
لقد كانت لقرار حكومة الولايات المتحدة الذي اتخذته أخيراً بتعليق برامج المعونة الأجنبية تداعياتٌ؛ انعكست على نحو ملموس على كثيرٍ من البلدان النامية. ولم يكن السودان معزولاً عن هذا الأثر، فقد تضرَّرت جرَّاءه القرار عمليات تقديم المساعدات الإنسانية خاصةً.
تُشير تقارير صادرة عن وسائل إعلام إقليمية ودولية، إلى أنّ تعطيل برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قد عاقَ استمرار عمليات المئات من غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية، التي يعتمد عليها كثيرٌ من السودانيين مُتلقِّي الاحتياجات الأساسية للمعيشة.
وتُبيِّن عمليات الرّصد عبر الإنترنت للخدمات التي يديرها المجتمع في السودان، زيادةً ملحوظةً في توقف الخدمات الضرورية وتعطّلها، بما في ذلك توزيع المساعدات الغذائية والرعاية الصحية. ورغم أنّ هذه الاختلالات لم تكن وليدة لحظتها، إلا أنّ وتيرتها قد تسارعت في الشهور القليلة الماضية، لتُثقل كاهل الوضع الهشّ أصلاً بمزيد من الضغط.
لا يَزال من الصعوبة بمكانٍ تقييمُ الأثر الكامل لانسحاب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من برامج عملها في السودان، وتُعزَى هذه الصعوبة إلى نقص البيانات الميدانية الشاملة. لكن مع ذلك، من الممكن تقدير مدى هذا الأثر من خلال النظر في ميزانية الوكالة وحجم تدخّلها في البلاد. تُنفَّذ برامج الوكالة في السودان عبر منظّمات المجتمع المدني وشركاء محليين ودوليين، وبالتعاون معهم، وقد خُصِّص مبلغ 605 ملايين دولار لغرف الطوارئ في العام 2024 حسب البيانات الرسمية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الاضطرابات التي تَعُوق عمل الخدمات المُدارة من قِبل المجتمع تزيد مخاطر المجاعة والوفيات التي يمكن تفاديها، لا سيّما بين أكثر الفئات المجتمعية هشاشةً بالبلاد، سواءٌ أكانت هذه الفئات من النازحين أم العالقين في مناطق الصراع. ومن ثمّ، فإنه لَمسعىً حميدٌ التفكيرُ في الاضطرابات الحالية والمتوقّعة، مع التركيز على تحسين قدرة الأنظمة على الصمود؛ والتي من خلالها تستطيع المنظمات المجتمعية تقديم خدماتها.
ليست موثوقة، وليست مستدامة
لطالما حفلت النقاشات حول التنمية بالتشكيك في مخصّصات ميزانية التنمية الدولية والمساعدات المقدَّمة من الجهات المانحة والمنظّمات مُتعدِّدة الأطراف، حتى قبل إيقاف الوكالة الأمريكية أخيراً.
أشرنا في تقرير نشرته «أتَـر»، قبل سنةٍ من الآن، إلى كيفية تأثير عدد من العوامل الجيوسياسية على تخصيص الميزانيات، ما يجعل الاعتماد على التمويل الخارجي مُخاطرةً حقيقية تُلقي بظلالها على استدامة تقديم الخدمات المجتمعية.
إن هشاشة تقديم الخدمات المعتمدة على الدعم الخارجي من غير السودانيين، وبالأخصّ الدعم من قِبل المانحين التقليديين والمنظّمات الدولية ومتعدّدة الأطراف، تمتدُّ لما هو أبعد من خطر الإغلاق المفاجئ. في مقابلات أُجريت مع أعضاء غرف الطوارئ بهدف مناقشة استدامة التمويل بشأن الخدمات، أشار العديد منهم إلى أنّ اشتراطات المانحين ومتطلّباتهم غالباً ما تمثل عائقاً لتطوير حلول أكثر استدامةً.
وفي بعض الحالات، أدّى التمويل الخارجي للمشاريع المُصمَّمة مجتمعياً إلى تقويض استدامتها. ومن بين الأمثلة البارزة في هذا الصدد، مشروعٌ تعاونيّ نسائيّ في الخرطوم، صُمِّمَ ونُفِّذ في بادئ الأمر من قِبل إحدى غرف الطوارئ، وقد حقَّق نجاحاً في تقديم الخدمات، وكان يعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على الاكتفاء الذاتي؛ إلا أنّه، بعد أن تلقَّى تمويلاً خارجياً عبر إحدى المنظمات المحلية غير الحكومية، واجَه المشروع متطلّبات جديدة تتعلق برفع التقارير والتنظيم، بما في ذلك تقليص عدد الأعضاء في كلّ وحدة، والاكتفاء بتقديم تقارير بدلاً من عقد اجتماعات للمجموعة، فضلاً عن استبدال الإدارة الذاتية بالإشراف الخارجي.
إلى هذا، واجهت العديدُ من المشاريع تحدياتٍ مُماثلة. ففي الوقت الذي قد تكون فيه هذه التغيّرات قد أدّت إلى بعض التحسُّن في الإجراءات البيروقراطية؛ إلا أنها أثّرت سلباً على مبادئ الشفافية والمحاسبة وإحساس المشاركين بملكية تلك المشاريع، ما أفضى في نهاية المطاف إلى انهيار العديد من التعاونيات. ويمكن القول إنّ إيقاف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يُعدُّ أحدثَ اضطرابٍ في نظام يُعاني أصلاً من عدم الاستقرار والهشاشة وانعدام الاستدامة. وإنه لعبءٌ إضافيّ يقع على عاتق منظِّمي المجتمع المحلي والقائمين على إدارة الخدمات المجتمعية – مثل غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية ومبادرات أخرى مشابهة – الذين أصبح لزاماً عليهم وَضْع هذه الحقيقة نصب أعينهم عند التخطيط واستكشاف سبل استدامة الخدمات الحيوية التي يقدّمونها.
حتى وإن وَفَّرَتْ المساعدات الخارجية، سواءٌ أكانت من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أم غيرها من الجهات المانحة، تمويلاً كبيراً للمجتمعات التي هي في أمسّ الحاجة إلى الموارد، إلا أنّ ذلك لا ينبغي أن يُغفل المخاطر والشكوك التي ترافق الاعتماد على المساعدات. قد يكون الانخراط مع المساعدات الدولية استراتيجيةً صالحةً لتأمين الدعم الفوري، لكن لا بدّ من التعامل معها بشيء من الحذر، ويتعيّنُ أن تستند جميع التعاملات مع وكالات المساعدات والتنمية، أو قرارات غض ّالطرف عنها، إلى إدراكٍ لطبيعتها غير الموثوقة. لذا فإنّ هشاشة النظام تتطلَّب أن يتحلَّى منظِّمو المجتمع بالمرونة، وأن يعملوا بنشاط لمواجهة الممارسات غير المستدامة التي تقوم عليها نماذج التمويل القائمة.
نهاية إنكار القوة الناعمة
لطالما كان دَور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وما ماثلها من وكالات، بوصفها أدوات للقوة الناعمة تخدم المصالح السياسية والاقتصادية لحكوماتها، موضوعاً للدراسة والبحث، لدرجة أن الإغلاق الأخير للوكالة قد دفع ببعض المُؤيّدين لهذا النموذج داخل الطبقة الأمريكية الحاكمة ودوائرها الفكرية إلى التعبير عن هذه الأداة على نحو جليّ، باستخدامها مبرّراً لاستمرار عمل الوكالة. فعلى سبيل المثال، شدَّدَ عضو مجلس الشيوخ كريس كونز، في خطابٍ أدلى به أمام مجلس الشيوخ في 30 يناير، على أنّ «المساعدات الخارجية ليست عملاً خيرياً، ولكنها استثمار يُعزِّزُ اقتصاد (الولايات المتحدة) وأمنها». وكريس كونز هو شخصية بارزة في تشكيل سياسة الولايات المتحدة نحو السودان، وشغَل دَور الراعي المُشارِك لقانون الانتقال الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية في السودان لعام 2020.
وبالمثل، نجد أن جوزيف ناي، العالم السياسي الذي صاغ مصطلح «القوة الناعمة» في ثمانينيات القرن الماضي، ليصف به قدرة الدول على التأثير على دول أخرى عبر قوة الجذب، وهو أيضاً مؤسِّس النظرية النيوليبرالية للعلاقات الدولية؛ قد كتب مقالاً نشرته صحيفة «الفايننشال تايمز» في الآونة الأخيرة بعنوان «ترامب ونهاية القوة الناعمة لأمريكا». عرَض جوزيف في المقال وجهة نظره حول العلاقات الدولية بوصفها ساحةً لصراعات القوة، مسلّطاً الضوء على دَور وكالات مثل دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في توسيع نفوذ الولايات المتحدة وخدمة مصالحها على المستوى العالمي.
يتّسق هذان التصريحان مع واقع البلدان التي قد تلقّت، لعقود من الزمان، المعونة الأمريكية مقرونةً بتأثير الولايات المتحدة الكبير على تشكيل السياسات المحلية لتلك البلدان.
إنّ ردّ فعل ذلك التيار من الطبقة الأمريكية الحاكمة، الذي يُنافح عن نهج القوة الناعمة، بغرض الحفاظ على الإمبريالية الأمريكية، بمقارنته مع تلك التيارات التي تُفضّل انتهاج طريقة أكثر مباشرةً وتبادلية؛ قد أكَّد على صحة حجج نُقّاد الجنوب العالمي. فلطالما أكّد المنظور الذي يتبناه الجنوب العالمي عبر السنين كيف أنّ الاعتماد على المساعدة يُقوِّض السيادة الوطنية. وما الجدل الحالي داخل دوائر النخبة الأمريكية الحاكمة إلا إعادة تأكيد لهذه المخاوف المزمنة.
ومن المُهمِّ كذلك الإقرار بأنّ مَواطن القصور والفجوات في أدوات الولايات المتحدة لتحقيق مراميها الإمبريالية قد أوجدت، في بعض الأحيان، فرصاً لتوجيه تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نحو مشاريع خلّفت أثراً إيجابياً ملموساً على المستفيدين منها. وتتجسّد على نحو واضح مثل هذه الأمثلة في بلد مثل السودان، إذ إنّ بُعدَه عن مركز نفوذ الولايات المتحدة، وضعف الاهتمام به، وقلة الموارد المُخصَّصة له؛ قد هيّأت له تمتَّعَ ببعض النتائج ذات الفائدة.
ومع أن هذا الوضع قد يفتح المجال أمام فرص للاستفادة البناءة من المساعدة الخارجية التي تُقدّمها الولايات المتحدة وغيرها، فإن أي مقاربة من هذا النوع يتعيَّن أن تخضع لتقييم دقيق، مع الوضع في الاعتبار المصالح الجيوسياسية للجهات المانحة في كل تعاون مُحتمل.
وعلى رغم ذلك، لم يعد من الممكن إنكار الاستخدامات السياسية للمساعدات الدولية ووكالات التنمية. وإذا لم تمثل الشواهد التاريخية والتجريبية أدلة كافية، فإن ردود فعل الطبقة الأمريكية الحاكمة تجاه إغلاق الوكالة لدليل لا يمكن دحضه حيال هذه الحقيقة.
مزيدٌ من الاضطرابات في الأفق
لقد باتت مخاطر الاعتماد على المساعدات الدولية ووكالات التنمية جلية من خلال فحص نقدي لتاريخ هذه الوكالات وللمصالح الاقتصادية والسياسية للحكومات التي تدعمها. لذلك، فإن قرارات منسقي تمويل الخدمات المجتمعية – مثل غرف الطوارئ والمطابخ الجماعية – بالانخراط مع الوكالات الدولية، يُمكن أن تخدم المستفيدين على نحو أفضل إذا ما استندت إلى وعي تاريخي وسياسي. وتعد هذه المقاربة ذات قيمة في التعامل مع تدخلات المساعدات الدولية ومع جميع الجهات الفاعلة التي تتعارض مصالحها مع مصالح الفئات المستفيدة من الخدمات المجتمعية.
وعند تطبيق هذا المنهج، تتكشّف تحدّيات إضافية، قد تَعوق العمل الحيوي لهذه الخدمات المجتمعية. ويأتي طرَفَا الصراع على رأس هرم تلك التحديات، إذ تتعارض مصالحهما مع مصالح عامة الشعب. وتهدف كلتا المجموعتين إلى تأسيس أنظمةٍ من شأنها أن تمارس العنف الاقتصادي والمباشر، بما يسمح باستخراج الثروات من الموارد العامة لمصلحة فئة صغيرة من النخبة، قد تختلف مكوّناتها قليلاً من طرف إلى آخر.
حريٌّ بالقول إنّ نماذج حكم بهذا المفهوم للاستغلال، لا يمكنها التعايش مع تنظيم مجتمعي قائم على قيمٍ تُعلي من شأن الحياة والحقّ في الخدمات الأساسية. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة، أن تغيُّر السيطرة على مختلف المناطق في البلاد غالباً ما يَتَرَافَقُ مع هجمات تشنُّها فصائل مسلّحة من طرفي الصراع ضدّ منظّمي الخدمات المجتمعية.
وعلاوة على ذلك، ففي المناطق التي يُحْكِمُ أحدُ الطرفين سيطرتَه عليها، دائماً ما يسعى ذلك الطرف إلى السيطرة على هذه الخدمات أو تفكيكها، إما عبر الهيمنة المباشرة أو باستخدام العنف المباشر، أو بالأسلوبين معاً.
وتُعدُّ هذه الأفعال امتداداً منطقياً لسلوك طرفي الصراع أثناء شراكتهما السابقة في الحكم، سواءٌ أكانت قبل انقلاب أكتوبر 2021 أم بعده، حينما بذَلَا جهوداً كبيرة لقمع أشكال مختلفة من التنظيم المجتمعي – مثل لجان المقاومة – باستخدام العنف أو الاستيعاب القسري. وينبغي في هذا المنحى، أن يأخذ المنظِّمون المجتمَعيّون هذا السياق مصالح طرفي النزاع في الاعتبار، لا سيّما مع ما يشهده البلد من تغيّرات كبيرة في السيطرة على الأراضي. فمثل هذه التحوّلات تنطوي على مخاطر بتصعيد حملات القمع في المناطق التي كانت تُقَدَّمُ فيها الخدمات المجتمعية سابقاً. ولا بدّ من التعامل مع هذه المخاطر بجدّية، خاصةً وأنّ الحاجة إلى الخدمات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، ستظلُّ قائمةً حتى بعد فرض السيطرة العسكرية. ويشكّل تعطيل هذه الخدمات تهديداً مباشرة لسُبل عيش الناس ورفاههم.
ومن الضروري تعزيز قدرة الخدمات المُدارة مجتمعياً على الصمود في وجه التهديدات المُحتمَلة. وعليه، فإنّ أي تعديل على طرق عملها لا بدّ أن يُسهم في زيادة استدامتها مادياً وسياسياً؛ إذ يمكن تعزيز الاستدامة على نحوٍ كبيرٍ من خلال استكشاف نماذج ذات موثوقية أعلى وأقلّ هشاشة. على سبيل المثال، يمكن للمبادرات التي تُنظِّم المتبرِّعين في المهجر ضمن مجموعاتٍ تقدمِّ تبرُّعات صغيرة مُنتظمة، أن تزيد من موثوقية التمويل، وتُتيح مجال للتخطيط لمدى أبعد. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق استدامة فعلية، إلا عندما تكون هذه الخدمات مُتجذّرةً بامتلاك المجتمع المحلي لأدوات إنتاجه.
ورغم أنه من السهل تصوُّر نموذجٍ يَجمع بين مساهمات المغتربين وتوفير فرص عمل للمجتمعات المُتضرِّرة من الحرب، إلى جانب تقديم الخدمات، فإنّ جدوى وتفاصيل تنفيذ مثل هذا النموذج تتطلَّب فهماً أعمق للديناميات العالمية والظروف المحلية، واستكشافاً ميدانياً على أرض الواقع. ولا يُمكن أن تنجح هذه الجهود، إلا من خلال المنظِّمين المحليِّين وبالتعاون معهم. وتُعدُّ هذه المساعي ضروريةً إذا كُنّا نطمح إلى دفع الخدمات المجتمعية نحو قَدر أكبر من الصمود المادّي والاستدامة.
ومن الواضح أنّ صمود الخدمات المجتمعيّة يَعتمد أيضاً على تملُّك فهمٍ نقديٍّ للمصالح السياسية للجهات الخارجية الفاعلة، هذا فضلاً عن فهم مصالح المستفيدين أنفسهم. إذ تُعدّ الفئات الأكثر حرصاً على نموّ هذه الخدمات وحمايتها هي المستفيدة منها نفسها. ولذلك، فإنّ حماية هذه الخدمات تتطلّب تنظيم المستفيدين وإشراكهم في العمليات واتخاذ القرارات، بما يعمّق من جذورها المجتمعية.
تُظهِر العديد من الأمثلة داخل غرف الطوارئ ودُور الإيواء والمطابخ الجماعية مُشاركةَ المستفيدين كلياً أو جزئياً في الجمعيات العامة أو الفرق التشغيلية أو اللجان التوجيهية. وينبغي دراسة هذه الممارسات وتوثيقها ونشرها، وتكرار النماذج الناجحة منها، لما لها من دَور في تعزيز قدرة الخدمات على الصمود في وجه الضغوط الأمنية المتزايدة. فالمجتمع المُنظَّم، الذي لديه مصلحة مباشرة في حماية هذه الخدمات، يكون أكثر قدرة ًعلى مقاومة محاولات الاعتداء عليها أو احتوائها.
من شأن هذه الفرضية أن تكون صحيحة بوجهٍ خاصّ، عندما تُوجَّه جهود التنظيم المجتمعي برؤية سياسية قائمة على الحقوق، وواضحة المعالم، ومُتجذّرة بالفعل في نماذج الخدمات المجتمعية، إلى جانب إجراء التحليلات المُستندة على الأدلة في ما يتعلَّق بمصالح الجهات الفاعلة الأخرى.
تُعتبر الخدمات المجتمعية شريانَ حياةٍ لبعض الفئات الأشدّ هشاشةً في السودان، كما أنها تُشكِّلُ مساراً نحو تنظيمٍ قاعديٍّ يُعزِّزُ القدرة على الصمود، ويُقلِّلُ من احتمالات نشوب مزيد من الصراعات.
ينبغي أن يُوضَع تعزيز الحماية والقدرة على الصمود موضع الأولوية، على أن تستند هذه الجهود إلى أدلةٍ وتحليل سياسي نقدي. ويتطلَّب ذلك تعميق الجذور المجتمعية لمبادرات التنظيم الناجحة، واستكشاف نماذج تمويل مستدامة تخضع لسيطرة المجتمع المحلّي. أما حماية هذه الخدمات من الاضطرابات الخارجية، فتعتمد على تقوية صمودها السياسي والمادّي من الداخل، وهو أمر له تبعات عميقة على سُبل عيش السكّان في السودان وعلى رفاههم العام.