
نيالا: قتلى وجرحى وسط اشتباكات بين مكوِّنَين قبليَّيْن داخل الدعم السريع
اندلعت صباح السبت 12 أبريل 2025، اشتباكات مسلّحة دامية في مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور بغرب السودان، بين عناصر من قوّات الدعم السريع ينتمون إلى قبيلتَي المسيريّة والبني هَلْبَة، أدّت إلى مقتل 12 شخصاً بينهم الضابط برتبة اللواء في الدعم السريع أحمد بركة الله، إضافة إلى عدد من الجرحى، بعضهم في حالات حرجة، وفقاً لما أفادت به مصادر محلية مراسل «أتَـر».
وشهد السوق الشعبي بالمدينة ومحيطه، حالةً من الذّعر والهلع وسط المدنيّين، وأُغلقت المحالّ التجاريّة بالكامل، وفّر المواطنون من المنطقة خوفاً من تصاعد العنف.
وبحسب شهود عيان، فإنّ التوتر بدأ عندما أوقفت لجنة مكافحة الظواهر السالبة – وهي لجنة شكّلتها مؤخراً قيادة قوات الدعم السريع للحدّ من الانفلات الأمني – مجموعةً مسلّحةً تتبع بدَورها لقوات الدعم السريع، وتنتمي إلى قبيلة المسيرية، كانت تتجوّل في السوق بأسلحة ثقيلة، مخالفةً بذلك التعليمات الأخيرة الخاصة بتنظيم حركة السلاح داخل الأسواق. وينتمي معظم أعضاء اللجنة إلى قبيلة البني هلبة، الأمر الذي أشعل فتيل خلاف قبَلي متوتّر سلفاً بين الطرفين.
وتفاقَم الوضع سريعاً، بعد أن شنَّت مجموعات مسلّحة من المسيرية هجوماً عنيفاً على قسم شرطة السوق الشعبي بنيالا، حيث كانت لجنة مكافحة الظواهر السالبة تحتجز الموقوفين من أبناء قبيلتهم. وعلى إثر ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة امتدّت إلى سوق طلمبة قادرة بحي الوحدة جنوب، وعدّة أحياء سكنية مجاورة.
وأكّد أحد شهود العيان أنّ الاشتباكات بدأت حوالي الساعة الواحدة ظهراً، ودارت معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة. وتعرَّضَ قسم شرطة نيالا الأوسط لهجوم عنيف، تلاه هجوم آخر على قسم شرطة نيالا شمال من قِبَل مجموعة كانت تستقلُّ خمسة مواتر، واشتبكوا مع القوات الأمنيّة التابعة للدعم السريع قبل أن ينسحبوا لاحقاً.
وحذّرت مصادر محلّية من احتمالية اتساع رقعة الصراع القبَلي داخل ولاية جنوب دارفور، إذا لم يُحْتوَ الموقف بسرعة، خاصة وأن مناطق أخرى في الإقليم تشهد توتّرات مشابهة وسط غياب مؤسّسات الدولة.
وأعرب عددٌ من المواطنين عن مخاوفهم من تدهور الأوضاع الإنسانية في ظلّ استمرار الاشتباكات، وإغلاق السوق، ونقص الكوادر الطبية والإمدادات الدوائية في المستشفيات، إضافة إلى إصابات مباشرة بين المدنيّين جراء إطلاق النار العشوائي.
ولا تزال الأوضاع متوتّرة بشدّة في نيالا، وسط أنباء عن حشد جديد واستعدادات لمواجهات محتملة، ما يجعل المدينة على حافة انفجار أمنيّ خطير، في ظلّ هيمنة قوات الدعم السريع متعدّدة الولاءات.
أم كدَّادة: قتل ونزوح مريع
منذ أكثر من أسبوعين، تتبدّل ميادين القتال وخرائط السيطرة والعمليات الحربية في إقليم دارفور الذي يعيش أوقاتاً عصيبة، ويشهد معاركَ داميةً وعمليات نزوح مضطرد وحصاراً شاملاً تقع وطأته الأكبر على مدينة الفاشر، واجتياحاً للمحليات والبلدات في الإقليم المنكوب.
وشهدت محلية أم كَدَّادة بولاية شمال دارفور، التي تبعد أكثر من 100 كيلومتر شرق الفاشر، اجتياحاً متدرجاً نفّذته الدعم السريع لثلاثة أيام متّصلة منذ العاشر من أبريل. وفي 13 أبريل الجاري أعلنت سيطرتها على المحلية. وبحسب بيان لـ «محامو الطوارئ»، قتلت الدعم السريع 52 مدنياً على الأقل، وأحرقت 900 منزل، ونهبت الممتلكات واقتحمت المستشفى المحلّي، واعتدت على المرضى وأعدمت أفراد الطاقم الطبي، فضلاً عن نزوح 3500 أسرة من المدينة، بحسب «منظمة الهجرة الدولية» التي أضافت أنّ 240 أسرة إضافية فرّت من أم كدادة، السبت، بسبب الاشتباكات بين الدعم السريع والجماعات القبَلية المسلّحة.
وتصدّت «قوات شوقارة»، التي ظلّت تسيطر على المدينة منذ فبراير 2024 وتقاتل إلى جانب الجيش، وتتخذ من مقرّ اللواء 24 مقراً للقيادة للهجوم، قبل أن تجتاح الدعم السريع أم كدادة بقوة أكبر وتنشر مقطعاً تُظهر فيه القبض على المدير التنفيذي للمحلية، وانتشاراً لقواتها أمام مقرّ الحكومة.
وأخبر صالح أبكر، أحد أبناء المدينة أن سُكّان أم كدادة قد دافعوا عن أوطانهم الصغيرة بشرف، وكانوا أبطالاً حقيقيين بحسب وصفه. ويضيف: «لم يكوّنوا جيوشاً منظّمة تمتلك وتتلقّى إمدادات عسكرية أو غذائية، وعلى مدار شهور طويلة، حاولوا إرسال رسالة مفادها: «دعونا نعيش حياتنا» واذهبوا لقتال الجيش، فمقرّاته معروفة، ولافتاته مرفوعة».
ووفقاً لشهود عيان، فإنّ الدعم السريع صادرت أجهزة ستارلينك قبل أن تُقْدِم على ارتكاب جرائم القتل والنهب والتهجير في حقّ مواطني أم كدّادة، وسط انعدام شبه تام للغذاء والدواء وغالب السلع الأساسية والضرورية وتعطّل خدمات المياه وصعوبة الحصول على الوقود والنقود.
وتكتظّ المحلية بالنازحين من مختلف المناطق المحيطة الذين فرّوا هائمين في أوضاع مأساوية بالغة السوء، اضطرّت معها بعض الأسر لتناول علف الحيوانات من أجل البقاء.
وقالت المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات في بيان تلقّته «أتَـر»، إنّ الدعم السريع طوّقت المدينة وقتلت عشرات من سكّانها وأصابت آخرين، وطال القتلُ المرضى والجرحى بالمستشفى «ونتيجة للقتل الجزافي والترويع، تفرَّق الأهالي بين الجبال والأودية».
ويقول محمد أبو الجود، من مواطني شمال دارفور، إنّ نازحي مدينة أم كدّادة قد اتجهوا صوب مدن الطويشة واللّعيت جار النبي، حيث امتلأت المدارس بالنازحين، إضافة إلى آخرين قادمين من محلية دار السلام والفاشر.
الفاشر: الشوارع تكتظّ بالنازحين، والتكايا تُوقِف عملها
بعد سيطرة قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين، ظلّت تُمارس أبشع الانتهاكات في حقّ المدنيّين بالمعسكر، ما اضطرّ قرابة 400.000 شخص للنزوح إلى داخل الفاشر التي ظلّت تواجه الهجمات المتتالية من الدعم السريع منذ إعلان القوات المشتركة فكّ الحياد في سبتمبر ونوفمبر 2023، مع حصار محكم من جميع الجهات، واشتداد في وتيرته بعد كلّ تقدّم جديد لقوات الدعم السريع نحو المواقع الاستراتيجية حول الفاشر.
انعكس سقوط مدينة أم كدّادة في قبضة الدعم السريع على الفاشر المنكوبة منذ أكثر من عام. وبعد سقوط معسكر زمزم فرّ بعض سكّانه سيراً على الأقدام تجاه مدينة طويلة التي تبعد عن الفاشر بنحو 50 كيلومتراً، وبعضهم إلى الفاشر.
ويعيش سكّان الفاشر والنازحون إليها أوضاعاً مأساوية إلى حد لا يوصف، بحسب شهود عيان داخل المدينة. فالفاشر، ومنذ قطع الطريق بينها ومعسكر زمزم، وإغلاق الطريقين الجنوبي والغربي، انعدمت فيها مقوّمات الحياة تماماً.
شحّت السلع الأساسية وانعدم النقد والوقود، ما أدّى إلى توقّف آبار المياه والطواحين التي تعمل بالمولّدات. وقد اضطرّت تكية الفاشر إلى طحن الدّخن بالطريقة التقليدية «الفُنْدُك»، وأعلن معظم القائمين على التكايا إيقاف عملهم بسبب انعدام النشويّات مثل المكرونة والأرز وهي كانت الوجبات الرئيسة التي تقدّمها التكايا للنازحين.
وصل سعر جركانة الماء إلى 2000 جنيه وسط انعدام النقد، وتوقّفت معظم تناكر المياه التي لم تعد تظهر في الشوارع خوفاً من التدوين المدفعي تجاه المدينة ومن المُسيّرات التي صارت تغطي سماء الفاشر.
عدد مقدَّر من نازحي زمزم ممّن وصلوا راجلين إلى الفاشر، تحدّثوا عن رفاقهم الذين ماتوا في الطريق عطشاً ومنهم كبار سنّ لا يستطيعون قطع هذه المسافة مشياً، إضافة إلى الجرحى الذين فارقوا الحياة بسبب النزف. وقال شاهد عيان إنّه حتى الذين استطاعوا الوصول إلى الفاشر، فإنهم الآن يفترشون الأرض، يجلسون في العراء ولا منازل تأويهم، والمُسيّرات تحلّق فوقهم، والتدوين يوميّ وعشوائيّ، ولا أحد يستطيع تحديد أيِّ حي من الأحياء له النصيب الأكبر من القذائف. وقد تحدّثت شاهدة عيان بجنوب غرب الفاشر عن سقوط قذيفة على أسرة قادمة من معسكر زمزم أدّت إلى مصرع الأسرة بأكملها ودابّتهم.
أربع تكايا فقط تعمل داخل الفاشر، بحسب أحد المتطوّعين، ولا تستطيع تقديم سوى وجبة البَليلة. أما النساء والأطفال وكبار السنّ من نازحي زمزم يعيشون وضعاً بالغ الصعوبة، بسبب طول الطريق نحو المدينة، ومطاردة قوات الدعم السريع لهم، ما أدّى إلى مقتل العديد منهم ووصول البقية دون حصولهم على خدمات من أي جهة.
واكتظّت شوارع الفاشر وساحاتها وأزقتها بالنازحين الذين لا يملكون سوى ما يلبسون، وأعلنت معظم منظّمات المجتمع المدني توقّفها عن العمل بشمال دارفور، وتحديداً الفاشر، بعد ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية بالمدينة ومحلّياتها المجاورة.
فضلاً عن ذلك، أطلقت قوات الدعم السريع أمس قذائفها المدفعية على منطقة السوم بمدينة الفاشر. وقد استهدف التدوين آبار المنطقة على الرغم من أنها معطّلة بسبب شحّ الوقود اللازم لتشغيل الطلمبات، ما ألحَقَ أضراراً طالت حتى الدوابّ.
انعدمت الأدوية في الصيدليات العامة والخاصّة، وارتفع سعر الموجود منها إلى الضِّعف. ضاقت الفاشر الواسعة بالمواطنين والنازحين الجدد، وقلّت الحركة تماماً إلا في ساعات محدّدة وعلى مساحات ضيقة. أصبحت عربات «الكارّو» هي وسيلة المواصلات المتاحة بعد انعدام الوقود، لكن حتى الدوابّ لم تسلم من التدوين، ففي كل يومٍ يموت عددٌ من الحمير جرّاء القصف المدفعي على أماكن تجمّعات المواطنين والأسواق.
شمال جبل مَرّة: نزوح الآلاف، ووضع إنساني كارثي
استقبلت محلية روكيرو، الواقعة شمال جبل مرّة وتبعد عن الفاشر حوالي 100 كيلومتراً في الجنوب الغربي منها، في الفترة ما بين 3 و16 أبريل الجاري 279.560 نازحاً فارّاً من القتال الدائر في الفاشر، بينما كان مئات الآلاف من النازحين قد وصلوا إلى المنطقة منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، وجميعُهم في حاجة ماسّة إلى خدمات الطوارئ، بما في ذلك الغذاء والماء. ولا يزال تدفّق النازحين على المنطقة مستمرّاً وفقاً لمعلومات حصلت عليها «أتَـر» من الناطق باسم تنسيقية النازحين واللاجئين آدم رجال.
وعلمت «أتَـر» أنّ معظم النازحين الذين وصلوا إلى المنطقة هم من النساء والأطفال والشيوخ، ويُواجهون مصيراً مجهولاً بعد أن تقطّعت بهم سُبل الحياة، ويَحتاجون على نحو عاجل إلى مياه الشرب والطعام، والدواء.
ووصل النازحون بعد بذلهم جهوداً مضنية، سيراً على الأقدام وعلى ظهور الدوابّ، ويُعانون من مصاعب عديدة بعد رحلة نزوح امتّدت لأيام، وفقاً لآدم رجال، الذي قال لـ «أتَـر»، إنّ موجات النزوح الجماعي بأعداد كبيرة لا تزال مستمرة.
ولا يزال بعض النازحين الذين وصلوا إلى مناطق سيطرة حركة عبد الواحد محمد نور يُعانون من آثار المضايقات والاعتداءات التي تعرّضوا لها، ووصل كثير منهم دون أي ممتلكات شخصية ولا أموال.
وأكّد آدم رجال أنّ الغالبية منهم يعانون من الجوع والعطش والمرض، فضلاً عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت عليهم من قبل أطراف الصراع، وتشمل القتل المباشر، ومنعهم من مغادرة المعسكرات في وقت مناسب قبل اشتداد المعارك، وتجريدهم من ممتلكاتهم، وضربهم بالسياط، واحتجازهم، أو اتهامهم بالتعاون مع طرف أو أكثر من الأطراف المُتحاربة.
وقال مصدر بمحلية رُوكيرو، إنّ المجتمعات المحلية، والسُّلطة المدنية التابعة لحركة تحرير السودان، والمنظمات الخيرية على قِلّتها، تبذل جهوداً حثيثة لمساعدة الضحايا، واستقبال النازحين الجدد وتزويدهم بمياه الشرب، ونقل المرضى والجرحى. إلا أنّ الوضع في غاية الصعوبة، حيث لقي بعض النازحين حتفهم عطشاً وجوعاً ومرضاً وبالصدمات النفسية.
وبحسب رُجال، فإنّ النازحين قد وصلوا من مدينة الفاشر، ومعسكرات زمزم، وأبو شوك، وأبوجا، إضافة إلى شقرة وأم هجاليج، ومناطق أخرى حول الفاشر، وبعضهم عالقون في مناطق تماس الاقتتال بين شقرة، قولو، دبّة نورة، سلومات وحتى منطقة طويلة.
وبلغ عدد المعسكرات التي أنشِئَت في مناطق فُنقة وروكيرو وطويلة أكثر من 17 معسكراً، ويُتوقَّع أن يرتفع العدد في غضون الأيام المقبلة في ظلّ وصول مزيد من الفارّين من الموت.