يُلقي القرار الأخير بظلاله على أسعار العودة، وبالتزامن مع الانتصارات التي حقَّقَها الجيش السوداني في ولايات السودان المختلفة؛ لا سيّما ولايتي الجزيرة والخرطوم، بدأ كثيرٌ من السودانيين بالفعل، في التخطيط للرجوع إلى ديارهم لتفقّدها، إيذاناً بالعودة إلى السودان.
ومع مطلع عيد الفطر المبارك، سارعت وكالات السفر والسياحة السودانية بإعلان ما سمّته «رحلات العودة الطوعية»، وضجّت وسائط التواصل الاجتماعي بعروض الأسعار الخاصة برحلات العودة إلى السودان، وخاصةً لولايتي الخرطوم والجزيرة.
وبحسب حديث صاحب وكالة سفر بالعاصمة السعودية الرياض، لـ «أتَـر»، فإنّ عدد طلبات العودة إلى السودان بدأ بالتزايد في الشهور الأخيرة، بتكلفة كُليَّة للرحلة تبلغ 950 ريالاً للشخص البالغ (حوالي 250 دولاراً)، في حين تبلغ تذكرة الطفل 800 ريال (210 دولارات) والرضيع 500 ريال (حوالي 130 دولاراً).
عامان من القلق
مع استمرار تعقّد الوضع في السودان، واجتياح قوات الدعم السريع مناطقَ متفرّقة في البلاد، سعى عددٌ كبيرٌ من المقيمين في المملكة لجلب أقاربهم من السودان؛ إلا أنّ هذا المسعى قد تعقّد جراء مغادرة البعثات الدبلوماسية للأراضي السودانية خلال الأيام الأولى للحرب، وما رافق ذلك من توقّفٍ للأعمال بالسفارات والملحقيات الأجنبية بالخرطوم، فضلاً عن خروج مطار الخرطوم عن العمل.
غير أنّ ثمّة نافذة أمل فُتِحت من جديد، حينما سمحت الخارجية السعودية بإصدار تأشيرات عائلية للسودانيين من سفاراتها في دول الجوار، باستثناء استيفاء شرط الحصول على إقامة الدولة التي يُقدَّم فيها للسفارة السعودية. لذلك بات السودانيون قادرين على الحصول على تأشيرات تصلح لمدة 365 يوماً من سفارات المملكة في إثيوبيا وإريتريا ومصر وغيرها، وعليه بدأت أعداد كبيرة من السودانيين تتوافد إلى المملكة العربية السعودية.
وبعد أن أكملت الحرب عامها الأول، بدأ القلق يدبّ في نفوس السودانيين الذين شارفت زياراتهم على الانتهاء، لكن سمحت سُلطة الجوازات السعودية عبر نافذتها الإلكترونية لحاملي تأشيرة الزيارة من السودانيين بتمديد زياراتهم في المملكة، لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، مع دفع رسوم رمزية تُقدَّر بـ 100 ريال سعودي مع ضمان وجود تأمين صحّي لمقدِّم الطلب. وعليه تمكَّن آلاف السودانيين من الاستمرار في تمديد زياراتهم لما يقرب من عامين.
يقول جعفر، وهو والد لثلاثة أطفال: «قَدِمْنا إلى المملكة عن طريق زيارة عائلية أصدَرَها لنا ابننا الأكبر، والذي يعمل مهندساً في مدينة الرياض. وبسبب إغلاق السفارة السعودية في السودان، فقد أُصدِرت الزيارة لنتابع إجراءاتها في السفارة السعودية في أديس أبابا». وبعد رحلة شاقّة من مدينة أم درمان حتى أديس أبابا، تمكّن جعفر من استكمال إجراءات التأشيرة ودخول المملكة. يضيف جعفر: «نحن ممتنّون جداً لاستضافة المملكة لنا وتمديدها لزيارتنا لما يزيد عن عام ونصف، إلا أنّ التحدي الذي يواجهنا الآن هو أنّ جوازات سفرنا غير مجدَّدة، ما يعني ضرورة حصولنا على وثيقة سفر من السفارة السودانية، التي تزدحم هذه الأيام بالمُراجِعين».
أسباب العودة ومخاوفها
أنا متوترة، وزوجي يرفض تماماً فكرة مغادرتنا إلى السودان، خاصةً وأنّ العمارة التي نسكن بها بحي الصافية لا يوجد بها أحد الآن، وقد أخبرني سكّان الحي عن إصابتها بدانة، وأغلقتها الأجهزة الأمنية ريثما تُعالَج المادة المتفجّرة بها
محدّثاً «أتَـر»، يقول حسن، وهو من سكّان مدينة الكاملين، وحضَر مع أسرته إلى السعودية بتأشيرة زيارة في أغسطس 2023، إنّه قد حجَز مقعده مع إحدى شركات السياحة متوجّهاً إلى السودان، بعد أن قرَّر أن يسافر بمفرده بادئ الأمر ليتفقّد بيته ويقدِّر حجم الأضرار ويطمئنّ للحالة الأمنيّة قبل أن تلتحق به زوجته وأبناؤه. وتقول هدى التي غادرت منزلها في أحد أحياء شرق الخرطوم بعد يومين من اندلاع الحرب، إنها ظلّت «تعيش حالةً من القلق المستمرّ طوال سنتين لأنها باعت بيتها قبل الحرب بأسابيع قليلة واستلمت المقابل بالدولار، وبعد نشوب الحرب اضطرّت لإخفاء أموالها، ولم يتسنَّ لها أن تخرج بها في ظلّ انعدام الأمن حينها، وها هي الآن عائدة، وكل أملها أن تجدها حيث أخفَتْها. ولنفس السبب تقول سيدة، فضَّلت حجب اسمها، إنّ زوجها سيسافر مع أول رحلة لتفقّد مجوهراتهم الذهبية التي دفنوها في مكان ما قبل مغادرتهم البلاد.
أما سهى، فقد وقع عليها خبر عدم تجديد الزيارة صاعقاً، وهي التي قَدِمت إلى السعودية عن طريق السفارة السعودية في دولة إريتريا رفقة ابنتيها. تقول لـ «أتَـر»: «أنا متوترة، وزوجي يرفض تماماً فكرة مغادرتنا إلى السودان، خاصةً وأنّ العمارة التي نسكن بها بحي الصافية لا يوجد بها أحد الآن، وقد أخبرني سكّان الحي عن إصابتها بدانة، وأغلقتها الأجهزة الأمنية ريثما تُعالَج المادة المتفجّرة بها». وتضيف: «لكنّنا بكلّ حال لن نخالف قرارات الأنظمة المحلّية في السعودية، والتي تفرض غرامة مالية ضخمة على المخالفين لقرار المغادرة. لذلك فليس أمامنا خيار إلا السفر إلى العاصمة اليوغندية كمبالا، والتي يُمكن لزوجي أن يصدر زيارات عائلية جديدة من السفارة السعودية بها، لنتمكّن من العودة مرة أخرى إلى السعودية حتى تعود الخدمات كاملةً لمدينة بحري».